عناصر الخطبة
1/ التلازم بين صفاء القلب وصدق اللسان 2/ خطر اللسان 3/ أحاديث نبوية في فضل حفظ اللسان 4/ محظورات شرعية يقع فيها اللساناهداف الخطبة
اقتباس
اللسان -يا عباد الله- الذي يورد المهالك، والذي يؤدي بالإنسان إما إلى مرضات الله، وإما إلى سخطه.
العقل زين والسكوت سلامة *** فإذا نطقت فلا تكن مكثارا
ما إن ندمت على سكوتي مرة *** ولقد ندمت على الكلام مرارا
ولقد أمر الله -جل وعلا-...
الخطبة الأولى:
(تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا) [الفرقان: 61].
أحمده -تعالى- وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 102-103].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].
(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2-3].
اللهم إنا نسألك أن تؤلف على الخير قلوبنا, وأن تلمَّ شعثنا، وأن ترفع رايتنا، وأن تنصرنا على عدوك وعدونا يا قوي يا جبار.
أما بعد:
جاء نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألونه، فقالوا : يا رسول الله أي الناس أفضل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "كل مخموم القلب، صدوق اللسان" قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "هو التقي النقي لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد" [رواه ابن ماجة وصححه الألباني].
انظر كيف جمع بين صفاء القلب، وصدق اللسان، فالذي يكون قلبه طاهر لا يكذب، والذي يكون قبله نجس تجد نجاسته في اللسان.
ومن كان قلبه مليئاً بالحقد والحسد، والبغي والظلم، ومن كان قد تربى على احتقار الآخرين، ومن كانت تربيته سيئة، تربى على الكذب والغيبة، والنميمة.
من تربى على المجلات الخليعة، والمسلسلات الماجنة، من تربى بالشوارع والأسواق، تربى قلبه على السيئات والأحقاد، لن يخرج من لسانه إلا القاذورات والأوساخ والنتن، ولن يخرج من لسانه إلا كل كلام بالٍ.
من صاحب الأشرار، وصادق الفجار، ومن جلس مع السفلة من الناس، والساقطين الذين لا يعرفون الله ولا رسوله، والذين حياتهم كذب، وغيبة، ونميمة، ورشوة، وسب، وإهانة، وشتم للمسلمين، أيرجى من القمائم ريحاً طيباً؟ أو يخرج منها ما تنشرح له الصدور؟!
وكذلك الذي تربى على القاذورات لن يخرج منه إلا قولاً نجساً، وكلاماً نتناً، لذلك قال: "مخموم القلب، صدوق اللسان".
اللسان -يا عباد الله- الذي يورد المهالك، والذي يؤدي بالإنسان إما إلى مرضات الله، وإما إلى سخطه.
العقل زين والسكوت سلامة *** فإذا نطقت فلا تكن مكثارا
ما إن ندمت على سكوتي مرة *** ولقد ندمت على الكلام مرارا
وقال آخر:
استر العيب ما استطعت بصمت *** إن في الصمت راحة للصموت
واجعل الصمت إن عييت جواباً *** رب قول جوابه في السكوت
ولقد أمر الله -جل وعلا- بحفظ اللسان: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون: 3] ما إن يرون مكاناً فيه من اللغو، وفيه من التجني على الناس، والكلام في أعراض الناس؛ أعرضوا، وتلك صفات عباد الرحمن، وصفات أحباب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، هي صفات المؤمنين الصادقين.
أما ضعيف الإيمان، فإنه يحب المجالس التي فيها لغو وكذب، وغيبة، كالذباب لا يحب الوقوع إلا على الأوساخ.
أما النحلة، فلا تقع إلا على الأزهار النقية، والروائح الطيبة، فالنحل لا يأكل إلا طيباً، ولا يخرج إلا طيباً.
أما الذباب، فلا يأكل إلا وسخاً، ولا يخرج منه إلا الأوساخ، لذلك يقول الله -سبحانه وتعالى- عن عباده: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [الفرقان: 72] ابتعدوا عنه، فلا يقربون اللغو.
يا أخي: الله -جل وعلا- أوجد ملكين؛ رقيبا وعتيدا، خلقهما الله لحفظ ما تقول، فأوجد أحدهما على يمينك، والآخر عن يسارك.
أناس سيأتون يوم القيامة وصحائف ملك الحسنات فارغة، ليس فيها كلمة واحدة، وملك السيئات سيأتي يوم القيامة، بصحف تزن الجبال، كمد البصر، فيها كذب، وغيبة، ونميمة، وسب، وشتم، وشهادة زور، ولعن، وطرد.. ماذا ستقول لربك إن قدمت عليه بأعمال كجبال تهامة من السيئات بسبب هذه المضغة الصغيرة؟
قال الله -تعالى-: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 72] كل هذه الجوارح ستسأل عنها يوم القيامة.
وحذر جل وعلا مما يقع فيه اللسان من المعاصي، ومنها: الغيبة: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات: 12].
كيف لو قدم لأحدنا لحما لبعض الحيوانات الكريهة، النتنة التي لا تقبلها النفوس المريضة، فضلاً عن النفوس السليمة؟ فكيف لو قدم لحم ابن آدم؟! من منا سيأكله؟!
فشبه الله -جل وعلا- الذي يتكلم في أعراض الناس في غيبتهم بسوء، كالذي يأكل لحم الإنسان.
بل قال الله -سبحانه وتعالى-: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ) أول ما يشهد عليك، هو الذي أوردك المهالك يوم القيامة: (وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النور: 24].
لسانك هذا سيشهد عليك يوم القيامة، سيقول: يا رب هذا عبدك فلان كان يكذب بي! وكان يغتاب بي! وكان يقول الحرام بي!.
واسمع إلى طائفة من أحاديث الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده" [رواه البخاري ومسلم].
هو الذي سلم المسلمون من لسانه؛ من كذب، وغيبة، ونميمة، وشهادة زور، أو يده بالبطش، والسرقة، والظلم، والضرب، والإهانة.
لذلك أحب الناس إلى الناس الذي لا يتكلم في الناس بسوء؛ لأنه ما يتجنى على أحد.
وانظر إلى الذي يتكلم في الناس، كيف يبغضه حتى أقرب الناس إليه؟!
انظر إلى الشعراء ما يسلم منهم حتى ذويهم وزوجاتهم وأمهاتهم، بل وحتى أنفسهم، لذلك أثر عن بعض أصحاب النبي -صلى عليه وسلم- أنه قال: "ما وجدت شيئاً أحوج إلى طول سجن من لساني".
وعن سفيان بن عبد الله قال: قلت يا رسول الله! ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ -ما هو الشيء الذي تخافه عليَّ يا رسول الله؟ هل هو النساء، أو المال، أو الجاه، أو المنصب، أو المرض، أو العدو؟!- فأخذ رسول الله بلسان نفسه، ثم قال: "هذا" [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
أخوف ما يخاف على أمته اللسان!.
سبحان الله! هذا اللسان يخافه النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصالحين!.
وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يضمن ليَّ ما بين لحييه، وما بين رجليه أضمن له الجنة" [رواه البخاري].
كلنا نحفظ هذه الأحاديث، لكن من يطبقها؟ ومن يلتزم بها؟
"من يضمن ليَّ ما بين لحييه" أي اللسان، فيمسكه عن الوقوع في محارم الناس، وفي ذات الله، وعن الوقوع في الدين، وفي أعراض المسلمين.
وانظر كيف جعل اللسان أولاً ثم الفرج ثانياً، لماذا؟
لأن الزنى لا يأتي مباشرة، الزنى لا يأتي إلا بنظرة، ثم بكلمة، ثم بالوقوع في الحرام، لذلك في الحديث الآخر، قال عليه الصلاة والسلام: "والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه" [رواه البخاري ومسلم].
ثم يقع الإنسان في الحرام، لكن بعد ماذا؟
بعد الكلام.
كم من شاب؟ وكم من فتاة؛ زلت بسبب الكلام؟!
موظف مع موظفة في المكتب يبدآن بكلمات رقيقة: صباح الخير! صباح النور! كيف الحال؟ ويوماً بعد يوم، ثم يقعون في المهالك!.
والطالب والطالبة في الجامعة كذلك، والجار والجارة -لا قدر الله-.
وهكذا بدايتهما باللسان، فإن كان اللسان مضبوطاً ضبطت الأمور، وإن هلك وزل اللسان زلَّ ما بعده من تصرفات، لذلك صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: "من يضمن ليَّ ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".
لا يكون الإنسان كذاباً كبيراً مباشرة، بل يبدأ بالكذبة الصغيرة أولاً.
إن الرجل ليكذب الكذبة ثم يتمادى، ثم يكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، يكتب عند الله في كتاب الكذابين.
إن الكذب -يا عباد الله-: كالمعاصي الأخرى.
إن المرتشي لا يرتشي في البداية بالمليون، يرتشي بعشرين، أو بخمسين، أو بمائة، ثم تكبر، وهكذا الكذاب لا يكذب كذبة كبيرة ابتداءً، يكذب الكذبة الصغيرة، ثم التي تليها، حتى تكبر كذباته، فيصبح أكبر كذاب.
إن الضامن للجنة هو محمد -عليه الصلاة والسلام-، فهل تقبلون ضمانته؟
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب" [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي سعيد قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أصبح بن آدم فإن الأعضاء -اليدين، والرجلين، والعينين، والأذنين- كلها تكفر اللسان، فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا" [رواه أحمد والترمذي، وحسنه الشيخ الألباني].
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: حسبك يا رسول الله من صفية كذا -أي فيها قصر- فقال عليه الصلاة والسلام: "يا عائشة لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته" [رواه أبو داود، وصححه الشيخ الألباني].
واسمع إلى قوله عليه الصلاة والسلام فيما يستبسطه الناس: "ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له" [رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني].
أي يقوله على صورة نكتة أو طرفة، يقولها ليضحك الناس بالكذب، لكن توعده النبي -صلى الله عليه وسلم- بواد في جهنم؛ بسبب نكتة!.
أصبحت الصحف لا تباع إلا بالأكاذيب وبالنكت!.
أصبحت البرامج لا يمكن أن تشاهد ما لم يكن فيها نكت!.
أصبحت المجالس لا يمكن أن تكون مجالس، ما لم يكن فيها كذابون، حتى يدخلون على بعض الناس الفرح والسرور بالكذب والبهتان!.
قال صلى الله عليه وسلم: "من رمى مسلماً بشيءٍ يريد به شينه -أي منقصته- حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال" [رواه أبو داود، وحسنه الألباني].
وقال صلى الله عليه وسلم: "الربا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم" [رواه الحاكم وصححه الألباني].
عباد الله: أسأل الله أن يحفظ علينا ألسنتنا، وأن يحفظ علينا أعراضنا، وأن يحفظ علينا بيوتنا، وأن يغفر لنا ذنوبنا.
استغفروا الله وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى.
أما بعد:
انظر إلى أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين رباهم على حفظ اللسان! فكانوا لا يدخلون عليه إلا ويجدونه صامتاً أو مستغفراً، أو مسبحاً، أو شاكراً؛ لذلك أوصى معاذاً، فقال: "أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك" [رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني].
ما جلس مجلساً إلا واستغفر الله فيه أكثر من مائة مرة؛ آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، لذلك دخل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على أبي بكر الصديق خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإذا بأبي بكر ممسك بلسانه، وهو جالس لوحده ليس معه أحد، فقال عمر: "مه، غفر الله لك؟" فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: "إن هذا أوردني الموارد" [رواه الإمام مالك وصححه الألباني].
أي يا عمر: إن لساني هذا أوقعني في شر الأماكن!.
من المتكلم؟!
إنه أبو بكر الحبيب إلى المصطفى -صلى الله عليه وسلم-! إنه خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! إنه الذي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يتمنى الجلوس إلا معه! يقول: إن لسانه أورده المهالك.
أي مهالك يا صهر وخليفة رسول الله؟ كيف بألسنتنا نحن أيها المؤمنون؟!
في الصحيحين عن جابر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن من أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون" قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون، والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: "المتكبرون" [رواه الترمذي وصححه الألباني].
وقد يكون الكبر باللسان؛ كقول الشخص: أنا فلان، وفعلت كذا، وأنا قمت بكذا، فذلك من الكبر الذي يبغضه الله، ويبغضه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وعند أحمد وهو في الصحيحين كذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن مثل النحلة لا تأكل إلا طيباً، ولا تضع إلا طيباً".
بل وصف ابن عباس النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في مسند الإمام أحمد: بأنه كان طويل الصمت، قليل الضحك [رواه أحمد، وقال الأرناؤوط: "حديث حسن"].
وعن معاذ قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إنك لن تزال سالماً ما سكت، فإذا تكلمت كتب لك أو عليك" [رواه الطبراني والطيالسي والبيهقي، وصححه الألباني].
لذلك -يا عباد الله- اعلموا أن الناس يقعون في محظورات كثيرة باللسان، منها:
أولاً: كثرة اللفظ بالطلاق: كثير من الناس لسانه لا يفتأ عن الطلاق، في البيع وفي الشراء، وفي صعود السيارة والنزول منها، وفي الأكل والشرب، وفي دخول البيت والخروج منه، بل قد يصل ببعضهم أنه يعاشر زوجته بالحرام! ولا تحل له، إذ قد يكون طلقها في اليوم أكثر من مائة مرة، من أجل القات! أو من أجل الشراب!.
سبحان الله! هذا لا يجوز.
اسمع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ثلاث لا يجوز اللعب فيهن: الطلاق، والنكاح، والعتق" [رواه الطبراني، وحسنه الألباني].
الطلاق لو قال الرجل هازئاً، أو مازحاً كلمة الطلاق لزوجته صح الطلاق.
ولو قال أب لرجل آخر مازحاً: زوَّجتك ابنتي، فقال الآخر: قبلت، تم الزواج، وأصبحت زوجته بفعل اللسان!.
فلا يجوز هذا العبث بالأحكام الشرعية، والأعراض المصانة.
وفي الحديث الآخر: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة" [رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجة، وحسنه الألباني].
حتى المزاح فيهن جد، لذلك تجد بعض الناس لا يتقي الله، فيطلق في اليوم بالعشرات والمئات!.
ثانياً: كثرة الحلف في البيع وفي الشراء، الحلف بالله في أي شيء؛ لأي شيء، وبدون قيمة: (وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ) [البقرة: 224].
ثالثاً: ومن زلات اللسان كذلك: الحلف بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا يجوز الحلف بالنبي، ولا بالكعبة، ولا بالولي، ولا بالشرف والأمانة، ولا بالمهنة، ولا بالولد، قال صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" [رواه البخاري ومسلم].
رابعاً: كثرة اللعن بين الناس، المرأة تلعن أولادها، والأب يعلن سيارته، والمدير يلعن موظفيه، والناس يلعنون بعضهم بعضا.
سبحان الله! يعلن بعضنا بعضاً؛ كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فكانت امرأة معها ناقة، فقالت للناقة: لعنك الله، فقال عليه الصلاة والسلام: "خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة" [رواه مسلم].
أي حتى لا ينزل علينا بلاء بسبب هذه اللعنة؛ لأن اللعنة هي الطرد من رحمة الله.
فكيف بالأم تلعن أولادها؟ والزوج يلعن زوجته؟
فلا يجوز اللعن، قال صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن، فإن كان لذلك أهلاً وإلا رجعت إلى قائلها" [رواه أبو داود، وحسنه الألباني].
خامساً: التكفير، من قبل الجهلة والعميان، وإن ركبت الأعين برؤوسهم، فقاموا بتشريح وفرز أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: هذا كافر، وهذا فاسق، وهذا مبتدع، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما" [رواه البخاري ومسلم].
أما الذي قيلت فيه إن كان يستحق الكفر وإلا عادت إلى قائلها.
كذلك -يا عباد الله-: الكذب في الرؤيا، تصبح المرأة فتقول لأختها: أنا رأيت! والثانية تقول: وأنا رأيت وأنا نائمة! فهذه ما رأت شيء، وكل ذلك كذب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك.
كذلك من الأمور التي نهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: كثرة المديح للناس بغير حق، ومنه المديح عبر الصحف، والمجلات، الموظف الذي يريد ترقية، أو المسئول يريد مكافأة، يمدح من هنا إلى عنان السماء، هذا نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال لرجل كان يمدح أخاه: "ويلك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك" مرارا، ثم قال: "من كان منكم مادحا أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلانا والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدا، أحسبه كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه".
من الأمور التي يقع فيها الناس كثيراً: سب الزمان، وسب الدهر، وسب الليل والنهار، وسب الريح، والغبار، وهذه الأشياء من مخلوقات الله، فلا يجوز سبها، اسمع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "لا تسبوا الريح، فإنها من روح الله -تعالى-، تأتي بالرحمة والعذاب، ولكن سلوا الله من خيرها، وتعوذوا بالله من شرها" [رواه أحمد وابن ماجة، وصححه الألباني].
حتى المرض لا يجوز سبه من حمى أو صداع، أو زكام، اسمع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول لأحد الصحابيات: "لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد" [رواه مسلم].
عباد الله: تلك كلها من أعمال اللسان، واسمع كذلك إلى ما يقع فيه كثير من الناس من سب للأموات، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا" [رواه البخاري].
هذا في الأموات فكيف بمن يسب الأحياء خاصة من الصالحين، أو من العلماء؟ فإن الله - سبحانه وتعالى- يحرم عليه الجنة، ويوجب له النار؟
كذلك: التسخط من البلاء، ومن قضاء الله وقدره.
كذلك: الدعاء على الأولاد، أو على النفس.
اللهم احفظ ألسنتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وتجاوز عن سيئاتنا.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وانصر المجاهدين في كل مكان، يا قوي يا متين.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
التعليقات