عناصر الخطبة
1/أهمية القراءة 2/فوائد القراءة النافعة وثمراتها 3/وسائل غرس القراءة في قلوب الناشئة 4/طرق تفعيل ونشر عادة القراءة في المجتمع 5/دعوة إلى العودة إلى القراءات النافعة.

اقتباس

فَلْنُرِشِدْ أَطْفَالَنَا إِلَى القِرَاءَةِ النَّافِعَةِ، ولِنَبْدأْ بِتَحْبِيبِ الكِتَابِ إِلَيْهِمْ، فَنَجْعَلَ مِنَ الكِتَابِ هَدِيَّةً قَيِّمَةً يَتَطَلَّعُ إِلَيْهَا الطِّفْلُ، فَقَدِ اعتَادَ كَثِيرٌ مِنَ الآبَاءِ فِي أَيَّامِنا هَذِهِ أَنْ يُقَدِّمُوا أَنْواعاً مِنَ الهَدَايَا لأَطْفَالِهِمْ عِنْدَ نَجَاحِهِمْ أَو غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المُنَاسَبَاتِ؛ فَلْنَجْعَلْ لِلْكِتَابِ مَكَاناً بَارِزاً بَيْنَ هَدَايَا أَطْفَالِنَا،...

الخطبة الأولى:

 

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، جَعَلَ العِلْمَ أَسَاساً لِرُقِيِّ الأُمَمِ وسُمُوِّ الحَضَارَاتِ، وحَثَّ عَلَى السَّعْيِ لَهُ بِبَذْلِ الطَّاقَاتِ والقُدراتِ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، أَرشَدَ الإِنْسَانِيَّةَ إِلَى مَنْهَجِ الحَيَاةِ السَّوِيَّةِ، ودَعَا لِلتَّعلُّمِ ونَبْذِ الأُمِّيَّةِ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَنِ اهتَدَى بِهَدْيِهِ، وَاستَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

 

أمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ شَاءَ اللهُ -تَعالَتْ حِكْمَتُهُ- أَنْ يُصَدِّرَ وَحْيَهُ الخَاتَمَ لِبَنِي الإِنْسَانِ بِأَمْرٍ خَاصٍّ، وفَرضٍ جَلِيلٍ هُوَ "فَرْضُ القِراءَةِ" عَلَيْهم، قَالَ -تَعالَى-: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق:1-5]، وكَأَنَّهُ بِهَذا التَّصْدِيرِ قَدْ جَعَلَ عَمُودَ الإِسلاَمِ وأُسَّ دَعْوَتِهِ قَائِمَةً عَلَى القِراءَةِ والعِلْمِ، فَالقِرَاءَةُ هِيَ الطَّرِيقُ المُوصِلُ إِلَى الإِيمَانِ بِاللهِ خَالِقاً ومُوجِداً لِلْكَوْنِ.

 

وقَدْ تَفَضَّلَ -سُبْحَانَهُ- عَلَى الإِنْسَانِ فَمَنَحَهُ صِفَةً خَاصَّةً مُشْتَقَّةً مِنْ صِفَاتِهِ -جَلَّ وعَلاَ-، أَلاَ وهِيَ العِلْمُ؛ ثُمَّ خَلَقَ لَهُ أَدَواتَهُ ووَسائِلَهُ ويَسَّرَهَا لَهُ، وأَهَمُّها القَلَمُ.

 

لَقَدْ أَرَادَ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ- بِخِطَابِهِ هَذا أَنْ يُنَبِّهَ الإِنْسَانَ إِلَى مَوْضُوعَيْنِ لِلْقِرَاءَةِ: قِرَاءَةٍ لِلْكَوْنِ المَنْظُورِ، وهِيَ تَأَمُّلٌ فِي خَلْقِ اللهِ مِنْ أَدَقِّ دَقَائِقِهِ صُعُوداً إِلَى أَعْظَمِ مَخْلُوقَاتِهِ وهُوَ الإِنْسَانُ، وصُولاً إِلَى الخَالِقِ الذِي أَبْدَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وقِرَاءَةٍ لِكِتَابِ اللهِ المَسْطُورِ: القُرآنِ الكَرِيمِ، وهِيَ طَلَبٌ لِعِلْمِ مَا لاَ يَعلَمُهُ الإِنْسَانُ، وتَدَبُّرٌ فِي رِسَالِةِ اللهِ المَكْتُوبَةِ لِلإِنْسَانِ؛ بَحْثاً عَنْ هَدْيِهِ -سُبْحانَهُ- وطَلَباً لِمَعْرِفَتِهِ؛ فَالقِرَاءَةُ إِذَنْ هِي سَبِيلُ الإِنْسَانِ لِمَعْرِفَةِ اللهِ الخَالِقِ، وبِها إِظْهَارُ النِّعْمَةِ العَظِيمَةِ التِي أَكْرَمَ اللهُ بِها الإِنْسَانَ، وهِيَ أَهلِيَّةُ العِلْمِ والمَعْرِفَةِ (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)[الرحمن:1-4].

 

إِنَّ القِرَاءَةَ -عِبَادَ اللهِ- لَيْسَتْ عَلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ السَّامِقَةِ مِنَ الأَهَمِّيَّةِ فَحَسْب، بَل لَقَدْ أَصبَحَتْ وَسائِلُها كَذَلِكَ بِمَكَانٍ عَظِيمٍ وأَهَمِّيَّةٍ بَالِغَةٍ؛ فَهَذا القَلَمُ وَهَذِهِ الكِتَابَةُ يُقْسِمُ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ- بِهِما؛ إِذْ يَقُولُ فِي سُورَةِ القَلَمِ -وهِيَ أَيْضاً مِنْ أَوائِلِ سُوَرِ القُرآنِ نُزُولاً-: (نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ)[القلم:1-2]، ومَا هَذَا التَّقْدِيرُ والتَّعْظِيمُ لِشَأْنِ القَلَمِ والكِتَابَةِ إِلاَّ لأَنَّها سَبِيلُ العِلْمِ وأَدَاتُهُ التِي لاَ غِنَى عَنْها؛ كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ العَلَقِ: (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق:4-5].

 

 أيُّها المُؤمِنُونَ: إنَّ المَتَأْمِّلَ لِلسِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ يَجِدُ أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وصَحَابَتَهُ قَدْ استَجَابُوا لِهَذَا الأَمْرِ الإِلهِيِّ بِالقِرَاءَةِ، فَأَقْبَلُوا عَلَى العِلْمِ والقِرَاءَةِ والكِتَابَةِ، لِمَا عَلِمُوهُ مِنَ الفَضَائِلِ فِي ذَلِكَ وعَظِيمِ الثَّوابِ، وأَثَرِهِ فِي الحَيَاةِ.

 

ويَكْفِي أَنْ نَعلَمَ مِنْ حِرْصِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى تَعلِيمِ المُسلِمِينَ أَنَّهُ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، جَعَلَ فِكَاكَ بَعْضِ الأَسْرَى تَعلِيمَهُمْ عَشْرةً مِنَ المُسلِمَينَ الكِتَابَةَ والقِرَاءَةَ، حَتَّى لَقَدْ عَلِمْنا أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ هُنَاكَ أَزْيَدُ مِنْ خَمْسِينَ كَاتِباً مِنْ كُتَّابِ الوَحْيِ، الذِينَ اختَصُّوا بِكِتَابَةِ القُرآنِ وجَمْعِهِ، هَذَا فَضْلاً عَنْ سِواهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَشْتَغِلوا بِكِتَابَةِ القُرآنِ.

 

كَمَا عَلِمْنا أَنَّهُ فِي عَهْدِهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ كُتِبَتِ الكَثِيرُ مِنَ الرَّسَائِلِ والمُعَاهَداتِ، وبِهَذَا نَقَلَ الإِسلاَمُ النَّاسَ مِنْ قَوْمٍ لاَ يَكْتَرِثُونَ ذَاكَ الاكتِراثَ بِالعِلْمِ والكِتَابَةِ، إِلاَّ بِقَدْرِ مَا تُملِيهِ عَلَيْهِمُ الحَاجَةُ والضَّرورَةُ، إِلَى أُمَّةٍ مِنَ القُرَّاءِ والكُتَّابِ، مَلأَتْ عُلُومُهُمْ وكُتُبُهُمْ أَقْطَارَ الأَرضِ، وأَنَارَتْها عِلْماً ومَعْرِفَةً، وتَارِيخُنَا الإِسلاَمِيُّ حَافِلٌ بِمَا لاَ يُحْصَى مِنَ الشَّواهِدِ عَلَى أَثَرِ هَذَا الأَمْرِ الإِلَهِيِّ بِالقِرَاءَةِ، فَقَدِ انْتَشَرَتِ المَكْتَبَاتُ فِي كُلِّ المُدُنِ، واشْتَغَلَ العُلَمَاءُ بِالقِرَاءَةِ والكِتَابَةِ حَيَاتَهُمْ كُلَّها.

 

 أَيُّها المُسلِمُونَ: مَا أَحْوَجَنَا أُمَّةَ الإِسلاَمِ إِلَى هَذَا النَّهْجِ؛ حَتَّى نَكُونَ فِي مَيْدَانِ العِلْمِ والمَعْرِفَةِ فِي مَصَافِّ الأُمَمِ المُتَقَدِّمَةِ بَلْ فِي صَدَارَتِها، بِالمُسَاهَمَاتِ المُختَلِفَةِ فِي الإِنْتَاجِ العِلْمِيِّ العَالَمِيِّ، إِنَّ القُوَى العُظْمَى فِي عَالَمِ اليَوْمِ لاَ تَكْتَسِبُ قُوَّتَها مِنْ مَحْضِ قُوَّتِها العَسكَرِيَّةِ ونُفُوذِها الاقتِصَادِيِّ فَحَسْب، بَلْ كَذَلِكَ بِمِقْدَارِ مَا تُنْتِجُهُ مِنْ عِلْمٍ ومَعْرِفَةٍ، ومَا تَجْنِيهِ مِنْ حَصِيلَةِ البَحْثِ العِلْمِيِّ الدَّائِبِ.

 

وإِنَّ المُسلِمِينَ اليَوْمَ لاَ يَنْقُصُهمُ المَالُ أوِ المَوارِدُ لِلإِسْهَامِ فِي ذَلِكَ والمُشَارَكَةِ الفَاعِلَةِ فِي صِنَاعَةِ العُلُومِ المُختَلِفَةِ، وإِنَّ هُنَاكَ طُرُقاً عَدِيدَةً لِتَفْعِيلِ هَذَا الدَّوْرِ، وأَوَّلُ هَذِهِ الطُّرُقِ: تَعلِيمُ أَطْفَالِنَا القِرَاءَةَ وتَحْبِيبُها إِلَيْهِمْ، مِمَّا يُعَزِّزُ فِيهِمُ القِيَمَ الفَاضِلَةَ، كَقِيَمِ الشَّجَاعَةِ والصِّدْقِ وحُبِّ الخَيْرِ والإِحْسَانِ وبِرِّ الوَالِدَيْنِ والعِزَّةِ والشَّرَفِ والإِيثَارِ وحُبِّ العِلْمِ والصَّبْرِ والتَّسَامُحِ وغَيْرِها.

 

إِذَنْ فَلْنُرِشِدْ أَطْفَالَنَا إِلَى القِرَاءَةِ النَّافِعَةِ، ولِنَبْدأْ بِتَحْبِيبِ الكِتَابِ إِلَيْهِمْ، فَنَجْعَلَ مِنَ الكِتَابِ هَدِيَّةً قَيِّمَةً يَتَطَلَّعُ إِلَيْهَا الطِّفْلُ، فَقَدِ اعتَادَ كَثِيرٌ مِنَ الآبَاءِ فِي أَيَّامِنا هَذِهِ أَنْ يُقَدِّمُوا أَنْواعاً مِنَ الهَدَايَا لأَطْفَالِهِمْ عِنْدَ نَجَاحِهِمْ أَو غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المُنَاسَبَاتِ؛ فَلْنَجْعَلْ لِلْكِتَابِ مَكَاناً بَارِزاً بَيْنَ هَدَايَا أَطْفَالِنَا، وإِنَّ الكِتَابَ النَّافِعَ لاَ يَقْتَصِرُ نَفْعُهُ عَلَى الحَيِّ، بَلْ هُوَ مِمَّا يَنْفَعُ المُسلِمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَفِي الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَو عِلْمٍ يُنتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ".

 

ثُمَّ لِنَقْرأْ مَعَ أَبنَائِنَا ولَو دَقَائِقَ قَلِيلَةٍ فِي اليَوْمِ "فَخَيْرُ العَمَلِ أَدْوَمُهُ وإِنْ قَلَّ"؛ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ، وكَمَا نَجْعَلُ لِلَّعِبِ مَعَ أَطْفَالِنَا وَقْتاً، فَلْنُخَصِّصْ لِلْقِراءَةِ وَقْتاً، حِينَها تُصْبِحُ لِلْقِراءَةِ عِنْدَهُمْ مُتْعَةٌ مُمَاثِلَةٌ لِمُتْعَةِ الَّلعِبِ، فَيَتَعلَّقُونَ بِها ويَطْلُبُونَها، وعَلَيْكُم أَيَّها الآبَاءُ أَنْ تُعَلِّمُوا أَولاَدَكَمْ حُبَّ الكُتُبِ واحتِرَامَها، اجْعَلُوا بَعْضَ الكُتُبِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وعَلَى مَرْأَى مِنْهُمْ، حَتَّى يَتَعَوَّدوا عَلَيْها ويَأْلَفُوها، وهَذَا كُلُّهُ مِنْ ضِمْنِ الرِّعَايَةِ الوَاجِبَةِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّكُم رَاعٍ وكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".

 

 عِبَادَ اللهِ :مِنْ أَهَمِّ الطُّرُقِ لِبَعْثِ القِرَاءَةِ فِي قُلُوبِ النَّاشِئَةِ تَشْكِيلُ القُدْوَةِ، إِذْ أَنَّهُ لاَ يُمكِنُ لِلصِّغَارِ أَنْ يَتَحَمَّسُوا لِلْقِراءَةِ إِنْ كَانَ الكِبَارُ مُحْجِمينَ عَنْها، غَيْرَ مُكْتَرِثينَ بِها؛ قَالَ اللهُ -تَعالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ)[الصف:21]، فَاجْعَلُوا لِلْقِراءَةِ نَصِيباً ولَو قَلِيلاً مِنْ أَوقَاتِكُم، واقْتَنُوا الكُتُبَ قَدْرَ استِطَاعَتِكُم، وَلْيَصْنَعْ كُلٌّ مِنْكُم فِي بَيْـتِهِ مَكْتَبَةً وَلَو صَغِيرَةً، فَفِي ذَلِكَ حَافِزٌ لَهُ أَو لأَهْلِ بَيْـتِهِ عَلَى مُطَالَعَتِها، وشِراءُ الكُتُبِ بِهَدَفِ الانتِفَاعِ بِها هُوَ بِدَايَةُ طَرِيقِ العِلْمِ، وقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ"، إِنَّكُم بِذَلِكَ تَكْتَشِفُونَ مُتْعَةَ القِراءَةِ والتَّزَوُّدِ بِالمَعْرِفَةِ، وقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيثِ: "طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ"؛ فَاتَّقوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وحُثُّوا أَبْنَاءَكُمْ عَلَى القِراءَةِ النَّافِعَةِ بِجَمِيعِ صُوَرِها وأَشْكَالِها، وكُونُوا قُدْوَةً لَهُمْ فِي ذَلِكَ.

 

 أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

 

الخطبة الثانية:

 

 الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

 

 أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّها المُسلِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَهَمِّ الطُّرُقِ لِتَفْعِيلِ القِرَاءَةِ والمُطالَعَةِ أَنْ نَجْعَلَ الكِتَابَ صَدَقَةً، فَبَعْضُ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ الطَّعَامَ والشَّرابَ أَهَمُّ وأَجْدَى نَفْعاً مِنَ الكِتَابِ ومِنَ العِلْمِ والمَعْرِفَةِ، ورُبَّما استُهْزِئ بِالرَّجُلِ المُهْتَمِّ بِالكُتُبِ ونُسِبَ إِلَى الحُمْقِ لأَنَّهُ يُضَيِّعُ وَقْتَهُ فِيمَا لاَ يُسْمِنُ ولاَ يُغْنِي مِنْ جُوع.

 

فَلْتَعلَمُوا -أَيُّها المُسلِمُونَ- أَنَّكُم أُمَّةُ الكِتَابِ الكَرِيمِ: أُمَّةُ القُرآنِ؛ ولْتَعلَمُوا أَنَّ أَهَمِّيَّةَ الكِتَابِ والمَعْرِفَةِ لاَ تَقِلُّ عَنْ أَهَمِّيَّةِ الطَّعَامِ بِحَالٍ، بَلْ رُبَّمَا فَاقَتْها أَهَمِّيَّةً؛ فَالإِنْسَانُ بِحُكْمِ الضَّرورَةِ مُتَطلِّبٌ لِلطَّعَامِ والشَّرابِ بَاحِثٌ عَنْهُما ولاَ بُدَّ.

 

 أَمَّا المَعْرِفةُ فَهُنَاكَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُحْجِمونَ عَنْهَا ولاَ يَطْلُبُونَها لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِمْ، فَلْيَتَصَدَّقِ القَادِرُونَ مِنْكُم والمُحْسِنُونَ بِالكِتَابِ كَمَا يَتَصَدَّقُونَ بِالمَالِ والطَّعَامِ، وَلْيَعلَمُوا أَنَّ ثَوابَهُمْ فِي ذَلِكَ لاَ يَقِلُّ عَنْ ثَوابِ مَنْ يَتَصَدَّقُ بِالمَالِ أَوِ الطَّعَامِ، بَلْ رُبَّمَا يَزِيدُ عَلَيْهِمْ أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً، إِذِ المَالُ والطَّعَامُ فَائِدَتُهُ مَقْصُورَةٌ عَلَى أَشْخَاصٍ مَعْدودِينَ فِي مُدَّةٍ مَحْدُودَةٍ.

 

أَمَّا التَّصَدُّقُ بِالعِلْمِ؛ فَذَاكَ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ قَدْ لاَ يَنْقَطِعُ خَيْرُها ونَفْعُها مَدَى الزَّمَانِ، ولَعَلَّ أَجْدَى طُرُقِ التَّصَدُّقِ بِالكُتُبِ هُوَ جَعْلُها صَدَقَةً جَارِيَةً مَدَى الزَّمَانِ مِنْ خِلاَلِ وَقْفِها للهِ -عَزَّ وجَلَّ-، وجَعْلِ مَنْفَعَتِها جَارِيَةً عَلَى طُلاَّبِ العِلْمِ وغَيْرِهِمْ مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ، وذَلِكَ بِأَنْ يَتَعاوَنَ أَهلُ البِرِّ والإِحْسَانِ عَلَى إِنْشَاءِ مَكْتَباتٍ صَغِيرَةٍ فِي الأَحْيَاءِ، فَيَتَرَدَّدُ إِلَيْها أَهلُ الحَيِّ ولاَسِيَّمَا مَنْ لاَ طَاقَةَ لَهُمْ عَلَى شِراءِ الكُتُبِ، فَتُشَجِّعُهُمْ عَلَى استِعَارَةِ الكُتُبِ وقِرَاءَتِها، ويَزُورُها الأَطْفَالُ فيُحَبَّبُ إِلَيْهِمُ الكِتَابُ، وتُحَبَّبُ إِلَيهِمُ المكْتَبَةُ.

 

 أَيَّها المُؤمِنُونَ: لِيُعَاهِدْ كُلٌّ مِنَّا رَبَّهُ -عَزَّ وجَلَّ- عَلَى العَوْدَةِ إِلَى القُرآنِ الكَرِيمِ، مُلْتَزِماً بِأَوَّلِ فَرْضٍ أَلْزَمَ بِهِ الرَسُولَ -صلى الله عليه وسلم- والمُسلِمينَ مِنْ بَعْدِهِ، أَلاَ وهُوَ القِراءَةُ وطَلَبُ العِلْمِ: القِراءَةُ بِاسْمِ اللهِ وعَوْنِهِ وهُدَاهُ، طَلَباً لِلْعِلْمِ بِاللهِ وطَلَباً لِلْعِلْمِ بِخَلْقِهِ، (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[العنكبوت:20].

 

 فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَلْيَقْرأْ كُلٌّ مِنَّا، وَلْيُعَلِّمْ ابْنَهُ القِراءَةَ، وَلْيَدْعُ إِلَى القِرَاءَةِ، وَلْيُعِنِ المُسَتَطِيعُ مِنَّا غَيْرَ المُستَطِيعِ؛ وَلْنَجْعَلِ الكِتَابَ صَدَقَةً جَارِيَةً، نَتَهادَى بِهِ فِيمَا بَيْنَنَا، ونُوقِفُهُ للهِ عَلَى قُرَّائِنا، وَلْيَدْعُ كُلٌّ مِنَّا الدُّعَاءَ الذِي عَلَّمَنا رَبُّنَا -عَزَّ وجَلَّ-: رَبِّ زِدْنِي عِلْماً، رَبِّ زِدْنِي عِلْماً، رَبِّ زِدْنِي عِلْماً.

 

هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا)[الأحزاب:56].

 

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

 

 اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.

 

 اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.

 

 اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

 

 اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.

 

 اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

 اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.

 اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

 رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.

 رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.

 اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.

المرفقات
اقرأ-وربك-الأكرم.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life