عناصر الخطبة
1/التعزية بوفاة الملك /عبد الله بن عبد العزيز 2/الفزع من الموت وبعض عظات الموت وعبره 3/منة الله على المملكة العربية السعودية بوحدة الصف وجمع الكلمة 4/مبايعة الأمير سلمان بعد وفاة الملك عبد الله 5/أهمية البيعة في الإسلام 6/إصلاح ذات البيناهداف الخطبة
اقتباس
أيها المؤمنون: إن من أعظم ما من الله -تعالى- به على بلادكم، وما أنعم الله به عليكم، اجتماع كلمتكم، وائتلاف كلماتكم، على الخير والهدى، والحق والبر، فذاك فضل الله، ونعم الله تستدام بشكرها: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7]. انظروا من حولكم، فأنتم في جنة تحيط بها الأهوال من كل جانب، هذه النعم تستوجب الشكر، وإلا....
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
عباد الله: اتقوا الله -تعالى- حق التقوى، فبتقواه تبلغ كل ما تأمله وتطلبه من سعادة الدنيا وفوز الآخرة: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر:61].
أيها المؤمنون: عظم الله أجركم، وأحسن عزاءكم، في وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك /عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله-.
اللهم اغفر له، وارحمه، وأعل درجته في المهديين، وافسح له في قبره، ونوره له، يا رب العالمين.
أيها المؤمنون:
حُكْمُ الْمَنِيَّةِ فِي الْبَرِّيَّةِ جَارِي *** مَا هَذِهِ الدُّنْيَا بِدَارِ قَرَارِ
بَيْنَا يُرَى الْإِنْسَانُ فِيهَا مُخَبِّرًا *** حَتَّى يُرَى خَبَرًا مِنْ الْأَخْبَارِ
احتضر الواثق فردد بيتين، وقد ملك الدنيا، وكان من كبراء خلفاء المسلمين، قال:
المَوتُ فيه جميعُ الخلقِ مشتركٌ *** لا سوقةٌ منهم يبقى ولا ملكُ
ما ضرَّ أهل قليل في تفرُّقِهِم *** وليس يُغني عن الأملاك ما ملكُوا
ثم أمر من عنده بالبسط فطويت، وألصق خده على التراب، وجعل يقول: "يا من لا يزول ملكه ارحم من زال اليوم ملكه".
أيها المؤمنون: "إن للموت فزعا" كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالموت يعرفه كل أحد، ويشاهده كل أحد، فكل نفس ذائقة الموت، لكننا عندما نشاهده عياناً في من نعرف، ونراه في من نحب، يكون سله على أنفسنا وقع مختلف، فيصدق قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن للموت فزعا".
مهما كانت حال الإنسان من الصحة أو المرض، والقوة أو الضعف، عندما يبلغك نبأ موته تجد لذلك فزعا، هذا في خبر موت عامة الناس، فكيف بخبر كبرائهم ومقدميهم وعظمائهم وملوكهم؟ لا شك أن للخبر وقعا مختلفا، وإن الراشد هو من يعتبر بما يسمع من الأحداث، وبما يبلغه من الوقائع.
نعم -أيها المؤمنون-: إن للموت فزعا يحث على الاستعداد للآخرة، يحث على التهيؤ للموت قبل نزوله: (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا) [المؤمنون:99 - 100].
إنها أمنية يتمناها كل من كان في الاحتضار، يتمنى أن يعود ليزداد، وإن كان مخطئا يتمنى أن يعود ليستعتب ويستغفر ويتوب، فإذا شهدت خبر من مات ممن تعرف، فاعلم أنك يوم من الأيام ستكون كذلك، فكن مستعدا لهذا النبأ قبل نزوله، متهيئا لهذا الحدث قبل وقوعه، فإن الموت مصيبة إذا نزلت بالإنسان لا مرد لها: (لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف: 34].
نعم -أيها المؤمنون-: "إن للموت فزعا" يزهد في الدنيا مهما زادت، ويقللها مهما عظمت، "فأكثروا من ذكر هاذم اللذات" كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا في سعة إلا ضيقه عليه، فتذكروا الموت واستعدوا له، فإن ذكر الموت النافع هو ما كان حالما على التهيؤ والاستعداد.
نعم -أيها المؤمنون-: "إن للموت فزعا" يرغب في الآخرة، ويدعو إلى الطاعة، فمن أكثر ذكر الموت تزود من الصالحات، وسارع إلى الطاعات، وهان عنده ما يلقاه من المصائب، فلا جزع من مرض، ولا تأفف من قلة ذات يد، فالدنيا دار ممر وليست دار قرار، دار عبرة وعبور، دار عمل وزرع، وإنما يكون الحصاد يوم المعاد.
أيها المؤمنون: "إن للموت فزعا" يحث على التوبة والاستدراك، فما منا إلا ذو خطأ: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون".
فإلى متى هذه الغفلة؟ إلى متى نستمر في اتباع السيئة أختها؟ نغفل عن قول: استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله.
إننا بحاجة إلى أن نكون من التوابين الذين يؤبون إلى الله -عز وجل- لصالح العمل قبل فوات الآوان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون:9- 10].
اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، وخذ بأيدينا إلى البر والتقوى، واجمع كلمتنا على الحق والهدى.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، له الحمد كله، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم.
وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المؤمنون- خذوا بوصية الله لتنجوا من كل كربة وبلاء وشر، يقول الله -جل في علاه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:102 - 103].
أيها المؤمنون -عباد الله-: إن من أعظم ما من الله -تعالى- به على بلادكم، وما أنعم الله به عليكم، اجتماع كلمتكم، وائتلاف كلماتكم، على الخير والهدى، والحق والبر، فذاك فضل الله، ونعم الله تستدام بشكرها: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
انظروا من حولكم، فأنتم في جنة تحيط بها الأهوال من كل جانب، هذه النعم تستوجب الشكر، وإلا فإنها تؤذن بالرحيل، فما جرى على غيركم ليس بعيد عنكم، عندما تبعدوا عن أمر ربكم، فما أنتم عليه بالتقوى والإيمان، فتح الله عليكم أبواب الهدى والصلاح، وصرف عنكم من الشر ما لم يرد لكم على بال ولا خاطر.
أنتم محسودون على نعم الله، فاشكروه عليها، وقوموا بحقها، فإن نعمة الله عليكم بالأمن والاجتماع نعمة عظيمة لا يقدرها ولا يعرفها إلا من عاش ألم الفرقة، وفوضى الخوف، وقلاقل النزاعات، ولهيب التفرق، فاحمدوا الله -تعالى- على ما من به عليكم من الاجتماع، واعلموا أن نعمة الله بالاجتماع تحقق بتقواه، ولزوم شريعته، ولذلك قال: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ).
فاعتصموا بحبله، وهو كتابه الكريم وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقد أوصى أصحابه، قائلا: "ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، عضوا عليها بالنواجذ" أي تمسكوا بها أعظم ما يتمسك الإنسان بالشيء، وذلك بنواجذه وأضراسه، ذاك أقصى ما يكون من صور التمسك، فتمسكوا بهذه النعمة.
رحل الملك عبد الله -رحمه الله- رحل إلى جوار ربه، وقدم إلى ما عمل، فنسأل الله أن يكون ما أقدم عليه خيرا مما أدبر عنه.
تولى الحكم بعد الأمير سلمان، وبويع ملكا للبلاد، والأمير مقرن ولي للعهد في سيرة معهودة لحكام هذه البلاد الطيبة في انتقال الحكم، وهذا من نعمة الله وفضل على هذه البلاد التي تستوجب شكرا، فإن توالي الحكم على هذا النحو في أمن وأمان، وطمأنينة واجتماع، ورضا وإتلاف، نعمة تستوجب شكره.
فلله الحمد كثيرا كثيرا، له الحمد على ما أولى من هذه النعمة، ونسأله أن يتمم علينا فضله بإتلافنا واجتماعنا، وصلاح حالنا، وأن يجمع كلمتنا على الحق والهدى، وأن يجعل مستقبل أيامنا خيرا ورضا.
أيها المؤمنون: إن البيعة لولي الأمر عهد غليظ، وميثاق رشيد، به تسعد الأمة، به يلتئم شعث الناس، لهذا لا تعجب من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية".
وقد منَّ الله علينا أن بتنا ليلة البارح بعد بيعة الملك سلمان، فنحمد الله -تعالى- على ما يسر، ونسأله أن يجمع الشمل.
واعلموا: أن الخروج عن مقتضى البيعة بأدنى ما يكون، سبب للشر والفساد، قال صلى الله عليه وسلم: "ومن فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية".
فعليكم -أيها المؤمنون- بالجماعة: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:105].
عباد الله: إن الشقاق يضعف الأمة، ويوهن المجتمعات القوية، ولذلك جعل الله -تعالى- أول ما طلبه من المؤمنين بعد غزوة بدر: إصلاح ذات البين: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [الأنفال:1].
وقد أكد هذا المعنى في بيان خطورة التفرق، فقال: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46].
إن الاجتماع قوة لأهله، ولا يتحقق الاجتماع إلا بالسمع والطاعة لمن ولاه الله -تعالى- الأمر، فاسمعوا وأطيعوا في طاعة الله -تعالى-، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
التئموا على من ولاه الله أمركم، وظاهروه بنصيحتكم ودعائكم بالتسديد والإعانة، فإن البلاد محاطة بأخطار كثيرة، فنعمة الله علينا في التسديد والإعانة تقي بلادنا شرا عظيما، وفسادا عريضا.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجمع كلمتنا على الحق والهدى.
التعليقات