عناصر الخطبة
1/نماذج لأعمال لا ينقطع أجرها 2/الأولوية في إعطاء الصدقات 3/الحث على الإنفاق والوقف.اقتباس
فالإنسان إذا خلَّف علماً ينتفع به الناس، سواء كان مقروءاً مثل المؤلفات الشرعية؛ عقيدةً وفقهاً وآداباً، أو علماً مسموعاً، ينتفع الناس بسماعه، فإنَّه يُؤْجَر عليه وهو في قبره، وهذا من أعظم ثمرات العلم النافع، وكذلك الولد الصالح يدعو لأمِّه وأبيه، فإنَّه من العمل الذي لا ينقطع بعد الموت..
الخطبة الأولى:
الحمد لله؛ حثَّ عباده على فعل الطاعات ورغَّبهم فيها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فمن اتقى الله حفظه ووفَّقه وأسعده في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1].
عباد الله: من الأعمال أعمالٌ لا تنقطع حتى بعد الموت، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"(أخرجه مسلم).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، وهُو فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ كَرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلاً، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ"(أخرجه البزار وحسَّنه الألباني). وفي بعض ألفاظ الحديث: "أو بيتاً لابن السبيل بناه"(أخرجه ابن ماجه 242).
فالإنسان إذا خلَّف علماً ينتفع به الناس، سواء كان مقروءاً مثل المؤلفات الشرعية؛ عقيدةً وفقهاً وآداباً، أو علماً مسموعاً، ينتفع الناس بسماعه، فإنَّه يُؤْجَر عليه وهو في قبره، وهذا من أعظم ثمرات العلم النافع، وكذلك الولد الصالح يدعو لأمِّه وأبيه، فإنَّه من العمل الذي لا ينقطع بعد الموت؛ فأكثروا من الدعاء لوالديكم بالمغفرة والرحمة ورفعة الدرجات، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ"(أخرجه ابن ماجه وحسَّنه الألباني).
ومن العمل الذي لا ينقطع بعد الموت: الصدقة الجارية، ويدخل فيها: بناء المستشفيات والمدارس، ودُور تحفيظ القرآن الكريم، وبناء مساكن للفقراء والمحتاجين من الأرامل والأيتام وابن السبيل، وطلبة العلم النافع، وغيرهم.
أيها المسلمون: ومن الأعمال التي لا ينقطع أجرها بعد الموت: وَقْف الآبار التي ينتفع الناس والبهائم والزروع بمائها، وكذلك شقُّ الطريق للأنهار؛ لتجري إلى أماكن أخرى لينتفع بها الناس، ولقد اشترى الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بئر رُومة، وحفرها وطواها وأوقفها للمسلمين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ"(أخرجه البخاري)، وكانت قبله لرجل يبيع منها القِربة بِمُدٍّ، فاشتراها منه بخمسة وثلاثين ألف درهم، وأوقفها على المسلمين -رضي الله عنه-.(ينظر فتح الباري لابن حجر 5/507).
أيها المسلمون: ومن الأعمال التي لا ينقطع أجرها بعد الموت: غرس النخيل والشجر النافع الذي يَقتات منه الناس أو يستظلون بظلِّه، أو ينتفعون بما فيه من منافع متعددة، أو بيع ما ينتجه ذلك الغرس، وصرفه على المحتاجين؛ فإنَّ أجرها جارٍ ما دام الناس ينتفعون بها، فاغرسوا النخيل والأشجار النافعة في المزارع والبريَّة، وتعاهدوا سقيها حتى تستقيم.
وإنَّه لمن المؤسف أن يقوم بعضهم بالاحتطاب الجائر في البريَّة فيقطع أشجاراً يحرم الناس والبهائم والطيور من ظلِّها ومنافعها، خصوصاً ونحن نعيش في منطقة صحراوية قليلة الشجر، وهي بأشد الحاجة إلى غرس الأشجار المناسبة فيها؛ مثل الطلح والسدر والسلم وغيرها.
أيها المؤمنون: ومن الأعمال التي لا ينقطع أجرها بعد الموت: بناء المساجد أو المساهمة في بنائها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا -قَالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ؛ بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الجَنَّةِ"(أخرجه الشيخان).
فحَرِيّ بك عبد الله إن كنت تجد سعةً في الرزق أن تجعل لك وقفاً، وأفضله ما كان على المحتاجين من ذوي القرابة والرحم، قال أنس بن مالك -رضي الله عنه- كان أبو طلحة أكثرَ الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحبُّ أموالهِ إليه بَيْرُحاء، وكانت مستقبلةَ المسجد، وكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب، قال أنس: فلمَّا أنزلت هذه الآية: (لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)[آل عمران:92]؛ قام أبو طلحة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: إِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ"؛ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ -رضي الله عنه-: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.(أخرجه الشيخان).
وعن أم المؤمنين مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ -رضي الله عنها- أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ"(أخرجه مسلم).
فيا عبد الله: بَادِر إلى أعمال البرّ، وأنفق مما رزقك الله، قال -تعالى-: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[المنافقون:10-11].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
التعليقات