عناصر الخطبة
1/التحذير من الإسراف والتبذير 2/انتشار ظاهرة هدر المياه 3/جهود المملكة لتوفير المياه لمواطنيها 4/توجيهات لترشيد استخدام المياه 5/وجوب شكر نعمة الماء ومظاهر ذلكاقتباس
نعمة الماء لا يعرف قدرها إلا من فقدها، وأنتم رأيتم في وسائل الإعلام من يعانون نقص المياه، وأنتم في نعمة تحسدون عليها، ومن هنا أوجه رسالة هامة وهي: أن على المواطن استشعار دوره الهام في الحفاظ على هذه المياه، واستخدامها بكفاءة وحكمة ورشد...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله جعل من الماء كلّ شيء حي، وخلق كلَّ شيء من ماء، وخلق كلَّ دابة من ماء، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-؛ فهي وصية الله لجميع عباده؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أيها المسلمون: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: "مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟"، قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟! قَالَ: "نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ"(قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح)، قال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله- في شرحه لهذا الحديث: " أجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء ولو في شاطئ البحر، واستدل بالحديث المتقدم". انتهى من (شرح سنن أبي داود).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "ولنعلم أن الإكثار من استخدام الماء في الوضوء أو الغسل داخل في قول الله -تعالى-: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأنعام: 141]؛ ولهذا قال الفقهاء -رحمهم الله-: "يكره الإسراف ولو كان على نهر جار، فكيف إذا كان على مكائن تستخرج الماء؟ فالحاصل: أن الإسراف في الوضوء وغير الوضوء من الأمور المذمومة". انتهى من (شرح رياض الصالحين).
عباد الله: أنتم تعلمون أن المملكة العربية السعودية تقع في صحراء جافة حارة قليلة الأمطار، وإذا نزلت أمطارها لا تتجاوز عدة أيام قليلة، قد لا تكفي لتوفير المياه اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي، ومستلزمات التنمية الاجتماعية والصناعية، وأنتم تعلمون أن المياه في الماضي كانت تفيض من الآبار فوق سطح الأرض، والينابيع تتدفق على الأرض، ولكن هذه المياه استنزفت الآن وغارت حتى أصبحت على بعد مئة متر تحت سطح الأرض، وعلينا أن نتعظ بقول الله -تعالى-: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)[الملك: 30].
ورغم الهدر لهذه المياه- إلا أن حكومتنا -حفظها الله- ومنذ تأسيسها على يد المغفور له -بإذن الله- الملك عبد العزيز وحتى الآن حرصت على توفير المياه لكل من يعيش على أراضيها، وكذلك ضيوف المملكة بكل يسر وسهولة، وبذلت في سبيل ذلك جهودا كبيرة وميزانيات ضخمة، كما وضعت الاستراتيجيات والأنظمة للحفاظ على هذه المياه، وكذلك لجأت المملكة -حفظها الله- إلى خيار استراتيجي ومكلف يتمثل في تحلية مياه البحر؛ لتغطية حوالي 60% من الاحتياجات الهامة للمياه.
عباد الله: نعمة الماء لا يعرف قدرها إلا من فقدها، وأنتم رأيتم في وسائل الإعلام من يعانون نقص المياه، وأنتم في نعمة تحسدون عليها، ومن هنا أوجه رسالة هامة وهي: أن على المواطن استشعار دوره الهام في الحفاظ على هذه المياه، واستخدامها بكفاءة وحكمة ورشد، وعدم الإسراف وإهدار هذه الثروة الغالية، تيمنا بقوله -تعالى-: (يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف: 31].
وكذلك مسؤولية المسلم ودوره تجاه مجتمعه تملي عليه المحافظة على المياه وترشيد استهلاكها، وأن يكون قدوة حسنة لغيره في بيته، وفي عمله، والمرافق العامة، والمساجد، والمدارس.
وأخيرًا: علينا النصح لبعضنا والتواصي فيما بيننا تجاه تريد استهلاك هذه المياه، فهذا من التعاون على الخير؛ لقوله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
عباد الله: نعمةُ الماء من أجلّ النعم وأعظمها من الله؛ فلولا الماء ما كان إنسان، ولا عاش حيوان، إنها نعمة الماء، وهو من النعيم الذي نسأل عنه يوم القيامة كما قال الله: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)[التكاثر: 8]، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ أوَّلَ ما يُسأَلُ عنه يومَ القيامةِ -يعني العَبدَ- من النَّعيمِ أن يُقالَ له: ألم نُصِحَّ لك جِسْمَك ونَروِيَك من الماءِ الباردِ".
ولجلالة هذه النعمة نعمة الماء وشكرها كانَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- إذا فرغَ من طعامِه قالَ: "الحمدُ للَّهِ الَّذي أطعَمَنا وسقانا، وجعلنا مُسلمينَ"، فشكر الله على نعمة الماء يكون باعتراف القلب بأن هذه النعمة من الله وحده، ويكون بنطق اللسان حمدًا لله على هذه النعمة، ويكون بحسن التصرّف في هذه النعمة ومن ذلك: علينا أن نقتدي بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في استخدامه للمياه، فقد "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ"(في الصحيحين)؛ والمدّ: هو ملء اليدين المتوسطتين، والصاع: خمسة أمداد، والله يقول: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف: 31].
فاتقوا الله -عباد الله-، وصلوا وسلموا على رسول الله فقد قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات