مجزرة نيوزيلندا : عودة فرسان المعبد

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات: تفسير التاريخ

اقتباس

وأخيراً ذيّل السفاح منشوره بمباركة جماعة "فرسان المعبد" الجديدة لجريمته، مما كشف عن وجود أكبر كيان صليبي منظم في العصر الحديث على... الاحتلال الأوروبي عندما نزل بساحتنا في القرن التاسع عشر عمد أول ما عمد إلى تشويه التاريخ الإسلامي، وتنحية اللغة العربية واستبدالها بالتواريخ القديمة واللهجات العامية، لتنقطع...

إرهاصات الحملات الصليبية

في سنة 1920م قررت فرنسا احتلال سوريا فأرسلت قائدها العسكري الشهير الجنرال "هنري جورو" بجيش كبير، فأسرع القائد يوسف العظمة على رأس قوة من المجاهدين السوريين المتطوعين لصد الهجوم الفرنسي، ودارت معركة عنيفة عند ميلسون على حدود دمشق انتهت بانتصار الفرنسيين، ولم يبق أمام الجيش الفرنسي ما يحول دون احتلال دمشق في اليوم نفسه، لكنه القائد المعجب بنصره، والمسكون بشحنات ضخمة من الحقد الصليبي آثر أن يدخل دمشق في اليوم التالي محيطاً نفسه بأكاليل النصر وسط جنوده وحشوده. ثم زار قبر صلاح الدين الأيوبي وقال في شماتة: "نحن قد عُدنا يا صلاح الدين"؛ فالمحتل الفرنسي ما زال يتذكر صلاح الدين الأيوبي وما فعله بأجداده على الرغم من مرور أكثر من ثماني قرون على وفاة صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله-!!

 

لم يقف كثير من الناس عند تاريخ السادس من ديسمبر من العام 2017م اليوم الذي أعلن فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، وعن المغزى والهدف من إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل في هذا التاريخ تحديداً رغم مرور عام على انتخابه!

 

فقبل مائة عام تماما وفي تاريخ السادس من ديسمبر عام 1917م تمكنت القوات البريطانية بقيادة الجنرال اللنبي من احتلال القدس بعد هزيمة قوات الدولة العثمانية، وحينما دخل الجنرال اللنبي القدس قال عبارته المشهورة "الآن انتهت الحروب الصليبية"؛ لذلك فإن ترامب حينما أعلن قراره تعمد اختيار اليوم ليقول لنا بعد مائة عام بالتمام لقد عادت الحروب الصليبية".

 

والحق الذي لا مراء فيه أن الحملات الصليبية لم تنقطع على العالم الإسلامي، وهي ليست تلك الثماني حملات المشهورة والتي جرت أحداثها في القرون الوسطى وانتهت بمصرع ملك فرنسا لويس التاسع على أبواب تونس وهو يحاول احتلالها سنة 669ه، الحملات الصليبية مثل أمواج البحر لا يخلو منها عصر أو جيل.

 

وإن من أهم الحقائق التاريخية في ميدان الصراع بين الشرق والغرب؛ أن كل الحروب التي شنها أعداء الأمة الإسلامية والعربية ضدها، كانت حروباً دينية في المقام الأول، امتزجت فيها العصبية الدينية مع الاستعلاء العنصري، حيث كان الحقد الديني والخلاف العقائدي هو المحرك الرئيس لتلك الحروب، وأي دوافع أو مبررات أخرى سياسية كانت أو اقتصادية أو ديمغرافية أو حتى استباقية، تأتي كلها في مرتبة ثانوية ولخدمة البعد الديني في الصراع.

 

 

ولقد شهد العصر الحديث سلسلة متتالية من الحروب الدينية الشرسة على العالم الإسلامي، شنها أعداء الأمة –على اختلاف عقائدهم وتوجهاتهم– تحت مسميات شتى، كلها وهمية وزائفة من أجل التعمية عن الهدف الحقيقي للصراع، مثل الاستعمار، الكشوف الجغرافية، التحكم في المضائق، حرية التجارة وتدفق مواد الطاقة، وأعجبها نشر الحريات والديمقراطيات في شعوب العالم الإسلامي! وآخرها الحرب على الإرهاب، والحقيقة أنه حروب دينية صرفة استهدف مقومات الأمة الدينية ورموزها وشعائرها ومؤسساتها الدينية وخاصة المساجد.

 

والتاريخ الأوروبي والغربي زاخر بإجرام الاعتداء على المساجد والمصلين عبر التاريخ، بداية بما فعله الصليبيون عند احتلال بيت المقدس في شعبان سنة 491ه وذبحهم لسبعين ألفاً من أهل المدينة منهم خمسة آلاف مسلم اعتصموا في المسجد الأقصى للدفاع عنه، ومروراً بما فعله الصليبيون في دمياط عند احتلالها سنة 618ه وإحراقهم لمساجد المدينة كلها، وأسرهم لخمسمائة طفل من أهل دمياط ونقلهم إلى فرنسا لتنصيرهم ووضعهم في كنائسها، ووصولاً إلى ما فعله الفرنسيون بالجزائر بعد احتلالها.

 

فبعد احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830م سأل القائد العام للحملة الصليبية الجنرال "روفيجو" عن أجمل مسجد في الجزائر حتى يحوله إلى كنيسة للدلالة على انتصار الصليب على الإسلام، فيل له جامع "كتشاوة"، وهو من أشهر المساجد التاريخية بالعاصمة بناه حسن باشا في العهد العثماني سنة 1794م فعزم على هدمه، فلما تنامت أخبار هذه النية الصليبية لأهل العاصمة اجتمع أكثر من أربعة آلاف مسلم جزائري واعتصموا بالمسجد لمنع الصليبي من جريمته.

 

فما كان من الجنرال الصليبي إلا أن أمر جنوده بإطلاق النار على المعتصمين بالجامع فقتلوا جميع من فيه وكانوا أكثر من أربعة آلاف مسلم، ثم جمع المصاحف وأحرقها أمام الجميع، وهدم الجامع وبنى مكانه كاتدرائية، حملـت اسم "سانت فيليب"، وصلّى المسيحيون فيه أول صلاة مسيحية ليلة عيد الميلاد 24 ديسمبر 1832م، فبعثت الملكة "إميلي زوجة ملك فرنسا لويس فيليب" هداياها الثمينة للكنيسة الجديدة، أما الملك فأرسل الستائر الفاخـرة، وبعث البابا "جريجور السادس عشر" تماثيل لوضعها في الكنيسة.

 

والجرائم ظلت تتواصل ضد المساجد والمصلين في فلسطين على يد الصهاينة، وفي شبه جزيرة القرم على يد البلاشفة الذين أحرقوا 1558 مسجداً بمن فيها لمحو أثر الإسلام من هذه البلاد، وفي الهند على يد الهندوس الذين استهدفوا المساجد الأثرية والتاريخية للمسلمين وقتلوا أهلها وآخرهم المسجد البابري الشهير الذي بناه سلطان الهند وقاهر الهنادكة "ظهير الدين بابر شاه" وقد قُتل دفاعاً عنه أكثر من ألفي مسلم.

 

وظل سلسال المجازر يتواصل حتى استيقظ العالم على آخرها يوم الجمعة الماضية 15 مارس، وفي شهر رجب المحرم، وفي أقصى بقعة معمورة في الأرض في نيوزيلندا، تلك الجزيرة النائية عندما أقدم شاب أسترالي مهووس بأفكار النازية والفاشية وتفوق العرق الأبيض اسمه "برينتون هاريسون تارانت"، وهو إرهابي متعصب مشحون بذكريات الحروب الصليبية بقتل خمسين مسلماً مصلياً في مسجدي "النور" و"ليبوود" بمدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية، عقب الانتهاء من صلاة الجمعة.

 

وقد قام بتصوير جريمته المروعة عبر "البث المباشر" على مواقع التواصل، وقد سبق جريمته بكتابة منشور مطول في أكثر من سبعين صفحة على صفحته على الفيس بوك، شرح فيه مبرراته وأسباب جريمته، وقد أطلق علي منشوره اسم "الاحلال الكبير" وهو طافح بعبارات وأفكار صليبية فجة من تراث الحملات الصليبية الأولى حتى أنه اقتبس فقرتين من خطاب البابا "أوربان الثاني" مطلق شرارة الحروب الصليبية سنة 1095 م.

 

بل إن الأمر كان أوضح وأجلى في سلاح الإرهابي المجرم الذي سفك به دم المسلمين الأبرياء، فقد كتب عليه تواريخ وأسماء وعبارات تدل على مدى عمق الفكرة الصليبية وتجذرها في عقل ونفس هذا الإرهابي الغادر، فقد كتب عليه أسماء وتواريخ المعارك التي انتصر فيها الصليبيون على المسلمين بداية من معركة "بلاط الشهداء" التي وقعت سنة 114ه أي منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً من الزمان، ومعركة "فينيا" التي انتصرت فيها النمسا على الدولة العثمانية وكانت بداية عصر تراجع الدولة العثمانية في البر الأوروبي، ومعركة "ليبناتو" والتي كانت بداية تراجع العثمانيين في البحر، كما كتب أسماء قادة عسكريين صليبيين كبار مثل شارل مارتل قائد الفرنج في بلاط الشهداء، وأسماء سفاح العثمانيين اليوناني "تركفجوس"، وأسماء سفاحين معاصرين قاموا بجرائم مشابهة لجريمته خلال السنوات الأخيرة.

 

وأخيراً ذيّل السفاح منشوره بمباركة جماعة "فرسان المعبد" الجديدة لجريمته، مما كشف عن وجود أكبر كيان صليبي منظم في العصر الحديث على غرار جماعة فرسان المعبد أو الداوية والاسبتارية المشهورتين في الحملات الصليبية الأولى.

 

ومهما كانت المحنة شديدة، والجريمة مروعة، والصدمة كبيرة، إلا أن هذه النازلة يجب أن تعطينا نحن المسلمين عامة، والدعاة والخطباء خاصة عدة دروس هامة حتى لا تمر مرور الكرام مثل سابقتها من المجازر التي تعرض لها المسلمين خلال السنوات الأخيرة، من أبرز هذه الدروس والعبر:

1 – أهمية التاريخ في حياة الأمم

فهذا الإرهابي الصليبي الغادر درس تاريخ الصراع بين الصليبيين الأوروبيين والعالم الإسلامي دراسة وافية وشاملة، وما كتبه على سلاحه وفي منشوره، وما صرح به بعد القبض عليه يكشف مدى اطلاعه على تاريخ المسلمين، والنكبة أنك لو سألت غالبية المسلمين اليوم عن بلاد الشهداء أو فيينا أو ليبناتو أو غيرها من الأسماء والتواريخ التي كتبها السفاح على سلاحه، فالإجابة ستكون صادمة، ذلك لأننا قد ضاع منا تاريخنا، ففقدنا بوصلة حاضرنا، وبالتأكيد لن يكون مستقبلنا أحسن حالاً، ما دامت الثغرات لم تسد، والعيوب لم تتدارك.

 

الاحتلال الأوروبي عندما نزل بساحتنا في القرن التاسع عشر عمد أول ما عمد إلى تشويه التاريخ الإسلامي، وتنحية اللغة العربية واستبدالها بالتواريخ القديمة واللهجات العامية، لتنقطع صلة الأجيال الناشئة بتاريخها مصدر عزتها وصمودها ومعين تجربتها.

 

لذلك يجب على الدعاة والخطباء توعية عموم المسلمين بأهمية التاريخ الإسلامي بطوله من القيام حتى اليوم، بداية بالسيرة النبوية وما تلاها من دول الخلافة الراشدة والممالك الإسلامية الكبرى، مع التركيز على مواقف الإسلام الكبرى ومشاهد الصراع الخالد بين الشرق والغرب، وخاصة المحطات المفصلية في تاريخ الأمة وعلى رأسها فترة الحروب الصليبية في القرون الوسطى وما بعدها.

 

2 – توغل الروح الصليبية في الغرب

فقد كشفت النازلة على ألمها ووجعها مدى توغل الروح الصليبية في نفوس قطاعات واسعة من الأوروبيين، جماعات وأفراد، أحزاب ومؤسسات، إعلاميون وساسة، عسكريون ورجال أعمال فالحادث ليس حدثاً فردياً عابراً أو استثنائياً، بل عمل جماعي شارك فيه العديدون وأيده الكثيرون.

 

وبعيداً عما كتبه أو قاله السفاح فقد وجدنا تأييداً كبيراً لهذه الجريمة النكراء وسط جموع الشباب الأوروبي المتأثر بخطابات العنصرية والكراهية الدينية ووساوس الإسلاموفوبيا، بل إن الأمر قد امتد ليشمل ساسة وقادة ومسئولين كبار أيدوا الجريمة بصورة غير مباشرة. فالسيناتور الأسترالي فرايزر أنينج يقيء حقداً وتعصباً ضد المسلمين على تويتر ويقول: "السبب الحقيقي لإراقة الدماء في نيوزيلندا اليوم هو برنامج الهجرة الذي سمح للمسلمين بالهجرة إليها. لنكن واضحين، ربما يكون المسلمون ضحية اليوم لكن في العادة هم المنفذون، وفي العالم يقتل المسلمون الناس بمستويات عالية باسم دينهم، لدين الإسلامي ببساطة.. هو أصل وأيديولوجية العنف من القرن السادس "يعني منذ ظهور الإسلام!

 

في حين أن وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني يصرح تعليقاً على الجريمة : "التطرف الإسلامي هو المصدر الوحيد للإرهاب في العالم"، وإلى أبعد من ذلك ذهب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، إذ أدان فكرة المجتمع متعدد الإثنيات، وقدَّم نفسه مراراً باعتباره مدافعاً عن أوروبا المسيحية في وجه من ينظر إليهم باعتبارهم الغزاة الإسلاميين، وطبق سياسات تُشجِّع الأمهات المجريات على إنجاب مزيد من الأطفال. وعاد أوربان، بعد ساعاتٍ فقط من حادث إطلاق النار في مدينة كرايست تشيرش، لتناول تلك الموضوعات في خطاب كبير لم يأت فيه على ذكر مذبحة نيوزيلندا، فقال: "دون الثقافة المسيحية، ما كانت ستوجد حرية في أوروبا. وإن لم نحمِ ثقافتنا المسيحية، فسنفقد أوروبا".

 

3 – سقوط أقنعة الزيف

فالغرب الذي صدّع رؤوسنا بحضارته وإنجازاته وعلمانيته وليبراليته وشعاراته الفارغة من الإخوة الإنسانية والتعددية الثقافية وقبول الآخر وحقوق الإنسان، والعدل والمساواة إلى آخر هذه الشعارات الكاذبة، اتضح في النهاية أنه كان يمارس خداعاً كبيراً يأسر به نفوس الضعفاء. فالمحنة أزالت كثيراً من الشبهات والأباطيل عن إنسانية الغرب وديمقراطيته وعدالته الشوهاء، وكشفت الوجه الحقيقي للحضارة الغربية الكالحة المتعصبة الإرهابية التي انبهر بها كثير من المغلفين من أبناء الإسلام، حتى صارت الهجرة إلى هذه البلاد هي أسمى طموحات قطاعات كبيرة من الشباب اليوم، ها هي الحضارة الأوروبية واضحة بينة دون مساحيق تجميل وأدوات زينة، حضارة همجية تنتهك الحرمات وتهدم دور العبادة وتعتدي على قدسيتها وحرمة المصلين فيها، وأوضح مثال على عدالة الحضارة الأوروبية أن سفاح نيوزيلندا قد استوحى جريمته من السفاح النرويج الصليبي المتطرف أندرس بريفيك الذي قتل 77 شخصا معظمهم من المسلمين في 22 يوليو 2011، عندما فتح النار على مراهقين في معسكر في جزيرة أوتايا بالنرويج، ما أسفر عن مقتل 69 شخصا، كما ألقى قنبلة على مقر الحكومة في أوسلو ما أودى بحياة 8 أشخاص، وقد اعترف بريفيك خلال محاكمته بارتكاب المجزرة، إلا أنه ادعى البراءة وبرر عمله بأنه "فظيع لكنه ضروري" ويهدف لحماية النرويج من "الاجتياح الإسلامي".

 

المهم في الموضوع أن سفاح النرويج حكم عليه بالسجن لمدة 21 سنة بتهمة الارهاب!! وقد أُطلق سراحه منذ شهرين بتدابير احترازية!! فهذه هي عدالة وقضاء الحضارة الأوروبية.

 

4- العودة إلى كتاب الله

في غمرة الحياة وكثرة المواجهات وتتابع النكبات والنوازل، غفل المسلمون عن كتاب ربهم الذي فيه الإجابات والتفسيرات لكل ما يواجهونه من أحداث كبرى وجسام، هذه المجزرة كشفت عن بعدنا عن كتاب الله، والحاجة الماسة إلى العودة إلى معين قوتنا ومصدر عزتنا ودستور حياتنا ومفصّل الإجابة والحل لكل مشكلاتنا. فالله –جلً جلاله– قد حذرنا في عشرات الآيات من أعداء الدين، فقال –تعالى–: (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا)[الكهف: 20].

 

أما القتل بأبشع السبل، وأما الارتداد عن الدين والملة، فلا طريق ثالث مع أعداء الدين، وأكد المولى نفس المعنى في آية أخرى؛ (لَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا. ..)[ البقرة 217]، ولفظ المضارع يفيد الاستمرار والمداومة، فالصراع خالد مستمر إلى يوم الدين، والغفلة عن هذه السنة الكونية والشرعية سببت لنا كثيراً من المصائب والنكبات.

 

5 – سقوط أكذوبة الإرهاب الإسلامي

من أكثر المصطلحات رواجاً في العشرين سنة الماضية مصطلح "الحرب على الإرهاب"، والذي أُريد به التعمية عن حقيقة الحرب وهو الحرب على الإسلام واستهداف عقيدته وقيمه ومنهجه وشريعته ومجتمعاته، مع أن نظرة سريعة إلى تاريخ الإرهاب والمجازر التي وقعت في المائة سنة الأخيرة تكشف عن أن الغرب وحده مسئول عن 99% من هذه المجازر، وأن معظم ضحايا هذه المجازر الجماعية كانوا من المسلمين، وسلوا الجزائر والبوسنة والهرسك والشيشان وبورما وغرب أفريقيا والعراق وأفغانستان وكشمير وغيرهم كثير.

 

فجزء كبير من تاريخ العالم الأبيض وتاريخ الحداثة فيه قائم على استغلال واستعباد الآخر وانتهاكه، وإبادة قارات كاملة من سكانها، والشعور الجماعي للمواطن الغربي بالتفوق الابيض أصبح راسخاً بشكل تاريخي ويومي، حتى أن الغرب قد أباد سكان ثلاث قارات -استراليا والأميركتين– تماماً وحلّ محلهم المواطن الأبيض المستعلي بعنصريته وعصبيته الدينية.

 

كل هذه المذابح والجرائم لم يكن للمسلمين فيها دور ولا أثر، بل كانوا هم الضحية، ومع ذلك يعمل الإعلام الأوروبي والغربي على الترويج للفزاعة الإسلامية مما أي لتنامي الإسلامفوبيا في الغرب، ومجزرة نيوزيلندا كانت إحدى إفرازاته وتداعياته؛ في حين يتجاهل الإعلام المسيس المنحاز ضد الإسلام كل الجرائم التي يكون المسلمون ضحيتها ويكتفي بوصفها بجرائم "إطلاق نار" أو "حوادث عنف"، ويتجنب تماماً وصفها بالإرهاب.

 

6 – أهمية المرجعية الجامعة

من أهم دروس المحنة؛ ضرورة وجود المرجعية السياسية والدينية الشاملة التي تمثل المسلمين وتعبر عنهم وتنطق بلسانهم وتطالب بحقوقهم وتدافع عن حرماتهم؛ فالمسلمون اليوم في شتات وتدابر وتشاحن لأتفه الأسباب، وفساد ذان بينهم أورثهم كثيراً من تطاول الآخرين عليهم، وكثير من المسلمين اليوم لا يشعرون بانتماء حقيقي لأمة الإسلام اختلاف الكلمة وكثرة الأهواء وغياب المرجعية العليا للأمة المسلمة، وهو ما ألمح إلى السفاح الأسترالي في رسالته ومنشوره حيث وجه سهام حقده إلى دولة الخلافة الإسلامية ممثلة في الدولة العثمانية، كأنه يعايرنا بغياب المظلة الجامعة لأمة الإسلام.

 

لذلك موضوع الاتحاد ونبذ الخلافات ورص الصفوف وتوحيد الكلمة والاجتماع على كلمة سواء يجب أن يكون بنداً أساسياً في رسالة الخطباء والدعاة لعموم المسلمين.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات