عناصر الخطبة
1/حاجة العبد لولاية ربه لضعفه 2/حقية الولاية ومظاهرها وآثارها 3/حال الذين تخل الله عنهم لما تخلوا عن التقوى 4/أعظم الخلق ولاية لله تعالى 5/المحرومون من ولاية الله.اقتباس
أَعْرَضَ قَومٌ عَن الإِيمانِ والتَّقْوَى، فَلَمْ يَتَزَلَّفُوا إلى اللهِ بِما يُحِبّ، ولَمْ يَتَقَرَّبُوا إِلَيهِ بما يَرْضَى، فَما كانَ لَهُم من اللهِ مِن ولِيٍّ، وما كانَ لَهُم من اللهِ مِنْ واقْ، وَالَوْا مَنْ لا يَرْضَى اللهُ وَلايَتَهُم، وتَقَرَّبُوا مَنْ أَمَرَ اللهُ بِمُنابَذَتِهِم، ذَلُّوا لِغَيْرِ العَزِيْز، وافْتَقَرُوا لِغَيْرِ الغَنِيّ، ورَغِبُوا لِغَيْرِ القَدِيْر، واعْتَمَدُوا عَلى غَيْرِ الله...
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)،
أيها المسلمون: خُلِقَ الإِنْسانُ ضَعِيفاً، تُحِيْطُ بِهِ المَخاطِرُ وتَحُفُّ بِه الآفات، وتُؤْلِمُهُ المَصائِبُ ويُوهِنُهُ الحَزَن، خُلِقَ الإِنْسانُ ضَعِيفاً، ضَعِيْفٌ مَهْما تَعاظَم، ضَعِيْفٌ مَهْما اعْتَلَى، ضَعِيْفٌ مَهما تَكَبَّرْ، ضَعِيْفٌ مَهما مَلَك.
خُلِقَ الإِنْسانُ ضَعِيفاً، وضَعِيْفٌ يُوْكَلُ إِلى نَفْسِهِ لَهُوَ في عَناءَ، وضَعِيْفٌ يَتَوَكَّلُ عَلى ضَعِيْفٍ لَهوَ في شَقاءَ، وضَعِيْفٌ لَيسَ لَهُ مِنَ اللهِ مَددٌ لَهْوَ في خَيْبَة؛ (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا).
لا يَقُومُ للإِنْسانِ قائِمَةٌ، إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ لَهُ ولِيّ، ولَنْ يَتَحَقَّقَ لَهُ نَفْعٌ، إِنْ لَمْ يَكُنْ اللهُ لَهُ نَصِيْر، ولَنْ يَرْتَفِعَ عَنْهُ عَناءٌ، إِن لَمْ يَكُنِ اللهُ بِهِ حَفِيّ، ولَنْ يَتَحَقَّقَ لَهُ أَمْنٌ، إِن لَمْ يَكُنِ اللهُ لَه ظَهِيْر.
وكُلُّ الخَلائِقِ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيّ، وكُلُّ مَنْ وَالَى غَيْرَ اللهِ ضَلّ؛ (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ)، (وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا).
ومَرَدُّ العِبادِ يَومَ المَعادِ إِلى اللهِ مَوْلاهُمُ الحَقّ؛ (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ)، وَالعِبادُ في الحَياةِ قَدْ افْتَرَقُوا، فَمِنْهُم مَن آمَنَ ومِنْهُم مَنْ كَفَر؛ فالذين آمَنُوا وَلِيُّهُمُ اللهُ، والذين كَفَرُوا أَولياؤُهُمُ الطاغوت؛ (فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ)، (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وَمَنْ كانَ اللهُ لَه وَلِياً، أَدْرَكَ كُلَّ فَضْلٍ، وكُفِيْ كُلَّ بَلاءَ.
(وَلايَةُ اللهِ)، كَرامَةٌ كَتَبَها اللهُ لِمَنْ لَزِمَ الإِيْمانَ والتَّقْوَى؛ (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، تَوَلَّوْا اللهَ فَتَوَلَّاهُم، وأَوَوا إِلَيْهِ فآواهُم.
يُوالِي العَبْدُ رَبَّهُ، فَيُحِبُّ ما أَحَبَّ اللهُ، ويَكْرَهَ ما كَرِه اللهُ، ويُوالِيْ مَن آمَنَ باللهِ، ويُعادِيْ مَنْ كَفَرَ بالله، ويَعْمَلُ بِمَرْضاةِ اللهِ ويَسْتَجِيْبُ لأَمْرِ الله، يَلْزَمُ حُدودَ شَرْعِ اللهِ ويَنْتَهِيْ عَن نَهْيه، مُؤْمِنٌ يَخْشَى اللهَ ويَتَّقِيْه، وَلِيٌّ للهِ حَقاً؛ (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).
واللهُ وَلِيُّهُم، يُحِبُّهُمْ ويُؤَيِّدُهُم، يَهْدِيْهِم ويُثَبِّتُهُم، يُسَدِّدُهُم ويَنْصُرُهُم ويَكْفِيْهِم.
(وَلايَةُ اللهِ) وِسَامُ كَرامَةٍ، يَكُونُ بِها العَبْدُ مُقَرَّباً مِنْ رَبِهِ، مُحاطاً بِعِنايَتِهِ، مَكْلُوءً بِرِعايَتِهِ، مُؤَمَّنَاً بِكِفايَتِهِ، مَحْمِيَّاً بِحِفْظِهِ.
(وَلايَةُ اللهِ)، هِبَةٌ رَبَّانِيَّة، ومِنْحَةٌ إلهِيَّةٌ، لا تُدْرَكُ بالقُوَّةِ ولا بالغَلَبَةِ، ولا بالحَسَبِ ولا بِالنَّسَبِ، ولا بالقَهْرِ ولا بالسُّلْطان، وإِنَّما بالإِيمانِ والتَّقُوى، وعَلى قَدْرِ عُلُوِّ الإِيمانِ تَعْلُو مَرْتَبَةُ العَبْدِ، وعلى قَدْرِ تَحْقِيْقِهِ للتَّقْوَى يَرْتَفِعُ عِنْدَ اللهِ مَقامُهُ؛ (هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ).
أَعْرَضَ قَومٌ عَن الإِيمانِ والتَّقْوَى، فَلَمْ يَتَزَلَّفُوا إلى اللهِ بِما يُحِبّ، ولَمْ يَتَقَرَّبُوا إِلَيهِ بما يَرْضَى، فَما كانَ لَهُم من اللهِ مِن ولِيٍّ، وما كانَ لَهُم من اللهِ مِنْ واقْ، وَالَوْا مَنْ لا يَرْضَى اللهُ وَلايَتَهُم، وتَقَرَّبُوا مَنْ أَمَرَ اللهُ بِمُنابَذَتِهِم، ذَلُّوا لِغَيْرِ العَزِيْز، وافْتَقَرُوا لِغَيْرِ الغَنِيّ، ورَغِبُوا لِغَيْرِ القَدِيْر، واعْتَمَدُوا عَلى غَيْرِ الله.
انْصَرَفَتْ قُلُوبُهُم إِلى مَنْ فَاقَهُمْ في الدُّنْيا مِنَ المَخْلُوقِين، فَطَمِعُوا مِنْهُم بِمَنْصِبٍ أَو مَطْعَمٍ أَو مَشْرَب، أَو مَكانَةٍ أَو مأَمَنٍ أَو مَكْسَب، فَحامَتْ حَوْلَ حِمَاهُمْ مَطامِعُهُم، فآثَرُوا رِضَاهُمْ عَلَى رِضَا اللهِ، وقَدَّمُوا أَوامِرَهُم عَلى أَوَامِرِ الله، فَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ ولا نَصِيْر، فَما أَدْرَكُوا مَغْنَماً ولا حقَّقُوا نَصْرا، ولا ارْتَقَوا شَرَفاً ولا اجْتازُوا وَعْرا، ابْتَعَدُوا عَنْ وَلايَةِ اللهِ، فَشَطَتْ بِهِم السُّبُلْ؛ (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ).
وأَعْظَمُ أَولياءِ اللهِ، أَعظَمُهُمْ لَهُ تَعظِيْماً وتَوْقِيْراً وتَكْبِيْراً، وكُلَما مَنْ كانَ باللهِ أَعْرَفْ، كَانَ لُهُ أَعظَمَ مَحَبَّةً، ولَهُ أَرْجَى ومِنْهُ أَخَوَف؛ (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّه)، (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ).
والأَنْبياءُ والمرسَلُون، هُمْ أَوْفَرُ النَّاسِ حَظَّاً مِنْ وَلايَةِ الله، يَتَوَلَّوْنَ اللهَ ويَتَوَلّاهُم، يُقِيْمُونَ أَمْرَهُ كَما أَمَرَهُم، ويَثِقُونَ بِولايَتِهِ وتأَييدِهِ لَهُم كَما وَعَدَهُم؛ (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)، (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
والمؤْمِنُونَ أَتْباعُ للمُرْسَلِين، بِهَدْيِهِمْ يَهْتَدُون، وبِسُنَّتِهِمْ يَقْتَدُون، وبشَرِيْعَتِهِم يَسْتَمْسِكُون، أَدْرَكُوا مِنْ وَلايَةِ اللهِ لَهُم ما تَقَرُّ بِهِ عُيُونُهُم؛ (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ).
أَدْرَكُوا وَلايَةَ اللهِ، فَنَعِمُوا بالأَمْنِ وإِنْ مَسَّهُمُ البَلاء، ونَعِمُوا بالطُمأَنِيْنَةِ وإِن اشْتَدَّ بِهِم الكَرْب؛ (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا).
أَدْرَكُوا وَلايَةَ اللهِ، فَهُمْ في البُشْرَى يَتَنَعَّمُون؛ (لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
وفي أَخْطَرِ اللحَظَاتِ، وأَرْهَبِ المواقِفِ، حِينَ تُغَرْغِرُّ الرُّوْحُ وتَبْلُغُ الحُلْقُوم، يَأَتِيْهِمْ مِنَ اللهِ التَّطْمِيْنُ، وتَحِلُّ عَلَيْهِمُ مِنَ اللهِ البُشْرَى، فَوَلايَةُ اللهِ لَكُمْ ولَنْ تُفارِقَكُم، فَيَسْتَقْبِلُونَ الآخِرَةَ مُسْتَبْشِرِينِ بالفَوزِ مُطْمَئِنِّين؛ (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ* نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ).
باركَ اللهُ لي ولكم،
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصَّالحِين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رَسُوْلُ رَبِّ العَالَمِيْن، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ أَجْمَعِيْن، وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً؛ أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوْا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُوْن.
أيها المسلمون: (وَلايَةُ اللهِ)، غَايَةٌ تَفُوقُ كُلَّ غَايَة، ومَطْلَبٌ يَسْمُو على كُلِّ مَطْلَبْ، وأَولياءُ اللهِ، هُمُ المُؤْمِنُونَ المُتَّقُون؛ قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ الله-: "وإِذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ اللهِ هُمُ المؤْمِنُينَ المُتَّقِيْن، فَبِحَسَبِ إِيْمَانِ العَبْدِ وَتَقْوَاهُ تَكُوْنُ وَلايَتُهُ لِلهِ تَعَالَى، فَمَنْ كانَ أَكْمَلَ إِيْمَاناً وَتَقْوَى، كانَ أَكْمَلَ وَلايَةً لله، فَالنَّاسُ مُتَفَاضِلُوْنَ في وَلايةِ اللهِ عَزَّ وَجَل بِحَسَبِ تَفَاضُلِهِمْ في الإِيْمَانِ والتَّقُوَى"
وَمَنْ انْحَرَفَ عَنْ الإِيْمانِ وخاضَ غِمارَ الجَهْلِ تَخَبَّطَ في الظُلُمات، مَنْ تَعَلَّقَ بالأَولِياءِ أَحياءً أَو أَمواتاً، أَو تَعَلَّقَ بِمَنْ يَدَّعِيْ الوَلايَةَ، فأَنْزَلَ بِهِ حاجَتَه، وبَسَطَ إِلَيْه فَاقَتَه، ورَفَعَ إِلَيْه مَسأَلَتَه، ودَعاهُ لِكَشْفِ ما يَجِد، فَقَدْ ولَجَ أَبْوابَ الضَلالِ مِنْ أَوسَعِ أَبْوابِه؛ فَما الأَنبياءُ ولا الأَوْلِياءُ ولا الملائِكَةُ المُقَرَّبُون، ولا غَيْرُهُمْ مِن سَائِرِ العالَمِيْن، لَهْم شَيءٌ مِنْ العِبادَةِ التِي لا تُصْرَفُ إِلا لله؛ "والدُّعاءُ هُوَ العِبادَة"، (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ حَقّاً، هُم المُؤْمِنُونَ المُتَّقُون، المُتَبِعُونَ للهِ ولِرَسُولِهِ المُنْقادُون، المُسْتَمْسِكُونَ بالكتابِ والسُّنَةِ المُهتَدُون، وقَدْ يُظْهِرُ اللهُ لِبَعْضِ أَوْلِيائِهِ شَيئاً مِن (الكَرَامَاتِ) التي يَخْتَصُّهُمْ بِها، لِيُظْهِرَ بِها لَهُم فَضْلَهُ ولُطْفَهُ وتَثْبِيْتَه.
ولا تَكُونُ الكَرامَةُ لَمْنْحَرِفٍ عَنْ السُّنَةِ، مُنْصَرٍفٍ عَنْ تَعَالِيْمِها، وكَمْ تَظاهَرَ بالوَلايةِ مَنْ عَنِ الشَّرِيْعَةِ وَلَّى، وادْعَى لِنَفْسِهِ مِن الكَراماتِ والمُكاشَفاتِ ما اسْتَخَفَّ بِهِ عُقُولَ الجاهِلِين؛ قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ الله-: "وَكَرَامَاتُ الأْوْلِيَاءِ حَقٌّ بِاتِّفَاقِ أَهْل الإْسْلاَمِ وَالسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَقَدْ دَل عَلَيْهَا الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَالأْحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَالآْثَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ، ثُم قال: وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَدَّعِيهَا أَوْ تُدَّعَى لَهُ يَكُونُ كَذَّابًا أَوْ مَلْبُوسًا عَلَيْهِ"ا.هـ
عباد الله: (وأَوْلِياءُ اللهِ)، هُمْ كُلُّ مُؤْمِنْ تَقِيٍّ؛ فَمَنْ عَادَى المُؤْمِنِينَ لإِيْمانِهِم، ومَنْ آذَاهُمْ، لِصَلاحِهِم واسْتقامَتِهِم وتَقْواهُم، فَقَدْ أَنْزَلَ نَفْسَهُ مَنازِلَ الهَوان، آذَنَهُ اللهُ بالحَرْبِ فأَنَّى لَهُ أَنْ يَنْجُو؛ عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالْ: «إِنَّ اللهَ تعالى قَال: مَنْ عَادَى لِيْ وَليًّاً، فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، ولا يَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذِيْ يَسْمَعُ بِهْ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِه، وَيَدَهُ التِيْ يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْله التي يَمْشِيْ بِهَا، وَلَئِنْ سَألَنِيْ لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لَأُعِيْذَنَّه"(رواه البخاري).
تِلْكَ مَكانَةُ أَوْلِياءِ اللهِ عِنْدَ اللهِ، وذاكَ هُوَ الطَرِيْقُ المُوصِلُ لِوَلايَتِه؛ (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
اللهم اهدنا صراطك المستقيم،
التعليقات