عناصر الخطبة
1/حكم صيام شهر رمضان 2/شروط وجوب الصيام 3/رخص الفطر 4/الحث على اغتنام شهر رمضان 5/وجوب الحذر من سراق شهر رمضان 6/رمضان شهر الصبر.

اقتباس

وهؤلاء أهل الشر قد تتابعوا عليكم، ليسرقوا منكم ليالي رمضان، ويسرقوا منكم أيامه، فإنهم لصوصه، فاحذروا على صيامكم، واحذروا على طاعاتكم وعباداتكم من أن يسرقوها، فاللهَ اللهَ في المجاهدة لأنفسكم، والصبر على طاعة الله، فإنكم في شهر الصبر...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله، الحمد لله القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183]، وصلى الله وسلم على نبينا القائل: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر غُفر له ما تقدم من ذنبه"(أخرجاه في الصحيحين).

 

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فصيام رمضان فرض الله الذي افترضه عليكم في قوله -جَلَّ وَعَلا-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)[البقرة: 185]، وقد شهدتم هذا الشهر بإتمام شعبان ثلاثين يومًا، فافترض الله عليكم صيامه، وجعل صيام رمضان ركنًا من أركان دين الإسلام.

 

والصوم -يا عباد الله- فرضٌ فرضه الله علينا، كما فرضه على من قبلنا، ولكن جعل شعيرة الصيام في حقنا أكمل الشعائر، في صحيح مسلم عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- من حديث عمرو بن العاص -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: "فصلُ ما بين صومنا وصيام من قبلنا أكلة السحر"، وأنتم شهدتم رمضان بإتمام شعبان ثلاثين يومًا، فوجب عليكم صيامه.

 

 ورخَّص الله -جَلَّ وَعَلا- ترك الصيام لمن كان عاجزًا عنه، أو يلحقه بالصيام مشقة، فقال -سبحانه-: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)[البقرة: 184].

 

نعم -يا عباد الله- من كان مسافرًا ويشق عليه الصيام جاز له الفطر، بل حتى لو سافر سفرًا مباحًا، أو سفر طاعةٍ فإنه يجوز له أن يفطر ولو لم يلحقه بذلك مشقة، أما من سافر سفر معصية؛ سافر لأرض الخنا والزنا أو سافر ليقطع الرحم، أو ليسرق، أو ليخرج على جماعة المسلمين، فلا يجوز له أن يترخص برخص السفر أبدًا، ومن ذلك الفطر حال صومه، أو كان مريضًا.

 

 والمرض -يا عباد الله- مرضان:

مرضٌ لا يُرجى برؤه: كأنواع الأورام المتقدمة أو الجلطات، ونحوها، فإن أهلها يجوز لهم أن يفطروا إذا كان الصوم يشق عليهم، ويطعمون عن كل يومٍ مسكينًا مقداره نصف صاع، عن كل يومٍ أفطروه من رمضان، كما قال -جَلَّ وَعَلا-: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)[البقرة: 184]، وفي القراءة الأخرى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطوقونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ).

 

 أما من كان مرضه عارضًا يُرجى برؤه منه وزواله عنه: فإنه يجوز له أن يفطر، كمن به مغصٌ في بطنه أو صداعٌ شديدٌ في رأسه، فله أن يفطر، ثم إنه يقضي هذا اليوم الذي أفطره بعد رمضان إن شاء الله.

 

دينكم دين يسرٍ لا دين عسر، دين سماحةٍ لا دين مشقة، "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه"؛ قاله النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله؛ الحمد لله الذي أعاد مواسم الخيرات على عباده تترا، فلا ينقضي موسمٌ إلا ويعقبه آخرُ مرةً بعد أخرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً أرجو بها النفع في الأولى والأخرى، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده المصطفى ونبيه المرتضى، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه أولي النهى، وسلم تسليمًا كثيرًا أبدًا دائمًا محتفى.

 

أما بعد: يا عباد الله: فإن من شعار ليالي رمضان: قراءة القرآن، قراءته في صلاة التراويح، والتهجد، كما أن من شعار رمضان في نهاره تلاوة القرآن في المساجد وفي البيوت، من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.

 

وهؤلاء أهل الشر -يا عباد الله- قد تتابعوا عليكم، ليسرقوا منكم ليالي رمضان، ويسرقوا منكم أيامه، فإنهم لصوصه، فاحذروا على صيامكم، واحذروا على طاعاتكم وعباداتكم من أن يسرقوها، واعلموا أن من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة.

 

فاللهَ اللهَ في المجاهدة لأنفسكم، والصبر على طاعة الله، فإنكم في شهر الصبر، والذي الجزاء عليه عند الله -جَلَّ وَعَلا- بغير عدٍّ ولا حساب، (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيرِ حِسَابٍ)[الزمر: 10].

 

وشهر رمضان -يا عباد الله- هو شهر الصبر؛ ففيه أنواع الصبر الثلاثة قد اجتمعت:

 فأولها: صبرٌ على طاعة الله.

 

وثانيها: صبرٌ عن معصية الله؛ فإنك لا تعصي الله -جَلَّ وَعَلا- بصيامك، وقد افترض الله -عَزَّ وَجَلَّ- عليك في نهار شهرك أن تترك المباحات من الطعام والشراب والشهوة، فهذا إيذانٌ وتهذيبٌ لنفسك بترك المحرمات في نهار رمضان وفي لياله، في رمضان وفي غيره.

 

وهو ثالثًا: صبرٌ على أقدار الله؛ فإن المؤمنين صائمون وافق صيامهم نهارًا طويلاً أو حارًّا، أو وافق صيامهم نهارًا قصيرًا أو باردًا، فاجتمع فيه أنواع الصبر الثلاثة، فكان جزاء الصائم عند الله -جَلَّ وَعَلا- لا عند غيره.

 

 في الصحيحين عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قال: "قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، للصائم فرحتان؛ فرحةٌ عند فطره وفرحةٌ عند لقاء ربه، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".

 

 اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن العشرة وأصحاب الشجرة، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

 

 اللهم كما بلغتنا رمضان فبلغنا تمامه، وأتمه علينا بالتوفيق والرضا والقبول والعتق من النار، يا رب العالمين.

 

اللهم إنا نسألك في شهرنا هذا عزًا تعز به الإسلام وأهله، وذلاً تذل به الكفر وأهله، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعلنا في شهرنا من المقبولين، واجعلنا فيه من الموفقين، واجعلنا فيه من العتقاء من النار أجمعين.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم آمِنا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين.

 

اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، اللَّهُمَّ خُذ بناصيته للبر وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ اجعله رحمةً عَلَى أوليائك، واجعله سخطًا ومقتًا عَلَى أعدائك يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ انصر به دينك، اللَّهُمَّ ارفع به كلمتك، اللَّهُمَّ اجعله إمامًا للمسلمين أَجْمَعِينَ يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نَصَبٍ، اللَّهُمَّ أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلال والإكرام.

 

 رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life