الأمة الإسلامية لم ولن تموت

الشيخ محمد سرندح

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/أفضلية الأمة الإسلامية 2/حال الأمة الإسلامية المؤسف 3/الأمل في أمة الإسلام رغم الضعف والوهن 4/أدلة تاريخية على بقاء الأمة الإسلامية رغم الضعف والانكسار 5/حرمة المسلم حيا وميتا 6/سبب ضعف الأمة تأثرها السلبي بالأعداء 7/أركان حياة الأمة الإسلامية 8/القرآن والسنة والمجددون أركان حياة الأمة الإسلامية 9/الثابتون المرابطون حياة للأمة

اقتباس

فلا بد للأمة أن تخوض دواعي الوهن والضَّعْف والمرض؛ استورَدْنا من الغرب فنونَ الرفاهية، ولم نستورد فنون الابتكار، استوردنا قوانين الإفساد في الأسرة، ولم نستورد قوانين الدفاع والإعداد، لقد استوردنا إقامة المهرجانات السينمائية والحشودات الصاخبة، وتسابقنا لارتفاع أرقام الأرصدة، المغلولة من الأمة...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله أنتَ ربُّنا، أنت ثقتُنا، أنتَ ملاذُنا، الحمد لله؛ (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[يُوسُفَ: 87]، الحمد لله، رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولًا، الحمد لله؛ (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 139].

 

اللهم بك نستنصر فانصرنا، وإياك نسأل فلا تخيِّبْنا، فلا نخيب وأنتَ أملُنا، ولا نهان وأنت ربُّنا؛ (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)[الْأَعْرَافِ: 196].

 

أنتَ الملاذُ إذا ما أزمةٌ نزلَتْ *** وأنتَ ملجأُ مَنْ ضاقت به الحيلُ

أنتَ المنادى به في كل حادثةٍ *** أنتَ الإلهُ وأنتَ الذخرُ والأملُ

أنتَ الرجاءُ لمن سُدَّتْ مذاهبُه *** أنتَ الدليلُ لمَنْ ضلَّتْ به السبلُ

إنَّا قصدناكَ والآمالُ واقعةٌ *** علينا والكلُ ملهوفٌ ومبتَهِلُ

 

وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، المتفردُ بالعزة والجبروت، قال في الحديث القدسي: "الكبرياءُ ردائي، فمَنْ نازَعَني في ردائي قصَمْتُه"، اللهم إن الظالمين قد طغَوْا في البلاد، فأكثَرُوا فيها الفسادَ، فصُبَّ عليهم يا ربِّ سوطَ عذاب.

 

لقد جعَلَنا اللهُ أمةً وسطًا، وجعَلَنا شهداءَ على الناس، وارتضى لنا الإسلامَ دينًا، وخصَّنا بالرباط في المسجد الأقصى، يختص برحمته من يشاء.

 

وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

دعا إلى الله فالمستمسِكون به *** مستمسِكون بحبلٍ غيرِ منفصمِ

لَمَّا دعا الله داعينا لطاعته *** بأكرمِ الرسلِ كُنَّا أكرمَ الأممِ

بُشرى لنا معشرَ الإسلام لِمَا *** لنا من العناية ركنٌ غيرُ منهدمِ

 

فنحن الأولون، الآخِرون، السابقون يومَ القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الْقَوْمُ إِلَى قَصْعَتِهِمْ، قَالَ: قِيلَ: مِنْ قِلَّةٍ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يُجْعَلُ الْوَهْنَ فِي قُلُوبِكُمْ، وَيُنْزَعُ الرُّعْبُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ ‌لِحُبِّكُمُ ‌الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَتِكُمُ الْمَوْتَ"، نعم سيدي يا رسول الله، ففي قولك البلسم لقلب المتعب الواني، لقد تداعت الأمم من كل أفق، من جِلدتنا وغير جلدتنا، ونُزع الرعبُ من قلوب عدونا، أصابنا الوهنُ، لكنَّ أمتنا إن أصابها الوهن والضَّعْف فلن يصيبها الموتُ -بإذن الله-.

 

أُمَّتُنا لن تموت، أُمَّةُ محمدٍ لن تموتَ؛ فالرباط في أمة محمد لن يموت، فالرباط في أهل بيت المقدس لن يموت، لا يعني مرض الإنسان موتَه، بل المرض والوهن عارضٌ لأمة الإسلام، فلو قُدِّرَ لهذه الأمة أن تموت لانتهتِ الرسالةُ في غار ثور، لقد ظنَّت قريشٌ وأشياعُها أن الإسلام سيُقضى عليه يومَ بدر، ولكنهم دُحِرُوا، وبقي أهل بدر تُشرق أنوارُهم على مر الدهور، وبقيت أجساد المجاهِدينَ في بدر، أمانةً في بيت المقدس في مدافنها، جوار مسجدها الأقصى المبارك، لقد حشَد المجتمع الدولي يوم الخندق ليهدموا الإسلام؛ فبعث الله الريح جندًا من جنده، وذهَب الروعُ عن الأمة وبقيت شامخةً، وخرَج المحاصَرون أشدَّ عزيمةً وأقوى ثقةً، سالت دماء المسلمين من بطش التتار، فما قصدوا إقليمًا إلا احتلوه، ولا عسكرًا إلا هزموه، وكادت الأمة أن تيأس، واشتد الخَطبُ وعَظُمَ البلاءُ؛ (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا)[يُوسُفَ: 110]، فبعث الله للأمة القائد المظفر قطز، الذي قال لقوات جيشه الذين تثاقلوا على الأرض: أنا ألقى التتار بنفسي، وجمَع الأموالَ لذلك، فشحَّ عليه المال فقام بوقف الترف والرفاهية عن المدراء والوزراء والمسئولين، الذين أَشبَعُوا الأمةَ استنكاراتٍ وبياناتٍ، مستجيبًا لفتوى شيخ الإسلام العز بن عبد السلام، فقد قال الشيخ بفتواه مخاطِبًا الأمراء والوزراء والمسئولين: "عليكم أن تبيعوا ما لكم من الممتلكات النفيسة والذهب، وتتساوَوْا في ذلك أنتم والعامة، وأمَّا أخذُ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي القادة من الأموال والممتلكات فلا، ويُجهِّز الجيشَ بأموال الأمراء والوزراء، فقد انصاع القائد قطز والأمراء لفتوى العز بن عبد السلام، فباعوا كلَّ ما يملكون، وتمَّ تجهيزُ الجيش دون أن يحتاجوا لفرض ضرائب على عامة الشعب، ولم يكن الشعب هو الضحية، واستطاع سيف الدين قطز إلحاقَ هزيمة قاسية بجيش المغول التتري، في معركة عين جالوت، على ثرى هذه الأرض المباركة، بهذا تبقى الأممُ.

 

وعندما حوصر البيت الحرام، وذُبِحَ الطائفون، ومُنِعَ المصلُّون، وسُرِقَ الحجرُ الأسودُ، دُنِّسَ البيتُ العتيقُ، ولكن شاهت وجوه القرامطة، وأفناهم الله عن بكرة أبيهم، وذلك جزاءُ مَنْ أراد ببيوت الله سوءًا، فحرمة النفس البشرية لا تقل حرمةً عن بيوت الله، وإن انتهاك حرمة النفس البشرية سواء في حياتها أو بعد مماتها، جسمانًا أو رفاتًا هو انتهاك غير مقبول جملةً وتفصيلًا، وهو مخالف للأعراف والمواثيق الدولية، وإن أرض المساجد ومقابر المسلمين لها حرمة عظيمة عند الله، فلا نحتاج لحدائق تطمس هويتنا، ولا مزارات تُهين تاريخَنا، فالاعتداء عليها يُؤجِّج النفوسَ، ويَجرح الكرامةَ، كما أُهينت مدافننا في معبد الله، وأُقيمت حفلات للشياطين عليها، فقد أفنى الله المعتدين الذين اعتدوا على الحرمات من القرامطة، وبقيت المساجد وبقيت المقدَّسات خالدةً شاهدةً؛ أمة محمد لن تموت.

 

لا إله إلا الله محمد رسول الله، وحين حشدوا لجزائرنا، وارتقى مليون شهيد، وتمزقت السودان فِرَقًا، وأصبحت دولة الإسلام أشلاء، وحين تمادى الحقد على أطفالنا في البوسنة لقد ضلل الشيطان أعوانه، ونسيت يد البطش أن الأمة الإسلامية ليس لها مَقتل فتُقتل، ليس لها مَقتل فتُقتل، وكلما ظنَّ أهلُ الكيد والتآمُر أنهم قادرون على الأمة ردَّ اللهُ كيدَهم؛ (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[التَّوْبَةِ: 32].

 

فلا بد للأمة أن تخوض دواعي الوهن والضَّعْف والمرض؛ استورَدْنا من الغرب فنونَ الرفاهية، ولم نستورد فنون الابتكار، استوردنا قوانين الإفساد في الأسرة، ولم نستورد قوانين الدفاع والإعداد، لقد استوردنا إقامة المهرجانات السينمائية والحشودات الصاخبة، وتسابقنا لارتفاع أرقام الأرصدة، المغلولة من الأمة، انسلخنا عن خطايانا، وتناسينا همومَ الأمة؛ لذلك وغيره أصابَنا الوهنُ والضَّعفُ، ولكن لن يصيب أمتنا الموتُ؛ لأن أركان حياة الأمة الإسلامية متأصلة فيها، قرآننا ثابت خالد، حُرِّفت الكتبُ السماويةُ وضلَّ أتباعُها، أمَّا دستورنا فهو ثابت لم يعترِهِ التحريفُ، سنة الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- ثابتة، وهي بين أيدينا نقية طاهرة زكية، ومن أركان البقاء لهذه الأمة المجدِّدون، الذين أزالوا ما علق بهذا الدين، وما علق بالأذهان من الفساد والشوارد والخبث، بل إن كل فكر دخيل على الإسلام قاوَمَه المجدِّدون؛ ليبقى الإسلام خالدًا نقيًّا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ ‌يَبْعَثُ ‌عَلَى ‌رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا"، فلا زال قلب الأمة نابضًا، مجددون للدعوة إلى الله، مجددون بالفكر والسياسة، ويبقى قلب الأمة نابضًا، بالمجددين من العلماء العاملين، والمجاهِدين والصالحين، والمجتهدين، ويبقى في الأمة قلب ينبض، يقول للظالم: لا، ويقول للمتسلطين: لا.

 

ومن أركان حياة الأمة ولادة القادة، فكما ولدتِ الأُمَّةُ سيفَ الدين قطز في نكباتها، ولدت الأمة صلاح الدين، حين تكالب على بيت المقدس خمسة وعشرون مَلِكًا من الغرب، وظنوا أن الأمة قد ماتت، نكَّس صلاحُ الدين هيمنتَهم، وهزَم جمعَهم وتآمُرَهم، بل وكلما زاد الخناق على الأمة، وأصابها اليأس من الشجب والقرارات الدولية بعَث الله للأمة مجددًا قائدًا فاتحًا، يقلب الموازين المتعفنة؛ (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)[الْحَشْرِ: 2].

 

ومن أركان حياة الأمة الثابتون على الحق، ومنهم المرابطون، قال عليه الصلاة والسلام: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ ‌لَا ‌يَضُرُّهُمُ ‌مَنْ ‌خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ، وَهُمْ كَذَلِكَ"، حياة المؤمن ممزوجة بالعمل، فالمؤمن الثابت المرابط لا يعرف اليأس، أمتنا لن يحبطها اليأس، المرابطون لن يخيم عليهم اليأس، فشعاع الأمل نور يبعث الجد والمثابرة.

 

إن أنين الموحِّدين الذي ملأ أرجاء المعمورة بلا إله إلا الله، محمد رسول الله، صوت لن يخبو -بإذن الله-، فالأمة إن تعسرت فما اندثرت، وإن غرقت فما ماتت، وإن سُجنت وحوصرت، فما تلاشت، فالسلب والاستيلاء تحت قوة البطش لن يُميت الأمةَ الإسلاميةَ المرابطةَ؛ (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشَّرْحِ: 5-6]، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنتم تُوفُونَ سبعينَ أمةً أنتُم خيارُها وأكرمُها على الله"، أو كما قال، ادعوا الله إنه قريب مجيب.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي رفع راية الدين، ووعَد مَنْ نصره بالنصر والتمكين، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[الرُّومِ: 47]، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-.

 

أيها المرابطون، يا أوتاد المسجد الأقصى المبارك: كونوا لَبِنَاتٍ في حياة هذه الأمة، فكل فرد هو ركن في هذه الأمة، ولا تيأسوا من رَوْح الله؛ فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولن تموت أمتنا؛ فسرعان ما تجمع الأمةُ أشتاتَها، وتمسح أحزانَها، وتُداوي جراحَها، وتنطلق من جديد نحو العلا -بإذن الله-، فأمة محمد لن تموت؛ (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)[الْأَعْرَافِ: 196].

 

اللهم انصر مَنْ نصَر دينَ محمد، اللهم اخذُل مَنْ خذَل دينَ محمد، اللهم من رفق بأمة محمد فارفق به، اللهم من شق على أمة محمد فاشقق عليه، اللهم مَنْ أراد أن يكيد للإسلام فكد به، اللهم من أراد أن يخذل الإسلام فاخذله، اللهم عجل فرج أمة محمد، وعجل الفرج لأبنائنا المعتقلين، اللهم عجل فرجنا وفرج المسلمين، وفك الحصار عن المحاصرين، اللهم عجِّلْ لنا بالتمكين، اللهم يا من جعلتَ الصلاةَ على النبي من القربات، نتقرَّب إليك بكل صلاة صُلِّيَتْ عليه من أول النشأة إلى ما لا نهاية للكمالات.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].

 

وأَقِمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات
duSm8VId1hVaefGjkUAUuibiJuMqrSebNU9rOoLf.doc
xsJIREXkH5wNWDOUV3ztCLIomD85lV1Z6RbN16gr.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life