عناصر الخطبة
1/سلسلة من سخرية الغرب ببني الإسلام 2/كذبة الحرية المزعومة لدى الغرب 3/دور العقيدة في الثبات على الدين 4/كفاية الله لنبيه وحمايته له 5/عقوبة الله في حق من أذى نبيه 6/وسائل عملية لنصرة النبياهداف الخطبة
اقتباس
أرأيتم لو استهزأ بحاكم، أو ملك، أو رئيس، أتبقي بعدها تلك الدولة المستهزئة بحاكمها علاقة مع الدولة التي يعلن فيها الاستهزاء تحت سمع وبصر ساستها وبرلمانها باسم الحريات؟ لقد كان الذب عنه صلى الله عليه وسلم ومجازاة المعتدي وردعه من...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
نشرت إحدى الصحف الدنمركية يوم الثلاثاء 26 شعبان الماضي رسما كريكتريا ساخرا لمن يا ترى؟ لمسئول كبير؟ لجنرال؟ لرئيس دولة؟
كلا، بل كان ذلك لأعظم رجل وطئت قدماه الثرى، لأمام النبيين، وخاتم المرسلين، نبينا وسيدنا محمدا -صلى الله عليه وسلم-.
صورا آثمة وقحة وقاحة الكفر وأهلها، أظهروا النبي -صلى الله عليه وسلم- في إحدى هذه الرسومات عليه عمامة تشبه قنبلة ملفوفة حول رأسه، وكأنهم يريدون أن يقولوا: إنه مجرم حرب: (أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ) [النحل: 25].
فلعل الأمر كان عابرا؟
كلا، ففي عيد الأضحى المنصرم اشتهرت الواقعة حين قامت إحدى الجرائد النرويجية أيضا بفتح الجراح، وشن الغارة من جديد، فتعيد نشر الرسوم الوقحة التي نشرت في المجلة الدنمركية من قبل: (أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) [الذاريات: 53].
(يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ) [يــس: 30- 31].
بالرغم من حبنا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وغيرتنا على عرضه، وحرقة قلوب الملايين، ووجوب الرد والدفاع عن نبي الأمة، نقول -أيها الأخوة- عن هذا الحدث: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) [النــور: 11].
لأن فيه بيانا لخطأ العلمانيين، أو من يزعم تحضر العالم الغربي أخلاقيا، ومن يزعم اندثار أثر العقائد الدينية في العلاقات، أو التصرفات، وأن المصالح الاقتصادية هي المؤثر الوحيد، وأن العالم أصبح مفتوحا منفتحا للجميع، فلا فروق دينية، ولا شيء من ذلك!.
هل كان بيننا نحن المسلمين والدنمرك سابق ثأر؟
كلا.
هل فجر أحد من المسلمين فيهم شيئاً؟
كلا.
هل عاديناهم أو النرويج في سابق الزمان يوما ما؟
كلا.
إذاً لماذا؟ ما الذي دفعهم إلى هذا؟
إن هذا الحدث يبين بوضوح: أن العقيدة لا تزال وستظل أكبر عامل في ترجيح المواقف عندهم، وأن المسلم مهما جاملهم، أو تنازل عن بعض مبادئه لأجلهم، أو سكت عن باطلهم، أو قبل، أو حتى تابعهم في ثقافتهم وتقاليدهم وأزيائهم، وأعجب بهم، فلن يعدو قدره عندهم: أن يستهزأ بأغلى ما يملك، وأعز من يوقر: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران: 118].
فليس الولاء والبراء شطحة أصولية، ولا هوسا، ولا وهما سلفيا، كما يزعم أولئك، بل هو واقع حي، أول من يمارسه من؟
أول من يمارسه عمليا أولئك الكفار أنفسهم، والدليل ما ترون لا ما تسمعون.
وإن من سنة الله فيمن يؤذي رسوله -صلى الله عليه وسلم-: أنه إن لم يجاز في الدنيا بيد المسلمين، فإن الله -سبحانه- ينتقم منه، ويكفيه إياه.
والحوادث التي تشير إلى هذا في السيرة النبوية، وبعد عهد النبوة كثيرة، وقد قال الله -تعالى-: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر: 94- 95].
ذكر أصحاب السير: أنها نزلت في نفر من رؤوس قريش؛ منهم: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والحارث بن قيس، وغيرهم.
وقد كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر، وكلاهما لم يسلما، لكن قيصر تلك الفترة أكرم كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأكرم رسله، فثبت الله ملكه.
قال ابن تيمية في الصارم: "سيقال إن الملك باق في ذريته إلى اليوم، ولا يزال الملك يتوارث في بعض بلادهم، وأما كسرى فمزق كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واستهزأ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقتله الله بعد قليل، ومزق ملكه كل ممزق، فلم يبق للأكاسرة ملك، وهذا -والله أعلم- بتحقيق قوله تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر: 3] فكل من شنأه وأبغضه وعاداه، فإن الله -تعالى-يقطع دابره، ويمحق عينه وأثره، وقد قيل: إنها نزلت في العاص بن وائل، أو في عقبة بن أبي معيط، أو في كعب بن الأشراف، وغيرهم جميعهم أخذوا أخذ عزيز مقتدر".
وإذا كانت لحوم العلماء مسمومة فيكف بلحوم الأنبياء -عليهم السلام-؟!
وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يقول الله -تعالى- من عاد لي وليا فقد بارزني بالمحاربة".
وفي رواية: "فقد آذنته بالحرب" فكيف بمن عاد نبيا من أنبيائه؟!
يا ناطح الجبل العالي ليكلّمه *** أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
أي جرف هار وقف عليه من أذى نبيه -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء وسيد المرسلين؟
(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا) [الأحزاب: 57].
وهو كذلك ولو بعد حين.
تأملوا في قصص الأنبياء المذكورة في القرآن تجدون أممهم إنما أهلكوا حينما أذوا الأنبياء، وقابلوهم بقبيح القول، أو العمل.
وهكذا بنو إسرائيل إنما ضربت عليهم الذلة، وباؤوا بغضب من الله، ولم يكن لهم نصير لقتلهم الأنبياء بغير حق، إضافة إلى كفرهم.
كما ذكر الله -تعالى- ذلك في كتابه الكريم: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)[آل عمران: 112].
فحري بالمستهزأ أين كان أن يقع تحت قول الأعشى:
ألَسْتَ مُنْتَهِيـاً عَـنْ نَحْـتِ أثلَتِنَـا *** وَلَسْتَ ضَائِرَهَا مَـا أَطَّـتِ الإبِـلُ
كَنَاطِـحٍ صَخـرَةً يَوْمـاً ليَفْلِقَـهَا *** فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَـى قَرْنَـهُ الوَعِـلُ
إن مجرد إخراج النبي -صلى الله عليه وسلم- رفعا للأماني، وإيذانا بحلول العذاب، ولهذا قال تعالى: (وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً) [الإسراء: 76].
فإذا كان هذا الإيذاء الإخراج فكيف بالأذى والسخرية والاستهزاء؟!
قال شيخ الإسلام بعد أن ذكر حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رجلا نصرانيا فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي -صلى الله عليه وسلم- فعاد نصرانيا، وكان يقول: لا يدري محمدا إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا، فألقوه، فحفروا له فأعمقوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما ،استطاعوا فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه" [وهذا حديث صحيح في البخاري].
ثم قال الإمام ابن تيمية معلقا: "وهذا أمر خارج عن العادة، يدل كل أحد على أن هذا كان عقوبة لما قاله، وأنه كان كاذباً إذ كان عامَّة الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد؛ إذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا، وأن الله منتقم لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ممن طعن عليه وسبَّه، ومظهر لدينه ولكذب الكاذب إذ لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد".
ونضم هذا ما حدثناه أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية.
لما حصر المسلمون في بني الأصفر في زمننا، قالوا: "قالوا كنا نحن نحاصر الحصن، أو المدينة الشهر، أو أكثر من الشهر، وهو ممتنع علينا، حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهله لسب رسول الله، والوقيعة في عرضه، تعجلنا فتحة وتسير، ولم يكد يتأخر إلا يوما أو يومين، أو نحو ذلك، ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه صلى الله عليه وسلم، مع امتلاء القلوب غيظا عليهم بما قالوا فيه".
قال: "وهكذا حدثني بعض أصحابي الثقات أن المسلمين من أهل المغرب حالهم مع النصارى كذلك، ومن سنة الله أن يعذب أعدائه تارة بعذاب من عنده، وتارة بأيدي عباده المؤمنين".
وقال في موضع آخر: "وبلغنا في مثل ذلك في وقائع متعددة، وقد قال أصدق القائلين سبحانه مبينا: "ستدخله بكفاية شر هؤلاء: (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة: 136- 137].
فما أوسع البون بين أهل الإسلام الأتقياء الأنقياء الذين يؤمنون بجميع الرسل ويعظمونهم ويوقرونهم، وبين غيرهم الذين ناصبوا رسلهم، العداء قديما وحديثا، وورثوه كابرا عن كابر.
ولا شك أن ساسة الدول، ومرشحي أي شعب في البرلمان، إذا غضوا الطرف عن سفهائهم الواقعين في أعراض الأنبياء، ليس عن الذم بمعزل، فإن الله -سبحانه- تأذن بإهلاك المدن والقرى الظالمة، ولعل من أظلم الظلم الاعتداء على الأنبياء وتنقصهم، فإن ذلك يخالف التشريعات السماوية، كما أنه مخالف للنظم والقوانين الوضعية الكافرة الأرضية، والدول الغربية إن لم تقم العدل فقد أسقطت أكبر مقومات بقائها.
ولعل وقيعة بعض الغربيين في النبي الكريم مشعر بتهالك حضارتهم، وفرض زوالها، فإنهم ما تجرؤوا ولا عزموا على الانتقاص، وأنواع السب، إلا بعد أن فقدوا المنطق، وافتقروا للحجة، بل ظهرت عليهم حجة أهل الإسلام البالغة، وبراهين دينه الساطعة، فلم يجدوا ما يجاروها به غير الانحدار إلى حد السب والشتم، تعبيرا عن حمقهم، وما قام في قلوبهم تجاه المسلمين من المقت، وغفلوا أن هذا يعبر أيضا عن عجزهم عن إظهار الحجة والبرهان، والرد بمنطق العلم والإنصاف، فلما انهارت حضارتهم المعنوية أمام حضارة الإسلام عدلوا إلى السخرية والتنقص والشتم.
وإنك لتعجب من دول يعتبر حكمائها لسفهائها بحجة إتاحة الحريات، مع أن شأنهم مع من عاد السامية، أو تنقصها يختلف.
ومن هنا يتبين أن مسألة الديمقراطية وقضية الحريات، وقوانين الأمم المتحدة التي تزعم احترامها وحمايتها، وبالأخص الدينية منها أمور ذات معايير مختلفة عند القوم، والمعتبر عندهم والمقدم ما وافق اعتقادهم ودينهم وثقافاتهم.
أسأل الله أن يكف شرهم، وأن ينتقم منهم، وأن يرينا فيهم عجائب قدرته.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله محمدا خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى من سار على نهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإذا تقرر ما تقدم ذكره، فليعلم الجميع أن من واجب المسلمين أن يذبوا عن عرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما أطاقوا قولا وعملا، بالمهاتفة، بالمكاتبة، بالمقاطعة، في إبراز عظمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بجميع اللغات، ونشر دعوته في كل مكان، وأن يسعوا في محاسبة الظالم، وفي إنزال العقوبة التي يستحقها، كما قال سبحانه وتعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الفتح: 9].
وقد تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ)[التوبة: 40].
ومن المفارقات الظاهرة التي وقع فيها بعض المسلمين: تقصيرهم في الذب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما مصيبتنا إلا في بعض من تسلم على هرم المشيخة، في بعض البلاد، ثم راح يصور هذه البلية، هذه المسألة العظيمة ببلادة الذليل المجامل للغرب، يصورها على أنها مسألة لا تنبغي، لماذا؟
لأنها من قبيل الحديث في الأموات! وأن هذا ما لا يليق تجاه أي ميت!.
سبحان الله!.
طيب: هل لو كان الرسول حيا هل يجوز لهم أن يستهزئوا به؟
إنه لو كان رجلا عاديا حيا من عامة الناس، فما جاز لهم أن يستهزئوا به، فكيف بسيد البشر -صلى الله عليه وسلم-؟!
وهل سب الرسول كسب أي رجل؟ وهل هذا علاج صحيح للقضية؟ وهل هذا حجمها عند المسلمين لأنه ميت؟
رأيتم لو استهزأ بحاكم، أو ملك، أو رئيس، أتبقي بعدها تلك الدولة المستهزئة بحاكمها علاقة مع الدولة التي يعلن فيها الاستهزاء تحت سمع وبصر ساستها وبرلمانها باسم الحريات؟
لقد كان الذب عنه صلى الله عليه وسلم ومجازاة المعتدي وردعه من هدي الصحابة، والسلف الكرام، في العمل والقول وربما بهما جميعا.
وكم جازف إنسان منهم بنفسه إلا أنه لا يتوجب على المسلم أن يعرض نفسه للهلكة في سبيل ذلك ليس وجوبا، بل ينكر حسب قدرته، بل إن له في السكوت رخصة إذا كان الإنكار يعرضه للهلاك، والله ينتقم من الظالم.
وفي خبر عمار -رضي الله عنه- في الإكراه ولزوم قوله تعالى: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ)[النحل: 106] ليشهد لهذا.
وكذلك حديث جابر لقتل محمد بن مسلمة لكعب بن الأشرف، فهو يشهد لهذا المعنى، وغيره مما هو معروف عند أهل العلم.
أيها المسلمون: لنعلم جميعا أن الله -تعالى- منتقم لنبيه، وأن المجرم إذا تداركته فلته من فلتات الدهر في الدنيا فأمهله الله، ولم يمض فيه سنته في الدنيا فإن ورائه يوما عبوسا قمطريرا.
وحسبه من خزي الدنيا أن يهلك وألسنة الملايين من المسلمين ومن ينسلون تلعنه إلى يوم الدين، فإن المسلمين قد ينسون أمورا كثيرة، ويتجاهلون مثلها، لكنهم لا ينسون ولا يغفرون لمن أساء إلى نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، وإن تعلق بأستار الكعبة، كما كان هديه صلى الله عليه وسلم، وخاصة بعد أن مات عليه الصلاة والسلام، وبقي لنا هذا الدين الخالد.
أسأل الله -تعالى- أن يعجل في الانتصار لنبيه -صلى الله عليه وسلم-، وأن يعز الإسلام وأهله، وأن يذل الشرك والكفر وأهله، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.
التعليقات