أثر الأخلاق الحسنة

الشيخ أحمد بن ناصر الطيار

2024-08-20 - 1446/02/16
التصنيفات الفرعية: التربية
عناصر الخطبة
1/أهمية وفضل التحلي بمكارم الأخلاق 2/ الحكمة من كون الأخلاق الحسنة أثقل ما يُوضَع في الميزان 3/دور أخلاق وتعامل التجار المسلمين في نشر الإسلام 4/مخاطر سوء الأخلاق وآثارها على المجتمع.

اقتباس

تأمَّل في الحكمة من كون الأخلاق الحسنة أثقلَ ما يُوضع في الميزان، وذلك لأجل ثقلها على النفس في الدنيا، والجزاء من جنس العمل، ولِعِظَم أثرها عليه وعلى غيره، فبالأخلاق تصفو النفوس، وتجتمع الكلمة، وتقوى الأمة، وترتقي في قِيمها، وتسمو في مبادئها....

أثر الأخلاق الحسنة على الفرد والمجتمع والدين والدنيا

الخطبةُ الأولَى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنّه لا يزال الحديثُ عن أهميّة وفضل التحلي بمكارم الأخلاق، فما بُنِيَ الدين إلا عليها، ولا بُعِثَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلا ليُتمِّمها، ولا تستقيم حياة الإنسان والمجتمعات إلا بها.

 

أخي المسلم: تأمَّل في الحكمة من كون الأخلاق الحسنة أثقلَ ما يُوضع في الميزان، وذلك لأجل ثقلها على النفس في الدنيا، والجزاء من جنس العمل، ولِعِظَم أثرها عليه وعلى غيره، فبالأخلاق تصفو النفوس، وتجتمع الكلمة، وتقوى الأمة، وترتقي في قِيمها، وتسمو في مبادئها.

 

وتأمل في سرّ كون صاحب الخُلُق الحَسَن يَبلُغُ بِخُلقِه درجةَ الصَّائم القائم، والسبب في ذلك -والعلم عند الله- كونه في مجاهدةٍ دائمةٍ مع النفس ومع الشيطان ومع الناس، فهو يُجاهد نفسه في دَفْع العُجب والغرور ورؤية النفس والانتقام لها؛ لأن المواقف لا تكاد تغيب عن الخاطر، فكلما تذكَّر السيئ منها جاهَد نفسه في مسامحة مَن أساء إليه، وعدمِ الانتقام لنفسه، وكلما تذكر المواقف الحسنة جاهد نفسه في عدم العُجب والغرور.

 

ويُجاهد نفسه في السراء ببذل ماله وجاهه، وفي الضراء بالصبر واحتمال الأذى والعفو والصفح، ويُجاهد نفسه دائمًا في طلاقة وجهه، وسلامِه على القريب والبعيد، والصديق والعدو.

 

ومن كان كذلك فهو في عبادة لا يفتر عنها ليلاً أو نهارًا، فهو في درجة الصَّائم الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفتر.

 

معاشر المسلمين: إنّ هذا الدين العظيم جعل من العرب الذين لم تكن لهم أيُّ مكانة بين الأمم قادةً عظماء، ورجالاً حكماء؛ حيث تَمَّم وهذَّب الله به مكارمَ الأخلاق التي كانوا يتحلّون فيها، فخرجوا من صحرائهم القاحلة، وبيئتهم الغارقةِ بالجهل والظلام والفُرقة، يحملون مشعل هذا النور: نورَ الدين والعلمِ والأخلاقِ والقِيَمِ والأدبِ والرحمةِ والكرم، والذي أضاءه لهم نبيُّنا محمدٌ -عليه الصلاة والسلام-، ينشرونه في الأرض، حتى وصلوا بهمهم وعزائمهم خلال أقل من ثلاثين سنة فقط إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها.

 

فمن جهة الغرب: فُتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك؛ الأندلس، وقبرص، وبلاد القيروان، مما يلي البحر المحيط، ومن جهة المشرق: وصل الفتحُ إلى أقصى بلاد الصين، وقُتِل كسرى وبادَ مُلْكُه بالكلية، وفُتِحَتْ مدائنُ العراق وخراسانَ والأهواز، ففتحوا القلوبَ بالأخلاق أكثر من فتح الديار بحدّ السنان.

 

فقد دخل كثير من الناس في الإسلام بسبب أخلاق وتعامل التجار المسلمين، مثل: تركستان الشرقية في الصين، ووسط آسيا، وبلدان جنوب شرق آسيا كإندونيسيا وماليزيا والفلبين وغيرها، وجزر المالديف، التي تقع في المحيط الهندي جنوبِ غرب سريلانكا.

 

لم يحمل الإسلامَ إليها جيشٌ مقاتل، ولا قائد فاتح مناضل، بل حمله تُجّار من عامّة المسلمين، ما دعوا إليه بخطبهم ومحاضراتهم، بل بأخلاقهم وحُسنِ معاملاتهم، ولَبِث الإسلامُ يمشي خطوةً خطوةً، ونورُه يتسرّب شعاعاً بعد شعاع، كما يتنفس الصبح عن نهارٍ يمحو سوادَ الليل.

 

وإنما حصل لهم هذا التأثير والتمكين وفتحُ قلوب العباد للدخول في دين الإسلام أفواجًا؛ بسبب نيّاتهم الصالحة، وتحلّيهم بروح الأخلاق الإسلامية، لا بسبب تخلّقهم بأخلاقهم العربية، فإنه لم يُذْكَر أنّ للعرب تأثيرًا على غيرهم من أُمَم الأرض في جذبِهم لعبادةِ أصنامهم، مع أنهم كانوا يجوبون الأرض شرقًا وغربًا.

 

نسأل الله أنْ يعزّنا بالإسلام، وأن يجعل أخلاقنا أخلاقَ القرآن، إنّ ربنا رؤوف رحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادقُ الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: إخوة الإيمان، لو تأملنا إلى كثرة المشكلات، وحالاتِ الطلاق، والمخاصماتِ في المحاكم، والتنافرِ والتَّفَرُّقِ والقطيعة، لوجدنا سبَبَها سوءَ الأخلاق، وعلاجُها في التحلّي بمكارم الأخلاق، من العفو والرحمة والكرم والرفق، وطهارة القلب من الحسد والغلّ والكبر، وسلامة اللسان من الفحش والعبارات القاسية.

 

اللهم حَسِّن أخلاقنا، وبارك لنا فيما رزقْتنا، وجنّبْنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى، وإمام الورى؛ فقد أمركم بذلك -جل وعلا- فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات، اللهم فرِّج همومهم، واقض ديونهم، وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 

عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life