عناصر الخطبة
1/ كثرة مجالات العمل الصالح 2/ شروط العمل الصالح المقبول 3/ فضائل العمل الصالح 4/ جزاء العمل الصالح في الدنيا والآخرة 5/ الحث على الإكثار من الأعمال الصالحة.اهداف الخطبة
اقتباس
العَمَلُ الصَّالِحُ يا مُؤمِنُونَ بَابٌ واسِعٌ، وَمِنْ فَضْلِ اللهِ أنَّهُ مُتَنَوِّعٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ بَابٌ يُناسِبُهُ، وَمِنْ فَضْلِ اللهِ كَذَالِكَ أنَّهُ مُتَعَدِّدُ المَنافِعُ، فلا يُقصَرُ العَمَلُ الصَّالِحُ على الصَّلاةِ أو الصِّيامِ أو تِلاوةِ القُرآنِ فَحسبٌ. نَعَمْ نِعْمَ الأعمَالُ تِلكَ وَمَنْ أخَذَ بِها أخَذَ بِحظٍّ وافِرٍ، ولَكِنَّ اللهَ تَعالى بِحكمَتِهِ جَعَلَ لِلجَنَّةِ ثَمَانِيةَ أبوَابٍ! فَأُناسٌ يُدعُونَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وآخَرُونَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وقِسْمٌ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، والسَّعيدُ مَنْ نَوَّعَ بَينَ الأعمَالِ وَأَخَذَ مِنها بِحظٍّ وافِرٍ فَدُعِيَ مِنْ تِلكَ الأبوابِ كُلِّها. نَسْاُلُ اللهَ لَنا ولَكُم التَّوفِيقَ والتَّسدِيدَ والهِدايَةَ.
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الْجَوَادِ الْكَرِيمِ القَائِلِ في كِتَابِهِ المَجِيدِ: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [الأنعام: 160]. لَا حَدَّ لِفَضْلِهِ وَجُودِهِ وَكَرَمِهِ.
نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛جَعَلَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ دَلِيلًا عَلَى حُسْنِ الْإِيمَانِ، وَسَبَبًا لِلثَّوَابِ ورِضَا الرَّحِيمِ الرَّحمن، وَلَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ، وَإِنَّمَا بِرَحْمَةِ وَفَضْلِ الرَّءوفِ المَنَّانِ.
وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؛ عَمَرَ وَقْتَهُ بِما يُقَرِّبُ إلى اللهِ، وحَثَّنا عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ ودَيْمُومِيَّتِهِ، وَكَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يا مُؤمِنُونَ، وَاعْمَلُوا صَالِحًا فإنَّ رَبَّنا يَقُولُ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ) [الأنبياء: 94].
العَمَلُ الصَّالِحُ يا مُؤمِنُونَ بَابٌ واسِعٌ، وَمِنْ فَضْلِ اللهِ أنَّهُ مُتَنَوِّعٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ بَابٌ يُناسِبُهُ، وَمِنْ فَضْلِ اللهِ كَذَالِكَ أنَّهُ مُتَعَدِّدُ المَنافِعُ، فلا يُقصَرُ العَمَلُ الصَّالِحُ على الصَّلاةِ أو الصِّيامِ أو تِلاوةِ القُرآنِ فَحسبٌ. نَعَمْ نِعْمَ الأعمَالُ تِلكَ وَمَنْ أخَذَ بِها أخَذَ بِحظٍّ وافِرٍ، ولَكِنَّ اللهَ تَعالى بِحكمَتِهِ جَعَلَ لِلجَنَّةِ ثَمَانِيةَ أبوَابٍ! فَأُناسٌ يُدعُونَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وآخَرُونَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وقِسْمٌ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، والسَّعيدُ مَنْ نَوَّعَ بَينَ الأعمَالِ وَأَخَذَ مِنها بِحظٍّ وافِرٍ فَدُعِيَ مِنْ تِلكَ الأبوابِ كُلِّها. نَسْاُلُ اللهَ لَنا ولَكُم التَّوفِيقَ والتَّسدِيدَ والهِدايَةَ.
عبَادَ اللهِ: الْأَيَّامُ تَمْضِي بِحُلْوِهَا وَمُرِّهَا، وَأَعْمَارُ النَّاسِ تَمْضِي مَعَ مُضِيِّهَا، يَسْتَوِي فِي انْقِضَاءِ الْأَعْمَارِ المُؤْمِنُ وَالكَافِرُ، وَالبَرُّ وَالفَاجِرُ، فَالسَّنَةُ مَاضِيَةٌ عَلَى الْجَمِيعِ بِأَشْهُرِهَا وَأَيَّامِهَا، فَمُسْتَوْدِعٌ فِيهَا عَمَلًا صَالِحًا وَمُسْتَوْدِعٌ فِيهَا عَمَلًا سَيِّئًا. وَلا يَكُونُ العَمَلُ صَالِحا إلاَّ مَا كَانَ مُوافِقًا لِشَرْعِ اللهِ –تَعَالَى- وَخَالِصًا لِوَجْهِهِ -تَعَالَى-.
قَالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "ولا يَكَونُ العَمَلُ صَالِحَا إلَّا إذَا كَانَ مَعَ العَبْدِ أَصْلُ التَّوحِيدِ والإيمَانِ، المُخرِجِ عَنْ الكُفْرِ والشَّركِ، الذي هُو شَرْطٌ لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ".
أيُّها المُؤمِنُونَ: أتَظُنُّونَ أنَّ جَزَاءَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ مُقْتَصِرًا عَلَى الآخِرَةِ فَقَطْ؟ كلاَّ وَرَبِّي فإِنَّ اللهَ -تعالى- يُجَازِي عليهِ في الدُّنْيا قَبْلَ الآخِرَةِ، وهذا مِنْ لُطفِ اللهِ -تعالى- وَجُودِهِ وكَرَمِهِ.
تَأمَّلوا يا مُؤمِنُونَ الفَرْقَ بَينَ الفَرِيقَينِ المُؤمِنينَ والكَافِرِينَ. فَفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ -رَحِمَهُ اللهُ- بِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا».
الْعَمَلُ الصَّالِحُ يا مُؤمِنُونَ: سَبَبٌ لِسَعَادَةِ الْقَلْبِ وَفَرَحِهِ، وَذَهَابِ هَمِّهِ وَغَمِّهِ؛ قالَ اللهُ تَعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل: 97]. قَالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ: "حَيَاةً طَيِّبَةً وَذَلِكَ بِطُمَأْنِينَةِ قَلْبِهِ وَسُكُونِ نَفْسِهِ وَعَدَمِ التِفَاتِهِ لِمَا يُشَوِّشُ عَليهِ".
وَلِذَا يا مُؤمِنُونَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ وأهَمَّهُ شَيءٌ فَزَعَ إلى أعظَمِ وأوسَعِ أبوابِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ ألا وَهِيَ الصَّلاةُ.
عبادَ اللهِ: وَمِنَ الْجَزَاءِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ: وُدُّ الْخَلْقِ وَمَحَبَّتُهُمْ لِلعَامِلِ، وَالْقُلُوبُ لَا يَمْلِكُهَا إِلَّا اللهُ، فَأَكْثَرُ النَّاسِ يُحِبُّونَ مَنْ يَعْمَلُ صَالِحًا وَلَوْ لَمْ يَعْمَلُوا عَمَلَهُ، وَلَا يَكْرَهُ أَهْلَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ إِلَّا أَهْلُ الِاسْتِكْبَارِ! (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) [مريم: 96].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: «مَحَبَّةٌ فِي النَّاسِ فِي الدُّنْيَا». وَقَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: «يُحِبُّهُمْ وَيُحَبِّبُهُمْ إِلَى خَلْقِهِ».
وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «مَا مِنَ النَّاسِ عَبْدٌ يَعْمَلُ خَيْرًا وَلَا يَعْمَلُ شَرًّا، إِلَّا كَسَاهُ اللهُ رِدَاءَ عَمَلِهِ».
وَمِنَ الْجَزَاءِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ: صَلَاحُ أَحْوَالِ الْعَبْدِ وَقَلْبِهِ وأعْمَالِهِ وَتَيْسِيرُ أُمُورِهِ وتَزْكِيَةُ نَفْسِهِ. كَمَا قَالَ رَبُّنَا: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) [محمد: 2].
أتَظُنُّونَ يا مُؤمِنُونَ: أنَّ مَنْ يَعْمَلُ صَالِحًا تَسْتَوِي حَيَاتُهُ وَمَمَاتُهُ بِمَنْ يَعْمَلُ سَيِّئًا؟ استَمِعُوا لِقَولِ الحَقِّ -تَبَارَكَ وَتَعَالى-: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [الجاثية: 21].
سَاءَ مَا ظَنُّوا فَإنَّ حِكْمَةَ أَحْكَمِ الحَاكِمِينَ وَخَيرَ العَادِلِينَ قَطَعَتْ بِأَنَّ العَامِلِينَ لِلصَّالِحَاتِ لَهُم النَّصرُ والفَلاحُ والسَّعَادَةُ والثَّوَابُ في العَاجِلِ والآجِلِ كُلٌّ على قَدْرِ إحسَانِهِ. كَانَ الْفُضَيْلُ بنُ عِياضٍ -رَحمَهُ اللهُ- يُرَدِّدُ الآيَةَ وَيَبْكِي، وَيَقُولُ: "يَا فُضَيْلُ، لَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ أَنْتَ"؟.
عبادَ اللهِ: مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً حَفِظ اللهُ أَهْلَهُ وَذُرِّيَّتَهُ! وقَدْ أخَبَرنا اللهُ عنْ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي مَدِينَةٍ كَانَ لَهُمَا كَنْزٌ حُفِظَ بِسَبَبِ: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) [الكهف: 82]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: «حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبَوَيْهِمَا».
نَحنُ يا مُسلِمونَ أحوجُ مَا نَكُونُ في هذا الزَّمَنِ بالذَّاتِ لِلتَّزوُّدِ من العَمَلِ الصَّالِحِ لأنَّهُ الثَّبَاتُ فِي الشَّدَائِدِ، والوَاقِي عَنْ المُحَرَّمَاتِ، والحافِظُ عَن الفِتَنِ بإذنِ اللهِ –تَعَالى-؛ وَلِذَا أَوْصَى النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ حَالَ الْفِتَنِ، وَكُلُّنا يَعلَمُ أنَّ الَّذِين آوَوْا إِلَى الْغَارِ وَانْحَدَرَتْ الصَّخْرَةُ على فَم الْغَارِ وَأَغْلَقَتْهُ؛ أنَّهُم نُجُّوا بِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ سَأَلُوا اللهَ بِهَا.
فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّ عَمَلَهُ يُسْعِفُهُ فِي كَرْبِهِ جَزَاءً وِفَاقَا، اللهُمَّ اجعَلنا مِن عبادِكَ الصَّالِحينَ المُصلِحينَ المُفلِحينَ، اهدِنا يا رَبَّنا لِصالِحِ القولِ والخُلُقِ والعَمَلِ. وأستَغفِرُ اللهَ لي وَلَكُم فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ يَهدِي مَنْ يَشاءُ إلى صِراطٍ مُستَقِيمٍ، نَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحده لا شريكَ لَهُ السَّمِيعُ البَصِيرُ، وَنَشْهَدُ أنَّ مُحمَّدا عبدُ اللهِ وَرَسُولُه البَشِيرُ النَّذِيرُ، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه والتَّابعين لهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المصيرِ.
أَمَّا بَعدُ: فَيا أيُّها المُسلِمونَ أوصِيكُم ونَفْسِي بِتقوى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَتَقْوَاهُ خَيرُ زَادٍ، ونِعمَ العُدَّةُ لِيومِ المَعَادِ، فَاتَّقُوا اللهَ حيثُما كُنتم، وقُومُوا بِالأمرِ الذي مِن أجلِه خُلِقتم، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ) [المؤمنون: 115].
هِنِيئَا لَكُم يَا مُؤمِنُونَ هَذا الوَصْفُ والعُنْوَانُ، فَجَزاءُ إيمَانِكُم وَعَمَلِكُمُ الصَّالِحُ ثَوابَاً في الدُّنيا قَبْلَ الآخِرَةِ! ألا تَعلَمُ -يا رَعاكَ اللهُ- أنَّ مَنْ يَعمَلُ صَالِحاً لَهُ وِلايَةٌ خَاصَّةٌ مِن اللهِ تَعَالى؟ (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) [الأعراف: 196].
بَلْ أهل الْعَمَلِ الصَّالِحِ لهُمُ التَّمْكِينُ فِي الْأَرْضِ! (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) [النور: 55].
واستَمِعُوا إلى الكَلامِ النَّفِيسِ الذي واللهِ خَرَجَ مِنْ قَلْبِ الشَّيخِ السَّعدي عندَ تَفْسِيرِهِ لِهذهِ الآيَةِ ما مَفادُهُ: "وهذا مِنْ أَوعَادِهِ الصَّادِقَةِ، فَإنَّ مَنْ قَامَ بِالإيمانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ يَكُونُونَ هُمْ خُلَفَاءُ الأرْضِ، المُتَصَرِّفِينَ فِي تَدْبِيرِهَا، وأَنَّهُ يُمَكِّنُ لَهُم مِنْ إِقَامَةِ دِينِ اللهِ وَشَرَائِعِهِ، وَأنَّهُ يُبَدِّلَهُم مِنْ بَعدِ خَوفِهم بِالأَمْنِ التَّامِ، بِحيثُ يَعبُدُونَ اللهَ لا يُشرِكُونَ بِهِ شَيئَاً، وَقَد قَامَ صَدْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالإيمَانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ بِمَا يَفُوقُ غَيرَهُم، فَمَكَنَّهُمُ مِن البِلادِ والعِبَادِ، وَلا يَزَالُ الأَمْرُ إلى قِيامِ السَّاعَةِ، فإنَّ مَنْ يَقُومُ بِالإيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، فَلا بُدَّ أنْ يُوجَدَ مَا وَعَدَهُمُ اللهُ بِهِ، وإنَّمَا يَتَسَلَّطُ الكُفَّارُ والمُنَافِقُونَ، بِسبِبِ إخْلالِنا بِالإيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ".
عبادَ اللهِ: وَمِنَ الْجَزَاءِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ: دَفْعُ الْعُقُوبَاتِ وَرَفْعُهَا؛ كَمَا فِي حَدِيثِ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ، الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ، أَوِ التَّمْرِ، لاَ يُبَالِيهِمُ اللَّهُ بَالَةً» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
فَأَهْلُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَهُمْ فَضْلٌ عَلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْعُقُوبَاتِ وَرَفْعِهَا بِسَبَبِ صَلَاحِهِمْ وَدُعَائِهِمْ، وأَنَّهُمْ سَبَبٌ لِتَمْكِينِ الْأُمَّةِ وَعُلُوِّهَا وَعِزِّهَا وَفَخَارِها، فَحَقَّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مَحبَّتُهُمْ وَمُوَالتُهُمْ، وَبُغْضُ أَعْدَاءِهِمْ.
أيُّها المُؤمِنُون: أَكْثِرُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تَنْفَعُكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ، وَتَكُونُ أَنِيسًا لَكُمْ فِي قُبُورِكُمْ، وَذُخْرًا لَكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) [النساء: 124].
إِنَّنَا عِبادَ اللهِ: أَشَدُّ مَا نَكُونُ حَاجَةً فِي هَذَا الزَّمَنِ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ وَتَكْثِيرِهِ وَتَنْوِيعِهِ وَالدَّيْمُومَةِ عَلَيْهِ؛ لِكَثْرَةِ الْفِتَنِ الْمُحِيطَةِ بِنَا، وَالْكُرُوبِ الَّتِي تُطَوِّقُنَا، وَفِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَنْجَاةٌ وَثَبَاتٌ وَمَخْرَجٌ.
فَعلى الأَفْرَادِ والحُكُومَاتِ أنْ يَعمَلُوا الصَّالِحَاتِ، ويَبْتَعدوا عَنِ السَّيِّئَاتِ؛ لِيَسْتَحِقُّوا التَّمْكِينَ فِي الْأَرْضِ. يَكْفِي الْعَمَلَ الصَّالِحَ فَضْلًا، وَأَهْلَهُ شَرَفًا أَنَّ اللهَ زَكَّاهُم فَقَالَ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [البينة: 7]. وأنَّ لَهُمُ الحَيَاةَ الطَّيبَةَ فَقَالَ سبحانَهُ: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97]. هذا جَزَاؤهم في الدُّنيا أمَّا في الآخِرَةِ فَبَابٌ آخَرُ. رَضِينا بِاللهِ ربًّا، وبالإسلام دِينًا، وبِمُحمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- نَبِيًّا.
عبادَ اللهِ: صَلُّوا وَسَلُّمُوا على الرَّحمةِ المُهداةِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، فاللهمَ صَلِّ وَسَلِّم وبَارك على محمدٍ وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدينِ.
اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبَنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللهمَّ إنَّا نَسألُك إيِمانا صَادِقا وعَمَلا صَالِحَا مُتقَبَّلا.
اللهمَّ ثَبِّتنا بِالقولِ الثَّابت في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخرةِ. واغفر لنا ولِوالدِينا ولجميع المسلمينَ، اللهم آمنَّا في أوطانِنا وأصلح أئمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا، واحقِن دِمَاءَ المُسلمينَ، وأَلِّفْ بَينَ قُلُوبِهم واهدهم سُبُلَ السَّلامِ (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
التعليقات