أهلا بالعيد! خطبة عيد الفطر 1439هـ

عبداللطيف بن عبدالله التويجري

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: الفطر
عناصر الخطبة
1/من السنة الفرح المباح في العيد 2/الشكر مقصود العيد الأعظم 3/الوصية بالتراحم وصلة الأرحام 4/وصية خاصة للنساء المسلمات

اقتباس

هنيئًا لمُوسِرٍ يزرعُ البهجَة، ومُحسنٍ يعطِفُ على أرملةٍ ومسكينٍ ويتيم، وصحيحٍ يعودُ مريضًا، وقريبٍ يزورُ قريبًا، العيدُ مُناسبةٌ كريمةٌ لتصافِي القلوب، ومُصالَحةِ النفوس، وإزالةِ كوامِن العداوةِ والبغضاء، وإدخالِ السُّرور، وحُسنِ الحديث، ولطيفِ المُتابعة، وأدبِ المعاملة، ورقيقِ السُّؤال...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ الّذِي خَلَقَنا فَسَوّانا، وأطعمَنا وسَقَانا، وبَلّغَنا رمضانَ وعافانا، وعلى الصيامِ أعانَنا وقوّانا، ومِنْ كلِّ شيءٍ أعطانا:

 

لكَ الحمدُ حمدًا طيبًا يملأُ السمــــا *** وأقطارَها والأرضَ والبرَّ والبحـرَا

لكَ الحمدُ مقرونًا بشكرِكَ دائمــــًا *** لكَ الحمدُ في الأولى وفي الأخـــرى

لكَ الحمدُ ما أولاكَ بالحمدِ والثنــا *** على نِعَمٍ أتبعتَها نِعمًا تَـــــــتْرَى

لكَ الحمدُ يا ذا الكبرياءِ ومنْ يكنْ *** بحمدِكَ ذَا شكرٍ فقدْ أحرَزَ الشكرَا

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.

 

اللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا أَعْطَانَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا أَوْلَانَا، الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[الْجَاثِيَةِ: 36-37] .

 

والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ المصطفى، والرسولِ المجتبى، وعلى آلِه وأصحابِه ومنِ اقتفى.

 

أمَّا بعد: أيها الكرام! في مثلِ هذا اليومِ البهيج، قبلَ أَرْبَى مِنْ أربعةِ عشرَ قرنًا، وفي أجملِ بيتٍ إيمانيّ، دخلَ الصديقُ -رضيَ اللهُ عنه- حجرةَ ابنتِه عائشةَ -رضيَ اللهُ عنهما-؛ فإذَا بجاريتينِ مِنْ جوارِي الأنصار، تغنّيانِ بأهازيجِ الأنصارِ فنهرَهُما الصديق: أمزمارُ الشيطانِ في بيتِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟! فقالَ لَه المبعوثُ رحمةً للعالمين: "يَا أبَا بكرٍ، إنَّ لكلِّ قومٍ عيدًا وهذَا عيدُنا"!

 

الله أكبر! نَعَمْ هَذَا عيدُنا أيّها المسلمون! نَعَمْ هذَا يومُ فرحتِنا، هذَا يومُد بهجتِنا فَلنُسْمِعِ الكونَ كلَّه شعارَ عيدِنا: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الْبَقَرَةِ: 185] .

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

أيُّها المتعيدون الكرام: إنّ فرحتَكم اليومَ بِهذا العيد، تشاطرُكُم فِيه بقاعٌ عبدتُّم اللهَ فيها، وسماءٌ كانَتْ تصعدُ فيها أعمالُكم؛ فعيدُكم مبارك، وتقبّلَ اللهُ منّا ومنْكُم صالحَ القولِ والعملِ.

 

هنيئًا لكمْ وأنتمْ تصعدون في مدارجِ الإحسان، فبالأمسِ كنتُمْ معَ الصيامِ في مدرسةِ التقوى: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الْبَقَرَةِ: 21] ، وأنتُمُ اليومَ ارتقيتُم معَ هذا العيدِ إلى مدرسةِ الشكر: (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الْبَقَرَةِ: 52] ، وَبِذَا يكْتملُ لكُمْ جوهرُ الإيمان، ونعيمُ الأبدان: وتقوى وصبر، وعبادةٌ وشكر.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

أيّها الإخوةُ الكرام: اليومُ عيدُنا نُعلنُ فيه طمسَ الأحزان، ووأدَ الأتراح، يومٌ نتعبدُ اللهَ فيه بالفرحِ كما تعبدّنَاهُ في رمضانَ بالخشوع، إنّه يومٌ تتكاملُ لنَا العبوديةُ في السراءِ والضراء، فإنْ كانَ لنا في رمضانَ قنوتٌ ودعاء، فَلَنا في العيدِ سرورٌ وهناء، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِم.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

إنّ مقصودَ العيدِ الأعظمَ -أيّها الفضلاء-: (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الْبَقَرَةِ: 52]، هُوَ حبلُ النجاةِ الوحيد مِنْ طوفان: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 34]، وسُلَّمُ أمانٍ مِنْ فيضان: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ)[سَبَأٍ: 17]، فمهمَا تقلّبَتْ أمتُنا في نوائبِ الدهرِ وصروفِه، فإنّها تجدُ في نعمةِ اللهِ عليْهَا بالقرآنِ ما يُجَلِّي كلَّ همّ، ويزيلُ كلَّ غمّ، بركةُ القرآنِ -يا أهلَ القرآنِ- بركةٌ شاملةٌ لأفرادِ الأمةِ كلِّها: بركةٌ اجتماعية، وبركةٌ اقتصادية، وبركةٌ سياسية، وبركةٌ علمية (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)[الْإِسْرَاءِ: 9]، (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)[الْمَائِدَةِ: 66].

 

ولئنْ كانَ القرآنُ -يا عبدَ اللهِ- ضياءَ ليالي رمضانَ فليكنْ كذلكَ ضياءَ أيامِ دهرِك كلِّها (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يُونُسَ: 58]، وفرحُنا -اليومَ- هوَ فرحٌ بفضلِ اللهِ وبرحمتِه، وإنّ هذه الفرحةَ إذَا تمكنتْ في القلب، واستقرّتْ انقلبتِ الحياةُ كلُّها أعيادًا وأفراحًا.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

إنَّ هَذَا اليومَ العظيم، يومَ الجوائز؛ لَهوَ توطئةٌ للمؤمنِ بالفرحِ الذي لا يعقُبُه حزنٌ أبدا، هذه الفرحةُ التي يجدُها المؤمنُ في قلبِه في هذا اليومِ العظيمِ تبعثُ فيه شوقًا إلى النعيمِ السرمديِّ -نسألُ اللهَ الكريمَ من فضلِه- وإنّ تحريمَ الصيامِ في هذا اليومِ العظيمِ لَيُذَكِّرُ المؤمنَ بعظيمِ الضيافةِ في الجنة: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)[الْحَاقَّةِ: 24]، وما أجملَ لفتةَ العلماءِ حينَ أجابُوا عنْ علّةِ النهيِ عَنْ صيامِ يومِ العيدِ والجوائزِ فقالُوا: "ونُهُوا عنْ صيامِهم لأنّ الكريمَ لا يليقُ بهَ أن يُجيعَ أضيافَه" كما ذكرَه ابنُ رجبٍ -رحمَه اللهُ تعالى-.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

معاشرَ المسلمين: أحسِنُوا الظنَّ بربِّكم، ولا يرى الجمالَ إلا الجميلُ، وَمَنْ كانتْ نفسُه بغيرِ جمالٍ فلنْ يرَى في الوجودِ شيئًا جميلًا، فجفِّف دمعَك، واجبُرْ كسرَك، وارفعْ رأسَك؛ واحترِمْ نفسَك -رحمَك الله- فهي أجملُ مخلوق، وأعزُّ موجود.

 

هنيئًا لمُوسِرٍ يزرعُ البهجَة، ومُحسنٍ يعطِفُ على أرملةٍ ومسكينٍ ويتيم، وصحيحٍ يعودُ مريضًا، وقريبٍ يزورُ قريبًا، العيدُ مُناسبةٌ كريمةٌ لتصافِي القلوب، ومُصالَحةِ النفوس، وإزالةِ كوامِن العداوةِ والبغضاء، وإدخالِ السُّرور، وحُسنِ الحديث، ولطيفِ المُتابعة، وأدبِ المعاملة، ورقيقِ السُّؤال، وتبادُلِ عباراتِ المرحِ المُباح.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

لا يسعَدُ بالعيدِ منْ عقَّ والدَيْه، وحُرِم الرضا في هذا اليومِ السعيد، ولا يسعدُ بالعيدِ منْ يحسُد الناسَ، ويقطعُ رحمَه وجيرانَه وأحبابَه، وليس العيدُ لخائنٍ غشَّاشٍ يسعى بالفسادِ بينَ الأنام، ويأكلُ أموالَهم، ولا يحترمُ ضعفاءَهم، العيدُ لمن اتَّقى مظالِمَ العباد، وخافَ يومَ التناد.

 

العيدُ عيدُ مَن عفا عمّن هَفَا، وأحسنَ لمنْ أساء، العيدُ عيدُ من حفِظَ النفسَ وكفَّ عن نوازِعِ الهوى، يلبسُ الجديدَ، ويشكرُ الحميدَ.

 

العيدُ فرحةٌ وبهجة، فمن أحبَّ أن يُسامِحَه الناسُ فليُسامِحْهُمْ، ومن زادَ حبُّه لنفسِه ازدادَ كرهُ الناسِ له، والأُلفةُ دليلُ حُسْنِ الخُلُق، والنُفرةُ علامةُ سوءِ الخُلق، التهنئةُ الصادقةُ والابتهاجُ الحقُّ لمن قَبِل اللهُ صيامَه وقيامَه، وحسُنَت نيَّتُه وصلُح عملُه، وحسُنَ خُلُقُه وطابَت سريرتُه.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

عبادَ الله: وَمِنْ أعظمِ موجباتِ الفرحِ بالعيدِ: مَا نُشَاهِدُهُ هذه الأيام مِنْ انتشار الْإِسْلَامِ رَغْمَ ضَعْفِ المُسْلِمِينَ وَتَفَرُّقِهِمْ وشدةِ الحملةِ عليه؛ فهو دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ دينُ الْحَقِّ، ومنهاجُ الصدق، وعبيرُ الحياة.

 

وَمَا نُشَاهِدُهُ مِنْ كَثْرَةِ الدَّاخِلِينَ فِي الْإِسْلَامِ رَغْمَ حَمَلَاتِ التَّشْوِيهِ الْقَوِيَّةِ ضِدَّ الْإِسْلَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ صوابٌ وحقٌّ، وهدايةٌ ونور؛ وَلِذَا قَالَ اللهُ -تَعَالَى- لِنَبِيِّهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الزُّخْرُفِ: 43]، وقال تعالى: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ)[النَّمْلِ: 79]، وَلَا يتزعزعُ فِي حَمَلَاتِ التَّشْكِيكِ وَالتَّشْوِيهِ إِلَّا ضِعَافُ الْإِيمَانِ، وَلَا يَبِيعُ إِيمَانَهُ فِيهَا إِلَّا أَهْلُ الدُّنْيَا، وبيّاعُو الأقلام، وَأَمَّا أَهْلُ اليقينِ والمعرفةِ فَلَا تَزِيدُهُمْ حَمَلَاتُ الْأَعْدَاءِ إِلَّا رُسُوخًا فِي الْحَقِّ، وَثَبَاتًا عَلَى الْإِيمَانِ، وَقُوَّةً فِي الْيَقِينِ، فتَمسَّكوا بدينِكمْ -رحمَكمُ الله-، فإنَّ الثباتَ عزيز، وإيّاكمْ والتلوّنَ فإنَّ دينَ اللهِ واحد.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)[الْجَاثِيَةِ: 18-19].

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ والسنة، ونفعَنِي وإياكم بما فيهما منَ الآياتِ والحكمة، أقولُ ما سمعتُم واستغفرُ اللهَ العظيم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أمَّا بعدُ..

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

أيّتُها النساءُ المسلمات: لقدْ كانَ من سنتِه -صلى الله عليه وسلم- أن يخصَّ النساءَ بحديثٍ يومَ العيد، فَحُقَّ لكِ أن نخصَّكِ بالخطاب، أداءً لكريمِ حقِّك، وامتنانًا بعظيمِ دورِكِ، جعلكِ اللهُ مباركةً طيبة.

 

أيّتُها الكريمة: إنّ أعظمَ ميثاقٍ لحقوقِ المرأةِ عرفتْهُ البشرية كانَ في ظلالِ الإسلامِ "اللهم إني أُحَرِّجُ حقَ الضعيفين: المرأةِ واليتيمِ"، وقدْ تولَّى اللهُ بنفسِه -تباركَ وتعالَى- الإفتاءَ في شأنِكِ فقال: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ)[النِّسَاءِ: 127]، ولَمَّا أدّبَ اللهُ نساءَ النبيِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأحزابِ قالَ العلماء: ونساءُ الأمةِ تَبَعٌ لهن في ذلك، ولضمانِ حقوقِك نَزَلَتْ سورتا: النساءِ الكبرى والصغرى، ولأجلِ كُربةِ امرأةٍ وشكواها نزلتْ سورةُ المجادلة، وقدْ ماتَ الفاروقُ حامًلا همَّكِ: "لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ، لَأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ العِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا!"، فعزيزٌ على الأمةِ أنْ تُؤْتَى منْ قِبَلِكِ وتُنْقَضَ عُرَاها عَبْرَ بَوَّابَتِك، إنَّ لكلِ دهرٍ حمالةَ حطبٍ فأجيرُكِ من سيرتِها، بيدَ أنْ الشرَّ يُعْلَمُ لِيُتَوقَّى، وإنّ لكلِ دهرٍ خديجة: "آمنتْ بي إِذْ كفرَ بي الناسُ، وصدقتْنِي إذ كذبَنِي الناس، وواستْنِي بمالِها إذ حرمَنِي الناس" فكوني واحةَ أمل، وجبلَ ثبات، ومنارةَ وعي.

 

أيَّتُهَا المسلمةُ: مجتمعُك محتاجٌ لعطائِك وَبَذْلِكِ، ورحمَ اللهُ من أعانَ على الدينِ بشطرِ كلمةٍ فكيفَ بمنْ تُربِّي أجيالًا؟!

 

وإياكِ إياكِ أنْ تجرُّكِ حظوظُ نفسِك إِلَى مَا لا ينبغي، فقدْ خلقَكِ اللهُ حرةً عاقلة، والعاقلُ ينبغي أنْ لا يؤذيَ نفسَه ولا أهلَه ولا من حوله.

 

وَثِقِي أنَّ اللباسَ الشرعيَّ المحتشمَ؛ دليلُ وعيِك، وأمارةُ علمِك، وليسَ وصايةً عليكِ، ولا تحجيرًا لحريتِك، والواثقةُ بهويتِها تمشي مَلِكَةً!

 

حفظَك اللهُ منْ كلِ سوءٍ ومكروه، وأسبغَ عليكِ نعمَه ظاهرةً وباطنة.

 

الله أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

همسةٌ أخيرة: مسكينٌ من هو جالسٌ بينَنا الآن، وقدْ هجرَ أمَّه وأباه، أو أختَه وأخاه، يا ضيعةَ العمرِ إن كنتَ تُعيِّدُ مديرَك وجيرانَك وزملاءَك، وقد هجرْتَ أمَّك وأباك، وأختَك وأخاك.

 

صدقْنِي لا يفرحُ بمثلِ هذا إلا الشيطانُ الرجيم، والعدوُّ اللئيم، وهل العيدُ إلا لمنْ صفحَ وعفا، وأجابَ ودعا، وبادَرَ وَنَسِيَ؟ فبادِرْ إلى البرِّ والصّلة، والنورِ والسرور، والرزقِ والعُمُر، وقدْ (أخرجَ الإمامُ البخاريُّ فِي صحيحِه) منْ حديث أَنَسِ بْن مَالِكٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"، فهنيئًا للواصِلِ المبادرِ هذه البشائرِ العظيمة، والأجورِ الكبيرة.

 

الله أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمد، وعلى آلِه وأزواجِه وذُرِّيَّتِه، وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الراشدين الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمَرَ، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الصحابةِ أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وجُودِك وإحسانِك يا أكرمَ الأكرمين.

 

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، واحمِ حوزةَ الدين، وانصرْ عبادَك المؤمنين.

 

اللهم انصرْ دينَك وكتابَك وسنةَ نبيِّك محمدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعبادَك الصالحين.

 

اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وأيِّدْ بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرِنا، ووفِّقْه لما تحبُّ وترضى، وخُذْ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، ووفِّقْه لما فيه صلاحُ العبادِ والبلاد.

 

اللهم أبرِم لهذه الأمةِ أمرَ رُشد، يُعزُّ فيه أهلُ الطاعة، ويُهدَى فيه أهلُ المعصية، ويُؤمرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عنِ المُنكَر، إنّكَ على كلِّ شيءٍ قدير.

 

اللهم احفَظْنا منْ شرِّ الأشرار، ومنْ كيدِ الفُجَّار، وشرِّ طوارِق الليلِ والنهار.

 

اللهم احْفَظْ علينا إيمانَنا وأمنَنا وعقيدتَنا، واجعلْنا شاكرينَ لنعمِك، مُثْنِينَ بِها عليكَ يا ربَّ العالمين.

 

اللهم اكشفِ الغُمّة عن هذه الأمةِ واجمعْها على الكتابِ والسنة.

 

اللهم وأصلِح أحوالَ المُسلمين في كلِّ مكان، اللهم احقِن دماءَهم، وولِّ عليهم خيارَهم، واكفِهم شِرارَهم، وابسُطِ الأمنَ والعدلَ في ديارِهم، وأَعِذْهُم من الشُّرورِ والفتنِ ما ظهرَ منها وما بطَن.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].

 

سبحانَ ربِّك ربِّ العزةِ عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وتقبّلَ اللهُ منّا ومنكم، وكلُّ عامٍ وأنتمْ إلى اللهِ أقرب.

المرفقات
أهلًا-بالعيد-خطبة-عيد-الفطر-1439هـ.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life