عناصر الخطبة
1/دعوى وظلم الإسلام للأطفال 2/بعض مشاكل الطفولة في بعض البلدان الإسلامية 3/بعض الردود الشرعية على دعوى هضم وظلم الإسلام الأطفالاهداف الخطبة
اقتباس
الرد على مقولتهم في أن الابتلاء يكفر الذنوب، والأطفال لا ذنب لهم، فمن وجوه متعددة:1ـ إن أطفال غير المسلمين ليسوا بمنأى عن الإصابات والابتلاءات، بل إن تنصلهم من التدين ما زادهم في أطفالهم إلا عنتا وضنكا، فتفشت فيهم الأمراض الفتاكة، والأخلاق المنحرفة، وحُرموا لذة العيش الحقيقية تحت أحضان الآباء والأمهات، الذين...
الخطبة الأولى:
تعددت شبه الطاعنين في وسطية الإسلام، وتنوعت سهام الرامين حقيقة دين الإسلام، وصفاءه، وهديه.
ولقد عالجنا جملة من هذه الشبه التي استهدفت كتاب الله تارة، فرمته بالتناقض، والبعد عن الواقع، وتناولت سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تارة أخرى، واتهمتها بالتخلف، وتقصدت رموز المسلمين تارة ثالثة، فنفثت في سيرتهم سموم التكذيب والتزيد.
ونحط الرحل اليوم -إن شاء الله- عند إحدى غرائب هذه الشبه، التي يَعجب لها كل من له عقل أو فكر، وهي ادعاؤهم: أن ديننا يظلم الأطفال، ويكلفهم ما لا يطيقون، ويعاقبهم وهم غير مكلفين.
ويحتجون لذلك بما أخبرنا به نبينا -صلى الله عليه وسلم-، من أن الأمراض تكفير للذنوب، وأطفالنا يصابون بالأمراض، والأوجاع، وصنوف الإعاقات العقلية والجسدية، وهم لا ذنب لهم يحتاج إلى تكفير.
ويرون أن ذلك من أعظم المتناقضات في الإسلام.
وقبل أن نرد على هذا الزعم المهترئ: نقر بأن الطفولة في بلاد المسلمين تعاني عدة مشاكل صحية، ولقد بين آخر تقرير رسمي لوزارتنا في الصحة: أن 20 في المئة من أطفالنا وشبابنا المغاربة، يعانون من اضطرابات نفسية، من قبيل الاكتئاب، واضطراب المزاج، والاضطرابات السلوكية والمعرفية.
وأن نصف الحالات المرضية تبدأ في سن الرابعة عشرة.
وبين أن قرابة 50 في المئة من الفئة العمرية 15 سنة فما فوق، عرفت على الأقل اضطرابا نفسيا في حياتها.
وأن نسبة مهمة من هذه الشريحة الاجتماعية تتعرض يومياً لخطر التدخين والمخدرات.
وأن 16 في المئة من التلاميذ المتراوحة أعمارهم ما بين 13 و15 سنة يدخنون، و6 في المئة من الشريحة العمرية نفسها سبق لهم أن تناولوا مشروبات كحولية، و4 في المئة سبق لهم أن تناولوا مواد مخدرة، و4 في المئة من هذه الفئة حاولوا الانتحار مرة واحدة أو عدة مرات، ونحو 30 في المئة كانوا ضحية عنف، مما استدعى معالجة الحالات النفسية لأبنائنا بإحداث 32 فضاء لصحة الشباب، و20 مركزا مرجعيا للصحة المدرسية والجامعية، و30 مركزا للصحة الجامعية، وإدماج العيادات النفسية في 83 مؤسسة، وإحداث ستة مراكز لعلاج الإدمان.
والنموذج المغربي هنا يسحب على أغلب البلاد العربية والإسلامية، فإن ثلث أطفال العالم الثالث يفتقرون إلى المياه الصحية، و250 مليون طفل يعملون في الدول النامية، نصفهم يعمل بدوام كامل، بل إن 17 مليون طفل يموتون في العالم سنويا، بسبب الجوع وسوء التغذية.
أما الرد على مقولتهم في أن الابتلاء يكفر الذنوب، والأطفال لا ذنب لهم، فمن وجوه متعددة:
1ـ إن أطفال غير المسلمين ليسوا بمنأى عن الإصابات والابتلاءات، بل إن تنصلهم من التدين ما زادهم في أطفالهم إلا عنتا وضنكا، فتفشت فيهم الأمراض الفتاكة، والأخلاق المنحرفة، وحُرموا لذة العيش الحقيقية تحت أحضان الآباء والأمهات، الذين يرفضون بنسبة 60 في المئة أن ترتبط حياتهم الزوجية بعقد شرعي، حتى إنه سجل في إحدى الدول الغربية المتقدمة طفل من كل 3 أطفال يولد بصورة غير شرعية، وهذا أول تخطيط ظالم للأطفال قبل أن يولدوا.
وحتى المتزوجون، بلغ متوسط عمر الرجال المقبلين على الزواج منهم في إحدى البلدان الغربية سنة 2005، 36.2 سنة، وبلغت النسبة في أوساط النساء 33.6.
وفي بلد متقدم جدا، يوجد ما بين 45 إلى50 ألف من النساء والأطفال، يجري الاتجار بهم، و16 في المئة من الفتيات هناك بين 12و17 سنة يعانين من مشاكل ذات علاقة بالمخدرات، وحتى زعماء الدين الذين يسمون عندهم بالقساوسة، لم يسلموا من الفضائح الشذوذية على الأطفال، حيث تم نقل 167 قساً كاثوليكيا من مواقعهم الكنسية، بسبب تفجر فضيحة الاعتداءات الجنسية على الأطفال.
والحديث عن جرائم الاعتداء على الأطفال هناك لا تنتهي.
فكيف ينسبون مشاكل أطفالنا إلى ديننا، بينما هم يمارسون أفظع الاعتداءات بمحض إرادتهم؟
2ـ إن إصابة الطفل بالمرض، ليس عندنا من قبيل ظلمه وقهره، وإنما هو من قبيل الابتلاء الذي يَثقُل به ميزان حسناته، ويضاعَف له به الجزاء إن مات وهو طفل أو مكلف. وقد قضى عدل الله تعالى أن لا يظلم صغيرا ولا كبيرا مثقال ذرة، بل حتى الكافر يوفى له أجره في الدنيا، كما قال تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) [الشورى:20].
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لاَ يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً، يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ، فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُعْطَى بِهَا خَيْراً"[صحيح الجامع].
3ـ قد يكون هذا الابتلاء في الصغر سببا لتكفير الذنوب التي ترتكب في الكبر، فهو من قبيل تعجيل العقوبة، التي تمحض المسلم من الخطايا، وتُسلم إلى إحراز رضا رب العالمين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ، عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ، أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [صحيح سنن الترمذي].
4ـ إن مرض الطفل وابتلاءه، هو تكفير لذنوب والديه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ، فِي نَفْسِهِ، وَوَلَدِهِ، وَمَالِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ" [صحيح سنن الترمذي].
5ـ وقد تكون وفاة الطفل سبيلا لإدخال والديه الجنة، إذ أبناء المسلمين الذين ماتوا صغارا هم من أهل الجنة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ، يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا، فَلاَ يَتَنَاهَى حَتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ"[مسلم].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ، كَانَ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ، أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ"[البخاري].
6ـ وقد يعلم الله -تعالى- أن بقاء هذا المولود سبيل للإفساد في الأرض، فيعجل الله بموته، فيريح منه العباد والبلاد، كما في قصة الخضر الذي قتل الغلام، وعلل ذلك بقوله: (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا)[الكهف: 80–81].
أما مرجعهم الديني الذي يسمونه زورا وبهتانا ب"الكتاب المقدس"، فيقول: "كل من وُجِدَ يُطعَن، وكل من انحاش يسقطُ بالسيف، وتُحَطَّمُ أطفالهم أمام عيونهم، وتُنهَب بيوتهم، وتُفضَح نساؤهم".
ويقول: "طوبى لمن يمسكُ أطفالك، ويضربُ بهم الصخرة".
إذا لم تخش عاقبة الليالي *** ولم تستحف اصنع ما تشاء
الخطبة الثانية:
أما الابتلاء عند المسلمين، فهو في حقيقته نعمة، وليس نقمة، إذ الدنيا مطبوعة على الأكدار والمصائب؛ لأنها دار تمحيص وتخليص.
طبعت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأقذاء والأكدار
قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)[محمد: 31].
قال ابن كثير:" فتارة بالسراء، وتارة بالضراء".
وقال الإمام الشافعي في قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155].
قال: "والثمرات: موت الأولاد؛ لأن ولد الرجل ثمرة قلبه".
وهذا نبينا -صلى الله عليه وسلم- وهو أكرم الخلق على الله، ابتلي بفقد ابنه الأكبر، الذي لم يعش إلا أياما يسيرة.
ومات ابنه الطيب، وهو صغير.
كما ابتلي صلى الله عليه وسلم بفقد ابنه إبراهيم، الذي لم يزد عمره عن سنة وعشرة أشهر، وقال صلى الله عليه وسلم عند موته: "إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ"[البخاري].
وعند وفاته، كسفت الشمس، فقال الناس كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم فصلوا، وادعوا الله"[متفق عليه].
قال شيخ الإسلام: "فمن ابتلاه الله بالمر، بالبأساء والضراء، فليس ذلك إهانة له، بل هو ابتلاء وامتحان، فإن أطاع الله في ذلك كان سعيدا، وإن عصاه في ذلك، كان شقيا".
وقد تكون كثرة الابتلاءات في المال والولد، دليلا على محبة الله لك، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" [صحيح الترمذي].
إذا لم تستطع للرزء دفعا *** فصبرا للرزية واحتسابا
هكذا يعتبر المسلمون مصائبهم في أبنائهم، لا يتضجرون، ولا يتأففون، ولا يسخطون، بل يعلمون أن ما أصاب أبناءهم إنما هو بتقدير القادر الحكيم، الذي له مقاليد السماوات والأرض.
التعليقات