الإمام البخاري بين إجلال المحبين وطعن الغاوين – خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

اقتباس

إنهم لا يعرفون البخاري ولا رأوه ولا قابلوه، وربما لا يعرفون اسمه ولا كنيته ولا أين ولد ولا أي شيء عنه، وليست بينهم وبينه أي عداوة شخصية ولا أي علاقة من أي نوع... لكنهم إنما يطعنون فيه -لا لينالوا منه هو- وإنما لينالوا مما جمع من سنة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسـلم-، فالمقصود بالهجوم هي السنة النبوية المشرفة...

 

وقفت ذبابة ضئيلة على طرف جريدة نخلة عملاقة، وبعد لحظات صاحت الذبابة بصوت مزعج -من سمعه لا يتخيل ضآلة من أطلقته- فقالت: "تمسكي أيتها النخلة بالأرض وتشبثي بما حولك حتى لا تسقطي فإني راحلة عنك"، وعندها أجابتها النخلة في ثقة وعدم اكتراث: "أيتها الذبابة، غادري أو لا تغادري؛ فوالله ما أحسست بك وأنت تقفين فكيف أشعر بك وأنت تغادرين!".

 

وكيف لذبابة تافهة حقيرة أن تزلزل نخلة باسقة ثابتة شامخة!

 

أما هذا الصرصور فقد أغاظه أن رأى ضخامة ذلك الجبل الشاهق مع تفاهته هو وضآلته، لذا فقد أزمع أن يحفر في أصل الجبل ليسقط الجبل منهارًا متبددًا، فيقول الناس: إن الصرصور القوي قد هدم الجبل! وبدأ يحفر ويحفر ثم يحفر ويحفر وبعد أن أفنى عمره صانعًا ذلك نظر إلى ما أحدث في الجبل فإذا به يدرك أنه ما أثَّر في الطود الأشم شيئًا ولا فعل شيئًا إلا أن كلت ذراعاه!

 

كناطح صخرة يومًا ليوهنها *** فلم يُضِرْها وأوهى قرنه الوعل

 

***

 

إن حال هذه الذبابة وهذا الصرصور لا يختلف كثيرًا عن حال كل من يحاول أن يطعن في إمام المحدثين وآية الخالق في العلم والحفظ والدراية؛ ذاك هو الإمام البخاري، فما بين حين وحين يطلع علينا جاهل متعالم أو خبيث ماكر أو مأجور تافه فيحاول النيل من مكانة الإمام البخاري، فوالله ما يضر إلا نفسه ولا يؤذي إلا نفسه؛ إذ تسقط مكانته عند الناس ويزدريه علماء الأمة ومخلصوها، مع ما يحيق به من غضب الله ومقته لأنه -في الحقيقة- يطعن في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-.

 

***

 

ولنا هنا سؤلان لا بد لنا من إجابات عليهما لنكون على بصيرة وهدى وفهم لما يحدث حولنا.

أما السؤال الأول: هؤلاء الشانئون للبخاري والمهاجمون له، هل بينهم وبين الإمام البخاري عداوة شخصية حتى يهاجموه ليلًا ونهارًا؟!

والإجابة: إنهم لا يعرفون البخاري ولا رأوه ولا قابلوه، وربما لا يعرفون اسمه ولا كنيته ولا أين ولد ولا أي شيء عنه، وليست بينهم وبينه أي عداوة شخصية ولا أي علاقة من أي نوع... لكنهم إنما يطعنون فيه -لا لينالوا منه هو- وإنما لينالوا مما جمع من سنة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسـلم-، فالمقصود بالهجوم هي السنة النبوية المشرفة، يريدون أن يسقطوها ويبطلوا حجيتها ويشككوا المسلمين فيها، ويقولون كأسلافهم من كل فاجر فاسق: نستغني عنها بالقرآن ولا حاجة لنا إليها مع وجود القرآن!

 

أقول: إنكم -أيها الجاهلون- لم تأتوا بجديد، وإنما سبقكم الجهلة والكائدون في كل عصر من العصور، نعم؛ سبقكم فُجَّار كل عصر حيث قالوا: إن الكلام يختلط وإن الذاكرة تخون فكيف لنا أن نثق بكلام مرت عليه قرون كثيرة؟!... وكاد العوام أن يسلموا لهم، إلا أن الله قيَّض للأمة الإمام البخاري ومن سبقه ومن تلاه من ألف بخاري، قيَّضهم لينقحوا السنة فيغربلوها من كل دخيل ويوثقوا أسانيدها وينقدون رجالها ويضعوا علم مصطلح الحديث، ذلك العلم الذي تفردت به أمتنا عن سائر الأمم.

 

فلما رأى الطاعنون في السنة ذلك المتصدي لهم الحائل بينهم وبين بلوغ مرادهم من هدم السنة كخطوة نحو هدم الدين كله، أقول: لما قام لهم البخاري لم يكن أمامهم من خيار إلا أن يسقطوه ويحاولوا تدميرهم!! لكنه رجل حفظ الله به سنة نبيه -صلى الله عليه وسـلم- فأنى لهم أن ينالوا منه.

 

***

 

والسؤال الثاني: لماذا يهاجمون الإمام البخاري بالذات؟ نعم، إن كان المقصود هو هدم السنة النبوية نفسها، ولم يكن بين الطاعنين وبين البخاري أي عداوة شخصية، ولم يكن البخاري وحده هو حامل السنة الوحيد ولا وحده من يدافع عنها، بل الحاملين للسنة المدافعين عنها كثير لا يحصيهم عدد، فلماذا يشنون الحملة ويركزون الهجوم ويكيلون الطعون -في الغالب- للإمام البخاري وحده؟!

والإجابة: لأنه قائدهم وأقواهم ولأنه أثبتهم أشهرهم ولأنه أصحهم... وقد جرت عادة الناس أنك إن عاديت قومًا فأردت هزيمتهم فإنك تعمد إلى أشدهم بأسًا، فإن غلبته فأنت على غيره أقدر، وإن غلبته تساقط من دونه قوة وبأسًا، لذا فإنهم يبدؤون بالبخاري، آملين أن يسقطوه، فإذا فعلوا -لا نوَّلهم الله- كان من اليسير عليهم إسقاط صحيح مسلم ثم الترمذي والنسائي وابن ماجه وأبي داود وأحمد والحاكم والطبراني والبيهقي... وإذا قتل القائد تفرق الجند.

 

***

 

إخواننا: دعونا نقرر وننقل عمن من أحسن فقال: إن منزلة البخاري بين المحدثين كمنزلة أبي بكر الصديق بين صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-.

 

إخواننا: إنها جولة في المعركة الدائمة المستمرة بين الحق والباطل، جولة حذاري أن نكون فيها من المتخاذلين أو من الجبناء الساكتين، فإنها أمانة وضعها الله -عز وجل- في أعناقنا؛ أن نبين للناس ولا نكتم، وأن نجاهد باللسان وبالقلم وباليد، فكونوا من المجاهدين ولا تكونوا من القاعدين.

 

إخواننا: إن المرجفين في كل زمان ومكان قد اتفقوا فيما بينهم على كلمة سواء؛ ألا وهي: أن عدوهم الأول هو الإسلام، وألا يقر لهم قرار حتى يسقطوه، وأن يتعاونوا فيما بينهم على الإثم والعدوان لإزالة وإزاحة عدوهم المشترك؛ ألا وهو الإسلام.

 

فلنتعاون نحن معاشر الدعاة على البر والتقوى، لنطرح خلافاتنا جانبًا لنستطيع صد العدو المتربص بنا، لنتحد فإنهم يخشون اتحادنا.

 

إخواننا: لنحوِّل المحنة إلى منحة، فإن كانوا يطعنون في البخاري ليخدعوا الجاهلين ويشوهوه في عيونهم، فنعلِّم نحن الصغير والكبير الرجل والمرأة العامي والأمي والمثقف والجامعي الحرفي والأكاديمي... لنعلِّمهم جميعًا من هو الإمام البخاري، لنحفِّظهم سيرته ونوضح لهم نهجه في صحيحه "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه" الشهير بـ "صحيح البخاري"، لنحفِّظهم اسمه: "محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي"، ليشب الصغير منا وقدوته -بعد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وتابعيه- هو الإمام البخاري.

 

***

 

ومساهمة منا في هذا الموقع المبارك في صنع هذا، فإننا نهديكم هذه الباقة من الخطب المنبرية القيمة التي تنبَّه أصحابها إلى الخطر قبل أن ننتبه نحن إليه، نسأل الله أن يجعلها لكم عونًا في الرد عن عرض الإمام البخاري، بل في الذود عن حياض سنة الحبيب النبي -صلى الله عليه وسـلم-، بل في المنافحة عن دين الإسلام جملة وتفصيلًا، فنفعكم الله بها.

 

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
العنوان
الإمام البخاري وكتابه ‘الصحيح‘ 2015/09/13 5048 418 54
الإمام البخاري وكتابه ‘الصحيح‘

أمير المؤمنين في الحديث؛ أبو عبدالله محمد بن إسماعيل الجُعْفي مولاهم البخاري -رحمه الله تعالى- ورضيَ عنه.. كان يصاحب أقرانه إلى المشايخ لأخذ الحديث، وهم يكتبون وهو لا يكتب، ويأمرونه بالكتابة فلا يكتب، فلما ألحُّوا عليه؛ قرأ عليهم ما كتبوه عن ظهر قلب، فزاد على خمسة عشر ألف حديث.. ونقل عن قتيبة بن سعيد قوله: "جالستُ الفقهاءَ والزهَّاد والعبَّاد، فما رأيتُ منذ عقلتُ مثلَ محمدٍ بن إسماعيل، وهو في زمانه كعمر في الصحابة"[19].

المرفقات

الإمام البخاري وكتابه الصحيح.doc

المرفقات
بوست032-الإمام-البخاري-01.jpg
بوست032-الإمام-البخاري-02.jpg
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life