عناصر الخطبة
1/معنى الطمأنينة 2/بم تحصل الطمأنينة؟اقتباس
والقَلْبُ لا يَطْمَئِنُّ إِلا بالْيَقِينِ والإِيمَانِ، وَلا سَبِيلَ إِلَى حُصُولِ ذلكَ إِلا بـالْقُرْآنِ؛ فَهُوَ الْمُحَصِّلُ لِلْيَقِينِ والسَّكِيْنَة، والدَّافِعُ لِلشَّكِ والرِّيْبَة، فَلَا تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ إِلَّا بِهِ...
الخُطْبَةُ الأُولى:
أَيُّهَا المسلمون: إِنَّهَا نِهَايَةُ الأَمَانِ والسَّكِيْنَة، وَقِمَّةُ الحَيَاةِ السَّعِيدة، إِنَّها العُرْوَةُ الوُثْقى التي تَحْفَظُ للنَّفْسِ هُدُوْءَهَا وثَبَاتَهَا في مُوَاجَهَةِ الأَحْداث؛ إِنَّها الطُّمَأْنِيْنَة!
والطُّمَأْنِينَةُ سُكُونُ الْقَلْبِ إِلَى الله، وعَدَمُ اضْطِرَابِهِ وَقَلَقِهِ، وهي نِعْمَةٌ عَظِيْمَة، لا تَنْزِلُ إلا في قُلُوبِ المُؤْمِنِيْن، قال تعالى: (ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ)[التوبة:26]. قالَ السِّعْدِي: "السَّكِيْنَةُ: ما يَجْعَلُهُ اللهُ في القُلُوبِ وَقْتَ القَلاقِلِ والزَّلازِلِ والمُفْظِعَات؛ مِمَّا يُثَبِّتُهَا وَيُسَكِّنُهَا وَيَجْعَلُهَا مُطْمَئِنَّة، وَهِيَ مِنْ نِعَمِ اللهِ العَظِيْمَةِ".
ولا يَطْمَئِنُّ القَلْبُ إلا بِتَوْحِيدِ الله؛ فَإِنَّ في الْقَلْبِ شَعَثٌ، لا يَلُمُّهُ إِلا الإِقْبَالُ على الله، وَفِيهِ فَاقَةٌ لَا يَسُدُّهَا إلَّا مَحَبَّتُهُ وذِكْرُه، (قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)[الأنعام:71].
والقَلْبُ لا يَطْمَئِنُّ إِلا بالْيَقِينِ والإِيمَانِ، وَلا سَبِيلَ إِلَى حُصُولِ ذلكَ إِلا بـالْقُرْآنِ؛ فَهُوَ الْمُحَصِّلُ لِلْيَقِينِ والسَّكِيْنَة، والدَّافِعُ لِلشَّكِ والرِّيْبَة، فَلَا تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ إِلَّا بِهِ (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد:28]. قال ابنُ القَيِّم: "اطْمَأَنَّتِ الْقُلُوبُ بِالْقُرْآنِ؛ لَمَّا حَصَلَ لَهَا الْإِيمَانُ والْهِدَايَةُ بِهِ، فِي ظُلَمِ الْآرَاءِ وَالْمَذَاهِبِ".
وَمَنْ سَلَّمَ عَقْلَهُ لِلْشَّرْع اِطْمَأَنَّ قَلْبُه، واسْتَرَاحَتْ نَفْسُه، فَلَا يَتَكَلَّفُ مَا لا طَاقَةَ لِلْعَقْلِ بِه: كَأُمُورِ الغَيْبِ التي لا يَعْلَمُهَا إلا الله؛ (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء: 65].
والصِّدْقُ والأَمَانَة؛ سَبَبٌ للطُّمَأنِيْنَةِ والسَّعَادَة، فَـالصِّدْقُ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ القَلْبُ، ويَجِدُ عِنْدَهُ سُكُونًا إِلَيْهِ. وَالكَذِبُ يُوْجِبُ لَهُ اضْطِرَابًا وارْتِيَابًا؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ"(رواه الترمذي وصححه).
والمُطْمَئِنُّ بالله، سَاكِنُ البَالِ عند البَلاءِ والفِتْنَة؛ لأَنَّهُ وَاثِقٌ بِوَعْدِ رَبِّه، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ عليهِ أَسْبَابُ الهَلاك؛ فَهَذَا مُوْسَى عليه السلام: العَدُوُّ خَلْفَه، والبَحْرُ أَمَامَه، وأَصْحَابُهُ يُنَادُون: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)[الشعراء:61]؛ فَأَجَابَهُم مُوْسَى جَوابَ الواثِقِيْن: (كَلا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِين)[الشعراء:62].
وَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُرِيْحَهُ وَيَحْمِلَ عَنْهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِ سَكِينَتَهُ، فَاطْمَأَنَّ إِلَى دِيْنِهِ وحُكْمِهِ فَعَلِمَ أَنَّ الإسلامَ هو الدِّينُ الحَقُّ، وأَنَّ اللهَ نَاصِرُهُ وَنَاصِرُ أَهْلِهِ، وأَيْقَنَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وأَنَّ اللهَ حكيمٌ في قَضَائِهِ وَقَدَرِه؛ فَلَا وَجْهَ للشَّكِّ والسَّخَط، (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ)[الفتح: 4].
والمُؤْمِنُ المُبْتَلَى؛ يَطْمَئِنُّ إلى ثُوابِ الله؛ فَيَسْكُنُ قَلْبُهُ عِنْدَ المُصِيْبَة، حَتَّى يَكَاد يَلْتَذُّ بِالبَلاءِ ويَرَاهُ نِعْمَة، قال تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)[التغابن: 11]، قال عَلْقَمَة: "هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ؛ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؛ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ".
والمُتَوَكِّلُ على الله؛ يَطْمَئِنُّ إِلَى مَنْ بِيَدِهِ الأَسْبَابُ كُلُّهَا، قال حَاتِمٌ الأَصَمُّ: "عَلِمْتُ أَنَّ رِزْقِي لاَ يَأْكُلُهُ غَيْرِي، فَاطْمَأَنَّتْ بِهِ نَفْسِي".
والمُؤْمِنُ المُتَفَائِل: يَعِيْشُ في طُمَأْنِيْنَةٍ وأَمَان، بَعِيْدًا عن التَّشَاؤُمِ والأَحْزَان، وَوَسَاوسِ الشيطان، وَخُرَافَاتِ الكُهَّان، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ"(رواه البخاري، ومسلم)
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
عِبَادَ الله: مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ الأَمَّارَةَ بِالسُّوء؛ صَارَتْ مُطْمَئِنَّةً إلى رَبِّهَا، مُنْقَادَةً لِدَاعِي الهُدَى، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ البِشَارَةَ بِدُخُولِ الجَنَّةِ لِأَهْلِ الطُّمَأنِينَةِ، (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً * مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)[الفجر:27-30].
التعليقات