الأقصى المبارك في ذكرى الإسراء والمعراج

عكرمة بن سعيد صبري

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بيت المقدس 2/بشائر للمسلمين في شهر رجب 3/فوائد من ذكرى الإسراء والمعراج 4/سبب تعلق قلوب المسلمين بفلسطين 5/رسائل بشأن أسبوع القدس وصمود المقدسيين 6/رسالة دعم ومساندة للأسرى والمعتقلين

اقتباس

يتوجَّب علينا أن نستلهم العظات والعبر؛ من بشائر شهر رجب؛ لنحافظ على القدس التي هي تاج فلسطين، بل هي تاج العالَم الإسلامي، وأن نحافظ على المسجد الأقصى المبارك الذي هو قلب العالَم الإسلامي النابض...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين.

 

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي *** حتى اكتسيتُ من الإسلام سربالَا

 

الحمد لله حمدَ العابدينَ الشاكرينَ، ونستغفرك ربَّنا ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، أنت ربنا ونحن عبيدكَ، لا معبود سواكَ، لا ركوع ولا سجود ولا تذلُّل ولا ولاء إلا لوجهك، سبحانك فأنتَ ملاذُ المؤمنينَ الصادقينَ، حافظُ المسلمينَ المجاهدينَ، مُخزي السماسرة المرتدِّين، والبائعين الخائنين، هازم الكافرين المحتلين المتغطرسين، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، القائل في أول سورة الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الْإِسْرَاءِ: 1]، والقائل في سورة الأحزاب: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)[الْأَحْزَابِ: 39].

 

اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بعزك الذي لا يضام، واكلأنا بعنايتك في الليل والنهار، في الصحارى والآجام، ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا، وشفيعنا محمدًا، عبدُ اللهِ ونبيُّه ورسولُه، القائل: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم مَنْ خالَفَهم، -وفي رواية: لا يضرهم مَنْ خذَلَهم-، إلا ما أصابَهَم من اللواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قيل: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس"، صلى الله عليك يا حبيبي يا رسول الله، يا صاحب المسرى، ونصلي عليك نحن أهل بيت المقدس أيضًا، وعلى آلِكَ الطاهرينَ المبجَّلينَ، وصحابتك الغر الميامين المحجَّلين، ومن تبعكم وجاهد جهادكم إلى يوم الدين، فهنيئًا لكم، وطوبى لكم، يا أهل بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، يا أهل فلسطين، فأنتم الفئة المنصورة -بإذن الله عز وجل-، هذه إشارة من حبيبكم محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقولوا: الحمد لله.

 

وهناك بشارة أخرى، للأمة الإسلامية جمعاء، في العالَم كله، في كل زمان ومكان، بقوله -عليه الصلاة والسلام-، من حديث مطوَّل: "ليبلغن هذا الأمرُ ما بلَغ الليلُ والنهارُ"، نعم، إنها بشارة انتشار الإسلام واعتزازه وانتصاره -بإذن الله-.

 

أيها المسلمون، أيها المرابطون، أيتها المرابطات، وكلنا مرابطون: إن المسلمين جميع المسلمين عبرَ التاريخ المجيد، يستبشرون خيرًا بشهر رجب، والذي يُعرَف بشهر رجب الحرام؛ لأنه من ضمن الأشهر الحرم الأربعة، كما يعرف شهر رجب بشهر رجب الفرد.

 

أيها المصلون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: والسؤال: لماذا يستبشر المسلمون خيرًا ويتفاءلون بشهر رجب؟ والجواب: لقد وقعت عدة حوادث وإنجازات وانتصارات في هذا الشهر، وكلها مرتبطة بمدينة القدس، وأشير إلى أبرز ثلاث منها فقط:

البشارة الأولى: وهي معجزة الإسراء والمعراج، والتي وقعت في السابع والعشرين من شهر رجب فيقول سبحانه وتعالى- في أول سورة الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الْإِسْرَاءِ: 1]، فقد قرَّر الله رب العالمين من سبع سماوات، بإسلامية أرض فلسطين، من البحر إلى النهر، وتعد معجزة الإسراء والمعراج فتحًا روحيًّا إيمانيًّا لفلسطين، وهي تُمثِّل جزءًا من عقيدة المسلمين، جميع المسلمين في العالَم، وهي ثابتة ثبوتًا قطعيًّا من وقوعها، كما أن دلالاتها ثابتة ثبوتا قطعيًّا؛ أي أنها قطعيَّة الدلالة، قطعيَّة الثبوت، فانتبِهوا أيها المسلمون، انتبِهوا إلى التشكيك حول الإسراء والمعراج، وهذا التشكيك الذي تُروِّج له بعضُ وسائل الإعلام المشبوهة والمدسوسة والخائنة، فهي تُمِّثل إعلانَ حرب على الإسلام؛ خدمةً للاحتلال، وخدمةً لأعداء الإسلام والمسلمين.

 

أيها المصلون، يا أبناء فلسطين المباركة المقدسة: إن معجزة الإسراء والمعراج، قد ربطت مدينة القدس بمكة المكرمة، وبالمدينة المنورة، ورفعت منزلة القدس أيضًا، حيث هي بوابة الأرض إلى السماء، وبوابة السماء إلى الأرض، وفي سمائها شُرعت الصلاةُ التي هي ركن من أركان الإسلام، وعليه، نؤكد للعالم أجمع، وللقاصي والداني، بأنَّ قرار الله رب العالمين، غير خاضع للمساوَمة، ولا للتفاوض عليه، ولا للتنازل عن شبر منه، وأن أرض فلسطين أمانة في أعناق كل المسلمين؛ فهي أمانة الأجيال تلو الأجيال، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

 

أيها المصلون، يا أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وأبي عبيدة وخالد: البشارة الثانية: فتح بيت المقدس على يد الخليفة العادل، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، حيث تمَّ فتحُ بيت المقدس فتحًا سياسيًّا سِلميًّا، وأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قد دخَلَها مشيًا على الأقدام، وأصدَر وثيقتَه المشهورةَ بالعُهدة العُمَريَّة، وأن التمسك بها هو حفاظ على أرض فلسطين، وأن الصحابي الجليل بلال بن رباح -رضي الله عنه- هو أول مَنْ رفَع الأذانَ في جنبات المسجد الأقصى، وهو نداء "الله أكبر"، وسيبقى مجلجِلًا -بإذن الله-، ورعايته في سماء القدس، بل في سماء فلسطين، مِنْ على مآذن الأقصى ومحارب مساجد فلسطين من البحر إلى النهر.

 

أيها المصلون، يا أبناء فلسطين المباركة المقدسة: البشارة الثالثة والأخيرة: هي تحرير بيت المقدس، من الفرنجة الصليبيين، المغتصبين المحتلين المستعمرين، وذلك على يد البطل الإسلامي صلاح الدين الأيوبي، بعد أن قام بتوحيد المسلمين تحت راية واحدة، هي راية: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، حيث كان المسلمون متفرقين متنازعين متناحرين كما هو حال المسلمين في هذه الأيام، والتاريخ يُعِيد نفسَه، فتمكَّن صلاحُ الدينِ من إزالة الكيانات والدويلات الهزيلة العميلة، الخائنة وقتئذ، فما أشبهَ اليوم بالبارحة، واستطاع صلاحُ الدين إقامةَ دولة واحدة، وجعل هدفه مدينة القدس إلى أن تمكن من تحريرها من الفرنجة الصليبيين.

 

أيها المسلمون، أيها المرابطون، وكلنا مرابطون: وأخيرًا وليس آخِرًا، فإنَّه يتوجَّب علينا أن نستلهم العظات والعبر؛ من بشائر شهر رجب؛ لنحافظ على القدس التي هي تاج فلسطين، بل هي تاج العالَم الإسلامي، وأن نحافظ على المسجد الأقصى المبارك الذي هو قلب العالم الإسلامي النابض، والسؤال: لماذا المسلمون في العالَم تتعلق قلوبهم بفلسطين؟ والجواب الحازم والحاسم: لأن الأقصى موجود في قلب فلسطين، ونذكر العالم أجمع بما يحصل في المسجد الأقصى المبارك، وفي الأراضي المحتلة، ونقول للمسلمين: بوجوب حمل الأمانة تجاهَ المسجد الأقصى المبارك: لا تتركونا وحدنا، تَدارَكُونا، وفي أغصاننا رمق، فلن يعود اخضرار العود إن يَبُسَا، ونقول لأهلنا في فلسطين: لا تيأسوا، لا تقنطوا، فأنتم المرابطون، وأنتم أهل العزة والكرامة، فكونوا مع الله يكن الله معكم، نعم أجيبوني أيها المصلون، أجيبوني: مَنْ خالِقُنا؟ الله، مَنْ معبودنا: الله، مَنْ ناصرنا؟ الله، مَنْ حامينا؟ الله، مَنْ مُعِزُّنا؟ الله، لا إله إلا الله، محمد رسول الله.

 

جاء في الحديث النبوي الشريف: "عينانِ لا تمسُّهما النارُ: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله"، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمينَ، والصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أيها المصلون: أتلو على مسامعكم حديثًا نبويًّا شريفًا؛ تنشيطًا للنفوس والقلوب، فيقول عليه الصلاة والسلام: "أسعدُ الناس بشفاعتي يومَ القيامة مَنْ قال: لا إله إلا الله، خالصًا من قلبه أو من نفسه"، فقولوا أيها المصلون: لا إلا الله خالصةً من قلوبكم ونفوسكم؛ لتنالوا شفاعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، يوم القيامة.

 

أيها المصلون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: أتناول في هذه الخطبة أربع رسائل وبإيجاز، فتصبَّروا معنا:

 

الرسالة الأولى: بشأن أسبوع القدس العالمي، فمن على منبر المسجد الأقصى المبارك نحيي العلماء العاملين في العالم الإسلامي، الذين يقيمون أسبوع القدس العالمي في ذكرى الإسراء والمعراج؛ لإحياء موضوع القدس، ونُثمِّن جهودَهم لتركيز المعرفة والتوعية في نفوس الأجيال الصاعدة لتبقى القدس حاضرة، ولتثبيت الرواية الإسلامية التي تؤكد حقوقنا الشرعية.

 

الرسالة الثانية: بشأن ثبات أبناء حي الشيخ جراح في القدس، وحي جبل المكبر بالقدس أيضًا، وسائر الأحياء في هذه المدينة المبارَكة المقدَّسة، الذين يتمسَّكُون ببيوتهم، ويحافظون على حقوقهم، ويقفون سدًّا منيعًا أمامَ عربدة وأطماع المستوطنينَ الدخلاء، وأمام اعتداء سلطات الاحتلال على المواطنين، حتى إن ذوي الاحتياجات الخاصة لم يسلموا منهم، فمن على منبر المسجد الأقصى المبارك، نُحيِّي المقدسيين الذين وقفوا وقفة إيمان في وجه سلطات الاحتلال الطامعة، والمستوطنين الدخلاء، نُحيِّي حيَّ الشيخ جرَّاح، وجبل المكبر، وسلوان والعيسوية، ووادي الربابة، وسائر الأحياء في مدينة القدس، هذا هو الرباط، ولابد من إلغاء أوامر الإخلاء والتهجير.

 

أيها المصلون: الرسالة الثالثة بشأن إخواننا أبنائنا الأسرى الأبطال: فلم ننساهم في خضم الأحداث المتوالية في أرضنا المباركة، ندعو الله لهم بالشفاء، للمرضى، وللمضربين عن الطعام، ويتوجَّب على السلطات المحتلة أن تُعامِلَهم معاملةَ الأسرى، وأن توفر لهم أدنى المتطلبات الإنسانية، وندعو الله لهم بالفرج والفكاك لينعموا بالحرية قريبًا، قولوا: آمين.

 

أيها المصلون: الرسالة الرابعة والأخيرة بشأن المسجد المبارك، والذي لا تزالا الأخطار محيطة به مِنْ قِبَل المستوطنين الدخلاء، الذين يقتحمون الأقصى بحماية السلطات المحتلة، في الوقت نفسه لقد مضى على إعادة فتح مصلى باب الرحمة ثلاث سنوات، وكان ذلك يوم الجمعة في (22-2-2019م) وسيبقى مفتوحًا -بإذن الله-.

 

أيها المصلون: الساعة ساعة استجابة، فأمِّنوا مِنْ بعدي: اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وفَرِّج الكربَ عنَّا، اللهم احمِ المسجدَ الأقصى من كل سوء، يا أرحم الراحمين ارحمنا واعفُ عنَّا، يا ناصرَ المظلومينَ انصرنا ومَكِّنَّا، اللهم أَعِدْ علينا ذكرى الإسراء والمعراج وقد تطهرت البلاد وتحرر العباد، اللهم إنا نشكرك على ما أنعمت علينا من بركات السماء، اللهم يا أمل الحائرين، ويا نصير المستضعفين، ندعوك بكل يقين إعلاء شأن المسلمين، بالنصر والعِزّ والتمكين، اللهم ارحم شهداءنا، وشافِ جرحانا، وأطلِق سراحَ أسرانا، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعلِ بفضلك كلمتَي الحق والدين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، وأقم الصلاة؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

 

 

المرفقات
zW0nthk1d7VHkbmE7OXZnSioFG6sqyhZ8zkMntEj.pdf
MtILaUNZjkMjhAzH6UqyyMd4Od02QgVfja7bRyvQ.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life