عناصر الخطبة
1/أحكام الأطعمة والذبح 2/الحلال والحرام في الأطعمة، والأشربة 3/متى تحلّ الذبيحة؟ 4/آداب الذبح.اقتباس
دين الإسلام دين رحمة جاء لنشر الرحمة بين الخلق جميعًا حتى شملت هذه الرحمة الحيوانات، ومن ذلك أن رسولنا العظيم -صلى الله عليه وسلم- حثنا على الرفق بالحيوان حتى عند الذبح....
الخطبةُ الأولَى:
إن الحمدَ لله؛ نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله -عز وجل-، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ.
أما بعدُ: فحَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عنْ موضوع بعنوان: "أحكام الأطعمة، والذبح".
وسوف ينتظم حديثنا مع حضراتكم حول ثلاثة محاور: المحور الأولُ: ما يحلُّ لنا، وما يحرمُ علينا منَ الأَطعِمَةِ، والأشربَةِ. المحور الثاني: متى تَحلُّ الذبيحةُ؟ المحور الثالث: آداب الذبح.
واللهَ أسألُ أن يجعلنا مِمَّنْ يستمعونَ القولَ، فَيتبعونَ أَحسنَهُ، أُولئك الذينَ هداهمُ اللهُ، وأولئك هم أُولو الألبابِ.
المحور الأولُ: ما يحلُّ لنا، وما يحرمُ علينا منَ الأَطعِمَةِ، والأشربَةِ:
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أنَّ اللهَ قدْ أَبَاحَ لَنَا كُلَّ طَعَامٍ طَاهِرٍ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ سَواءٌ كَانَ مِنَ الحُبُوبِ، أَوِ الثِّمَارِ، أَوِ النَّبَاتَاتِ. قَالَ -تَعَالَى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)[البقرة: 29]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[البقرة: 168].
وَقَالَ -تَعَالَى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)[المائدة: 4]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)[الأعراف: 157]، وَالُمَرادُ بِالخَبِيثِ هُنَا: كُلُّ مُسْتَخْبَثٍ فِي العُرْفِ. [1]
وَيُكْرَهُ أَكْلُ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ كَالبَصَلِ، وَالثُّومِ، وَالكُرَّاثِ عِنْدَ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ. رَوَى مُسْلِمٌ عنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ نَعْدُ أَنْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ، فَوَقَعْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي تِلْكَ البَقْلَةِ: الثُّومِ، وَالنَّاسُ جِيَاعٌ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَكْلاً شَدِيدًا، ثُمَّ رُحْنَا إِلَى المَسْجِدِ، فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الرِّيحَ، فَقَالَ: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الخَبِيثَةِ[2] شَيْئًا، فَلَا يَقْرَبَنَّا فِي المَسْجِدِ"، فَقَالَ النَّاسُ: حُرِّمَتْ، حُرِّمَتْ، فَبَلَغَ ذَاكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَيْسَ بِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لِي، وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا"[3].
والأطْعِمَةُ التي حرَّمَهَا اللهُ عَلَينَا تسْعَةُ أَنوَاعٍ: الأَوَّلُ: كُلُّ طَعَامٍ نَجِسٍ، كَالمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الخِنْزِيرِ. قَالَ -تَعَالَى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[المائدة: 3].
الثَّاني: كُلُّ مُسْكِرٍ. رَوَى مُسْلِمٌ عنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"[4].
الثالثُ: لُحُومُ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- "نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ َعَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ".[5]
والحُمُر الأهلية: هي المُستأنسةُ التي يَستخدِمُها الفَلَّاحونَ في الأَريافِ.
الرابعُ: كُلُّ مَا يَفْتَرِسُ بِنَابهِ كَالأَسَدِ، وَالنَّمِرِ، وَالذِّئْبِ، وَالفَهْدِ، وَالكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، وَالنَّمْسِ، وَالقِرْدِ، وَالدُّبِّ، وَالفِيلِ، وَالثَّعْلَبِ. رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ".[6]
الخامس: كُلُّ مَا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ كَالصَّقْرِ، وَالشَّاهِينِ، وَالبُومَةِ. رَوَى مُسْلِمٌ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْر"؛ [7] وَالمِخْلَبُ لِلطَّائِرِ، وَالسِّبَاعِ بِمَنْزِلَةِ الظُّفْرِ لِلْإِنْسَانِ.
السَّادس: كُلُّ مَا يَأْكُلُ الجِيَفَ مِنَ الحَيَوَانَاتِ وَالطُّيُورِ، كَالنِسْرِ، وَالغُرَابِ، وَالفَأْرِ، وَالحَشَرَاتِ. رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الحِلِّ وَالحَرَمِ: الحَيَّةُ، وَالغُرَابُ الأَبْقَعُ،[8] وَالفَأرَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ، وَالحُدَيَّا"؛[9] فَذَكَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الغُرَابَ، ويُقَاسُ عليهِ كلُّ ما يأْكُلُ الجِيفَ، والنَّجَاسَاتِ.
السَّابع: كُلُّ مَا أَمَرَ الشرعُ بِقَتْلِهِ، وَقَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ الحَيَّةِ، وَالغُرَابِ، وَالفَأْرَةِ، وَالكَلْبِ العَقُورِ، وَالحُدَيَّا، وَالعَقْرَبِ. رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الحِلِّ وَالحَرَمِ: الحَيَّةُ، وَالغُرَابُ الأَبْقَعُ، وَالفَأرَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ، وَالحُدَيَّا"، وَفِي رِوَايَةٍ: "وَالعَقْرَبُ".[10]
الثامنُ: كُلُّ مَا نَهَى الشرعُ عَنْ قَتْلِهِ، وَقَدْ نَهَى الشَّارِعُ عَنْ قَتْلِ النَّمْلَةِ، وَالنَّحْلَةِ، وَالهُدْهُدِ، وَالصُّرَدِ. [11] رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "إِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةُ، وَالنَّحْلَةُ، وَالهُدْهُدُ، وَالصُّرَدُ".[12]
التَّاسِعُ: كُلُّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ، كَالبَغْلِ الُمتَوَلِّدِ بَيْنَ الخَيْلِ، وَالحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. [13]
المحور الثاني: متى تَحلُّ الذبيحةُ؟
اعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أنَّ الذَّبِيحَةَ لِكَي تَحِلَّ لَا بُدَّ مِنْ تَوَفُّرِ أَربَعَةِ شُروطٍ:
الأولُ: أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ مُسْلِمًا، أَوْ كِتَابِيًّا عَاقِلًا قَاصِدًا. قَالَ -تَعَالَى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ)[المائدة: 3].
وَقَالَ -تَعَالَى-: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ)[المائدة: 5]؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "طَعَامُهُمْ: ذَبَائِحُهُمْ".[14]
وَقَالَ الإمامُ الزُّهْرِيُّ: "لَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ نَصَارَى العَرَبِ، وَإِنْ سَمِعْتَهُ يُسَمِّي لِغَيْرِ اللهِ فَلَا تَأْكُلْ، وَإِنْ لَمْ تَسْمَعْهُ فَقَدْ أَحَلَّهُ اللهُ، وَعَلِمَ كُفْرَهُمْ".[15]
الثَّاني: أَنْ يَكُونَ الذَّبحُ بِمُحَدَّدٍ يَنْهَرُ الدَّمَ كالحَدِيدِ، والحَجَرِ إِلَّا السِّنَّ وَالظُّفُرَ، فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ الذَّبْحُ بِهِمَا.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوهُ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ: فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ: فَمُدَى الحَبَشَةِ".[16]
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ، فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ".[17]
أقولُ قولي هذا، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله وكفى، وصلاةً وَسَلامًا على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا.
أما بعد: الشَّرطُ الثَّالثُ: أَنْ يَقْطَعَ الحُلْقُومَ، وَالمَرِيءَ عِندَ الذَّبحِ.
الحُلْقُومُ: هُوَ مَجْرَى النَّفَسِ.
المَرِيءُ: مَجْرَى الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ مِنَ الحَلْقِ.
الرابعُ: أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللهِ عندَ الذَّبحِ، فَإِنْ تَرَكَ التَّسمِيَةَ عَمْدًا لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ. لِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)[الأنعام: 121]، وَالفِسْقُ: الحَرَامُ. [18]
وَرَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوهُ".[19]
وَمَنْ تَرَكَ التَّسميةَ سَهْوًا فإِنَّ ذبيحتَهُ حَلالٌ. روَى ابنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ".[20]
المحور الثالث: آداب الذبح:
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن دين الإسلام دين رحمة جاء لنشر الرحمة بين الخلق جميعًا حتى شملت هذه الرحمة الحيوانات، ومن ذلك أن رسولنا العظيم -صلى الله عليه وسلم- حثنا على الرفق بالحيوان حتى عند الذبح، ومن ذلك: أنه يستحب أن يكون الذبح بآلة حادة لا تؤلم البهيمة عند ذبحها.
كما يستحب سَتر السكين عن البهيمة عند حدِّها فلا تراها إلا عند الذبح. روى مسلمٌ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ".[21]
ويستحب نحر الإبل، وذبح غيرها؛ لأن النحر للإبل أيسر من الذبح، والذبح لباقي البهائم أيسر من النحر. والنحر يكون حال قيام الإبل وهي معقولة يدها اليسرى، والذبح يكون حال اضطجاع البهيمة. ويكره ذبح البهيمة أمام بهيمة أخرى؛ لأن فيه تعذيبا للبهيمة الأخرى.
ويستحب التكبير قبل الذبح، وبعد التسمية. رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "ضَحَّى النَّبِيُّ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ[22] أَقْرَنَيْنِ،[23] ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا[24]".[25]
الدعـاء...
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفَع، ومن قلب لا يخشَع، ومن نفس لا تشبَع، ومن دعوة لا يُستجاب لها.
اللهم إنا نعوذ بك من العجز، والكسل، والجُبن، والبخل، والهَرَم، وعذاب القبر.
اللهم ارزُقنا العلمَ النافع، والعملَ الصالحَ.
اللهم اهدِنا، وسددنا.
اللهم إنا نسألك الهدى والسداد.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوِّل عافيتك، وفجاءة نِقمتك، وجميعِ سخطك.
أقول قولي هذا، وأقم الصلاة.
[1] انظر: «كشاف القناع» (14/ 281).
[2] الخبيثة: الخبيث في كلام العرب المكروه من قول، أو فعل، أو مال، أو طعام، أو شراب، أو شخص.
[3] صحيح: رواه مسلم (565).
[4] صحيح: رواه مسلم (2003).
[5] متفق عليه: رواه البخاري (4215)، ومسلم (1941).
[6] متفق عليه: رواه البخاري (5780)، ومسلم (1932).
[7] صحيح: رواه مسلم (1934).
[8]الغُرَابُ الأَبْقَعُ: هُوَ الَّذِي فِي ظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ بَيَاضٌ؛ [انظر: «التبيان فيما يحل ويحرم من الحيوان»، صـ (282)].
[9]متفق عليه: رواه البخاري (3314) بدون قوله: «الحِلِّ»، ومسلم (1198).
[10] متفق عليه: رواه البخاري (3314) بدون قوله: «الحِلِّ»، ومسلم (1198).
[11] الصُّرَدُ: طَائِرٌ ضَخْمُ الرَّأْسِ أَبْيَضُ البَطْنِ أَخْضَرُ الظَّهْرِ؛ [انظر: «التبيان فيما يحل ويحرم من الحيوان»، صـ (248)].
[12] صحيح: رواه أبو داود (5269)، وابن ماجه (3223)، وصححه الألباني.
[13] انظر: «كشاف القناع» (14/ 289)، و«التبيان» صـ (220، 271).
[14] صحيح: رواه البخاري (7/ 92) معلقا بصيغة الجزم.
[15] انظر: «صحيح البخاري» (7/ 120).
[16] متفق عليه: رواه البخاري (2488)، ومسلم (1968).
[17] صحيح: رواه مسلم (1955).
[18] انظر: «تفسير الطبري» (12/ 76).
[19] متفق عليه: رواه البخاري (2488)، ومسلم (1968).
[20] صحيح: رواه ابن ماجه (2045)، وصححه الألباني.
[21] صحيح: رواه مسلم (1955).
[22] أملحين: الأملح هو الأبيض الخالص البياض، وقيل: هو الأبيض ويشوبه شيء من السواد.
[23] أقرنين: أي لكل واحد منهما قرنان حسنان.
[24] صفاحهما: أي صفحة العنق، وهي جانبه وإنما فعل هذا ليكون أثبت له وأمكن؛ لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح، أو تؤذيه.
[25] متفق عليه: رواه البخاري (5565)، ومسلم (1966).
التعليقات