أقوى الصلات برب العباد

عبدالله الجهني

2024-08-03 - 1446/01/28
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/حاجة المسلم لتقوية صلته بالله في زمن الفتن 2/أقوى الصلات بالله وأقربها إليه الصلاة 3/الخشوع روح الصلاة 4/حال السلف الصالح مع الصلاة

اقتباس

ألَا وإنَّ رُوحَ الصلاةِ الخشوعُ والخضوعُ، وعمادَها تدبُّرُ القراءةِ في القيام، وتدبُّرُ التسبيحِ في السجود والركوع، ولِعِظَمِ شأنِ الصلاةِ فإنَّها لا تَسقُطُ عن العاقل البالغ بحال، ولا تُترَكُ إلى الكفاءة والإبدال، ولا تُجزئ فيها النيابةُ، ولا عذرَ للمكلَّفِ في تَركِها ولو في حالة القتال...

الصلاة أقوى الصلات برب العباد

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالِنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ مُحدَثة بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

أيها الناسُ: اتقوا الله حقَّ التقوى، وراقِبوه مراقبةَ مَنْ يعلم أنَّه يسمع ويرى، واستمسِكوا بالعروة الوثقى، وآثِروا ما يبقى على ما يَفنى؛ فالآخرةُ باقيةٌ، والدنيا زائلةٌ، وارغبوا فيما عندَ الله؛ فما عندَ اللهِ خيرٌ وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.

 

عبادَ اللهِ: ما أحوجَ المسلمينَ في هذا الزمن المملوء بالفِتَن والإحَنِ والمحنِ، المملوء بالحقد والضغائن، المحفوف بالعقوبات والأخطار، ما أحوجَهم إلى تقوية الصلة بالله؛ للتغلُّب على عوامل الفساد ودُعاة الهلاك، وإنَّ أقوى الصلات بالله -عز وجل- وأقربها إليه هي الصلاة؛ فالصلاة قوة لها نفوذٌ تَنفُذ إلى أعماق النفس وإلى أحاسيس الضمير، تُطَهِّرها من الخبائث والفواحش، يستعين بها المسلمُ على نفسِه وشهواتِه وشيطانِه، وهي وسيلة من وسائل الشكر لله -سبحانه وتعالى-، على ما أنعَم على العبد مِنْ نِعَمٍ لا تُعَدُّ ولا تُحصى، فواجبٌ على العبد المسلم، أن يُظهِر للإله المنعِم المتفضِّل، الخضوعَ والعبوديةَ بأداء الصلاة التي فرَضَها عليه، تعبيرًا عن شكر الله -تعالى-، وإقرارًا بربوبيته، واعترافًا بفضله ونِعَمِه.

 

واعلموا -رحمكم الله- أن الصلاة هي عماد الدين الأرفع، وأنَّ مَنْ حافَظ عليها حَفِظَ دينَه، ومَنْ ضيَّعَها فهو لِمَا سِوَاها أضيعُ، قال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[الْبَقَرَةِ: 238]، وقال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45]، وإنَّها بعدَ الشهادتينِ أعظمُ أركانِ الدينِ اعتبارًا وثبوتًا، كرَّر اللهُ -تعالى- ذكرَها في القرآن الكريم معرَّفًا بالألف واللام سبعًا وستينَ مرةً، في ثمانٍ وعشرينَ سورةً، تارةً يأمر بإقامتها وأدائها في أوقاتها المختصَّة بها على أكمل وصف؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)[النِّسَاءِ: 103]، وتارةً يَمدَح فاعلَها ويُثني عليه وما ينالُه من الأجر والثواب، وتارةً يذمُّ تارَكها ويُبيِّن عقوبتَه، وكلُّ أحدٍ مطالَبٌ بفعلها حتى في المرض والخوف؛ فالمسلم يؤديها متطهِّرًا من الأحداث والأقذار، مستور العورة بما يحجبها عن الأبصار، مستقبلَ القبلةِ حيثُما كان، مخلصَ النيةِ عندَ الإحرامِ بها للعظيم الشأن -جلَّ جلالُه-، محافظًا على ما لها من الأركان، في قراءة وركوع وسجود وقعود واعتدال واطمئنان، لا ينقرها نقر الغراب، ولا يترك ما لها من السنن والآداب، فإن الصلاة صلة للعبد برب الأرباب، وهي أول ما يسأل عنه العبد في عمله يوم يقوم الحساب.

 

فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ- وأحسِنوا صلواتِكم، يُحسِنِ اللهُ أحوالَكم، واطمئِنُّوا في الركوع والسجود، والاعتدال بعد ركوعكم وبينَ السجدتينِ في القعود؛ فإنَّ الإخلال بالطمأنينة مُبطِلٌ للصلاة قَطْعًا، والمصلِّي بغير اطمئنانٍ وسكونٍ في الذين ضلَّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يَحسَبُون أنهم يُحسِنون صُنعًا.

 

ألَا وإنَّ رُوحَ الصلاةِ الخشوعُ والخضوعُ، وعمادَها تدبُّرُ القراءةِ في القيام، وتدبُّرُ التسبيحِ في السجود والركوع، ولِعِظَم شأنِ الصلاةِ فإنَّها لا تَسقُطُ عن العاقل البالغ بحال، ولا تُترَكُ إلى الكفاءة والإبدال، ولا تُجزئ فيها النيابةُ، ولا عذرَ للمكلَّفِ في تَركِها ولو في حالة القتال، والمحافِظُ على الصلاة في الجماعة يُشهَد له بالإيمان، ومَنْ ترَك فعلَها جماعةً في بدو أو قرية فَقَدِ استحوذَ عليه الشيطانُ؛ فاتقوا الله -عباد الله- وامتثلوا المأمور، واجتنبوا المحظور، ومروا أولادكم وأهليكم بأدائها والمحافظة عليها؛ فإنكم عنهم مسؤولون، وأعدوا زادًا كافيًا ليوم البعث والنشور، ولا تغرنك الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، جعلني الله وإيَّاكم ممن تاب وأناب، وغفر لنا وبمنه وكرمه ووقانا سوء الحساب، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)[طه: 132].

 

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من البيان، أقول قولي هذا وأستغفِر اللهَ العظيم لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدَ الشاكرينَ، والصلاة والسلام على سيد الأولينَ والآخرينَ، نبينا وحبيبنا محمد المبعوث رحمةً للعالمينَ، وعلى آله وأصحابه الهادين المهديين، وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وآل بيته الطيبين الطاهرين.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -عبادَ الله سبحانه وتعالى-، وأطيعوه تغنموا وتسعدوا في الدنيا والآخرة.

 

سُئل العالم الزاهد حاتم الأصم -رحمه الله تعالى- عن صلاته فقال: "‌إذا ‌حانتِ ‌الصلاةُ، ‌أسبغتُ ‌الوضوءَ، وأتيتُ الموضعَ الذي أُريد الصلاةَ فيه، فأقعدُ فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوام إلى صلاتي، وأجعَل الكعبةَ بين حاجبيَّ، والصراطَ تحت قدميَّ، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، ومَلَك الموت ورائي، أظنُّها آخِرَ صلاتي، ثم أقوم بين الرجاء والخوف، وأُكَبِّر تكبيرًا بتحقيق، وأقرأ قراءةً بترتيل، وأركع وكوعًا بتواضُع، وأسجدُ سجودًا بتخشُّع، وأُتبِعُها الإخلاصَ، ثم لا أدري أقُبلت أم لا" انتهى كلامه -رحمه الله-.

 

ثم اعلموا -عبادَ اللهِ- أن الله -تبارك وتعالى- أمرَنا بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وثلث بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه، فقال قولًا كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا".

 

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ الله عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، الذين قَضَوْا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنكَ وإحسانك يا أرحم الراحمينَ.

 

اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، واخذل اللهُمَّ من خذل الإسلام والمسلمين، واجعل هذا البلد آمِنَّا مطمئنًّا رخاءً سخاءً، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهُمَّ واغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهُمَّ اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهُمَّ انصر جنودنا على الحدود، اللهُمَّ وثبت أقدامهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم أجمعين.

 

اللهُمَّ وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى، وخُذْ بناصيتهما للبر والتقوى، اللهمَّ وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين لكل خير وصلاح لدينهم ولشعوبهم وأوطانهم.

 

اللهمَّ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِلْ علينا الغيثَ ولا تجعَلْنا من القانطينَ، اللهمَّ اسقِنا وأغِثْنا، اللهُمَّ إنَّا خلق من خلقك، فلا تمنع عَنَّا بذنوبنا فضلك؛ (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على آلائه يَزِدْكُمْ، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ.

 

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life