عناصر الخطبة
1/الفرحة باستقبال عشر ذي الحجة 2/الوصية باغتنام العشر الأول من ذي الحجة 3/بعض أعمال عشر ذي الحجة 4/ضوابط حج النفل وبعض أحكامهاقتباس
ليس لأعمال البِرِّ حدٌّ؛ فكلُّ عبادةٍ وردت الأدلةُ بمشروعيتِها فهي من الأعمال التي ينبغي انتهازُها؛ كقراءةِ القرآنِ الكريمِ، والإكثارِ من الإحسانِ لعبادِ اللهِ، وبذلِ الصدقاتِ، ونفعِ العبادِ؛ فاغتَنِمُوا الخيراتِ، وبَادِرُوا إلى الصالحات...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم عليه، وعلى آله وأصحابه.
أما بعدُ: فاتقوا الله معاشرَ المسلمينَ، فمن اتقى الله أفلح ونجا، ومن أطاعه فقد فاز برضا المولى.
عبادَ اللهِ: تَهِلُّ علينا بحولِ اللهِ وقوتِه عشرُ ذي الحجة، جعَل اللهُ أيامَنا مباركةً وبالطاعات عامرةً، إنَّها مواسمُ عظيمةٌ، للمسابَقة إلى الخيرات، والتزوُّد بالصالحات، والتقرُّب لرب الأرض والسموات؛ قال تعالى: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)[الْفَجْرِ: 1-2]؛ وأصحُّ ما قيل فيها: إنَّها العشر الأُوَل من شهر ذي الحجة، فاجتَهِدوا -عباد الله- فيها بشتى أنواع البِرّ، وأعمال الخير، واغتَنِمُوا لحظاتِها بما يُكفِّر السيئاتِ ويُضاعِف الحسناتِ، فتلكَ التجارةُ الرابحةُ، قال صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَيَّامٍ العملُ الصالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ مِنْ هذه الأيامِ؛ يَعنِي أيام العشر الأوائل من ذي الحجة، قالوا: يا رسولَ اللهِ، ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ قال: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ، إلا رجلٌ خرَج بماله ونفسِه، ثم لم يَرجِعْ من ذلك بشيء" (رواه البخاري)، وعند البيهقي والدارمي بلفظٍ: "مَا مِنْ عمل أزكى عندَ اللهِ ولا أعظمَ أجرًا من خير يعملُه في عشر الأضحى"(حسَّنَه الحُفَّاظ)، وروى البزار في مسنده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "أفضل أيام الدنيا العشر"؛ يعني عشر ذي الحجة، (حسنه المنذري وغيره).
وقد دلَّتِ الأدلةُ على استحباب صومها، وهو فعلُ كثيرٍ من السلف، ومِنْ أفضلِ الأعمالِ في هذه العشرِ للحاجِّ وغيرِه الإكثارُ من الذِّكرِ، تهليلًا وتكبيرًا وحمدًا؛ ففي الحديث: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّسبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ والتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ"(أخرجه الطبراني في الكبير بإسناد جيد)، وروى البخاري في صحيحه أن ابن عمر وأبًا هريرة -رضي الله عنهما- كانا يخرجان إلى السوق؛ أي: في أيام العشر، يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.
والتكبيرُ يكون في جميع لحظات مدة العشر، والمقيَّدُ من التكبير الذي يكون بعد انقضاء الصلاة فرضًا ونفلًا، ووقتُه -أي: المقيَّد- من صُبح يوم عرفة إلى العصر من آخِر أيام التشريق لغير الحاج، وأمَّا الحاج فيبدأ التكبير المقيَّد في حقه عقبَ صلاة الظهر من يوم النحر؛ فبادِرُوا هذه الأيامَ، مجتهدينَ بالأعمال الصالحة، بمختلف أنواعها تنالوا الخيرَ العظيمَ والأجرَ الكبيرَ.
معاشرَ المسلمينَ: وممَّا أكَّدَت عليه الأدلةُ الشرعيةُ شعيرةُ الأضاحي، فليُضحِّ المسلمُ القادرُ عن نفسه وأهل بيتِه أحياءً وأمواتًا، وحينَئذ فمَنِ امتَثَلَ الأمرَ وأرادَ أن يضحي فهو منهيٌّ عن أن يأخذ من شعره أو أظفاره أو جِلده، مُنذُ دخولِ العشرِ حتى يُضَحِّيَ، كما صحَّ بذلك النهي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فيا عبادَ اللهِ: ليس لأعمال البِرِّ حدٌّ؛ فكلُّ عبادةٍ وردت الأدلةُ بمشروعيتِها فهي من الأعمال التي ينبغي انتهازُها؛ كقراءةِ القرآنِ الكريمِ، والإكثارِ من الإحسانِ لعبادِ اللهِ، وبذلِ الصدقاتِ، ونفعِ العبادِ؛ فاغتَنِمُوا الخيراتِ، وبَادِرُوا إلى الصالحات؛ (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)[الْحَدِيدِ: 21].
اللهم وفِّقْنا لعملِ الخيراتِ، والتزوُّدِ مِنَ الصالحاتِ.
أقول هذا القولَ وأستغفِر اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمينَ من كل ذنبٍ، فاستغفِروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له؛ تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعدُ: فاتقوا الله تفلحوا، وأطيعوه تفوزوا وتَسعَدُوا.
أيها المسلمون: ومن ضرورة حفظ مصالح المسلمين في دِينهم ودنياهم ما اتفقَتْ عليه كلمةُ علماء الأمة من تنظيم حج النفل، بما صدَر عن وليِّ الأمرِ، وحينَئذ فطاعةُ وليِّ الأمرِ واجبةٌ في ذلك، فالله -عز شأنه- وقد رتَّب على حج النفل الثوابَ العظيمَ، فهو -سبحانه- الذي أمَر بطاعةِ وليِّ الأمرِ، فيما يراه محقِّقًا لمصالحِ المسلمينَ في أداءِ حجِّهم؛ ولذا فالمتحايلُ على التعليماتِ المنظِّمةِ للحجِّ مِنْ قِبَلِ وليِّ الأمرِ يكون عاصيًا في حجِّه ذلك، والمسلمُ لا يَرتَكِبُ الإثمَ من أجلِ أداءِ عبادةٍ مستحبَّةٍ، ويخشى على من هذه حاله قوله -تعالى-: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[النِّسَاءِ: 115]، وقد جاء عن بعضِ سلف هذه الأمة تفضيلُ الصدقاتِ على نفلِ الحجِّ، فاتقوا اللهَ -عباد الله- واعلموا أن نية ترك الحج النفل للتوسعة على المسلمين، مع نيةِ الوقوفِ عندَ حدودِ اللهِ في طاعةِ ولي الأمرِ يترتَّبُ على هذه النوايا الفضلُ العظيمُ، والأجرُ الكبيرُ، قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ بالمدينةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ فِي الْأَجْرِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ"، فسارِعوا -عبادَ اللهِ- إلى الخيراتِ، وبادِرُوا إلى الأعمالِ الصالحاتِ، وسابِقوا إلى الجنات.
ثم إنَّ اللهَ أمرَنا بأمرٍ عظيمٍ؛ ألَا وهو الصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الكريمِ؛ اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لموتى المسلمين، الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، اللهم أنزل عليهم رضاك يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم اغفر لهم ذنوبَهم، اللهم كفِّر عنهم سيئاتِهم، اللهم وأحلِلْ بهم رضوانَكَ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أَرْضِنَا وارضَ عنَّا، اللهم احفظنا واحفظ المسلمين من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتكَ أن نغتال من تحتنا، اللهم اكتب السلامة والعافية للمسلمين في كل مكان، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم (آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، اللهم إنا نسألك الْهُدَى والسداد، اللهم ألهمنا رُشدَنا، وأعذنا من شرور أنفسنا، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا، اللهم اكتب له الصحة والعافية، اللهم اجعله ممن طال عمره وحسن عمله، اللهم وفِّق ولي عهده لما تحبه وترضاه، اللهم أعنه ووفقه وسدده، اللهم أَعِنْهُ على كلِّ خيرٍ، ووفقه لكل صلاح يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاح رعاياهم.
اللهم اجمع المسلمين على الخير، اللهم اجمع كلمتهم على البر والتقوى، اللهم يا حي يا قيوم، نسألك أن تؤتي نفوسنا تقواها، اللهم زكها أنت خير من زكاها، اللهم اجعلنا سببًا ومفتاحا لكل خير، ومغلاقا لكل شر يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعلنا ممن يحب المسلمين كحب أنفسهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعلنا ممَّن يحبون للمسلمينَ ما يحبُّون لأنفسهم، يا حي يا قيوم، اللهم يا غني يا حميد، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا فقراء إلى رحمتك، اللهم أغث بلادنا، اللهم أغث بلاد المسلمين، اللهم اسقنا، اللهم لك الحمد، على ما أنعمت به علينا من الغيث، اللهم نسألك المزيد، اللهم أنتَ الغنيُّ فنسألكَ المزيدَ، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
عبادَ اللهِ: (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 41-42].
التعليقات