إجلاء بني النضير

سعد بن عبد الله العجمة الغامدي

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: السيرة النبوية
عناصر الخطبة
1/ الحث على تدبر القرآن 2/ قصة إجلاء بني النضير 3/ الآيات التي نزلت في القصة 4/ التشابه بين صفات المنافقين في الماضي والحاضر
اهداف الخطبة

اقتباس

فالمكر والخداع والخيانة ونقض العهود والمواثيق وغيرها من الطباع والصفات اللئيمة المذمومة الموجودة في يهود العصر الحاضر، وما يشاهده العالم بأسره عبر القنوات والوسائل الإعلامية المختلفة من ممارسات في فلسطين وغيرها إنما هو امتداد لطباع آبائهم وأجدادهم المتأصلة في نفوسهم وسُوَيْدَاءِ قلوبهم، والتي لن يَتَخَلَّوْا عنها كما هو مُقَرَّرٌ في القرآن الكريم وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

ففي القرآن الكريم قصص وعبر لمن يريد الاعتبار والاتعاظ والتذكر، وهذا مطلوب من المؤمنين بأمر الله -عز وجل- كما قال تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) [الحشر: 2]، وقال -عز وجل-: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ) [يوسف: 111]، وقال -عز وجل-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ) [النور: 44]، وقال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق: 37]، وقال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [ص: 29].

 

إن كثيرًا من المسلمين يتلون آيات القرآن الكريم أو تتلى عليهم ولا يعرفون كثيرًا من أسباب النزول والمعنى الإجمالي لذلك، ومنه سورة الحشر التي نزلت في إجلاء بني النضير، حي من أحياء اليهود قرب المدينة المنورة على بعد ميلين تقريبًا لما كانت المدينة على حالها في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والآن هو حيّ من الأحياء داخل المدينة النبوية، وقد كان الإجلاء في أوائل السنة الرابعة من الهجرة بعد غزوة أُحُدٍ وقبل غزوة الأَحْزَابِ.

 

ومما ذكر عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذهب مع عشرة من كبار الصحابة -رضي الله عنهم-، ومنهم أبو بكر وعمر وعلي -رضي الله عنهم أجمعين-، وذلك إلى محلة بني النضير؛ لطلب المشاركة في أداء دية قتيلين قتلهما خطأ عَمْرُو بْنُ أَمَيَّةَ الضَّمْرِيّ، وهما من بني كلب أو كلاب، وحيث قد جاء ذَوُوهُمَا يطالبون بِدِيَتِهِمَا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه المسؤول عن المسلمين، فخرج -عليه الصلاة والسلام- إلى بني النضير مع كبار الصحابة لوجود معاهدة بينه -عليه الصلاة والسلام- وبين اليهود، وذلك لما قدم المدينة المنورة بعد هجرته من مكة المكرمة، فاستقبله يهود بني النضير بِالْبِشْرِ والتّرْحَابِ، ووعدوا بأداء ما عليهم من المساهمة في دية القتيلين، بينما كانوا يدبرون أمرًا لاغتيال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن معه، حيث أجلسوه في مجلس في ظلّ جدار من بيوتهم، فرجع بعضهم إلى بعض وتشاوروا حيث قالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، فهل من رجل منكم يعلو هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟! فَانْتدبَ لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحد اليهود -قاتله الله وقاتلهم وأخزاهم وأذلهم-، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي على الرسول -صلى الله عليه وسلم- رحى كبيرةً، أَيْ: مطحنة معروفة مصنوعة من الحجر، فأوحى الله إلى رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- ما يُبَيِّتُ اليهودُ من غَدْرٍ، فقام كأنما ليقضي أمرًا.

 

فلما غاب واستبطأه من معه من الصحابة خرجوا يسألون عنه فعلموا أنه قد دخل المدينة، وعندها أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصحابة بِالتَّهَيُّؤِ لحرب بني النضير لظهور الخيانة منهم ونقضهم لعهد الأمان الذي كان بينهم وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

وكان قد سبق ذلك إِقْذَاعٌ من كعب بن الأشرف من يهود بني النضير في هجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتَأْلِيبِهِ الأعداء على المسلمين، حيث إن كعبًا ورهطًا من بني النضير اتّصلوا بكفار قريش اتِّصَالَ تَآمُرٍ وتحالفٍ وكيدٍ ضِدَّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، مع وجود التحالف بينه وبينهم من قبل، ولكنَّ خيانةَ اليهود ونقضهم العهود لا تفارقهم أبد الدهر.

 

إذًا فالمكر والخداع والخيانة ونقض العهود والمواثيق وغيرها من الطباع والصفات اللئيمة المذمومة الموجودة في يهود العصر الحاضر، وما يشاهده العالم بأسره عبر القنوات والوسائل الإعلامية المختلفة من ممارسات في فلسطين وغيرها إنما هو امتداد لطباع آبائهم وأجدادهم المتأصلة في نفوسهم وسُوَيْدَاءِ قلوبهم، والتي لن يَتَخَلَّوْا عنها كما هو مُقَرَّرٌ في القرآن الكريم وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وقد أوردتُ عُمُومِيَّاتٍ عن أفعالهم المشينة في خطبة مستقلة توضح بعض خيانات اليهود المتكررة وعداوتهم للمسلمين إلى قيام الساعة.

 

أعود للقول بأنه لما كان التَّبْيِيتُ لِلْغَدْرِ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في محلة بني النضير لم يَبْقَ مَفَرٌّ من نَبْذِ عهدهم إليهم كما قال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) [الأنفال: 58]، فتجهز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحاصر محلة بني النضير، وأمهلهم ثلاثة أيام وقيل: عشرة أيام ليفارقوا جواره ويجلوا عن المحلة على أن يأخذوا أموالهم ويقيموا وكلاء عنهم على بساتينهم ومزارعهم، ولكن المنافقين في المدينة -وعلى رأسهم عبدُ الله بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ رأس المنافقين- أرسلوا إليهم يُحَرِّضُونَهُمْ على الرَّدِّ والمقاومة وقالوا لهم: أنِ اثْبُتُوا وتَمَنَّعُوا فإنا لنْ نُسْلِمَكُمْ، إنْ قُوتِلْتُمْ قَاتَلْنَا معكم، وإنْ أُخْرِجْتُمْ خَرَجْنَا معكم، فَتَحَصَّنَ اليهودُ في الحصون، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقطع نخيلهم والتحريق فيها، فَنَادَوْهُ: أن يا محمد: قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه! فما بال قطع النخيل وتحريقها؟! وفي الرد عليهم نزل قول الله تعالى: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) [الحشر: 5].

 

ولما بلغ الحصارُ ستًا وعشرين ليلة يَئِسَ اليهودُ مِنْ صِدْقِ وَعْدِ المنافقين لهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ يجْلِيَهم ويَكُفَّ عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح، فأجابهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاحتملوا من أموالهم ما استقلَّتْ به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عَنْ خَشَبَةِ بابه فيحمله على ظهر بعيره، أو يخربه حتى لا يقع في أيدي المسلمين، وكان المسلمون قد هدموا وخربوا بعض الجدران التي اتُّخِذَتْ حصونًا أيام الحصار.

 

وما نراه اليوم من هدمٍ للمستوطنات في غزّة بعد رحيلهم عنها، وما قاموا به ويقومون به مستقبلاً من تدمير وتخريب وإتلاف للبيوت والأشجار والأرض حتى الماء، إنما هو امتداد لطباع آبائهم وأجدادهم، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ * وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقَّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر: 2-4].

 

وكان منهم من سار إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام، وكانت أموال بني النضير فَيْئًا خالصًا لله وللرسول -صلى الله عليه وسلم-، لم يُوجِف المسلمون عليه بخيل ولا جمال، فقسمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المهاجرين خاصَّةً دون الأنصار عدا رجلين من الأنصار فقيرين هما: سهل بن حنيف وأبو دجانة سماك بن خرشة، وذلك أن المهاجرين لم يكن لهم مال بعد الذي تركوه في مكة وتجردوا منه كله من أجل عقيدتهم، وكان الأنصار قد أنزلوهم دورهم وشاركوهم مالهم في أَرِيحِيَّةٍ عاليةٍ وأخوةٍ صادقةٍ وإيثارٍ عجيبٍ ليس له مثيل، ولما حانت الفرصة كانت القسمة للمال كما قال الله -عز وجل-: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ) [الحشر: 8].

 

وامتدح الله الأنصار -رضي الله عنهم- بمحبتهم لإخوانهم المهاجرين وإيثارهم على أنفسهم حتى لو كان بهم الفقر والحاجة والخصاصة، ونزع الله من قلوبهم الْغِلَّ ووجود الحرج لصدق إيمانهم وسلامة صدورهم، فأعقب هذه الآية السابقة بالآية اللاحقة في تناسق عجيب وتعبير بليغ كما هو الحال في آيات القرآن الكريم، فقال الله -عز وجل-: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9].

 

ثم ذكر الله -عز وجل- أهم خصائص هذه الأمة المسلمة على الإطلاق في جميع الأوطان والأزمان.

 

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المؤمنين حقًا ومن عباده المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10]، أي: الذين يَأْتُونَ بعد المهاجرين والأنصار من التابعين ومن تبعهم بإحسان من المؤمنين إلى يوم القيامة مِنْ صفاتهم وسِمَاتِهم أنهم يطلبون المغفرة لهم ولإخوانهم من المؤمنين السابقين، ويطلبون أيضًا بأن لاَّ يجعلَ الله في قلوبهم الغل والحقد والحسد لأي مؤمن، مع شعورهم برأفة الله ورحمته ودعائهم الخالص بقلوب صافية وطلبهم ذلك من الله الرؤوف الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الملك الحق المبين، أعز المؤمنين بطاعته سبحانه وأذل المنافقين والفاسقين والكافرين بعصيانهم له -عز وجل-، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن إمامنا وحبيبنا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

 

أما بعد:

 

فالمتتبع لأفعال المنافقين وأقوالهم منذ الزمن الأول إلى زمننا هذا يجد التطابق والتشابه في كل صفة وخلق ذميم، وفي أوصافهم الكثيرة الواردة في القرآن الكريم وفي أقوال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن تلك الصفات إظهارهم خلاف ما يبطنون، وقد فضحهم الله في سورة الحشر حيث وعدوا إخوانهم من اليهود بأن ينصروهم ويقوموا معهم، فلو أُخْرج اليهود من ديارهم فسوف يخرج المنافقون معهم، وإن قاتلهم المسلمون فسوف يقومون مع اليهود وينصرونهم، فكذّبهم الله -عز وجل- وفضحهم بآيات تتلى إلى يوم القيامة حيث لم يوفوا بوعدهم لليهود، بل خذلوهم ولم يقوموا معهم.

 

ولننظر إلى القرابة بين المنافقين واليهود والكافرين جميعًا، فالقلوب مع بعضها والأفكار متلاقحة، فالمنافقون وإن لبسوا رداء الإسلام في الظاهر فهم إخوان للكافرين من اليهود وغيرهم كما قال تعالى: (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) [الحشر: 11].

 

ولننظر إلى هذا الوعدِ الْمُؤَكَّدِ وَعْدِ المنافقين لإخوانهم اليهود؛ حيث أنزل الله -عز وجل- في كتابه العزيز آيات تتلى إلى يوم القيامة يَصِفُ وعْدَهُمْ في الآية التالية، ثم كذبهم في نهاية الآية نفسها وفي التي تليها: (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) [الحشر: 11]، فالله الخبير بحقيقتهم يقرر غير ما يقرّرون، ويؤكد غير ما يؤكدون، وكان ما شَهِدَ الله به وكَذب ما أعلنه المنافقون لإخوانهم وقرروه، قال تعالى: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) [الحشر: 11، 12].

 

والمنافقون نفاقًا اعتقاديًا سوف يجمعهم الله مع الكافرين لما تنطوي عليه نفوسهم وقلوبهم ولالتقائهم في المعتقد وإن كانوا يُظْهِرُون خِلافَ ما يُبْطِنُون، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء: 140]، وقال -عز وجل- عن المنافقين خصوصًا: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) [النساء: 145]، إذًا فالأمر في غاية الخطورة ممن ينتسب للإسلام في هذه الأيام ويسعى إلى اليهود والنصارى بمثل ما فعل أسلافهم وأشباههم في السابق؛ قال تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِين) [المائدة: 52].

 

وهذه بعض طباع اليهود والمنافقين في كل زمان ومكان عندما تكون المكاشفة والوضوح في ساحة القتال؛ حيث ينكشف الخوف والجبن والفرار المستقرّ في نفوسهم ويظهرون على حقيقتهم؛ لأنهم يخافون من المؤمنين أشد من خوفهم من الله لأنهم لا يفقهون، فلو كانوا يخافون الله لما خافوا غيره.

 

ومن طباع اليهود الملازمة لهم أبد الدهر أنهم لا يقاتلون إلا من أماكن محصنة أو من وراء جدر، وذكر الله ذلك عنهم بأنهم مثل يهود بني قينقاع ولهم مَثَلٌ يحتذونه وهو الشيطان، قال تعالى: (لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ * لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ * كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ) [الحشر: 13-17].

 

إذًا فالسبب في إجلاء بني النضير هو تخطيطهم لاغتيال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخيانتهم ونقضهم العهود والمواثيق، والآيات السابقة من سورة الحشر واضحة الدلالة لا غموض فيها. وسوف تكون خطبة قادمة -إن شاء الله تعالى- عن اليهود وبعض خياناتهم وعن المنافقين أيضًا في خطب أخرى.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله...

 

 

 

 

المرفقات
إجلاء بني النضير.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life