عناصر الخطبة
1/حاجة الزوجة إلى التثقيف بحقوق زوجها قبل الزواج 2/صور من حقوق الزوج على زوجته 3/خطورة إخلال الزوجة بحقوق زوجها 4/نصائح فاضلة للزوجة للفاضلة.اقتباس
أُوصِيكِ -أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ الْمُسْلِمَةُ التَّقِيَّةُ- بِمَا أَوْصَى بِهِ الْأَقْدَمُونَ: كُونِي لَهُ أَرْضًا يَكُنْ لَكِ سَمَاءً، وَكُونِي لَهُ أَمَةً يَكُنْ لَكِ عَبْدًا، وَكُونِي لَهُ مِهَادًا يَكُنْ لَكِ عِمَادًا... رَاقِبِي اللَّهَ فِي زَوْجِكِ، وَاعْلَمِي أَنَّ طَاعَتَكِ لَهُ قُرْبٌ لَكِ إِلَى رَبِّكِ، وَأَنَّ اسْتِقْرَارَ بَيْتِكِ وَسَعَادَتَهُ بَيْنَ يَدَيْكِ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ مِنَّةِ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَى النِّسَاءِ أَنْ جَعَلَ لَهُنَّ طَرِيقًا مُيَسَّرًا إِلَى الْجَنَّةِ؛ وَهُوَ أَمْرٌ يَسِيرٌ؛ فَقَدْ سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمَّةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ: "أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟" قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: "كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟" قَالَتْ: مَا آلُوهُ، إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "انْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَلِكَيْ تَقُومَ الزَّوْجَةُ بِحُقُوقِ زَوْجِهَا لَابُدَّ لَهَا مِنْ ثَقَافَةٍ زَوْجِيَّةٍ مُسْبَقَةٍ وَدَائِمَةٍ؛ بِمَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا، وَبِضَرُورَةِ الْقِيَامِ بِوَاجِبَاتِهَا، وَبِأَجْرِهَا عِنْدَ رَبِّهَا إِنْ قَامَتْ بِهَا.
لِتُدْرِكْ أَوَّلًا أَنَّ طَاعَتَهَا لِزَوْجِهَا مِنْ مُسَوِّغَاتِ دُخُولِهَا الْجَنَّةَ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا، دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ"(رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَلْتَعْلَمْ أَنَّ حَقَّ زَوْجِهَا عَلَيْهَا أَعْظَمُ مِمَّا تَتَصَوَّرُهُ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةٌ تَنْبَجِسُ بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ تَلْحَسُهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
حَتَّى لَقَدْ أَمَرَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِاسْتِئْذَانِ زَوْجِهَا فِي بَعْضِ طَاعَاتِهَا لِرَبِّهَا، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَلِأَنَّ فِي ثَقَافَتِهَا بِحُقُوقِ زَوْجِهَا صَلَاحًا لِشَأْنِهِمَا وَأَوْلَادِهِمَا، وَهُوَ سَبَبٌ لِبَيْتٍ عَامِرٍ بِالسَّعَادَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، نَاءٍ عَنِ الْمُشْكِلَاتِ وَالْخِلَافَاتِ...
فَلَابُدَّ لِلْمُقْبِلَةِ عَلَى الزَّوَاجِ أَنْ تُدْرِكَ مَا لِزَوْجِهَا مِنْ مَنْزِلَةٍ، وَمَا لِبَيْتِهَا مِنْ مَكَانَةٍ، وَمَا يَجِبُ لِأَوْلَادِهَا غَدًا مِنْ رِعَايَةٍ...
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ لِلزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ حُقُوقًا كَثِيرَةً عَظِيمَةً، فَمِنْهَا: حَقُّهُ فِي الطَّاعَةِ: فَهَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ بِهِ قَائِلًا: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[النِّسَاءِ: 34]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: "يَعْنِي: مُطِيعَاتٌ لِأَزْوَاجِهِنَّ"(تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ)، أَمَّا إِنْ أَمَرَكِ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ لَهُ وَلَا طَاعَةَ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْهَا: حَقُّهُ فِي الْفِرَاشِ: فَقَدْ حَذَّرَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِلًا: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَتَأْبَى عَلَيْهِ، إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا، حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَلَا يَحِقُّ لَهَا أَنْ تَرْفُضَ دَعْوَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ إِلَّا بِعُذْرٍ مَقْبُولٍ؛ كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَمَرَضٍ... أَمَّا الِانْشِغَالُ بِعَمَلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ أَبَدًا؛ فَقَدْ قَالَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَهُوَ مِنَ النُّشُوزِ.
أَمَّا النُّشُوزُ فَذَاكَ يَحْجُبُ غَيْمُهُ *** رَفْعَ الصَّلَاةِ وَقَدْ يَرُدُّ دُعَاكِ
وَتَبِيتُ تَلْعَنُكِ الْمَلَائِكُ كُلَّمَا *** طَلَبَ الْفِرَاشَ فَدَافَعَتْهُ يَدَاكِ
وَمِنْهَا: أَلَّا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ لِمَنْ يَكْرَهُ: فَمِنْ آخِرِ مَا قَالَهُ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: "وَلَا تَأْذَنْ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ".
وَمِنْهَا: حِفْظُهُ فِي غَيْبَتِهِ: يَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[النِّسَاءِ: 34]، نَقَلَ الْمَازِرِيُّ قَائِلًا: "الْمُرَادُ بِذَلِكَ: أَنْ لَا يَسْتَخْلِينَ بِالرِّجَالِ"، فَالْمَعْنَى: حَافِظَاتٌ "لِفُرُوجِهِنَّ فِي غَيْبَةِ أَزْوَاجِهِنَّ؛ لِئَلَّا يَلْحَقَ الزَّوْجَ الْعَارُ بِسَبَبِ زِنَاهَا، وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الَّذِي هُوَ مِنْ غَيْرِهِ".
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: حِفْظُ سِرِّ زَوْجِهَا، وَحِفْظُ مَالِهِ، وَمَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ حِفْظِ مَتَاعِ الْبَيْتِ فِي غَيْبَةِ زَوْجِهَا"(تَفْسِيرُ الْخَازِنِ)، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: "وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَلَمَّا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ أَجَابَ: "الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَمِنْهَا: حَقُّ التَّأْدِيبِ: فَفِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا)[النِّسَاءِ: 34]، وَشَرْطُ الضَّرْبِ أَلَّا يَكُونَ شَدِيدًا؛ فَقَدْ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَمِنْهَا: حَقُّ الْخِدْمَةِ بِالْمَعْرُوفِ: فَهَذِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَخْدُمُ فِي بَيْتِهَا حَتَّى أَثَّرَتِ الرَّحَى فِي يَدَيْهَا، فَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ فَاطِمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- شَكَتْ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، فَأَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسْأَلُهُ خَادِمًا..."(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَهَذِهِ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- تَقُولُ: "تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلَا مَمْلُوكٍ وَلَا شَيْءٍ، غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ، فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ، وَأَسْتَقِي الْمَاءَ، وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ [أَخِيطُ الدَّلْوَ الْمَصْنُوعَ مِنَ الْجِلْدِ] وَأَعْجِنُ... وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ... وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ...(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: "وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تَجِبُ الْخِدْمَةُ بِالْمَعْرُوفِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ فَعَلَيْهَا أَنْ تَخْدُمَهُ الْخِدْمَةَ الْمَعْرُوفَةَ مِنْ مِثْلِهَا لِمِثْلِهِ"(مَجْمُوعُ الْفَتَاوَى، لِابْنِ تَيْمِيَّةَ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ كُلَّ إِخْلَالٍ مُتَعَمَّدٍ بِهَذِهِ الْحُقُوقِ لَهُوَ أَمْرٌ خَطِيرٌ؛ لِأَنَّهُ -فِي الْحَقِيقَةِ- مُخَالَفَةٌ لِأَمْرِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَعِصْيَانٌ لِأَمْرِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ وَهُوَ -أَيْضًا- إِيقَاعٌ لِلزَّوْجِ فِي الْعَنَتِ؛ فَإِنَّهَا إِنْ لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَرُبَّمَا دَفَعَتْهُ -إِنْ كَانَ قَلِيلَ الدِّينِ- إِلَى الْحَرَامِ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَإِنْ كَانَ صَالِحًا ذَا دِينٍ فَقَدْ أَحْوَجَتْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهَا!
وَمِنْهَا: نُفُورُهُ مِنْهَا وَغَضَبُهُ عَلَيْهَا: فَإِنَّهَا إِنْ لَمْ تُطِعْهُ أَوْغَرَتْ صَدْرَهُ، وَاسْتَخْرَجَتْ سَخَطَهُ، وَفِي وَصِيَّةِ أُمَامَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ لِابْنَتِهَا: "فَلَا تُفْشِي لَهُ سِرًّا، وَلَا تَعْصِي لَهُ أَمْرًا، فَإِنَّكِ إِنْ أَفْشَيْتِ سِرَّهُ لَمْ تَأْمَنِي غَدْرَهُ، وَإِنْ عَصَيْتِ أَمْرَهُ أَوْغَرْتِ صَدْرَهُ".
وَمِنْهَا: تَعْرِيضُ نَفْسِهَا لِسَخَطِ رَبِّهَا، وَلِغَضَبِ نَبِيِّهَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بَلْ إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ كَذَلِكَ تَحْتَجُّ عَلَى تَقْصِيرِهَا فِي حَقِّ زَوْجِهَا؛ فَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا، إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ: لَا تُؤْذِيهِ، قَاتَلَكِ اللَّهُ، فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكِ دَخِيلٌ، يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَفِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّ أَيَّ مَصْلَحَةٍ تُحَقِّقُهَا ثَقَافَةُ الْمَرْأَةِ بِحُقُوقِ زَوْجِهَا فَإِنَّ فِي عَدَمِ ثَقَافَتِهَا مَفْسَدَةً بِسَبَبِهَا يَقَعُ الْخِلَافُ وَالْفَسَادُ وَشَقَاءُ الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: هَذِهِ بَاقَةٌ مِنَ النَّصَائِحِ الطَّيِّبَاتِ، نُقَدِّمُهَا إِلَى الزَّوْجَةِ الْفَاضِلَةِ لِاسْتِقْرَارِ الْبُيُوتِ وَإِرْضَاءِ رَبِّ السَّمَوَاتِ؛ فَالْأُولَى: كُونِي عَوْنًا لِزَوْجِكِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ: كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، ثُمَّ كُونِي دَافِعًا لَهُ لِبِرِّ وَالِدَيْهِ، وَصِلَةِ أَرْحَامِهِ، وَالتَّصَدُّقِ عَلَى الْمَسَاكِينِ... وَإِيَّاكِ ثُمَّ إِيَّاكِ أَنْ تَكُونِي سَبَبًا فِي مَعْصِيَتِهِ لِلَّهِ؛ بِكَثْرَةِ طَلَبَاتِكِ، أَوْ بِتَكْلِيفِهِ مَا لَا يُطِيقُ.
وَالنَّصِيحَةُ الثَّانِيَةُ: أَحْسِنِي عِشْرَتَهُ وَاعْمَلِي عَلَى رَاحَتِهِ: فَمِنْ وَصِيَّةِ أُمَامَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ لِابْنَتِهَا الْمُقْبِلَةِ عَلَى الزَّوَاجِ: "التَّفَقُّدُ لِمَوَاضِعِ عَيْنَيْهِ وَأَنْفِهِ؛ فَلَا تَقَعُ عَيْنُهُ مِنْكِ عَلَى قَبِيحٍ، وَلَا يَشُمُّ إِلَّا أَطْيَبَ رِيحٍ... وَالتَّفَقُّدُ لِوَقْتِ مَنَامِهِ وَطَعَامِهِ؛ فَإِنَّ حَرَارَةَ الْجُوعِ مَلْهَبَةٌ، وَتَنْغِيصَ النَّوْمِ مَغْضَبَةٌ"(طَبَائِعُ النِّسَاءِ، لِابْنِ عَبْدِ رَبِّهِ)، فَكُونِي دَائِمًا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ -مَا اسْتَطَعْتِ-؛ بَشُوشَةً مُتَبَسِّمَةً مُتَعَطِّرَةً مُرَجِّلَةَ الشَّعْرِ، نَظِيفَةَ الْأَسْنَانِ، وَالْجَسَدِ، وَالثِّيَابِ.
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ الثَّالِثَةُ: إِيَّاكِ وَالْجِدَالَ: فَإِنَّمَا عَلَيْكِ طَاعَةُ أَمْرِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَالْجِدَالُ يَبْعَثُ الشَّيْطَانَ، وَيُغْضِبُ الرَّحْمَنَ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَرَسُولُنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَاعْلَمِي أَنَّ لَهُ عَلَيْكِ دَرَجَةَ الْقِوَامَةِ، فَكُونِي مِنَ الطَّيِّعَاتِ، وَاحْذَرِي مُجَادَلَتَهُ سَاعَةَ غَضَبِهِ، وَصَدَقَ مَنْ قَالَ:
خُذِي الْعَفْوَ مِنِّي تَسْتَدِيمِي مَوَدَّتِي *** وَلَا تَنْطِقِي فِي سَوْرَتِي حِينَ أَغْضَبُ
فَإِنِّي وَجَدْتُ الْحُبَّ فِي الصَّدْرِ وَالْأَذَى *** إِذَا اجْتَمَعَا لَمْ يَلْبَثِ الْحُبُّ يَذْهَبُ
وَالنَّصِيحَةُ الرَّابِعَةُ: إِيَّاكِ وَطَلَبَ الطَّلَاقِ عِنْدَ كُلِّ مُشْكِلَةٍ: لَا تُوَافِقِي لَحْظَةَ غَضَبٍ مِنْ زَوْجِكِ فَيُطِيعَكِ، فَيَكُونَ خَرَابُ الْبَيْتِ، بَلْ قَدْ تُحْرَمُ فَاعِلَةُ ذَلِكَ الْجَنَّةَ -وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ-، فَعَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَالنَّصِيحَةُ الْخَامِسَةُ: خَفِّفِي عَنْهُ مَصَائِبَ دُنْيَاهُ: فَبَشِّرِي بِالْفَرْجِ وَيَسِّرِي وَلَا تُعَسِّرِي، وَلَكِ فِي أُمِّ سُلَيْمٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قُدْوَةٌ؛ فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ، مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ لِأَهْلِهَا: لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ، قَالَ: فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً، فَأَكَلَ وَشَرِبَ، ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَوَقَعَ بِهَا، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ مِنْهَا، قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ، فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ، أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟ قَالَ: لَا، قَالَتْ: فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: تَرَكْتِنِي حَتَّى تَلَطَّخْتُ، ثُمَّ أَخْبَرْتِنِي بِابْنِي! فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا"، قَالَ: فَحَمَلَتْ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَأَخِيرًا، أُوصِيكِ -أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ الْمُسْلِمَةُ التَّقِيَّةُ- بِمَا أَوْصَى بِهِ الْأَقْدَمُونَ: كُونِي لَهُ أَرْضًا يَكُنْ لَكِ سَمَاءً، وَكُونِي لَهُ أَمَةً يَكُنْ لَكِ عَبْدًا، وَكُونِي لَهُ مِهَادًا يَكُنْ لَكِ عِمَادًا... رَاقِبِي اللَّهَ فِي زَوْجِكِ، وَاعْلَمِي أَنَّ طَاعَتَكِ لَهُ قُرْبٌ لَكِ إِلَى رَبِّكِ، وَأَنَّ اسْتِقْرَارَ بَيْتِكِ وَسَعَادَتَهُ بَيْنَ يَدَيْكِ، فَكُونِي الْمُؤْمِنَةَ الْعَاقِلَةَ الصَّابِرَةَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ:56].
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
التعليقات
زائر
12-03-2023زائر
12-03-2023