عناصر الخطبة
1/ وصايا للطلاب 2/ وصايا للآباء والأمهات3/ اختبارات الدنيا تذكير باختبار الآخرةاقتباس
إن الواجب على كل أب وأم أن يزرع في ابنه حب التفوق؛ لأنه لبنة بناء في مجد الأمة، وطاقة منتجة ومشعل تستضيء به في هذا الظلام الدامس الذي انتابها في هذه العهود. علينا أن نحيي في نفوس أبنائنا أنهم بناة المجد، وهامة العلو، والقوة التي ننتظرها، والحصن الحصين الذي تتحصن به الأمة؛ فليس الهدف...
الخطبة الأولى:
الحمد لله ذي الفضل والإحسان خلق الإنسان وجعله عرضةً للابتلاء والامتحان فمن أحسن فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك جعل الدنيا دار ابتلاء وامتحان والآخرةَ دار جزاء وحساب: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الملك:2]، وأشهد أن محمد عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- تسليما كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلامُ الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار.
معاشر المؤمنين والمؤمنات: في الامتحان يكرم المرء أو يهان، وفي الامتحان يعلم المجتهد نتيجة جهده ويلمس الكسول نتيجة كسله، ومن جد وجد ومن زرع حصد. وفي هذه الأيام يعيش الطلاب والطالبات هموم الامتحانات والاختبارات.. وخير ما نوصيهم ونوصي أنفسنا بعد الدعاء لهم بالتوفيق والنجاح أن يتقوا الله -عز وجل-؛ فتقوى الله تعالى هي وصيته سبحانه للأولين والآخرين من خلقه، ومن اتقى الله جعل له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً وجعل له من أمره يسرًا، وأتاه خيراً كثيراً.
وأفضل أسباب النجاح وأجمعها وأصلحها أن تعلموا علم اليقين أنه لا حول ولا قوة للعبد إلا بالله رب العالمين، ثم التوكل على الله -عز وجل- وتفويض الأمور كُلِها إليه، واعلموا أن الذكي لا غنى له عن ربه، وأن الذكاء وحده ليس سبباً للنجاح فحسب بل إرادة الله -عز وجل- وتوفيقه أولاً.
إذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأوّل ما يجني عليه اجتهادهُ
وليس للامتحان دعاءٌ ووردٌ مخصوص بعينه بل إذا واجه المرء مأزقاً أو معضلة أو مضيقاً أو اختباراً فإنه يدعو ربه بالتوفيق والإعانة ويحافظ على أوراده وأذكاره ويدعو بأدعية الكرب ويحسن توكله على الله ربه: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3].
معاشر الطلاب والطالبات: إن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا "؛ (رواه مسلم)، والغش والخداع والتزوير خيانة وبئست البطانة وليس من خلق المؤمنين؛ فمن نجح أو تجاوز مرحلة أو مرتبة في هذه الحياة الدنيا بالزور والغش وبالخداع والتدليس فإن الله يمكر به ويعاقبه في دنياه قبل أخراه إلا من تاب وأناب فإن الله يتوب عليه.
معاشر الطلاب والطالبات: ها هي أيامُ الاختبارات قد أقبلت عليكم فاستعينوا بالله وتراحموا وتعاضدوا، وإياكم والشحناء والبغضاء والحسد، وليحب كل واحد لأخيه ما يحب لنفسه فتعاونوا وتراحموا وتعاطفوا، فإن احتاج إليك أخوك المسلم قبل دخول الاختبارات في مسألة فأعنه أو ملخص فابذله له، ومن نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن أعان أخاه أعانه الله في دنياه وأخراه.
وحذار حذار -معاشر الطلاب والطالبات- من السهر واستعمال الحبوب المنبهة فهي ضارة بالعقل وبداية للسقوط في هاوية الإدمان، وحذار -أيها الشاب المسلم- من مصاحبة البطالين والكسالى أهل المعاصي والموبقات واربأ بنفسك عن مجالستهم واعلم أن من أقل أضرار المعصية عدم التوفيق في أمورك كلها.
قد هيؤوك لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
إن مما يفرح قلب كل مؤمن إقبال الشباب على العبادة والمحافظة على صلاة الجماعة وخاصة صلاة الفجر في مثل هذه الأيام، وهذا أمر يدل على وقور الإيمان في قلوبهم، ونسأل الله لهم الثبات ولكن لا يليق بك -أخي الطالب- أن تتنكر لربك وتترك عبادته، بعد أن يمنَّ عليك وينعم عليك ويسددك ويوفقك، واحذر من أن ينطبق عليك قول الله -عز وجل-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الحج:11].
صلى المصلي لأمر كان يطلبه *** لما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"؛
معشر الطلاب والطالبات: إن لكتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وكتب العلم حرمة عظيمة، لا يجوز امتهانها ولا تدنيسها؛ فاتقوا الله في المقررات الدراسية وكتب العلم فهي محترمة. والقرآنُ الكريم أعظم وأجل وأكرم من أن يهان أو تقطع أوراقه بعد الامتحانات (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:33].
معشر الطلاب والطالبات: لا بد من الرضا بقضاء الله والتسليم لأمره؛ فمن وجد بعد الاختبار خيراً فليحمد الله على فضله، وليشكره على نعمه وليسأله المزيد من جوده وكرمه، ومن وجد غير ذلك فليحمد الله فلعل درجة من الدنيا تفوت عنه فيعوضه الله بها درجات الآخرة.
وارض بقضاء الله، وإياك والسب والشتم والغيبة، وإياك وأذية المؤمنين في الغيب أو انتقاص من له عليك فضل كبير من معلمين ومدرسين ومربين، اذكرهم بالجميل ورد إلى نفسك التقصير، وسل الله أن يجبر لك الكسر.
يا معاشر الآباء والأمهات: رفقًا بالأبناء والبنات ها هي أيامهم قد أقبلت وهمومهم قد عظمت فخذوهم بالعطف والحنان واشملوهم بالمودة والإحسان، وأعينوهم على هموم الاختبار والامتحان يكن لكم في ذلك الأجر عند الكريم المنان، أحسنوا إلى الأبناء والبنات وقوموا بواجبهم عليكم، وخففوا عنهم في التبعات ويسروا عليهم ييسر الله عليكم الأمور.
إن الواجب على كل أب وأم أن يزرع في ابنه حب التفوق؛ لأنه لبنة بناء في مجد الأمة، وطاقة منتجة ومشعل تستضيء به في هذا الظلام الدامس الذي انتابها في هذه العهود. علينا أن نحيي في نفوس أبنائنا أنهم بناة المجد، وهامة العلو، والقوة التي ننتظرها، والحصن الحصين الذي تتحصن به الأمة؛ فليس الهدف مجرد شهادة ووظيفة وراتب ومنصب، بل الهدف أشد رفعة من سمو الجبال الراسخة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
أيها المؤمنون: في كل عام يتكرر هذا الموقف وما أشبه البارحة باليوم وما أشبه اليوم بغدٍ، وغد هو يوم الامتحان الأكبر، يوم السؤال عن الصغيرة والكبيرة، السائل رب العالمين، والمسؤول هو كل فرد لوحده ومحل السؤال هو كل ما قدمته في حياتك من صغيرة أو كبيرة في يوم يجعل الولدان شيباً، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّم،َ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِه، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"؛ (رواه مسلم).
إنه امتحان مهول في يوم مهول، روى مسلم من حديث طويل عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " يُنْزِلُ اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّل أي يوم القيامة.. فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ثُمَّ يُقَالُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ) قَالَ ثُمَّ يُقَالُ: أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ فَيُقَالُ مِنْ كَم؟ فَيُقَال: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، قَالَ: فَذَاكَ يَوْمَ (يَجْعَلُ ٱلْوِلْدٰنَ شِيباً) وَذَلِكَ يَوْمَ (يُكْشَفُ عَن سَاقٍ).
إذا دخل أبناؤكم قاعات الامتحانات تذكروا عرصات يوم القيامة، والناس قيام شاخصة أبصارهم، ألجمهم العرق من هول يوم السؤال، ورعب يوم الحساب.
وعند إلقاء الأسئلة في الامتحان تذكروا سؤال الملكين في القبر ويأتي الممتحِنون، وما أدراك ما الممتحِنون " مَلَكَانِ يَقْعَدَاهُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ ؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ.. هذه حال الفائز الناجح، أما الخاسر الذي لم يعد للامتحان عُدته " فَيَقُول: لَا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَال:ُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْن"؛ (رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه).
ويوم توزيع الشهادات على الطلاب، تذكر يوم توزع الصحف: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) [الحاقة:19-32]
ولنرسخ في قلوب أبنائنا بأن هذه الامتحانات ليست المحطة النهائية ولا الرئيسية في حياة المسلم وأن الخسارة الحقيقية في ترك مرضاة الله والتعرض لسخطه وخسران الآخرة والجنة؛ كما قال سبحانه: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الزمر:15]
التعليقات