عناصر الخطبة
1/تأملات في نزول الأمطار 2/حكم نسبة الأمطار إلى الأسباب 3/من السنن النبوية عند نزول المطر 4/وجود تجنب المخاطرة عند السيول 5/اعتقاد خاطئ عند نزول الأمطار.اقتباس
فاتقوا الله وأضيفوا هذَا الخير إِلَى المنعم والمولي به، ولا تنسبوه إِلَى أسباب البشر؛ فإنهم يعلمون قليلاً، ويجهلون كَثِيرًا، والله -جَلَّ وَعَلَا- هو الَّذِي ينزِّل هذَا الغيث، هو الَّذِي ينزِّل هذَا المطر والغيث، وهو الَّذِي يُنعِم به، فقولوا بقلوبكم...
الخطبةُ الأولَى:
الحَمْدُ لله؛ الحَمْدُ للهِ الَّذِي أعاد مواسم الخيرات عَلَى عباده تترى، فلا ينقضي موسمٌ إِلَّا ويعقبه آخر مرةً بعد أخرى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شهادةً نرجو بها النَّجَاة والفلاح في هذِه الدنيا، وفي تلكم الدار الأخرى.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المُصطفى، ونبيه المُجتبى، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أولي الفضل والسبق والنهى، صلاةً وسلامًا أبدين دائمين ما تعاقب اَللَّيل وَالنَّهَار، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق التَّقْوَى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى، فإنَّ أجسادنا عَلَى النَّار لا تقوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا المؤمنون: هذِه أمطار الله، وَهذِه رحماته، تفيَّأت علينا بفضل الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وبإنعامه علينا وعليكم؛ لأنه -جَلَّ وَعَلَا- المتفضل بالإنعام وحده: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشورى: 28].
وبين يدي ذلك -يا عباد الله- أصغى من أصغى من النَّاس إِلَى نشرات الأحوال الجويَّة، وَإِلَى المتابعين للخرائط الفضائيَّة؛ فمنهم من ينسب المطر إِلَى النَّجْم الفلاني، فَقَالَ: هذَا "نجم الشولة" من نجوم "المربعانية"، وَهذَا مطره.
ومنهم من ينسبه إِلَى المنخفض الجوي الفلاني، منخفض السودان أو الهند. ومنهم مَن يشيره إِلَى الرياح الهابطة. ومنهم مَن يشيره إِلَى أسبابٍ أخرى غير ذلك.
وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "أربعٌ من أمور الجاهلية في أمتي لا يتركونهن"، وفي رواية: "لا يدعونهنَّ: الفخر بالأحساب، والطعن بالأنساب، والاستسقاء بالأنواء"؛ أي: نسبة نزول المطر إِلَى الأنواء وَالنُّجُوم، وَإِلَى الأبراج والكواكب، وَإِلَى الأحوال الجويَّة المختلفة.
والاستسقاء بِالنُّجُوم "والنياحة عَلَى الموتى"، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "والنائحة إذا لم تتب؛ تُقام يوم القيامة وعليها درعٌ من جرب، وسربال من قطران".
نعم -يا عباد الله- أنعم بهذه الأمطار والخيرات ربنا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ وفي الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجهني -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "صلينا مع النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- صلاة الغداة في الحديبية، عَلَى إثر سماءٍ كانت من اَللَّيل، فلمَّا انصرف -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- واستقبلنا بوجهه، قَالَ: "أتدرون ماذا قَالَ ربكم؟"، قلنا: الله ورسوله أعلم، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "قَالَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافر، فأمَّا من قَالَ: مُطرنا بفضل الله ورحمته؛ فذلك مؤمنٌ بي، كافرٌ بالكوكب، وَأَمَّا من قَالَ: مُطرنا بنوء كذا وكذا؛ فذلك كافرٌ بي، مؤمنٌ بالكوكب".
فاتقوا الله -عباد الله-، وأضيفوا هذَا الخير إِلَى المنعم والمولي به، ولا تنسبوه إِلَى أسباب البشر؛ فإنهم يعلمون قليلاً، ويجهلون كَثِيرًا، والله -جَلَّ وَعَلَا- هو الَّذِي ينزِّل هذَا الغيث، هو الَّذِي ينزِّل هذَا المطر والغيث، وهو الَّذِي يُنعِم به -سُبْحَانَهُ-، فقولوا بقلوبكم قبل ألسنتكم: مُطرنا بفضل الله ورحمته.
اللَّهُمَّ اجعله صيِّبًا نافعًا، اللَّهُمَّ اجعله صيِّبًا هنيئًا، نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشأنه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ذلكم الدَّاعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسَارَ عَلَى نَهْجِهِم، وَاقْتَفَى أَثَرَهُم، وأحبَّهم وذَبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: مع نزول هذِه الخيرات يُشرع لك -أَيُّهَا المؤمن- أن تدعو الله -جَلَّ وَعَلَا- وترفع إليه أكفَّ الضراعة، منكسرًا منطرحًا بين يديه، فقد ثبت أن الْدُّعَاء حال نزول المطر دعاءٌ مستجاب.
ومن ذلكم -يا عباد الله- شُكر الله وحمده عَلَى هذِه النعم، لا أن تُقابل بالكفران والجحود والعصيان.
ومن ذلكم -يا عباد الله- أن من النَّاس مَن يتقحَّم بنفسه وبأهله وسيارته الأودية، وهي تمشي في هذِه الخيرات، فيلقي نفسه بالتهلكة، فيعصي ربه أولاً، ويقتل نفسه ومن معه ثانيًا، ويعصي ولاة أموره ثالثًا، فاحذورا وحذِّروا، وانتبهوا من هذَا الطغيان، فإنَّه ضربٌ من ضروب الفسق بهذه النعمة.
واعلموا -عباد الله- أنَّ هذِه الخيرات والأمطار ليس العِبْرَة بكثرتها، ولا بقلتها، وَإِنَّمَا الشَّأن العظيم بما يطرح الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيها من البركة.
وَمِمَّا سار في اعتقادات النَّاس: أنهم إذا نزل المطر والغيث وأتبعه الله بالولي سألوا عن مقداره في حفره، أبلغ الكفَّ أو الكرسوع، أو بلغ الكوع أو التوسد، همهم بكثرته، ولا ينظرون إِلَى معنًى آخر هو المعتبر شرعًا في بركته، قَالَ نَبِيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "ليس السنة ألَّا تُمطروا، ولكن السنة أن تُمطروا، ثُمَّ تُمطروا، ولا تنبت الأرض شيئًا".
ثُمَّ اعلموا -رحمني الله وَإِيَّاكُمْ- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ أبرِم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أعراضنا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في ديننا وأموالنا وأهلينا.
اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ من ضارَّنا أو ضارّ المسلمين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، ومن كاد لنا فكد عليه يا ذا الجلال والإكرام يا خير الماكرين.
اللَّهُمَّ احفظنا من بين أيدينا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال وأنت ولينا، اللَّهُمَّ احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك وعنايتك، اللَّهُمَّ أتمم علينا نعمك، اللَّهُمَّ اجعلنا لنعمائك من الشاكرين، ولفرائضك من المؤدين، ولنواهيك من المجتنبين يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ أصلح قلوبنا، وأصلح فساد أعمالنا، ورد ضالنا إليك ردًّا جميلاً، إنك أكرم مسؤول، وأعظم مرجي مأمول، اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نَصَبٍ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
التعليقات