الخطباء ولغة الجسد

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: إلقاء الخطبة

اقتباس

لغة جسد شخص ما يوحي أو يفسر لك مدى انجذاب أو نفور هذا الشخص مع الآخرين، كما أنها أحد أهم معابر إقامة العلاقات الاجتماعية، وذلك من خلال معرفة وقراءة الإشارات الجسدية الصحيحة، فلغة الجسد من أسرع سبل كسب الصداقات والإقناع والتأثير على الآخرين. فلغة الجسد قد تكون في بعض الأحيان أقوى من كل عبارة أو لغة مهما...

عندما تلقي خطبة فأنت ترسل نوعين من الرسائل إلى المستمعين؛ بينما ينقل صوتك رسالة لفظية، تنتقل كمية كبيرة من المعلومات بطريقة مرئية، وذلك من خلال مظهرك وطريقتك وسلوكك البدني، ولا شك بأن التفاعل والتعاطي بين الخطيب وبقية الناس يشمل التحدث إليهم من خلال جمل وكلمات ونبرة صوت، إضافة إلى حركات الجسد التي نَستطيع بأن نَجزم بأنها اللغة التي تعتبر من أقوى وأهم شكل من أشكال التعاطي بين الناس، فهي اللغة المثيرة؛ لأنها تسمح بقراءة أفكار من يواجه الناس بالحديث والخطاب.

 

لغة الجسد تلك الحركات التي يقوم بها بعض الأفراد مستخدمين أيديهم أو تعبيرات الوجه أو أقدامهم أو نبرات صوتهم أو هز الكتف أو الرأس، ليفهم المخاطَب بشكل أفضل المعلومة التي يريد أن تصل إليه.

 

وكلما زادت مواجهة الناس بالحديث والخطاب، كلما ازدادت أهمية معرفة لغة الجسد، لذلك كان الخطباء والدعاة والساسة هم أكثر الناس حاجة لفهم وتعلم لغة الجسد.

 

بداية يتحمل الخطيب مسؤولية فشله في إلقاء الخطبة نتيجة أنه بعث برسالة ذات حدين إلى المستمعين، فما رأوه بأعينهم، تنافى مع ما سمعوه بآذانهم، وعندما يقع ذلك فإن الجمهور لا يصدق إلا ما شاهده بنفسه، فعلى الرغم من الرسالة بالسعادة التي تحملها كلمات المتحدث أمام الجمهور، إلا أن تعبيراته غير الشفهية قد تحمل رسالة عكسية.

 

وبالقطع الخطيب لم يعمد إلى إظهار هذه الرسائل البصرية، فلقد ظهرت هذه الرسائل في تعبيراته غير الشفهية نتيجة العصبية وقلة الخبرة، بل وأظهرت هذا الخطيب غير الملائم في مظهر الشخص غير المكترث بالآخرين.

 

لغة جسد شخص ما يوحي أو يفسر لك مدى انجذاب أو نفور هذا الشخص مع الآخرين،  كما أنها أحد أهم معابر إقامة العلاقات الاجتماعية، وذلك من خلال معرفة وقراءة الإشارات الجسدية الصحيحة، فلغة الجسد من أسرع سبل كسب الصداقات والإقناع والتأثير على الآخرين.

 

فلغة الجسد قد تكون في بعض الأحيان أقوى من كل عبارة أو لغة مهما كانت سبكتها وجودة صياغتها.

 

وقد كشفت الدراسات الحديثة عن أن الرسائل التي يبثها الخطيب والمحاضر إلى الناس تستقبل بالنسب التالية:

 

55 % من لغة الجسد

38% من نبرة الصوت

7% من العبارات والجمل التي تقال

 

فعيون المستمعين معلقة بجسد الخطيب قبل لسانه، والعيون تلقط أسرع من الأذن.

 

أيضا الدراسات أثبتت أن حوالي 70% من الانطباع الأول الذي يتركه المتحدث في نفوس الآخرين يأتي من لغة جسده، وكيفية تصرفاته وإشاراته.

 

كما أثبتت الدراسات المختصة بأن الشخص يعطي حوالي عشرة ألاف إشارة جسدية في الدقيقة الأولى من التحدث مع الآخرين.

 

فلغة الجسد هي أكثر بلاغة من أي كلام، فأبسط وأصغر إيماءً، وكيفية الوقوف والاتصال بالعين، ومعدل الطاقة، وطريقة التصرفات تبعث الرسائل التي تريد إيصالها إلى الأشخاص.

 

وكلما استطعنا أن نتحكم بهذه اللغة، سوف نحصل على ثقة اكبر بالنفس، وبذلك فإن الخطيب يستطيع أن يوصل أفكاره وآراءه للآخرين.

 

أدوات لغة الجسد:

 

على الخطيب أن يتحرى حال إلقائه: الوقفة الحسنة المناسبة، التي تُضفِي عليه المهابة والوقار، فليحرص على أن يكون بارزاً للجمهور، يراهم ويرونه، فهذا يتيح الفرصة للتفاعل والتجاوب بينه وبينهم، فيستطيع أن يستقرئ ما في وجوههم ونظراتهم، وهم يرون إشاراته وتفاعله بما يقول، فيسهم في إيجاد التواصل بينه وبينهم، ولا شك أن متابعة الجمهور للخطيب من خلال الرؤية والسماع، يكون أكثر فائدة، وأقوى تأثيرًا من المتابعة بالسماع فقط.

 

ومن أهم أدوات لغة الجسد:

 

الإيماءات: أو الإشارة بالجارحة من يد أو ذراع أو حاجب أو عين، والإيماءات هي حركات محددة للجسد تساعد علي توصيل الرسالة اللفظية.

 

وتأتي معظم الإيماءات باستخدام اليدين والذراعين.

 

وقد تنتقل إيماءات المتحدث أدق المعاني إلي الجمهور.

 

ولكي تكون إشارات المتحدث فعالة فلابد من أن يكون لها غرض معين، وأن تحمل للجمهور نفس المعني الذي يقصده المتحدث.

 

والإيماءات ليست ما يقال فحسب ولكنها تعكس أيضًا الشخصية التي تكمن وراء الرسالة.

 

  • الإيماءات توضح كلماتك وتدعمها. فهي تقوى من فهم الجمهور لرسالتك اللفظية.
    • الإيماءات تصور أفكارك. فهي تساعد علي رسم صور حية في أذهان مستمعيك.
    • الإيماءات تعطى تأكيداً وأهمية. فهي تؤكد علي مشاعرك وتوجهاتك.
    • الإيماءات تساعد علي تهدئة التوتر العصبي. فهي متنفس جيد للطاقة العصبية.
    • الإيماءات تعد بمثابة مساعدات بصرية. فهي تعزز من انتباه الجمهور وتبقيه متيقظاً.
    •    الإيماءات تحفز الجمهور علي المشاركة. فهي تساعد علي نزع الاستجابة التي تريدها، قال الجاحظ:" الإشارة واللفظ شريكان، ونِعم العون هي له، ونِعم الترجمان هي عنه، وما أكثر ما نتوب عن اللفظ، وما تغني عن الخط، وبعدُ فهل تعدو الإشارة أن تكون ذات صورة معروفة، وحيلة موصوفة، على اختلافاتها في طبقاتها ودلالاتها... وحسن الإشارة باليد والرأس من تمام حسن البيان باللسان".

 

أنواع الإيماءات:

 

1- الإيماءات الوصفية. تستخدم من أجل التوضيح أو التعزيز. وتتضمن بعض الإيماءات الوصفية استخدام الأيدي للإشارة إلي الحجم، والشكل، والموقع، ووظيفة شيء ما مثل موج البحر المرتفع أو جبل كبير، أو مخلوق ضئيل.

 

2- الإيماءات التأكيدية. تستخدم للتأكيد علي ما يقال، علي سبيل المثال، تشير القبضة المضمونة إلي مشاعر قوية مثل الغضب أو الإصرار.

 

3- إيماءات الاقتراح. وهي رموز لأفكار أو مشاعر.علي سبيل المثال، إن راحة اليد المفتوحة توضح العطاء أو الأخذ، بينما هز الأكتاف يشير إلي التجاهل أو الارتباك أو السخرية.

4- الإيماءات التحفيزية. تستخدم من أجل الحصول علي الاستجابة المرجوة من الجمهور.

 

مواضع الإيماءات:

 

يمكن أداء الإيماءات بمستوى أعلى من خلال مراقبة مستوى اليد والذراع مع الكتف وذلك على ثلاث مستويات: مستوى كتفيك، أو تحتهما، أو عند مستواهما، أو بالقرب منهما؛ فكل وضع من هذه الأوضاع يضيف تأثيًرا مختلفًا إلي الخطبة التي تلقى.

 

  1. الإيماءات التي تكون فوق مستوى الكتف توحي بالسمو البدني، أو الإلهام، أو العاطفة.
  2. الإيماءات التي تكون تحت مستوى الكتف تشير إلي الحزن، أو الرفض، أو التعاطف، أو الاستنكار.
  3. الإيماءات التي تكون عند مستوى الكتف أو بالقرب منه توحي بالهدوء والسكينة.

 

ملاحظات عند استخدام الإيماءات:

 

1- أكثر الإيماءات استخدامًا هي راحة اليد المفتوحة باتجاه الجمهور، ولكن للأسف، يستخدم معظم الخطباء هذه الإيماءة بدون وعي وكأنها حركة عامة دون أن يكون لها معني محدد.

 

إن وضع راحة اليد لأسفل يعبر عن المنع، أو الكتمان، أو الكمال، أو الاستقرار.

أما عندما تكون راحة اليد لأعلي أو للخارج فهذا يوحي بالإيقاف.

 

ويمكن استخدام اليدين للإشارة إلى القياس مثل الطول أو القصر أو الصغر أو الكبر أو الابتعاد، وغير ذلك. لذا لابد أن يحاول الخطيب يستعد لخطبته أن يجرب الإيماءات المختلفة لتكتشف تلك الإيماءات الطبيعية التي يمكنك استخدامها لتأكيد رسالته.

 

2- ينبغي أن تكون إشارة الخطيب متوافقة مع مضمون كلامه، ومعاني ألفاظه، فليس من المناسب أن يتحدث الخطيب -مثلًا- عن النار وجحيمها، وجهنم ولهيبها، بوجه منبسط وثغر باسم، كما لا يكون من المناسب أيضًا أن يخطب عن الأمل، ويدعو إلى التفاؤل والاستبشار بالفرج، بينما هو عابس الوجه، مقطب الجبين.

 

3- الحذر من الإيماءات السلبية التي تعودها بعض الخطباء من كثرة الحركة، والعبث بملابسهم أو لِحاهم أو جبين أحدهم، أو الضغط بقبضة أيديهم بعصبية شديدة، وتوتر غير ملائم، أو الإكثار من خلع النظارة ولبسها، وبعضهم كثير التحرك في مكانه إلى الأمام تارة وإلى الوراء أُخرى، ونحو هذا، فهذا العبث ونحوه لا يدخل فيما نحن فيه، بل نرى أنه يخل بالأداء، وربما يضر بهيبة الخطيب ووقاره.

 

4- وعلى الخطيب أن يعرف مدلول الحركات والإشارات لتتناسب مع المعنى الذي يقصده، فمثلا العين المفتوحة تمثل الغيظ أو الخوف أو الإعجاب، والعين المغلقة تشير إلى التواضع أو البغضاء، والنظر الشزر يترجم عن الاحتقار والاستهانة والكراهية، والعين المتحركة يمينًا وشمالًا تنبئ عن الرياء والاشمئزاز، والعين المتطلعة إلى السماء ترمز إلى الدعاء، والنظر إلى الأرض تعبير عن اليأس، أو الخشوع أو الحياء، والعين المستقرة في نظرتها تفصح عن الشدة والإثبات والرجاء، والعين اللامعة ترجمان عن الظفر، والوجه كله معبر عن الانفعالات بما يرتسم على صفحته من خطوط وأشكال؛ فارتفاع خطوط الجبهة قليلًا يمثل الانتباه، وارتفاعها كثيرًا يرسم الدهشة أو الفرح العظيم، أو الألم الأليم، وانخفاضها يدل على القلق والتفكير.

 

والوقفة المعتدلة الناهضة تدل على التحدي، والوقفة المنحنية تدل على الحنان والشفقة والاستسلام، وانطلاق الذراع إلى الأمام ينبئ عن التقدم وعن التهديد وهكذا..

 

الاستخدام النبوي للإيماءات:

 

لما كان للإيماءات من تأثير كبير في إيضاح المعنى، جاءت السنة المطهرة بالاهتمام بها في بيانِ معاني الإسلام، واهتم الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- باستخدامها كثيرًا في خطبه ومواعظه؛ للتعبير عن مشاعره، وعن معاني الدين، كما كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يفهمون ما يَرْمي إليه الرسولُ مِن رسائلَ من خلال إشاراته، ويُدركون معانيَها ودلالتها العظيمة،  ومن أمثلة الاستخدام النبوي للإيماءات:

 

1- الدَّلالة على الوَحْدة والائتلاف: وقد صحَّ عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيانِ، يشُدُّ بعضُه بعضًا، وشبَّك بيْن أصابعه".

 

2- التحذير من بعضِ المحرَّمات؛ كحديثِ معاذ بن جبل الشهير قلتُ: يا رسولَ الله أخبِرْني بعملٍ يُدخلني الجنة، ويُباعِدني من النار؟ قال: "لقدَ سألتَ عن عظيم، ثم أخذ يعدد أبواب الخير ثم قال في آخره: "ألاَ أخبرك بمِلاك ذلك كله؟" قلت: بلى يا رسولَ الله، فأخَذ بلسانه، قال: "كُفَّ عليك هذا".

 

3- بيان معنًى مِن معاني العقيدة الإسلامية؛ حيث خطَب النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- في أمَّتِه يومَ عرفة، فقال لهم: "ألاَ هل بلغت؟" قالوا: نعم، فرفَع إصبعَه إلى السماء يقول: "اللهمَّ اشهد"، فهذا الفعْل منه صلَّى الله عليه وسلَّم يدلُّ على علوِّ الله -عزَّ وجلَّ-.

 

4- بيان أشراط الساعة وما يسبقها من أحداث وفتن: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ذكَر النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "اللهمَّ بارِكْ لنا في شامِنا، اللهمَّ باركْ لنا في يمننا، قالوا: يا رسولَ الله! وفي نجْدِنا؟! قال:"اللهمَّ بارِكْ لنا في شامِنا، اللهمَّ بارِكْ لنا في يمننا"، قالوا: يا رسولَ الله وفي نجدنا؟! -فأظنُّه قال في الثالثة: "هنالك الزلازل والفتن، وبها يَطلُع قرْنُ الشيطان"؛ لفظ البخاري، في لفظ لمسلم: "إنَّ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قام عندَ باب حفصةَ، فقال بيده نحوَ المشرِق: الفِتنة ها هنا من حيثُ يطلع قرْنُ الشيطان" قالها مرَّتين أو ثلاثًا.

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات