عناصر الخطبة
1/ تكريم الإنسان بمنحه نعمة العقل 2/ حرص الإسلام على سلامة العقل بتحريم الخمر والمخدرات 3/ استهداف المملكة وصور لوسائل تهريب المخدرات لها 4/ من مآسي المخدرات 5/ ضرورة الثقافة بالمعرفة المعقولة عن المخدرات وصفات المدمنين 6/ التعاون لإنكار هذا المنكر العظيماهداف الخطبة
اقتباس
حرب شعواء! وهناك عدد من الدول -مع الأسف!- المعادية للإسلام، المعادية للسُّنة والجماعة، السبابة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، المكفرة لهم، المعادية للتوحيد، الدعاية لعبادة غير الله وتقديس الأشخاص، ودعاء غير الله، والاستعانة بهم في الكربات، ينقمون علينا توحيدنا، وينقمون علينا إيماننا وعقيدتنا، ويفرحون إذا زاد عدد متعاطي المخدرات عندنا!.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جَلَّ عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، فهدى الله تعالى به من الضلالة، وبصَّر به من الجهالة، وجمع به بعد الشتات، وأمَّن به بعد الخوف، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغر الميامين، ما اتصلت عين ببصر، ووعت أذن بخبر، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون: خلق الله -جل وعلا- جميع المخلوقات، وشرَّف الإنسان وكرَّمه عليها، فقال الله -جل في علاه-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ) [الإسراء:70].
سخر الله تعالى للإنسان كل شيء، فسخر الله تعالى له الحيوانات على قوتها وبطشها وكيدها، ومع ذلك سخر الله تعالى له الحيوانات ومنها ما هو أكبر منه خَلقا، ومنه ما هو أعظم منه قوة، ومع ذلك سخر الله تعالى له هذه الحيوانات بما آتاه الله تعالى من حكمة.
لذا مدح الله تعالى أصحاب العقول: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) [الفجر:5]؟ يعني: لذي عقل، وقال الله -جل وعلا-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [المائدة:100]، يعني: يا أصحاب العقول، وقال الله -جل في علاه-: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت:43]، فمدح الله تعالى العقول التي تدل أصحابها على الخير وتنهاهم عن الشر، مدح تلك العقول التي يعرف بها الإنسان الحق فيتبعه ويعرف بها الباطل فيجتنبه.
لذا حذر الله تعالى من تعاطي كل ما يجعل هذا العقل مغيبا عن حياتك، حرمه الله تعالى عند جميع الأمم، فحرم الله تعالى إزالة العقل وإزالة التفكير وإزالة الإدراك بشرب أو تعاطي ما يجعل الإنسان مقارنا للحيوان؛ بل ربما أدنى منه، إذا تعاطى مثل ذلك.
كل الأمم حرم الله تعالى عليه الخمر، حرم عليها إزالة العقل، إزالة التفكير، إزالة الإدراك، بتعاطي أي شيء من أنواع المخدرات أو أنواع المسكرات.
لذا لما أقبل رجل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح البخاري سأله عن أشربة يشربونها، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام- لما سأله الرجل عن شراب معين، قال: إنا نشربه في البر فيدفينا، ونشربه في الحر فيعطينا طاقة ونشاطا، قال فيقوينا، يعني يقوينا على الزراعة، يقوينا على رعي الغنم وما شابه ذلك؛ فكان أول سؤال سأله النبي صلى الله عليه وسلم له "أمسكرٌ هو؟" قال: نعم، قال: "فحرامٌ".
ثم قال الرجل يا رسول الله: إنا نستدفئ به، إنا ننتفع به، فأعاد النبي -عليه الصلاة والسلام- السؤال مرة أخرى: "أمُسْكِرٌ هُوَ؟"، قال : نعم، قال: "فحرام"؛ فأعاد الرجل الكلام، كأنه يريد أن يبين للنبي -عليه الصلاة والسلام- منافع لهذا الشراب عله أن يقول له إنه حلال، قال: يا رسول الله، إنه يفيد في كذا وينفع في كذا، فأعاد النبي -عليه الصلاة والسلام- سؤاله، قال: "أمسكر هو؟"، قال: نعم، قال: "فحرام".
فقال الرجل: يا رسول الله، إنا إذا نهيناهم عن شربه لا يطيعونا، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "إن لم يطيعوكم فاقتلوهم".
لا تسمحوا لهم بتعاطي الخمر، لا تسمحوا لهم بأن يتعاطوا ما يزيل عقولهم، بأن يتعاطوا ما ينحدر بهم من كرامة الله لهم بالعقل والإدراك والتفكير والحكمة، إلى الحيوانية المقيتة: "إن لم يطيعوكم فاقتلوهم".
وحذر النبي -عليه الصلاة والسلام- مِن أن يتعاطى المرء شيئا من ذلك؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" رواه مسلم.
وقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "لعن الله الخمر وشاربها وعاصرها ومعتصرها وحاملها وبائعها وشاريها والمحمولة إليه وساقيها"، فلعن ثمانية أشخاص في مسألة الخمر، فكل من صنع الخمر فهو ملعون، كل من عصرها فهو ملعون، كل من طلب أن تعصر له فهو ملعون، سواء شربها أو لم يشربها.
بمجرد دخولك في هذا الخط المظلم المقيت الفاجر مِن جَنْيٍ للثمر، أو إدخال لها إلى المصنع، أو حمل لها؛ وقال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الآخر: "مَن مات مدمنَ خمرٍ لقي الله كعابد وثن" رواه أحمد.
لذا كان أقوام في الجاهلية، وهم في الجاهلية، يشربون الخمر ويتفاخرون بها، وأقوام آخرون كانوا يترفعون عنها حتى إنه في القصيدة المشهورة المسماة بالمعلقة التي هي لعمرو بن كلثوم التي كان قومه يفتخرون بها، ابتدأها بقوله وهو يتكلم عن الخمر:
ألا هُبَّي بِصَحْنِكِ فاصْبَحِينا *** ولا تُبْقِي خُمورَ الأنْدَرِينا
ويمدح الخمر حتى تفاخر قومه بذلك، وكان القائل يقول:
ألهَتْ بني تغلبٍ عن كُلِّ مَكْرُمَةٍ *** قصيدةٌ قالها عمرُو بنُ كلثومِ
يفتخرون بها وهي تدعو إلى الخمر، فلما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- قال وهو يخطب إلى الناس: " ألا وكل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين"، أي شيء تفتخرون به في الجاهلية من خمر، من ربا، من وأد للبنات، من زواج لأكثر من أربع نساء، من ظلم للضعيف، من استعباد للفقراء، كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين.
فمَن تعاطى الخمر فقد تشبه بأهل الجاهلية في محبته لها، وتعلقه بها، وإذهاب عقله برجزها ونجاستها، وقد قرن الله تعالى الخمر في كتابه لما ذكرها ربنا -جل وعلا- ذكرها مع عبادة الأصنام: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة:91]؟.
الأنصاب جمع نصب، وهو ما ينصب لأجل أن يعبد ويتقرب إليه، ومنه قول أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- وهو يحكي قصة إسلامه، قال: "فضربوني حتى سال مني الدم، فأصبحت كأني نصب أحمر من كثرة الدماء". يعني: كأني صنم قد ذبح عند قدميه ذبائح فانطلق الدم عليه حتى صار أحمر، فقرن الله تعالى الخمر بهذه الأصنام، وقرنها بالقمار، فبؤسا والله لهذه الخمر ولشاربيها!.
أيها المسلمون: وإننا نعيش في بلاد يستقبلها مئات الملايين في العالم في صلاتهم، وتهوَى قلوبهم إليها في حجهم وعمرتهم، يتعلقون بها، وينظرون إلى أنها مهبط آخر الرسالات، وأنها مأرز الإسلام، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن الإسلام يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها"؛ لذا قُصِدَ أهل هذه البلاد ليفسدوا أكثر من غيرهم.
فلا نستغرب أن تعلن وزارة الداخلية أن ما قبض عليه في المملكة من أنواع المخدرات ليس ما دخل؛ لا، بل ما قبض عليه من خلال المنافذ من المخدرات يمثل ثلث الإنتاج العالمي من المخدرات! ثلث الإنتاج العالمي! كم عدد سكان المملكة؟ 500مليون؟ 600مليون؟ كم يمثلون من العالم أصلا؟ هل يمثلون ثلث العالم؟ هل يمثلون ربع العالم؟ عشر العالم؟ لا يتجاوز عددهم الثلاثين مليون، ومع ذلك ثلث الإنتاج العالمي يقبض عليه! فضلا عمَّن استطاع المفسدون الفجار أن يدخلوه إليها خلال شهرين فقط ماضيين من آخر السنة الماضية، شهرين فقط عدد ما قبض عليه 6 طن من الحبوب المخدرة، و 5 طن من الحشيش المخدر! ليس 5كيلو، 5طن! يعني 5000 كيلو من الحشيش المخدر!.
عدد ما قبض عليه خلال تلك الشهرين هو بقيمة 890 مليون ريالاً، يعني مليار، تكفي لبناء أربع أو خمس جامعات، هذا ما قبض عليه عند المنافذ، فضلا عما استطاع أولئك التجار المفسدون في الأرض أن يدخلوه إلى هذه البلاد.
وقد اطلعت على طرق تهريب، وصورها منشورة على الانترنت، اطلعت عليها وزرت معرضا خاصا في الجمارك عن كيفية تهريب المخدرات فرأيت عجبا، فإنني أقول لهم: كيف استطعتم أن تقبضوا عليها؟ مجموعة من الطاولات الخشبية، شاحنة فيها أكثر من عشرة ألاف رجل خشب تركب للطاولات، ومن هذه العشر آلاف رجل قرابة الخمسين أو الستين منها مجوفة من داخلها ومعبأ فيها مخدرات، مَن سيستطيع أن يكتشفها من بين عشرة آلاف؟.
قدوم شاحنة كاملة أواني منزلية وإذا فيها قرابة العشرة آلاف أو العشرين ألف قطعة منوعة بكراتينها وبأغلفتها، والبلاستيك عليها، وإذا بعضها قد جُعل قِدْراً بحجم كبير ثم حشيت الجوانب بمخدرات ثم جعل في داخله قدر أصغر منه، ثم لُحِم! فإذا الذي يراه لا يدرك أنهما قدران! حتى يحمله ويزنه، وهل سيأخذون هذه العشرين ألف قطعة ويجعلون السيارات وراءها تنتظر يفتحوا كل الكراتين ويزنوها واحدة تلو الأخرى!.
أنابيب يؤتى بها على أنها مواد صحية تعمل في السباكة وإذا بعضها قد حشي، ثمار مثل الخص والملفوف وما شابه ذلك وإذا به محشو بالداخل بأنواع من المخدرات بطريقة معينة، أقوام يدخلون إلى هذه البلد وقد أكلوا كرات بلاستيكية محشوة بأنواع من المخدرات، فإذا وصلوا إلى هنا دخلوا إلى الحمام -أكرمكم الله- ثم تغوطوها، ثم غسلت وفك هذا البلاستيك وأخذ ما فيه!.
الحقيبة التي يجرها أحدهم مرة يجر حقيبته وقد أقبل -مع الأسف- بإحرامه! أقبل بإحرامه! "لبيك اللهم لبيك"! في مطار جدة، يحدثني رجل الجمارك بنفسه، وإذا بالعجلات الصغيرة التي في أسفل هذه الحقيبة وهو يجرها مجوفة من الداخل ومحشوة بالهيروين! جرعة من الهيرون فقط واحدة تكفي لتدمير حياة، جرعة واحدة فقط.
حرب شعواء! وهناك عدد من الدول -مع الأسف!- المعادية للإسلام، المعادية للسُّنة والجماعة، السبابة لصحابة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، المكفرة لهم، المعادية للتوحيد، الدعاية لعبادة غير الله وتقديس الأشخاص، ودعاء غير الله، والاستعانة بهم في الكربات، ينقمون علينا توحيدنا، وينقمون علينا إيماننا وعقيدتنا، ويفرحون إذا زاد عدد متعاطي المخدرات عندنا!.
وإذا أردت أن تعرف خطر تعاطي المخدرات فأسأل الأسر المحطمة، والأجساد المهشمة، اسأل الزوجات الثكالى، واسأل الأيتام، واسأل الأطفال اليتامى، اسأل هؤلاء، اسأل الذين تعاطوا اليوم، من انتهى به المطاف منهم في مستشفى للصحة النفسية أو مستشفى للأمل أو ربما في السجن، اسأله عن حياته، اسأله عما كان يفعل، اسأله كم من فرد عرضة للزنا والفاحشة من زوجة أو بنت أو أخت لأجل جرعة مخدرات! سلهم عن ذلك!.
ألقيت قبل فترة يسيرة محاضرة في إدارة مكافحة المخدرات في إحدى المناطق في المملكة ألقيتها على الضباط والأفراد فلما انتهيت دعاني مديرهم لشرب القهوة في مكتبه، دخلت عنده وتحدثت معه قليلا، فقال: يا شيخ، أنا كنت قبل أيام في المحكمة وعندنا شخص شاب قبضنا عليه متعاطي ومروج وسيحكم عليه عند القاضي، وذهبت أنا كمدعي من مكافحة المخدرات، يقول: وبينما أنا وهو عند القاضي في مجلس الحكم وإذا بامرأة تصرخ عند الباب بأعلى صوتها وتلعن وتسب وتريد أن تدخل وتدفع العسكري الذي عند الباب.
قال: فأذن لها القاضي بالدخول، فأقبلت على الشاب لتضربه بحذائها وهي تصرخ، فأمسكها العسكري عنه، قال القاضي: من أنتِ؟، قالت: اقتلوه، اقتلوه، اقتلوه، قال: من أنتِ، قالت: احكم عليه بالقتل، قال: من أنتِ؟ قالت: والله أنا أمه، وأنا حامل منه! إي والله العظيم! حدثني بها الرائد فلان! تقول إنها أمه وإنها حامل منه!.
وكنت قبل أيام أيضا في إحدى المناطق، وزرنا عمارة هي سكن خيري لإسكان الضعفاء والفقراء، وكان معي بعض الزكوات، ذهبت مع أحد الإخوة لتوزيعها عليهم، فتطرقت أحد الأبواب وكنا نعطيه مبلغا يسيرا، فامرأة بيتها عليه حديد، والباب حديد، وليس عندها إلا ثلاث بنيات كبراهنَّ ربما في العاشرة من العمر.
فلما رأتني بكت، وقالت: أنا لا أريد صدقة! فقط أنا أريد منك حاجة أخرى، قلت: ما هي يا أختي؟ قالت: أنا زوجي سوف يخرج من السجن، بقي عليه من حكمه ستة أشهر، وأريدك يا شيخ أن تشفع لي عند المسؤولين أن يجعلوه مسجونا مدى الحياة.
قلت لها: لماذا؟ قالت: زوجي متعاطي للمخدرات، وأنا عندي هؤلاء البنات الثلاث، فلما ولدت ذكرا ولدا فرحت به وكنت أشمه صباحا ومساء، وقد تعلق قلبي بولدي، وأبوه متعاطي، فتارة يفيق وتارة يغيب، فلما وصل عمر ولدي إلى سنتين وهو جالس يلعب معنا نظر إليه أبوه ثم قال: هذا الولد لا يشبهني! هذا الولد ليس ولدي! قلت: اتقِ الله! أنت متعاطٍ، عقلُك ليس معك، قال : لا بل هذا ليس ولدي، ثم أقبل إلى الولد وأخذ يهزه وقال: من أبوك، مَن أبوك؟ أنت ولَد مَن، مَن أبوك؟.
تقول: ثم أخذ برجليه وجعل يضرب به في الجدار مراراً أمامي وأمام أخواته والولد يصرخ ويصيح، قالت: حتى تكسرت جمجمته وأنا انظر، حتى مات بين يديه.
نقلنا الولد للمستشفى وإذا هو ميت، حكم عليه بالسجن فترة ثم خرج، وقالت: سامحته وعفوت عنه لعله أن يبقى لبناته، فلما خرج بقي فترة سليما ففرحت، ثم حملت وولدت ولدا ففرحت به أعظم من فرحي بالأول.
تقول: ووالله يا شيخ! لما وصل عمره سنة ونصف، نفس الموقف حصل، جعل ينظر إليه: لست ولدي! لست ولدي! ثم أخذ يضرب به في النافذة حتى تكسر الزجاج برأس الصغير ومات بين يديه.
تقول: وإن شئت أن تنظر للدم لم أمسحه إلى الآن، تقول: وسجن، واضطررت إلى مسامحته أيضا عن أن يقتل، تقول: وبقي عليه ستة أشهر، وأنا خائفة الآن منه علي وعلى بناتي...
أيها الأحبة الكرام: المخدرات -مع الأسف!- بدأت تنتشر انتشارا كبيرا، الحشيش أصبح أمراً عاديا عند كثير من شباب اليوم، بعضهم يأخذ السيجارة ويأخذ ما بها من تبغ ويخلطها بالحشيش ثم يلفها مرة أخرى ليتعاطها.
نسب يتفطر القلب إذا سمعها، سواء عند الشباب أو عند الفتيات، أشخاص يحاولون جاهدين أن ينشروها، سواء الحبوب المخدرة وهي توجد بالملايين، إذا خمسة آلاف طن أو ستة آلاف طن، يعني كم حبة ستكون في توقعك؟ ملايين الحبات يُقصَد أن تروج بين الشباب والفتيات سواء في المرحلة المتوسطة أو في الثانوية أو في الجامعة أو فيما فوق ذلك.
يجب علينا جميعا أن نعرف ما هي صفات المتعاطي:
إذا رأيت عينيه يغلب عليهما اللون الأحمر فشُكَّ فيه مباشرة في أن هذا إنسان غير عادي.
إذا رأيته يخلد إلى النوم كثيرا أو يواصل يومين أو ثلاثة وراء بعض، شك فيه مباشرة هذا إنسان غير عادي.
إذا رأيته يسرق منك أو من أمه أو من أخواته، أو يقول لك: بعت الجوال، لماذا بعته يا ولدي؟ طيب، سبعمائة ريال أين ذهبت؟ يقول صرفتها، يصرف المال بأسلوب غريب! ضع عندك علامة استفهام مباشرة!.
إذا رأيته يغيب عن البيت فسألته: كنت مع من؟ ذهبت مع من؟ ويكذب كثيرا، ضع علامة استفهام مباشرة؟.
إذا رأيته يضحك أحيانا من غير سبب، هكذا يضحك، كأنه خفيف العقل، شك فيه مباشرة.
متعاطي الحشيش، المراقوانة، وما شابه ذلك يظهر عليه صفات لا بد على الآباء وعلى كل ناصح سواء أكان أبا أو غير أب، أن يلاحظها، ادخل اليوم إلى الانترنت واقرأ: ما هي صفات متعاطي الهيروين؟ ما هي صفات متعاطي الحشيش؟ ما هي صفات متعاطي الحبوب المخدرة؟ ما هي صفاته؟ اقرأ حتى لا تصطدم يوما من الأيام بأن أحدا من أحبتك يتعاطها.
ولا يقولن قائل: أنا والله سليم من ذلك وولدي عاقل، أنا لا أتهم ابني ولا ابنك، لا أتهم، لكن؛ مِن مَأمَنِهِ يُؤتَي الحذِر! ما يمنع أن تكتسب معلومات؟ اقرأ ، تعلم، اكتسب معلومات، ما هي صفات متعاطي الحشيش؟ ما هي صفات متعاطي الحبوب؟ وهو أكثر شيء منتشر؟ ما هي أسباب تعاطي الهيروين؟ إن كان -والعياذ بالله- قد انتقل إلى مرحلة أكبر من الضلال والفجور والفساد والاقتراب من الهلاك والموت، اقرأ، انظر ما هي صفاته؟ ما هي العلامات التي تظهر عليه؟ حتى تنبه نفسك وتنبه غيرك، أيضا لعلك أن تساعد في إذهاب وسد طوفان الفساد والإفساد عن أبنائنا وبناتنا.
أسأل الله تعالى أن يحمينا وإياكم جميعا من كل شر، اسأل الله أن يحمينا جميعا من كل شر، أسأل الله أن يحمي أبناءنا وبناتنا، أسأل الله أن يحفظهم من التدخين، والمسكرات، ومن المخدرات، ومن جميع الآفات، أسأل الله أن يرزقهم الصحبة الصالحة التي تدعوهم إلى الخير وتدلهم عليه، يا رب العالمين، يا ذا الجلال والإكرام.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وخلانه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة الكرام، إن من أوجب الواجبات علينا أن ننكر هذا المنكر العظيم، وأن نبلغ عمن كان يتعاطاه أو يهربه أو يروجه، أو كان يدعو الناس إلى شيء من ذلك، مَن كان يعرف أحدا ممن يتعاطون المخدرات بلغ الهيئة عنه، أو بلغ مكافحة المخدرات، أو بلغ الشرطة، انظر مَن هو أقرب إليك وبلغه واشترط عليهم ما هم يعلمون أنك سوف تشترطه، ألّا يذكر اسمك، ألا تدخل في الموضوع، وهم يعلمون منك ذلك، ويضمنونه لك ضمانا تاما.
من كان يعرف أحدا ممن يهربها أو ممن يروجها بين الشباب عنده شيء منها ويأتي إلى المدارس أو غير ذلك ويروجها فلنتعاون جميعا في إنكار هذا المنكر، والتحذير منه، فإنه خطر داهم، وسكوتك عنه اليوم ربما يبتليك الله تعالى غدا بأن تقع فيه أنت أو يقع أحد من أهلك بسبب أنك ما حرصت على أبناء الناس.
أسأل الله تعالى أن يحمينا وإياكم من كل شر...
اللهم إنا نعوذ بك من شر الأشرار، وكيد الفجار...
التعليقات