عناصر الخطبة
1/الدنيا دار تعب وعناء 2/السعادة الحقيقة في الإيمان والعمل الصالح 3/بعض أسباب انشراح الصدراقتباس
الإنسان في هذه الحياة الدنيا في مكابدة مع أحوالها، في مكابدة لنفسه، ومكابدة لنزغات الشيطان، ومكابدة لمصاعب الحياة ومشاقها ومتاعبها، يفرح ويحزن، ويضحك ويبكي، ويسر ويقلق، هذه هي الحياة الدنيا، لا تصفو من...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي شرح صدور عباده المؤمنين بالإيمان والتقوى، وجعل السعادة لمن أطاعه واتقاه في الآخرة والأولى، أحمده -تعالى- وأشكره، أحمده وأشكره حمد الشاكرين الذاكرين، أحمده وأشكره كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده وأشكره كما يحب ربنا ويرضى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله -تعالى- بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون-، اتقوا الله حق التقوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عباد الله: خلق الله الإنسان لعبادته، وأبان له طريق الخير والشر، والهدى والضلال، وبين الله -تعالى- لعباده أن هذه الحياة الدنيا ميدان لعمل العاملين، وأنها ممر وعبور، وأن من ورائها جزاءً وحسابا، وبعثا ونشورا، وجنة ونارا؛ ولهذا جعل الله -عز وجل- حياة الإنسان في هذه الدنيا في كبد حتى لا يركن إليها، ولا يطمئن فيها، وينسى النعيم الحقيقي نعيم الجنة في الآخرة، يقول ربنا -عز وجل-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ)[البلد: 4] قال ابن جرير الطبري -رحمه الله- في تفسيره: معنى الآية: "لقد خلقنا ابن آدم في شدة، وعناء، ونصب".
فالإنسان في هذه الحياة الدنيا في مكابدة مع أحوالها، في مكابدة لنفسه، ومكابدة لنزغات الشيطان، ومكابدة لمصاعب الحياة ومشاقها ومتاعبها، يفرح ويحزن، ويضحك ويبكي، ويسر ويقلق، هذه هي الحياة الدنيا، لا تصفو من أكدارها لأحد من البشر.
عباد الله: وإن من رحمة الله -تعالى- بعباده: أن جعل لهم أسبابا تنشرح بها صدورهم، وتطمئن بها نفوسهم، وتزول عنهم بها الهموم، والغموم، والقلق، والتوتر، وترتفع بها عنهم الأحزان، قبل الحديث عن تلك الأسباب، نذكر بما هو معلوم لدى كل مسلم من أن السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة لا تكون إلا في طاعة الله -عز وجل-، في الإيمان والعمل الصالح، كما قال ربنا –سبحانه- وهو أصدق القائلين: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].
فوعد الله -سبحانه- في هذه الآية العظيمة، وعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة في هذه الدنيا، وبالجزاء الحسن في هذه الدنيا وفي دار القرار، والحياة الطيبة تعني السعادة والطمأنينة، فالسعادة الحقيقية إنما تكون في طاعة الله -عز وجل-، ومن نشد السعادة في غير ذلك فقد ضل سواء السبيل، وإن حصل على متع في هذه الدنيا فهي متع حيوانية بهيمية: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)[الحجر: 3]، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ)[محمد: 12].
عباد الله: إن السعادة وراحة القلب وسروره، وزوال همومه وغمومه، وانشراح الصدر مطلب لكل أحد، وبه تحصل الحياة الطيبة، ولذلك أسباب، ومن أعظم تلك الأسباب: التوحيد؛ وعلى حسب كماله، وقوته، وزيادته، يكون انشراح صدر صاحبه، يقول الله -تعالى-: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ)[الزمر: 22]، ويقول: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)[الأنعام: 125].
وكلما قوي توحيد العبد لربه، وتفويضه الأمر إليه سبحانه؛ كان ذلك أكثر طمأنينة لقلبه، وأعظم انشراحا لصدره، فإن العبد إذا اعتقد اعتقادا جازما لا شك فيه بأن الله -عز وجل- بيده النفع والضر، وإليه ترجع الأمور، وإليه تصير الأمور، وأنه -تعالى- لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، يعطي من يشاء بفضله، ويمنع من يشاء بعدله، ولا يظلم ربك أحدا، إذا اعتقد هذه المعاني زالت عنه الهموم، والغموم، والقلق، والتوتر، مر أحد علماء السلف برجل مهموم، فقال: "إني سألك عن ثلاث فأجبني؟ فقال الرجل: نعم، قال: أيجري في هذا الكون شيء لا يريده الله؟ فقال الرجل: لا، قال: أينقص من رزقك شيء قدره الله؟ قال: لا، قال: أينقص من أجلك لحظة كتبها الله؟ قال: لا، قال: فعلام الهم إذا؟".
نعم، إذا اعتقد العبد بأن الله -تعالى- يدبر الأمر، وأنه لا أحد ينفع ويضر من دون الله: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)[البقرة: 102]، وأن الله -تعالى- هو الرزاق، وأن الرزق يكتب للإنسان وهو في بطن أمه قبل أن يخرج للدنيا، فلا يأتيه من الرزق إلا ما كتبه الله له، وأن الأعمار والآجال بيد الله، وأنه إذا جاء الأجل فلا يمكن للإنسان أن يبقى لحظة واحدة في هذه الدنيا مهما بذل من الأسباب: (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[المنافقون: 11].
وإذا لم يأت الأجل فلا يمكن أن يموت، مهما أتاه من المصائب: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك".
إن الإيمان بهذه الحقائق واستحضارها من أعظم أسباب انشراح الصدر، ومن أسباب زوال الهموم والغموم، فإذا اعتقد العبد هذه المعاني اعتقادا جازما قرت نفسه، وانشرح صدره، وقنع بما أتاه الله، وسعى في إصلاح آخرته، وكلما كان العبد أكثر يقينا بها كان أكثر طمأنينة، وأعظم سعادة.
إن الإنابة إلى الله -عز وجل-، ومحبته، والإقبال عليه، والتنعم والتلذذ بعبادته من أعظم أسباب نيل السعادة، وانشراح الصدر، فلا شيء أشرح لصدر العبد من هذا، حتى إن بعض السلف يقول: "إنه ليمر بالقلب أوقات أقول إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه من النعيم إنهم إذا لفي عيش طيب"، ويقول آخر: "إننا نعيش في لذة ونعيم، لو يعلم عنها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف"، وكلما كانت الإنابة والمحبة أشد كان الصدر أفسح وأعظم انشراحا.
ومن أسباب انشراح الصدر: ما ذكره الله -تعالى- بقوله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28] الإكثار من ذكر الله -سبحانه- من أعظم أسباب طمأنينة القلوب، وانشراح الصدور، وزوال الهموم والغموم، الذكر له تأثير عجيب في انشراح الصدر، ونعيم القلب، كما أن للغفلة تأثيرا كبيرا في ضيقه، وحبسه، وعذابه، قال ابن القيم -رحمه الله-: "إن للذكر من بين الأعمال لذة لا يشبهها شيء، فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا هذه اللذة الحاصلة للذاكر، والنعيم الذي يحصل له لكفى"، ولهذا سميت مجالس الذكر برياض الجنة، فليس شيء من الأعمال أخف مؤونة، ولا أعظم لذة، ولا أكثر فرحا وابتهاجا للقلب من ذكر الله -عز وجل-، وإن في القلب لخلة وفاقة، لا يسدها شيء البتة إلا ذكر الله -تعالى-، وله تأثير عجيب في ذهاب المخاوف، والهموم، والغموم عن القلب، فما ذكر الله -تعالى- على صعب إلا هان، ولا على عسير إلا تيسر، ولا على مشقة إلا خفت، ولا شدة إلا زالت، ولا كربة إلا انفرجت: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)[البقرة: 152].
ومن أسباب انشراح الصدر: الإحسان إلى الخلق، ونفعهم بما يمكن من المال، والجاه، والنفع بالبدن، وأنواع الإحسان، فإن الكريم المحسن كما هو مشاهد من أشرح الناس صدرا، ومن أطيبهم نفسا، وأنعمهم قلبا، أما البخيل الذي ليس عنده إحسان للناس، فهو من أضيق الناس صدرا، و أنكدهم عيشا، وأعظمهم هما وغما.
ومن أسباب انشراح الصدر: أن يحرص المسلم على الابتعاد عن الهم والحزن، والهم يكون للمستقبل، والحزن يكون عن أمر ماض، إن من الناس من يعيش مهموما حزينا معظم أوقاته، وهذا الهم والحزن إما على حاله ونفسه، أو على وضعه الأسري، أو الاجتماعي، أو على حال أمته، أو غير ذلك، ولا شك أن هذا الحزن يؤثر على نشاطه في العبادة، وعلى قيامه بالطاعة.
والمطلوب من المسلم أن يغلب جانب التفاؤل، وأن يكون منشرح الصدر؛ ولذلك ورد في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من قال هلك الناس فهو أهلكم"، ولم يؤمر الله -تعالى- بالحزن في موضع قط، ولا أثنى عليه، ولا رتب عليه جزاءً وثوابا، بل نهى الله عنه في غير موضع في كتابه، فقال: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[آل عمران: 139]، وقال: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)[النمل: 70]، (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التوبة: 40]، فالحزن بلية من البلايا؛ ولهذا يقول أهل الجنة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ)[فاطر: 34] فيحمدون الله -تعالى- على أن أذهب عنهم تلك البلية، ونجاهم منها، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله منه؛ لأن الحزن يضعف القلب، ويوهن العزم، ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن؛ لأن الحزن يقطعه عن سيره مع الله، ويصيبه بالفتور والإحباط، يقول الله -تعالى-: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا)[المجادلة: 10]، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أن يتناجى اثنان دون الثالث؛ لأن ذلك يحزنه، فالحزن ليس بمطلوب، ولا مقصود، ولا فيه فائدة، وهو مرض من أمراض القلب يمنعه من نهوضه، وسيره، وتشميره، ويثاب الإنسان عليه ثواب المصائب التي يبتلى بها العبد بغير اختياره كالمرض، والألم، ونحوها.
والمطلوب من المسلم: أن يحرص على الابتعاد عن الحزن، وعن أسبابه ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
عباد الله: ومن أسباب انشراح الصدر، ونيل السعادة: القناعة، فإن القناعة هي: الغنى الحقيقي، فهي غنى بلا مال، وهي عز بلا جنود ولا سلطان، القناعة بما أعطى الله -تعالى- العبد إذا امتلك الإنسان هذه القناعة كان أغنى الناس، أخرج البخاري ومسلم في صححيهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس".
وما لم تكن القناعة عند الإنسان فإنه يضل فقيرا وإن كان ذا ثروة، إن القناعة كنز عظيم، وإذا امتلكه الإنسان فقد نال خير كثيرا، إنها من أعظم أسباب السعادة، وكما يقال: "أسعد الناس ليس هو الذي يملك أكثر مما يملك الناس، ولكنه الذي يرضى أكثر مما يرضى الناس" عن عمر بن تغلب -رضي الله عنه- قال: أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوما، ومنع آخرين، فكأنهم عتبوا عليه، فقال: "إني أعطي قوما أخاف ضلعهم" (يعني اعوجاجهم وجزعهم) "وأكلوا أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى، منهم: عمر بن تغلب، قال عمر: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه حمر النعم".
نعم، إن القنوع راض بما قسمه الله له، لا يجزع، ولا يتسخط إذا لم يعطه، قال بعض الحكماء: "وجدت أطول الناس غما الحسود، وأهناهم عيشا القنوع".
إن القناعة نعمة عظيمة من الله -تعالى- على العبد، ولهذا كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقنعه الله بما رزق، فكان يقول: "اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه"، وأخبر صلى الله عليه وسلم بفلاح من أعطي القناعة، ففي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قد أفلح من أسلم ورزق كفافا، وقنعه الله بما أتاه".
من أسباب انشراح الصدر: أن يصبر المسلم نفسه على ما قد يلاقيه من متاعب ومصاعب الحياة، وما قد يلاقيه من أذى الناس، فإن من الناس من هو جزوع يجزع عند أدنى مصاعب ومتاعب تلاقيه في هذه الحياة، أو يجزع عندما يناله أذى من بعض الناس، بل إن من الناس من يؤثر ذلك على صلاحه واستقامته، وهذا الصنف من الناس يقول الله عنهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ)[العنكبوت: 10].
وصفوة البشر وخير البشر هم: الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- ومع ذلك لم يسلموا من أذى الناس، ومن القيل والقال، حتى اتهموا في عقولهم، فوصفوا بالجنون، ووصفوا بالسحر، ووصفوا بالكهانة: (كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ)[الذاريات: 52-53]، فإذا كان هذا حصل لخير البشر، وصفوة البشر، وهم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فكيف بغيرهم؟
فينبغي أن يرفع المسلم مستوى الصبر عنده في هذه الحياة، الصبر على ما يلاقيه فيها من مصاعب ومتاعب، والصبر على ما قد يجده من أذى الناس، فإنه إذا رزق الصبر فقد رزق خيرا عظيما، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وما أعطي أحد عطاء خيرا، ولا أوسع من الصبر"(رواه مسلم)، وإذا رزق الصبر زالت عنه الهموم، والغموم، والقلق، والتوتر، وعاش سعيدا، منشرح الصدر.
ومن أسباب انشراح الصدر: أن يحرص المسلم على أن يدعو الله -عز وجل- بالأدعية التي وردت في السنة، والتي فيها طلب انشراح الصدر، وذهاب الهموم والغموم، ومن أعظم هذه الأدعية: ما جاء في صحيح البخاري عن أنس -رضي الله عنه- قال: كنت أخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- كلما نزل فكنت أسمعه يكثر من أن يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين، وقهر الرجال" فاستعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالله من هذه الأشياء الثمانية، وكان يكثر من الاستعاذة بالله منها، وكل اثنين منها قرينان، فالهم والحزن قرينان، فإن المكروه الوارد على القلب إن كان من أمر مستقبل يتوقعه أحدث هما، وإن كان من أمر ماض قد وقع أحدث الحزن، والعجز والكسل قرينان، فإن تخلف العبد عن أسباب الخير والفلاح إن كان لعدم قدرته فهو العجز، وإن كان لعدم إرادته فهو الكسل، والجبن والبخل قرينان فإن عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن، وإن كان بماله فهو البخل، وغلبة الدين وقهر الرجال قرينان فإن استيلاء الآخرين على مال الإنسان إن كان بحق فهو غلبة الدين، وإن كان بباطل فهو قهر الرجال.
فاحرصوا على هذا الدعاء العظيم، واقتدوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يكثر منه، فليحرص المسلم على هذا الدعاء، فينبغي أن يجعله مع أذكار الصباح والمساء.
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك، فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارض عن صحابته أجمعين، اللهم ارض عن أبي بكر الصديق، وعن عمر بن الخطاب، وعن عثمان بن عفان، وعن علي بن أبي طالب، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أذل النفاق والمنافقين.
اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم فاشغله في نفسه، اللهم اجعل تدبيره تدميرا عليه، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارحم إخواننا المسلمين المستضعفين في الشام، اللهم إنهم مساكين فارحمهم، وإنهم ضعفاء فانصرهم، اللهم انصرهم بنصرك يا قوي يا عزيز، يا نصير المستضعفين، ويا مجير المستجيرين.
اللهم عليك بالنصيرية وأعوانهم، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم سلط عليهم من يسومهم سوء العذاب، اللهم أنزل عليهم بأسك وعذابك يا قوي يا عزيز.
اللهم انتصر لإخواننا المسلمين المستضعفين، واجعل العاقبة لعبادك المتقين.
اللهم انصر المسلمين في كل مكان، اللهم وأصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك والعمل بكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة لرعاياهم، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، التي تدله على الحق وتعينه عليه يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وأجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وأجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[الحشر: 10].
التعليقات