عناصر الخطبة
1/أهمية الآداب النافعة وحاجة المسلم إليها 2/استحضار نعمة الله بالمد في الأجل 3/تجديد التوبة وأداء الحقوق 4/حفظ اللسان والجوارح في الليل والنهار 5/الإكثار من الأعمال الصالحة 6/المبادرة إلى الوصية والإيصاء 7/توقع دنوّ الأجل.اقتباس
إِنَّ حُقُوقَ اللَّهِ -تَعَالَى- أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَقُومَ بِهَا الْعِبَادُ، وَإِنَّ نِعَمَ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَلَكِنْ أَصْبِحُوا تَائِبِينَ، وَأَمْسُوا تَائِبِينَ... فَالتَّوْبَةُ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، وَفِي كُلِّ الْأَزْمَانِ، وَهِيَ وَظِيفَةُ الْعُمْرِ، وَتَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ...
الخطبةُ الأولَى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: الْأَدَبُ: هُوَ اجْتِمَاعُ خِصَالِ الْخَيْرِ فِي الْإِنْسَانِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أَدَبُ الْمَرْء: عُنْوَانُ سَعَادَتِهِ وَفَلَاحِهِ. وَقِلَّةُ أَدَبِه: عُنْوَانُ شَقَاوَتِهِ وَبَوَارِهِ. فَمَا اسْتُجْلِبَ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِمِثْلِ الْأَدَبِ، وَلَا اسْتُجْلِبَ حِرْمَانُهُمَا بِمِثْلِ قِلَّةِ الْأَدَبِ". وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "مَنْ تَهَاوَنَ بِالْأَدَبِ؛ عُوقِبَ بِحِرْمَانِ السُّنَنِ. وَمَنْ تَهَاوَنَ بِالسُّنَنِ؛ عُوقِبَ بِحِرْمَانِ الْفَرَائِضِ. وَمَنْ تَهَاوَنَ بِالْفَرَائِضِ؛ عُوقِبَ بِحِرْمَانِ الْمَعْرِفَةِ".
عِبَادَ اللَّه: بِالْأَدَبِ يَعْرِفُ الْإِنْسَانُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي عِبَادَاتِهِ، وَعَادَاتِهِ، وَتَعَامُلَاتِهِ، وَفِي سَائِرِ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ وَأَوْقَاتِهِ، وَحَدِيثُنَا عَنْ آدَابِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَمِنْهَا:
1- اسْتِحْضَارُ نِعْمَةِ اللَّهِ؛ بِالْمَدِّ فِي الْأَجَل؛ فَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِتَسْبِيحِهِ، وَتَكْبِيرِهِ، وَتَهْلِيلِهِ"(حَسَنٌ: رَوَاهُ أَحْمَدُ). وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ يَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ"(حَسَنٌ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ). فَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ أَنْ أَذِنَ لَهُ إِذْنًا كَوْنِيًّا قَدَرِيًّا؛ فَأَمَدَّ فِي عُمُرِهِ، وَوَفَّقَهُ إِلَى ذِكْرِهِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-؛ أَنَّهُ قَالَ لِجَارِيَتِهِ: حِينَ أَخْبَرَتْهُ بِطُلُوعِ الشَّمْس: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَقَالَنَا يَوْمَنَا هَذَا، وَلَمْ يُهْلِكْنَا بِذُنُوبِنَا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَفِي رِوَايَةٍ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لَنَا هَذَا الْيَوْمَ، وَأَقَالَنَا فِيهِ عَثَرَاتِنَا، وَلَمْ يُعَذِّبْنَا بِالنَّارِ"(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ: وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ)؛ أَيْ: أَحْيَانَا يَوْمَنَا هَذَا، وَعَفَا عَنَّا ذُنُوبَنَا، وَلَمْ يُؤَاخِذْنَا بِهَا.
2- تَجْدِيدُ التَّوْبَةِ، وَأَدَاءُ الْحُقُوقِ إِلَى أَصْحَابِهَا: قَالَ -تَعَالَى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النُّور: 31]؛ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ؛ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ). فَالتَّوْبَةُ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، وَفِي كُلِّ الْأَزْمَانِ، وَهِيَ وَظِيفَةُ الْعُمْرِ، وَتَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ التَّوْبَةِ ذَنْبٌ تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ.
عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- قَالَ: "إِنَّ حُقُوقَ اللَّهِ -تَعَالَى- أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَقُومَ بِهَا الْعِبَادُ، وَإِنَّ نِعَمَ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَلَكِنْ أَصْبِحُوا تَائِبِينَ، وَأَمْسُوا تَائِبِينَ". وَقَالَ رَجُلٌ لِحَاتِمٍ الْأَصَمِّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: مَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: "أَشْتَهِي عَافِيَةَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ"، فَقَالَ لَهُ: أَلَيْسَتِ الْأَيَّامُ كُلُّهَا عَافِيَةً؟ فَقَالَ: "إِنَّ عَافِيَةَ يَوْمِي أَلَّا أَعْصِيَ اللَّهَ فِيهِ".
3- الْحَذَرُ مِنْ طُولِ الْأَمَل: قَالَ -تَعَالَى-: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)[الْحِجْر: 3]؛ فَتَسْوِيفُ التَّوْبَةِ نَاشِئٌ مِنْ طُولِ الْأَمَلِ، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ)[مُحَمَّد: 25]؛ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "زَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَايَا، وَمَدَّ لَهُمْ فِي الْأَمَلِ".
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْن: فِي حُبِّ الدُّنْيَا، وَطُولِ الْأَمَلِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)؛ وَقَالَ أَيْضًا: "يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَان: حُبُّ الْمَالِ، وَطُولُ الْعُمُرِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). قَالَ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "يَتَوَلَّدُ مِنْ طُولِ الْأَمَل: الْكَسَلُ عَنِ الطَّاعَةِ، وَالتَّسْوِيفُ بِالتَّوْبَةِ، وَالرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا، وَالنِّسْيَانُ لِلْآخِرَةِ، وَالْقَسْوَةُ فِي الْقَلْبِ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ)[الْحَدِيد: 16]". وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "مَا أَطَالَ عَبْدٌ الْأَمَلَ، إِلَّا أَسَاءَ الْعَمَلَ".
4- أَنْ يُصْبِحَ وَيُمْسِيَ وَلَا هَمَّ لَهُ إِلَّا رِضَا اللَّهِ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْآخِرَة؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ؛ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ. وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ؛ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ"(صَحِيحٌ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ). وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا؛ هَمَّ آخِرَتِهِ، كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا؛ لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ"(حَسَنٌ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).
5- أَنْ يَكُفَّ شَرَّهُ عَنِ النَّاسِ، وَيُطَهِّرَ قَلْبَهُ مِنَ الْغِلّ؛ وَمِنْ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا)[الْحَشْر: 10]، سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ"، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: "هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ"(صَحِيحٌ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).
قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "مَا أَدْرَكَ عِنْدَنَا مَنْ أَدْرَكَ بِكَثْرَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَإِنَّمَا أَدْرَكَ عِنْدَنَا بِسَخَاءِ الْأَنْفُسِ، وَسَلَامَةِ الصُّدُورِ، وَالنُّصْحِ لِلْأُمَّةِ".
6- حِفْظُ اللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَار: كَثِيرَةٌ هِيَ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي تَأْمُرُ بِحِفْظِ اللِّسَانِ مِنْ آفَاتِهِ؛ كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكَذِبِ وَالْمِرَاءِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا حِفْظُ الْجَوَارِحِ؛ كَقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)[الْمُؤْمِنُونَ: 5]؛ وَقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ). وَقَالَ أَيْضًا: "مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ -أَي: اللِّسَانَ- وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ -أَي: الْفَرْجَ-؛ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). وَقَالَ: لِمُعَاذٍ: "وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ؛ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ"(صَحِيحٌ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).
7- الْإِكْثَارُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ لَيْلًا وَنَهَارًا، سِرًّا وَجِهَارًا: قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَا. قَالَ: "فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: "فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: "فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ...
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. وَمِنْ أَهَمِّ آدَابِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَة:
8- اسْتِحْضَارُ نِعْمَةِ اللَّهِ؛ بِالْأَمْنِ وَالْعَافِيَةِ، وَالرِّزْقِ، وَالِاجْتِهَادِ فِي شُكْرِهَا؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"(حَسَنٌ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).
وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -يَعْنِي الْعَبْدَ- مِنَ النَّعِيمِ؛ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ، وَنُرْوِيكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ؟"(صَحِيحٌ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ). وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيّ: "يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى- يَوْمَ الْقِيَامَة: يَا ابْنَ آدَمَ! حَمَلْتُكَ عَلَى الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ، وَزَوَّجْتُكَ النِّسَاءَ، وَجَعَلْتُكَ تَرْبَعُ وَتَرْأَسُ؛ فَأَيْنَ شُكْرُ ذَلِكَ"(صَحِيحٌ: رَوَاهُ أَحْمَدُ).
9- الْمُبَادَرَةُ بِالْوَصِيَّةِ وَالْإِيصَاء: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْوَصِيَّةَ: تَمْلِيكٌ. وَالْإِيصَاءُ: الْعَهْدُ إِلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ. فَيُبَادِرُ بِكِتَابَةِ وَصِيَّتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ؛ إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، وَوَرَثَتُهُ أَغْنِيَاءُ، فَيُوصِي بِهِ إِلَى أَقْرِبَائِهِ مِنْ غَيْرِ الْوَارِثِينَ، أَوْ لِجِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْخَيْرِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ؛ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، أَوْ عَلَيْهِ حُقُوقٌ يَخْشَى أَنْ تَضِيعَ عَلَى أَصْحَابِهَا بِمَوْتِهِ؛ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ حَتَّى لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ بِهَا، وَأَيْضًا يُوصِي بِالْعَهْدِ إِلَى مَنْ يَنْظُرُ فِي شَأْنِ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ إِلَى بُلُوغِهِمْ.
10- اسْتِحْضَارُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْيَوْمُ أَوِ اللَّيْلَةُ آخِرَ الْعَهْدِ بِالْحَيَاة؛ سَأَلَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا". قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: "أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا، أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ"(حَسَنٌ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ". وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
فَالْمُؤْمِنُ يَخَافُ إِذَا أَمْسَى أَلَّا يُصْبِحَ، وَإِذَا أَصْبَحَ أَلَّا يُمْسِيَ؛ قَالَ بَكْرٌ الْمُزَنِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لِأَهْلِ الدُّنْيَا إِلَّا نَادَى: ابْنَ آدَمَ اغْتَنِمْنِي؛ لَعَلَّهُ لَا يَوْمَ لَكَ بَعْدِي. وَلَا لَيْلَةٍ إِلَّا تُنَادِي: ابْنَ آدَمَ اغْتَنِمْنِي؛ لَعَلَّهُ لَا لَيْلَةَ لَكَ بَعْدِي".
التعليقات