أين الطائفة المنصورة؟

ناصر بن محمد الأحمد

2015-02-04 - 1436/04/15
عناصر الخطبة
1/ صفات الطائفة المنصورة 2/ عقبات في طريقهم 3/ ليست الطائفة المنصورة مجتمعة في قطر أو مكان محدد 4/ من أبرز سماتهم وصفاتهم ثباتهم على الحق 5/ أهمية الجهاد في سبيل الله 6/ أصناف الناس ومواقفهم مع الطائفة المنصورة 7/ من أهم وسائل المحافظة على منهج الحق
اهداف الخطبة

اقتباس

فليعِ القائمون بأمر الله -تعالى-، المنتمون للطائفة المنصورة، أن الابتلاء في الطريق إلى الله -تعالى- سُنة من سننه التي لا تتغير ولا تتبدل، كما أن شعيرة الجهاد في سبيل الله أبدية حتى تقوم الساعة، كما أن النصر والغلبة في الواقع البشري ليس بكثرة العدد والعتاد، فما نفعت المسلمين كثرتهم يوم حنين، بل إن النصر والغلبة قد يأتي والمسلمون في حالة ضعف ظاهرة كما حصل لهم يوم بدر.. وليعلم القائمون بأمر الله -تعالى-، المنتمون إلى الطائفة المنصورة أنه مطلوب منهم أن يعدوا العدة لإرهاب أعداء الله وأعدائهم، وأن يهيئوا أنفسهم، وأن...

 

 

 

 

إن الحمد لله ..

 

أما بعد: أيها المسلمون: كثيراً ما نسمع بالطائفة المنصورة، أو بالفرقة الناجية، أو بالفرقة المنصورة. فمن هم هذه الطائفة؟ وأين يوجدون؟ وما هي صفاتهم؟ وهل نحن منهم؟ وهل يمكن للمسلم أن يدخل الجنة وهو لا ينتمي لهذه الطائفة؟.

 

وردت الآثار النبوية وعدد من الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بذكر الطائفة المنصورة واستمراريتها حتى تقوم الساعة. والطائفة المنصورة هم من الأمة الإسلامية، وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن لها عدة صفات:

 

كونها منصورة. وأنها قائمة بأمر الله -تعالى-. وأنها ظاهرة على الحق، وأنهم ظاهرون على الناس. وأنهم يقاتلون على أمر الله. وأنهم قوّامون على أمر الله. وأنهم قاهرون لعدوهم.

 

وذكرت الآثار النبوية أنهم مع ما هم عليه من تلك الصفات الحميدة سيلاقون عقبات في طريقهم، وأن تلك العقبات تنقسم إلى قسمين:

عقبات داخلية: تتمثل في التخذيل وفي المخالفة.

وعقبات خارجية: تتمثل في مجابهة العدو وملاقاته ومناوأته لهم.

 

وإن هذه العقبات بشقيها تلازم تلك الطائفة المنصورة حتى يأتي أمر الله -تعالى- وهو قيام الساعة وهم لا يزالون متمسكين بما هم عليه. وإن هذه الأوصاف للطائفة المنصورة لتحمل في طياتها البشارة لهم بالنصر والتمكين لهم في الدنيا والفوز والفلاح في الآخرة لكونهم مستمرين وملتزمين بأمر الله -تعالى- ويدعون إليه، بل ويقاتلون عليه من ناوأهم من خلق الله حتى يأتي أمر الله -تعالى-.

 

أيها المسلمون: وذكر أهل العلم أن تلك الطائفة تتعدد وتتنوع:

فمنهم من يقوم بالعلم ونشره، وآخرون بالدعوة وتبليغها، وآخرون يرفعون راية الجهاد، وآخرون أهل زهد وعبادة وغير ذلك. وليست الطائفة المنصورة مجتمعة في قطر أو مكان محدد، بل ربما اجتمعوا وربما كانوا مفرقين في أقطار متعددة، وربما يكثرون أو يقلون.

 

والطائفة المنصورة تكون في آخر الزمان ظاهرة في بلاد الشام وستقع بينهم وبين أعدائهم ملاحم عظيمة، وهم مع ذلك ظاهرون وصامدون لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال". (رواه أبو داود والحاكم).

 

والدجال ستكون المواجهة معه في بلاد الشام. وقد أخرج الإمام أحمد من حديث شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، ولا يزال أناس من أمتي منصورين لا يبالون من خذلهم حتى تقوم الساعة". فالحديث أثبت ميزة لأهل الشام، لكنه لم يربط الطائفة المنصورة بهم، بل جاء الخبر عاماً فيهم وفي غيرهم.

 

أيها المسلمون: وإن من أبرز سماتهم وصفاتهم ثباتهم على الحق وقتالهم عليه من ناوأهم حتى يوم القيامة، لا يبالون من خذلهم ولا من خالفهم ولا من نصرهم. ففي صحيح مسلم عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة".

 

والمراد بظهورهم أي غير خافين ولا مستترين، بل غالبون وظاهرون على غيرهم حساً ومعنى. وروى مسلم من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أنه قال: أما أنا فسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك". والقهر للعدو لا يكون إلاّ بالغلبة والظهور عليه.

 

إن هذه النصوص النبوية تدل دلالة واضحة على أهمية الجهاد في سبيل الله، وأنه لا ينقطع بل إنه مستمر حتى قيام الساعة من أجل حماية الدين ونصرة الحق ودمغ الباطل. ومن هنا تعلم عظمة فقه السلف عندما أوجبوا الجهاد مع البر والفاجر حتى مع الحاكم الظالم الفاجر الجائر، وأن ما هم فيه من الجور والظلم لا يسقط الجهاد معهم.

 

أيها المسلمون: من خلال الأحاديث المتقدمة يتبين لنا أن أصناف الناس مع الطائفة المنصورة أربعة أصناف وهم:

 

الصنف الأول: الطائفة المنصورة: ووصفتهم بأنهم قائمون بأمر الله -تعالى-، وأنهم منصورون، وأنهم ظاهرون على الناس، وأنهم يقاتلون على الحق، وأنهم قاهرون لعدوهم، وأنهم غير مبالين بمن خذلهم أو خالفهم أو نصرهم، وأنهم على ذلك حتى يأتي أمر الله -تعالى-.

 

الصنف الثاني: المخذّلون: وهم القاعدون عن الجهاد وأهله.

الصنف الثالث: المخالفون: وهم الذين ضد الطائفة المنصورة.

الصنف الرابع: الذين يناصرون القائمين بأمر الله -تعالى-: ولكنهم ليسوا في منـزلة الطائفة المنصورة.

 

فعلى المسلم أن ينظر لنفسه من أيّ الطوائف يكون: أيكون من المنصورة، أو من المناصرة، أو من المخذلة، أو من المخالفة؟ والله سبحانه هدى الإنسان وعرّفه الطريق: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُورا) [الإِنسان: 3]، وقال -تعالى-: (بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَه) [القيامة: 14-15].

 

وليعلم القائمون بأمر الله -تعالى-، المنتمون إلى الطائفة المنصورة أنه مطلوب منهم أن يعدوا العدة لإرهاب أعداء الله وأعدائهم، وأن يهيئوا أنفسهم، وأن يصبروا على ما يلاقون في طريقهم من الأذى والعنت والمشقة، وأن يتوكلوا على الله وحده حق التوكل. ومع كل هذا لا بد أن تستقر الحقيقة الكبرى في النفوس أن النصر من عند الله العزيز الحكيم مهما بذلوا من الأسباب والوسائل، قال الله -تعالى-: (إن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُون) [آل عمران: 160].

 

وإنّ سنن التغيير مربوطة بيد الله -تعالى-: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِين) [التكوير: 29]، لكن مطلوب من العباد أن يأخذوا بالأسباب مع عدم الاتكال عليها. قال الله -تعالى-: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَال) [الرعد: 11].

 

 وإذا نظرنا إلى المعارك التي دارت بين المسلمين وأعدائهم لم نجد التكافؤ بين الفريقين، وأظنه لن يكون والله أعلم حتى قيام الساعة، لأن الله سبحانه له حكمة في ذلك، فالنصر مع القلة والضعف ليس كالنصر مع الكثرة والقوة، ولذا أثنى على القلة وذم الكثرة. قال الله -تعالى-: (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِين) [البقرة: 249]. وقال -تعالى-: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين) [يوسف: 103]. وقال -تعالى-: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُون) [الأنعام: 116].

 

ولو انتقلنا إلى العهود المتأخرة وبُعد الأمة الإسلامية عن الالتزام بدينها مثل عهد القائد عماد الدين زنكي، وعهد نور الدين محمود زنكي، وعهد صلاح الدين الأيوبي، ومقابلة هؤلاء العمالقة لجحافل الصليبيين، لما رأيت تناسباً ولا تناسقاً ولا تكافؤاً في العدد ولا في العدة، ومع ذلك كتب الله لهم النصر.

 

لذا فليعِ القائمون بأمر الله -تعالى-، المنتمون للطائفة المنصورة، أن الابتلاء في الطريق إلى الله -تعالى- سُنة من سننه التي لا تتغير ولا تتبدل، كما أن شعيرة الجهاد في سبيل الله أبدية حتى تقوم الساعة، كما أن النصر والغلبة في الواقع البشري ليس بكثرة العدد والعتاد، فما نفعت المسلمين كثرتهم يوم حنين، بل إن النصر والغلبة قد يأتي والمسلمون في حالة ضعف ظاهرة كما حصل لهم يوم بدر كما قال -تعالى-: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون) [آل عمران: 123].

 

وعلى القائمين بأمر الله أن لا يخافوا إلا الله، وأن لا يخشوا إلا إياه، فقد حذرنا ربنا –سبحانه- من الوقوع في خشية غيره أو الخوف من سواه أو الرهبة من غيره. فهذه أمراض قلبية لا يعلمها إلا الله سبحانه، فإذا خلصت النفوس من هذه الأمراض الداخلية الخفيّة حصل لها النصر في ذات نفسها وهذا هو المطلوب أولاً، ثم حصل لها النصر بعد ذلك في الواقع البشري، وهذان الأمران متلازمان، فإن النصر العلني المشاهد لا يتحقق إلا بعد النصر الخفي في قرارة النفس. قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوَهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين) [آل عمران: 175].

 

بارك الله ..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ..

 

أما بعد: أيها المسلمون: إن تاريخ الإسلام ليس هو تاريخ المسلمين ولو كانوا مسلمين بالاسم أو اللسان، إن تاريخ الإسلام هو تاريخ التطبيق الحقيقي للإسلام في تصورات الناس وسلوكهم، وفي أوضاع حياتهم ونظام مجتمعاتهم. فالإسلام محور ثابت تدور حوله حياة الناس في إطار ثابت، فإذا هم خرجوا عن هذا الإطار أو إذا هم تركوا ذلك المحور، فما للإسلام وما لهم يومئذ؟ وما لتصرفاتهم وأعمالهم هذه تحسب على الإسلام، أو يفسر بها الإسلام، بل لا يوصفون بأنهم مسلمون إذا خرجوا عن منهج الإسلام، وأبوا تطبيقه في حياتهم، وهم إنما كانوا مسلمين، لأنهم يطبقون هذا المنهج في حياتهم، لا لأن أسماءهم أسماء مسلمين، ولا لأنهم يقولون بأفواههم إنهم مسلمون.

 

إن منهج الله -تعالى- ثابت لا يتغير ولا يتبدل، وهذه حقيقة يجب على كل مسلم معرفتها وإدراكها، كما يجب على كل مسلم أن يحافظ على هذا المنهج الذي رضيه الله لعباده وأتمه وأكمله.

 

وإن من أهم الوسائل التي تحافظ على هذا المنهج وتحميه من العوادي أيًا كانت الدعوة إلى الله -تعالى- واستمراريته حتى تقوم الساعة، وأن تربى الأجيال على ذلك. فإن قصَّر المسلمون كما نراه ونشاهده لما حلّ بهم من الوهن والضعف، فعلى الطائفة المنصورة والقائمة بأمر الله -تعالى- أن تبادر بالقيام فيما قصّر فيه المسلمون.

 

ولذا وجب على الطائفة القائمين بأمر الله أن يستغفروا ربهم ويبيعوا أنفسهم لربهم، فإذا خلصت النية، وتوفرت الشروط، وانتفت الموانع فحيهلا إلى ساحات العمل، من أجل تحقيق المنى في رفع رايات العلا.

 

اللهم ..

 

 

 

المرفقات
أين الطائفة المنصورة ؟.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life