عناصر الخطبة
1/خطورة التخلف عن صلاة الجماعة مع القدرة 2/حكم صلاة الجماعة وأهميتها 3/أعذار تبيح للتخلف عن صلاة الجماعة 4/حرص السلف على صلاة الجماعة.اقتباس
الكثير من الناس صحيح معافى، وفي كامل صحته ويتأخر عن صلاة الجماعة فإنه بذلك قد ارتكب خطأً كبيراً وإثماً واضحاً؛ فقد كان السلف -رحمهم الله- في أشد المرض ومعذورين لمرضهم، ومع ذلك يأبى إلا أن يصلي صلاة الجماعة....
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
عباد الله: اعلموا أن الذي يتخلّف عن صلاة الجماعة وهو قادر على إتيانها لا يستطيع أن يسجد لله -تعالى- يوم القيامة؛ قال الله -تعالى-: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)[القلم:42-43]، وهذا يوم القيامة يغشاهم ذُلّ الندامة؛ لأنهم كانوا في الدنيا يُدْعَوْنَ إلى السجود فلا يستجيبون؛ قال إبراهيم التيمي: "يدعون إلى الصلاة المكتوبة بالأذان والإقامة فيأبونه"، وقال سعيد بن جبير: "كانوا يسمعون حي على الفلاح فلا يستجيبون"، وقال كعب الأحبار: "والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات".
ولا يقبل الله صلاة مَن يتخلَّف عن صلاة الجماعة بدون عُذْر؛ فقد روى أبو داود بسند صيح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التي صلى"(رواه أبو داود وصححه الألباني).
وأيضًا روى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سمع النداء فلم يَأْتِهِ فلا صلاة له إلا من عذر"(صححه الألباني).
ولم يُرخِّص النبي -صلى الله عليه وسلم- للأعمى أن يُصلّي في بيته، وترك صلاة الجماعة فقد روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى فقال: يا رسول الله! إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُرَخِّص له فيصلِّي في بيته فرخَّص له، فلما وَلَّى قال: "هل تسمع النداء للصلاة؟" قال: نعم؛ قال: "فأجب"(رواه مسلم)، وفي رواية "لا أجد لك رخصة".
ولقد أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- تحريق بيوت الذين يتخلّفون عن صلاة الجماعة؛ فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نَفْسِي بيَدِهِ لقَدْ هَمَمْتُ أنْ آمُرَ بحَطَبٍ، فيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بالصَّلاَةِ، فيُؤَذَّنَ لَها، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النّاسَ، ثُمَّ أُخالِفَ إلى رِجالٍ، فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ، والذي نَفْسِي بيَدِهِ لو يَعْلَمُ أحَدُهُمْ، أنَّه يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أوْ مِرْماتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ العِشاءَ"(متفق عليه).
ولا يتوعّد في الحديث بحرق بيوتهم إلا على ترك واجب؛ فصلاة الجماعة واجبة على الصحيح من أقوال أهل العلم، لما ذكر من الأحاديث الصحيحة؛ فالذين يتأخرون عن صلاة الجماعة يؤخّرهم الله يوم القيامة في نار جنهم، فقد روى أبو داود بسند صحيح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار"(صححه الألباني).
وقد سئل ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل، ولا يصلي في جماعة ولا يجمّع -أي لا يصلي الجمعة- فقال: "إن مات على ذلك فهو في النار"، وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "لأن تمتلئ أُذن ابن آدم رصاصًا مذابًا خير له من أن يَسمع النداء ولا يجيب".
ومن تخلَّف عن صلاة الجماعة بدون عذر؛ فإن الله -عز وجل- يختم على قلبه، كما في الحديث "لينتهين أقوام عن وَدْعهم الجُمُعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين".
ومن علامات النفاق: التخلف عن صلاة الجماعة؛ فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما حبوًا".
نسأل الله أن يرزقنا المحافظة على صلاة الجماعة في المساجد مع المسلمين، ونعوذ بالله من التشبُّه بالمنافقين الذين يتخلّفون عن الجماعات، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
العذر في صلاة الجماعة المرض والخوف كما ذكر ذلك ابن عباس -رضي الله عنهما- لكن الكثير من الناس صحيح معافى، وفي كامل صحته ويتأخر عن صلاة الجماعة فإنه بذلك قد ارتكب خطأ كبيراً وإثماً واضحاً؛ فقد كان السلف -رحمهم الله- في أشد المرض ومعذورين لمرضهم، ومع ذلك يأبى إلا أن يصلي صلاة الجماعة؛ قال مصعب بن الزبير: "سمع عامر المؤذن وهو في مرض موته؛ فقال: خذوا بيدي. فقيل له: إنك مريض. قال: كيف أسمع داعي الله فلا أجيبه؟"
وقال: سعيد بن المسيب: "ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد"، وبعض ربما يتذرع بأيّ مرض منتشر، ويخشى بزعمه العدوى مع أن مناعته وصحته جيدة، ولكن يوسوس له الشيطان، ونفسه الأمارة بالسوء بالصلاة في البيت، فيصلي دائمًا في بيته ويجعل المرض المنتشر مبررًا وشماعة لكسله والمرض الذي في قلبه فيصلي في بيته، وهذا من الحرمان والخذلان.
نعم! قد يُعْذَر إذا كان كبيرًا في السن فوق الثمانين عامًا، ومناعته ضعيفة، فقد أفتى بعض العلماء بعذره؛ لخوفه من العدوى، أما الصحيح المعافى الذي يذهب هنا وهناك في الأسواق والمناسبات هل يُعْذَر عن التخلُّف عن صلاة الجماعة؟، عليه أن يراجع نفسه ولا يبرر لنفسه بالأوهام الشيطانية، فصلاة الجماعة واجبة.
نسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا الحفاظ على صلاة الجماعة في المساجد، وأن يجعلنا ممن يسمع القول فيتبع أحسنه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله بذلك؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللهم احشُرنا في زمرته، واجعلنا من أهلِ شفاعته، وأحينا على سُنته، وتوفنا على ملّته وأوردنا حوضه يا حيّ يا قيوم، اللهم إنَّا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.
اللهم إنَّا نسألك الأمن في البلاد، والإيمان في القلوب يا رب العباد. اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ذات بيننا، وادفع عنا الأوبئة والأمراض وشرّ الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار. والحمد لله رب العالمين.
التعليقات