إسباغ المكاره على القلب

محمد أحمد بارحمة

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

"حبست نفسي في غرفة لمدة شهر كامل لا أسمع إلا الإذاعات المتحدثة بالإنجليزية ولا أقرأ سوى الجرائد والمجلات الإنجليزية وعُدت بعد الفصل الدراسي الأول وقد تَمَلّكْتُ ناصيةَ اللغة بشكل أدهش أساتذتي!"..

إذا كنت تريد النجاح فثمنه الوحيد سنوات طويلة من الفكر والعرق والدموع. القصيبي

 

من رحمة الله أن يرتطم قارب عمرك ببعض الصخور لتجدّ في التجديف.

 

في الحج كنت مع أحد الأصدقاء الذين اقتسمت معه كل شيء من أيام المرحلة المتوسطة

وهو من البقية الباقية الذين ما اقتلعتهم رياح الارتخاء، تناولنا العشاء وحدثني عن برنامجه الثقافي في شهر ذي الحجة (ثمان ساعات) يقضيها في القراءة والسماع والاطلاع ويعدّه كالدوام الوظيفي!

 

ثمان ساعات لا أظنها مستساغه ومستلذة، لكنه إسباغ المكاره على القلب.

 

الملاكم الراحل محمد علي كلاي يحكي عن تجربته في إسباغ المكاره على قلبه: "كنت أكره كل دقيقة في التدريب، لكن  كنت أقول لنفسي: تحمّل الآن وعش بقية حياتك بطلاً".

 

أحتفظُ بورقة كتبتها مطلع العام 37هـ فيها قرابة (11) من الأهداف الشخصية، تعثرث في تحقيق 3 منها وبالتفتيش عن الأسباب أجد ضمور (الجدية) وعدم إسباغ المكاره على القلب.

 

المشاهِد  للمحاضن _وحياة الشباب عموما_ يجد أبرز آفة اجتاحتها (نقص الجدّية).

 

ولعل الواحد منا يشاهد أن الجلسات أصابها الترهل واجتاحتها قيم السوق والمادة فصار حديث المجالس الأفلام وأبرز المباريات والسفرات والمطاعم وفي أحسن الأحوال مناقشات في قشور السياسة!

ثم نتعذر وننوح بعبء الالتزامات وضيق الوقت.

 

الوقت _لو صارحنا أنفسنا_ ينساب  من بين أصابعنا كالماء ويحتاج لقبضة حديدة توقف هدره! فالوسادة مقوسة من كثرة النوم، والجوال يُشحن مرتين في اليوم لفرط الاستهلاك والأيام في عدٍّ تنازلي سريع.

 

من صدف العام الفائت أنّ آخر كتاب قرأته (عظماء منسيون في العصر الحديث)؛ القاسم المشترك بينهم على اختلاف أنماطهم (التعب والجدية)، سيَر يقف الواحد أمامها مشدوها فاغرا.

 

برنامج مليء (بالمكاره) من مكافحة الاستعمار والتأليف والتعليم والتربية والمشاركة الاجتماعية والضرب في الأرض لمناصرة القضايا العربية والإسلامية.

 

تخْرج من هذا الكتاب بدرس بسيط  نظرياً عسير عملياً:

"لن تتذوق النجاح مالم تكابد المشاق وتلعق الصبِر، فالنعيم لا يدرك بالنعيم".

 

ولو سألنا كم يوم من 360 يوما في عامنا المنصرم يستحق أن نسميه يوم الإعياء والتعب و(إسباغ المكاره على القلب) لما خرجنا بالعدّ _ربما_ عن أصابع اليد الواحدة!

 

هناك صورة بلاغية تغريني للأديب الراشد يقول: "لن يذوق المسلم حلاوة الحياة مالم ترتجف يده انهاكا إذا رفع قدح الماء إلى فمه يريد أن يرتشف، ولا يحق له أن يظن أنه مشارك مالم ينم جالساً يغلبه الإعياء.

 

_الله يستعملنا في مراضيه _

 

من فترة ونظرية (غادر منطقة الراحة) تعبث برأسي وهي تعني خوض تجارب جديدة وشاقة على النفس، ومثلها في التراث مقولة التابعي إبراهيم الخواص: ما هالني شيء إلا ركبته!.

 

تعلمت السباحة في العام الماضي و مررت بالتعب النفسي الذي يسبق دخول الماء.. وكمية اللترات والجوالين التي تجرعتها كرها، وبعد تعلم المهارة استفدت أن: كل ما تستصعبه بالمجاسرة يغدوا من مُتَعِك.

 

إلى جانب أهداف العام ضع هدفا سامياً سمه ( مشروع العام) واسقه من يومك؛ فأفضل مؤشر على انتظام المسير نحو تحقيق أهداف العام هو (اليوم)؛ فالأشياء الصغيرة في(يومك) هي التي تصنع الفرق.

 

يحكي المفكر عبدالوهاب المسيري عن تجربته في إسباغ المكاره على قلبه كي يتعلم اللغة الإنجليزية:

"حبست نفسي في غرفة لمدة شهر كامل لا أسمع إلا الإذاعات المتحدثة بالإنجليزية ولا أقرأ سوى الجرائد والمجلات الإنجليزية وعُدت بعد الفصل الدراسي الأول وقد تَمَلّكْتُ ناصيةَ اللغة بشكل أدهش أساتذتي!".

 

وفي المدهش لابن الجوزي نصٌ مدهش يقول: "شجر" المكـاره" يثمر المكارم...، والجِدّ جناح النجاة"!

 

معسكر الوقت _يا سادة_ الذي تسوده البطالة يقود لمزبلة الفناء.

 

وبإسباغ المكاره على القلب _بحول الله_ يكتب لنا (الخلود)!

 

وعلى الله فليتوكل الطالبون.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات