عناصر الخطبة
1/من فوائد قصة أصحاب الكهف 2/الاتعاظ والاعتبار من قصتهم

اقتباس

قِصَّةُ الكَهْفِ آيَةٌ عَجِيْبَةٌ مَنْ تَأَمَّلَهَا وَصَلَ إلى الرُّشْدِ والهِدَايَة، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا تَعَرَّضَ للضَّلَالِ والغِوَايَة، (ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا)...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

       

أَمَّا بَعْد: فمَنْ اتَّقَى اللَه وَقَاه، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْه كَفَاه؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ * وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق:2-3].

 

عِبَادَ الله: قِصَّةُ أَهْلِ الْكَهْفِ، تَنَاقَلَهَا الناسُ في زَمَانِهِمْ، وَبَعْدَ الطَّلَبِ والبَحَثِ عَنْهُمْ؛ يَسَّرَ اللَّهُ الْعُثُورَ عَلَيْهِمْ؛ فَرَأَوْا مِنْهُمْ آيَةً على البَعْثِ، بَعْدَمَا كانُوا يَتَنَازَعُونَ في ثُبُوْتِه (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ)[الكهف:21].

 

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الكِتَابِ في عَدَدِ أَصْحَابِ الكَهْفِ، وَاخْتِلَافُهُمْ صَادِرٌ عَنْ جَهْلٍ وَتَخَرُّص (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ)[الكهف:22]. وَالرَّجْمُ: هُوَ الْقَوْلُ بِالظَّنِّ؛ فَدَلَّ على بُطْلَانِ أَقْوَالِهِمْ (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ).

 

 وَإِذَا كانَ اللهُ أَعْلَمُ بِعَدَدِهِمْ؛ فَالْوَاجِبُ أَنْ نَرْجِعَ إلى ما أَعْلَمَنَا الله؛ وَهُوَ أَنَّهُمْ (سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ)؛ لِأَنَّ اللهَ أَبْطَلَ القَوْلَيْن الأَوَّلَيْن، وَلَمْ يُبْطِلْ هَذَا القَوْل؛ فَدَلَّ على صِحَّتِه.

 

وَمِنْ فَوَائِدِ قِصَّةِ الكَهْفِ: التَّحْذِيرُ مِنَ الجَدَلِ العَقِيْم: وَهُوَ المَبْنِيّ عَلَى التَّكَلُّفِ والمَبَالَغَة، أَوْ الجَهْلِ والظَّن، أَوْ العِنَادِ والتَّعْنِيْف ، أَوْ عَلَى مَسْأَلَةٍ لَا ثَمَرَةَ لَهَا: كَعَدَدِ أَصْحَابِ الكَهْف، وَلَوْنِ كَلْبِهِم، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الجَدَلَ في ذَلِكَ: تَضْييعٌ لِلزَّمَان، وَشَحْنٌ لِلْقُلُوْب! وَلِهَذَا يَقُولُ تَعَالى: (فَلا تُمَارِ فِيْهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا)[الكهف:22]؛ يَعْنِي ظَاهِرًا على اللِّسَانِ فَقَط، لا يَصِلُ إلى القَلْب؛ لِأَنَّهُ إِذَا وَصَلَ إِلَيْه، اِشْتَعَلَ الغَضَبُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلجِدَالِ كَبِيرُ فَائِدَة.

 

وَالفَتْوَى لا تُؤْخَذُ إِلا مِنْ أَهْلِهَا! وَهُمْ أَهْلُ العِلْمِ والوَرَع؛ قال تعالى: (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا)؛ أَيْ لا تَطْلُب الفَتْوَى مِنْ أَهْلِ الكِتَاب، في شَأْنِ أَهْلِ الكَهْف؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِذَلِكَ.

 

وَمِنَ الأَدَبِ مَعَ الله: تَعْلِيْقُ الْعَزْمِ عَلَى الفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ بِمَشِيْئَتِه؛ وفي ذَلِكَ: تَيْسِيْرٌ لِلْأَمْر، وَحُصُوْلُ البَرَكَةِ فِيه! (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)[الكهف:23].

قال المُفَسِّرُوْن: "لَمَّا سَأَلَتِ الْيَهُودُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ خَبَرِ الْفِتْيَةِ؛ قَالَ: "أُخْبِرُكُمْ غَدًا"، وَلَمْ يَقِلْ: "إِنْ شَاءَ اللَّهُ"؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ".

 

وَالْذِّكْرُ والدُّعَاء؛ سَبَبٌ لِلْتَّوْفِيْقِ والسَّدَاد، والهِدَايَةِ إلى الرَّشَاد! (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا).

 

وَبَعَثَ اللهُ الفِتْيَةَ مِنْ نَوْمَتِهِمْ، بَعْدَ مِئَاتِ السِّنِيْن (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ)[الكهف:24-25]؛ أَيْ فَإِنْ نَازَعُوكَ؛ فَأَجِبْهُمْ أَنَّ اللهَ أَعْلَمُ مِنْكُمْ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا بِمُدَّةِ لُبْثِهِمْ.

 

واللهُ لا يَغِيبُ عَنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ شَيْءٌ! (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ)؛ أَيْ تَعَجَّبْ مِنْ كَمَالِ سَمْعِهِ وَبَصَرِه، وَإِحَاطَتِهِ بِكُلِّ شَيء.

 

وَلا يُوْجَدُ لِلْكَوْنِ وَلِيٌّ سِوَى الله، وَلِهَذَا تَوَلَّى تَدْبِيْرَ أَصْحَابِ الكَهْف، وَلَمْ يَكِلْهُمْ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ، (مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ).

 

واللهُ تَعَالى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْحُكْمِ الكَوْنِي والشَّرْعِي (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا).

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

عِبَادَ الله: تَنَازَعَ النَّاسُ فِيْمَا بَيْنَهُم: مَاذَا نَفْعَلُ بِأَصْحَابِ الكَهْفِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا) يَحْرُسُهُمْ، وَيَكُوْنُ أَثَرًا لَهُمْ.

 

وَ(قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ): وَهُمْ الَّذِيْنَ لَهُمُ السُّلْطَةُ وَالْأَمْر: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا): على طَرِيْقَةِ أَهْلِ الكِتَابِ في اتِّخَاذِ المَعَابِدِ على القُبُور، وَكَمَا يَصْنَعُهُ بَعْضُ المُسْلِمِيْنَ اليَوْم؛ مُخَالِفِيْنَ قَوْلَ الرَّسُوْلِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"(رواه البخاري ومسلم). يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا!

 

والمَقْصُوْدُ هُنَا: الثَّنَاءُ عَلَى أَهْلِ الكَهْفِ، فَبَعْدَ أَنْ كَانُوا خَائِفِيْنَ مِنْ قَوْمِهِمْ فَارِّيْنَ بِدِيْنِهِمْ؛ وَصَلَ بِهِمُ الحَالُ إِلى هَذَا التَّبْجِيْل والتَّعْظِيْم! وَخَلَّدَ اللهُ ذِكْرَهُمْ في صَفَحَاتِ القُرْآن، وَصَارُوا قُدْوَةً لِأَهْلِ الإِيْمان، عَلَى كَرِّ الدُّهُورِ والأَزْمَان.

       

وَهَذِهِ عَادَةُ اللهِ، فِيْمَنْ تَحَمَّلَ المَشَاقَّ مِنْ أَجْلِه؛ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ العَاقِبَةَ الحَمِيْدَة؛ فَـ (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[الأعراف:128].

 

اللَّهُمَّ افْتَحْ قُلُوْبَنَا لِتَدَبُّرِ كِتَابِكَ، والتَّفَكُّرِ في آيَاتِكَ وَمَخْلُوْقَاتِك.

 

اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، وَاخْتِمْ بالصالحاتِ أَعْمَالَنَا.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

المرفقات
iksnm7ULZNxNQ4oPLYwG8K7eed9gnb2MZ6FwyMuZ.pdf
wi2haxt5zExgaoKjAcWYL0E0cUS5AF77Lk7L1R9C.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life