معركة ضورليم الثانية (سلاجقة الروم يقهرون الألمان)

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16

اقتباس

خط السير الحربي هذا، سيفرض على الجيش الألماني المرور من أراضي دولة سلاجقة الروم التي لم تعد ضعيفة كما كانت من قبل، فالدولة على رأسها اليوم قائد شجاع عركته التجارب والخطوب ذو شكيمة، ولن يقبل أن يعيد أخطاء أبيه من قبل. فلم يغفل السلطان ركن الدين مسعود عن تحركات وخطط الجيش الألماني، فاستعد جيداً للقائه وجهّز الجيوش والسرايا، ودعا الناس إلى النفير العام لمواجهة الحملة الصليبية الجديدة على بلاد الإسلام.

 

 

 

 

نشأة الدولة السلجوقية:

 

ينحدر السلاجقة من قبيلة قنق التركمانية، وتمثل مع ثلاث وعشرين قبيلة أخرى مجموعة القبائل التركمانية المعروفة بالغز وفي منطقة ما وراء النهر -تركستان حالياً-  استوطنت عشائر الغز وقبائلها الكبرى تلك المناطق وعرفوا بالترك أو الأتراك، ثم تحركت هذه القبائل في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي بالانتقال من موطنها الأصلي نحو آسيا الصغرى.

 

ينتسب السلاجقة إلى جدهم الأكبر "دقاق" الذي كان وأفراد قبيلته في خدمة أحد ملوك الترك يعرف باسم بيغو، وكان دقاق في هذه المرحلة من تاريخ السلاجقة مقدم الأتراك، وكان سلجوق بن دقاق في خدمة بيغو كما كان والده من قبل حيث كان يشغل وظيفة مقدم الجيش، في هذا الوقت كانت مظاهر التقدم وعلامات القيادة بدت واضحة عليه، حتى إن زوجة الملك أخذت تثير مخاوف زوجها منه لما رأت من حب الناس له وانصياعهم إليه، إلى الحد الذي أغرته بقتله، وما إن عرف سلجوق بذلك حتى أخذ أتباعه ومن أطاعه وتوجه إلى دار الإسلام وأقام بنواحي جند- قريبًا من نهر سيحون- وفيها أعلن سلجوق إسلامه وأخذ يشن غاراته على الكفار الترك.

 

بعد وفاة سلجوق خلف عددًا من الأولاد ساروا على سياسة والدهم في شن الغارات على الترك الوثنيين وبذلوا جهودًا كبيرة في حماية السكان المسلمين، فازدادت قواتهم وتوسعت أراضيهم وقد أكسبهم ذلك كله احترام الحكام المسلمين المجاورين لهم، فقد غزا ميكائيل بن سلجوق بعض بلاد الكفار من الترك فقاتل حتى استشهد في سبيل الله. ترك ميكائيل من الأولاد بيغو، وطغرلبك، وداود، فدانت لهم عشائرهم بالطاعة، ثم يمموا شطر بخارى، وأخذت الأمور في التقلب، وتعرضوا لمواقف عصيبة كثيرة، ودخلوا في معارك عنيفة مع بقايا الدول والممالك القديمة في المنطقة مثل الدولة السامانية والبويهية والغزنوية، وخاضوا أهوالاً وصعاباً حتى استطاعوا تأسيس دولتهم الخاصة بهم، بعد أن أزالوا دولتين خبيثتين طالما آذوا الإسلام والمسلمين: الدولة السامانية والبويهية، في حين اقتطعوا مساحات واسعة من الدولة الغزنوية. وفي سنة 429هـ/ 1037م استولى طغرلبك على مرو حاضرة خراسان وذكر اسمه في خطبة الجمعة بلقب ملك الملوك، وفي شهر شعبان سنة 429هـ التقى جيش طغرلبك بجيش الغزنويين عند باب مدينة سرخس وانتصر عليهم انتصارًا حاسمًا وشتت شملهم وطاردهم في كل مكان وغنم أموالهم، فكانت هذه الموقعة كما يقول ابن الأثير: "هي التي ملك السلجوقيون بعدها خراسان ودخلوا قصبات البلاد" وفي هذا الشهر استولى طغرلبك على نيسابور وأقيمت له الخطبة على منابرها وذكر اسمه مقرونًا بلقب السلطان الأعظم، واستقر بدار الإمارة وجلس للمظالم يومين في الأسبوع على ما جرت به العادة في هذه البلاد.

 

السلاجقة والخلافة العباسية: 

الدولة السلجوقية دولة سنية تحترم الدين وتعظم شعائره، وتحترم مقام الخلافة أشد احترام. بعد أن قامت دولة السلاجقة العظام في خراسان وفارس، وأضحت جيوشهم على أهبة الاستعداد لدخول العراق وذلك لإنقاذ الخلافة العباسية من سيطرة البويهيين الشيعة. كانت الأسرة البويهية الشيعية تسيطر على العراق قبل قدوم السلاجقة حيث أسس البويهيون في فارس والعراق والأهواز وكرمان والري وهمذان وأصفهان إمارات وراثية أدت إلى إيجاد نوع من الاستقرار السياسي في دولة الخلافة العباسية، وقد سيطر البويهيون على مقاليد الأمور، وتصرفوا بشكل مطلق لكن هذا الاستقرار كانت تشوبه الاضطرابات الناتجة عن النزاعات المذهبية بفعل تشيع الأسرة البويهية.

 

كان الوضع الداخلي في بغداد مزعزعًا تشوبه حالة من الفوضى وعدم الاستقرار مما ساعد على تعبيد الطريق أمام مهمة دخول السلاجقة إليها وضم العراق إلى دولتهم التي أسسوها في خراسان وإيران، وذلك بفعل الخلافات الأسرية داخل البيت البويهي، إذ قامت النزاعات والتنافسات بين الأمراء البويهيين من جهة وبينهم وبين الجند من جهة أخرى، كما انتشرت الفتن بين الجند، بالإضافة إلى رغبة السلاجقة في إنقاذ الدولة العباسية السنية. في هذا الجو المضطرب استنجد الخليفة بالسلطان السلجوقي طغرلبك طالبًا مساعدته ضد تمرد أحد قادة البويهيين واسمه "البساسيري"، انتهز السلطان هذه الفرصة، وسار بجيوشه إلى بغداد، ودخلها في عام 447هـ/ 1055م، واعترف الخليفة به سلطانًا على جميع المناطق التي تحت يده وأمر بأن يذكر اسمه في الخطبة، وهكذا دخل العراق ضمن دائرة نفوذ السلاجقة العظام، وتأجل سقوط الخلافة العباسية لقرنين من الزمان.

 

تفكك الدولة السلجوقية الكبرى:

بعد وفاة ثالث سلاطين الدولة السلجوقية "ملك شاه" تفككت الدولة السلجوقية وبدأت عوامل الضعف والانهيار تدب في أوصالها بين أبنائه وإخوته وأحفاده، فضعفت –بالتالي- سيطرة الدولة على مختلف أقاليمها، ومن الأسباب التي أدت إلى هذا الضعف تنافس الأمراء على عرش السلطنة، الأمر الذي أحدث انقسامًا كبيرًا وبصفة خاصة بين بركياروق الابن الأكبر لملك شاه، وأخيه الأصغر محمود، وانقسم السلاجقة إلى فريقين متنازعين كل منهما يجاهر بالعداء إلى الآخر. وقد دب الضعف في أوصال دولة السلاجقة ففي عام (536هـ/ 1141م) انهزم السلطان سنجر، آخر السلاطين السلاجقة العظام أمام القراخطائيين "كفار الأتراك"، كما تجددت الخلافات السلجوقية الأسرية في كل مكان من خراسان والعراق في عام (541هـ/ 1146م).

 

ولما توفى السلطان مسعود في عام ( 54هـ/ 1152م ) فقدت الدولة السلجوقية في العراق ركنًا كبيرًا، فأصابها الوهن وأخذت بالتداعي وعمتها الاضطرابات، مما أدى إلى تقلص النفوذ السلجوقي في العراق شيئًا فشيئًا حتى زال في النهاية. وقد انقسمت دولة السلاجقة لعدة ممالك ودول أصغر حجماً منها:

1-السلاجقة العظام:

ويقصد بهم الفترة الذهبية لدولة السلاجقة في عهد طغرلبك، وألب أرسلان، وملك شاه، وهم الجديرون بهذا اللقب وهناك ثلاثة آخرون يضعهم البعض في هذا التصنيف وهم ركن الدين أبو المظفر بركياروق، وغياث الدين أبو شجاع محمد، ومعز الدين سنجر أحمد، إلا أن هؤلاء الثلاثة خاضوا كثيرًا من الحروب ضد أبناء بيتهم وعانت الدولة في عهدهم من عوامل الفرقة والتمزق.

 

2-سلاجقة العراق:

ويطلق على أمراء السلاجقة الذين سيطروا على العراق والري وهمذان وكردستان واستمر نفوذهم من سنة 511هـ / 1117م إلى سنة 590هـ /1194م حيث تمكن الخوارزميون من القضاء عليهم.

 

3-سلاجقة كرمان:

وقد بدأ نفوذهم في الجنوب الشرقي لفارس وفي بعض مناطق الوسط سنة 433هـ /1042م واستمر حتى سنة 583هـ/ 1187م حين قضى التركمان على سلطانهم هناك.

 

4-سلاجقة الشام:

وكان نفوذهم في المناطق التي استولى عليها السلاجقة من الفاطميين أو الروم في الجزيرة والشام وانتهى نفوذهم سنة 511هـ/ 1117م على أيدي أتابكة الشام والجزيرة.

 

5-سلاجقة الروم:

كان نفوذهم في الأراضي التي استطاع السلاجقة الاستيلاء عليها من الروم في آسيا الصغرى واستمر نفوذهم حتى سنة 700هـ/ 1301م حين ورثهم الأتراك العثمانيون القضاء عليهم. وعلى عاتق هذه الدولة ستكون المواجهات المبكرة مع الحملات الصليبية.

 

دولة سلاجقة الروم والأناضول:

دولة سلاجقة الروم قامت في الفترة مابين 1077 إلى 1307 وكانت عاصمتهم في البداية إزنيق ثم انتقلت إلى قونية. وبما أن السلطة كانت متنقلة كثيراً، فقد لعبت العديد من المدن دور العاصمة في فترات من تاريخ السلطنة مثل قيصرية وسيواس. امتدت السلطنة في أوجها عبر وسط الأناضول، لتمتد من شواطئ انطاليا وألانيا على البحر الأبيض المتوسط إلى سينوب على البحر الأسود، وفي الشرق صهرت معها العديد من القبائل التركية لتصل إلى بحيرة وان وفي الغرب أصبحت حدودها قرب دينيزلي ومداخل بحر إيجة.

 

اشتق اسم الروم من اسم الإمبراطورية الرومانية، وقد أطلق السلاجقة على أراضيهم اسم الروم؛ لأنها أسست على أراضي اعتبرت لفترة طويلة بأنها رومانية (بيزنطية) وقد دعيت هذه الدولة أحياناً باسم سلطنة قونية أو سلطنة أيقونية حسب المصادر الغربية القديمة.

 

تفرعت هذه الأسرة عن السلاجقة الكبار. بعد معركة ملاذكرد 1071م. وهزيمة الروم، بسط السلاجقة سيطرتهم على الأناضول. مؤسس الدولة قتلمش بن أرسلان من أقرباء الحاكم السلجوقي طغرلبك. استولى ابنه سليمان الأول (1077-1086م.) على إزنيق عام 1078م. ولكنه قتل في معركة عند حلب في 1086 مما أوقع دولته الناشئة في الفوضى حتى تولية ابنه الملك سنة 1095 وهو في الحادية عشرة وقبل عامين من قيام الحملات الصليبية بدأ حكم الأسرة تحت وصاية السلاجقة الكبار أولاً ثم أتمت استقلالها مع ظهور الدويلات الصليبية في المنطقة.

 

ازدهرت السلطنة بشكل كبير في أواخر القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر، عندما سيطرت على الموانئ الرئيسية للإمبراطورية البيزنطية على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، وتصدت هذه الدولة بقوة للحملات الصليبية الأولى، وكانت لها مواقع مشهودة ومواقف مشهورة، هذه المعركة تعتبر واحدة من أبرزها وأروعها.

 

الحملة الصليبية الأولى والأناضول:

عندما قرر كرسي البابوية شن الحملات الصليبية على الشام، كانت الخطة الأولى هي الغزو البري الذي تنطلق كتائبه من غرب أوروبا إلى شرقها، ثم النزول على الشام من ناحية الأناضول أو آسيا الصغرى، وهذه الخطة الطموحة وضعت دولة سلاجقة الروم في مواجهة مباشرة مع أولى الحملات الصليبية، باعتبارها أولى محطات هذا السيل الصليبي الجارف. وقد نجح سلاجقة الروم في القضاء على حملة الفقراء الصليبية والتي كانت مشكلة من العبيد والسوقة والدهماء الذين غرتهم أماني المغفرة وأنهار العسل واللبن في الشرق، فخرجوا بغير إعداد ولا تسليح ولا تدريب، فأبادهم سلاجقة الروم بكل سهولة، ولكنهم في نفس الوقت فتحوا أعين الصليبيين عن أهمية وخطورة موقع دولة سلاجقة الروم.

 

كان قلج أرسلان سلطان السلاجقة في آسيا الصغرى يتخذ من مدينة نيقية الحصينة عاصمة له، ومن ثَمَّ فالقوة الرئيسية لجيشه كانت بها، ولهذا فقد قرَّر الصليبيون أن يبدءوا بهذه المدينة؛ لكيلا يتركوا خلفهم هذه القوة الكبيرة، ولكيلا يقطعوا على أنفسهم خطوط الإمداد البيزنطية. ومن ثَمَّ توجهت الجيوش الصليبية الغفيرة، ومعها فرقة صغيرة من الجيش البيزنطي لحصار المدينة المسلمة، وقد أمدَّ الإمبراطور البيزنطي الجيوش الصليبية في هذه الموقعة بآلات الحصار الضخمة وكثير من السلاح، وبدأ التوجه إليها في (490هـ) أواخر إبريل سنة 1097م.

 

في هذه الفترة كان قلج أرسلان خارج مدينته، بل وعلى بُعد أكثر من تسعمائة كيلومتر إلى الشرق من المدينة. لقد كان يحاصر مدينة ملطية ذات الكثافة الأرمينية، حيث قام بينه وبين الزعيم المسلم غازي بن الدان شمند (وهو أحد الأتراك المسلمين الذين كانوا يحكمون شمال شرق آسيا الصغرى) نزاعٌ كبير حول ملكية هذه المدينة. وهذه الرغبة الجامحة للتوسع في مناطق جديدة جعلته لا يصرف كثير اهتمام إلى مسألة الصليبيين على خطورتها، بل إنه عندما علم بقدوم الجيوش الصليبية مؤخرًا إلى القسطنطينية ظنَّ أنها مثل جموع العامة الذين جاءوا قبل ذلك، ومن ثَمَّ توقع أن يقضي عليهم بفرقة من جيشه بسهولة، كما فعل مع جموع بطرس الناسك وواتر المفلس. إضافةً إلى أنه خُدِع بمكيدة دبَّرها الإمبراطور الداهية ألكسيوس كومنين، حيث أرسل بعض جواسيسه إلى قلج أرسلان الأول يُصوِّرون له الخلاف الذي كان بين الإمبراطور البيزنطي وزعماء الحملة الصليبية على أنه مستحكم لا حلَّ له، وبالتالي فلن يسمح الإمبراطور البيزنطي لهؤلاء الصليبيين بالعبور إلى آسيا الصغرى، وهذا الخداع خدَّر قلج أرسلان، وجعله يترك حامية صغيرة نسبيًا في مدينة نيقية العاصمة، ويتوجه بجيشه الرئيسي لحصار ملطية البعيدة. ومما يؤكد أنه كان مخدوعًا أنه ترك زوجته وولديه وكل أمواله وكنوزه في المدينة، ولو كان يشعر بأيِّ خطر ناحيتها ما فعل ذلك أبدًا. وقد دفع ثمن ذلك غالياً جداً، فقد سقطت عاصمة دولته بيد البيزنطيين.

 

بعد ذلك استطاع الصليبيون الانتصار على السلاجقة في موقعة ضورليم الأولى تلك الموقعة التي كان لها آثارًا بالغة؛ لأن تلك الهزيمة جعلت السلاجقة يخسرون بعض ما كسبوه خلال أكثر من عشرين عامًا، ورغم هذه الهزيمة إلا أن السلاجقة اكتسبوا احترام الصليبيين بما تحلوا به من شجاعة، بعد ذلك تقدم الصليبيون إلى أنطاكية وحاصروها حتى استسلمت وفر أميرها السلجوقي باغي سيان، ثم ساروا إلى معرة النعمان فحاصروها حتى استسلم أهلها فقتلوا منهم الكثير، ثم حدثت مذبحة بيت المقدس التي راح ضحيتها سبعون ألفًا من سكان المدينة.

وقد وقف السلاجقة عاجزين أمام طوفان الصليبيين، فقد كانت أوضاع دولتهم تنتقل من سيء إلى أسوأ، وكانت الخلافة العباسية جسمًا بلا روح.

 

معركة ضورليم الثانية ويوم الثأر:

حدث تنازع على الملك بعد وفاة قلج أرسلان بين أبنائه، واضطرب أمر الدولة، وسيطر البيزنطيون على العديد من مدن الدولة، حتى جاء تولي مسعود بن قلج الحكم سنة 1116 م، وكان بطلاً شجاعاً شديد العزم متشبهاً بالسلاجقة العظام أجداده في أموره وأحواله، جعل جلّ همه استعادة ما فقده أبوه وإخوته لصالح البيزنطيين والصليبيين. وبالفعل نجح في استعادة الكثير مما فقده سلاجقة الروم من قبل.

 

كان الوجود الصليبي وقتها في الشام قد انتهى إلى أربع ممالك كبيرة في الرها وأنطاكية وطرابلس وبيت المقدس، وظل الأمر مستتباً للصليبيين لفترة طويلة حتى ظهرت حركة الاسترداد الإسلامية بقيادة عماد الدين زنكي الذي استطاع إعادة الروح للجهاد الإسلامي، ثم حمل الراية من بعده ولده السلطان العظيم نور الدين محمود الملقب بالشهيد، وقد حقق أكبر نجاحاته عندما أسقط إمارة الرها الصليبية وطهرها من الوجود الصليبي وذلك سنة 1144م. فقرر الصليبيون شن حملة صليبية جديدة على الشام؛ لإنقاذ باقي الممالك الصليبية من فورة التصعيد الإسلامي.

 

كانت (الرها) أول مملكة مسيحية تقام خلال الحملة الصليبية الأولى، حيث دعا بابا روما (يوجين الثالث) إلى حملة صليبية جديدة للسيطرة على بلاد المسلمين، وكانت أولَ حملة يقودُها ملوكُ أوروبا، وهم (لويس السابع) ملك فرنسا، و(كونراد الثالث) ملك ألمانيا. وقد كان (كونراد الثالث) و(لويس السابع) هما أقوى ملكين في أوروبا وقتها، ودعي لهذه الحملة في كافة أنحاء أوروبا، حيث بارك البابا كل من سيشارك في الحملة، وأعلن عن إعطائه صكوك الغفران والخلاص من النار!، وفوَّض البابا الكاهن (برنارد) رئيس جمعية الرهبان السيسترسيين البورغوني ورئيس دير كليرفو لمنح البركات البابوية على المنضمِّين للحملة، الذي كان حماسياً في خطبه بجموعِ الأوروبيين حتى إنه نجح في استمالة اللصوص بالمشاركة في الحرب المقدسة، واعداً إياهم بمغفرة كامل خطاياهم بالقتال معهم.

 

وفي أوائل مايو 1147م انطلق الجيش الألماني بقيادة إمبراطوره المغرور، وعبرت الجيوش الألمانية أراضي المجر دون أي مشاكل تذكر، وبلغ تعداد الجيش الألماني حسب بعض المصادر إلى 20 ألف مقاتل، وأشارت مصادر أخرى أن عدده وصل إلى خمسين ألف فارس و100 ألف من المشاة. ثم دخل الألمان أراضي الإمبراطورية البيزنطية في البلقان، وعبروا نهر الدانوب على السفن البيزنطية، حيث دخل الجيش الألماني القسطنطينية وقرر المسير عبر بلاد الأناضول للعبور للشرق.

 

خط السير الحربي هذا، سيفرض على الجيش الألماني المرور من أراضي دولة سلاجقة الروم التي لم تعد ضعيفة كما كانت من قبل، فالدولة على رأسها اليوم قائد شجاع عركته التجارب والخطوب ذو شكيمة، ولن يقبل أن يعيد أخطاء أبيه من قبل. فلم يغفل السلطان ركن الدين مسعود عن تحركات وخطط الجيش الألماني، فاستعد جيداً للقائه وجهّز الجيوش والسرايا، ودعا الناس إلى النفير العام لمواجهة الحملة الصليبية الجديدة على بلاد الإسلام.

 

خرج الألمان من نيقية في 15 أكتوبر 1147م وبعد 10 أيام وصلوا إلى مدينة (ضورليم) بالقرب من نهر (باثي) وقد أصابهم الإِرهاق ونقص المياه، لينقض عليهم فرسان سلاجقة الروم بقيادة ركن الدين مسعود، بهجمات ساحقة على أطراف الجيش الألماني، وكانت النتيجة كارثيَّة بالنسبة لجيش (كونراد) في المعركة، حيث تمَّ إبادة تسعة أعشار جنوده بين قتيل وأسير، لم يجد كونراد مناصاً من الفرار بحياته، فاستغل نزول الليل، وينسحب خلسة مع من تبقَّى من جنوده عائدًا إلى نيقية، حيث تمَّ سحق الجيش الألماني في تلك المعركة الخاطفة بشكلٍ لم يتمكَّن معه الألمان من متابعة مسيرهم وحدهم، فاضطرَّ (كونراد الثالث) ومن بقي معه من رجال (ألفا جندي فقط) الالتحاقَ بالجيش الفرنسي بقيادة (لويس السابع) ملك فرنسا، وكان ذلك عاراً تجلل به الألمان حيناً من الدهر، فالهزيمة كانت ساحقة وسريعة في نفس الوقت، والخسائر كانت ضخمة.

 

لم تتوقف خسائر الصليبيين عند هذا الحد، بل تعرض الجيش الفرنساوي نفسه بعد التحاق بقايا الجيش الألماني إلى هجمات ضارية من جيش سلاجقة الروم، إذ سرعان ما هجم السلاجقة على جيش (لويس السابع) في طريقه إلى أضاليا، عام 1148م، وكان الهجوم هذه المرة من اتجاه مخالف من أعالي الجبال بوابل من السهام، حيث قتلوا كثيراً من مؤخرة الجيش الفرنسي، حتى إن (الملك لويس) تعرض أكثر من مرة للموت في هذه المعركة، ولم تتوقف المعركة إلا بعد حلول الظلام وانسحاب السلاجقة قانعين بما أصاب جيش (لويس). وتحت هذا الهجوم الكاسح اضطرت الحملة الصليبية مرغمة إلى البعد عن أماكن نفوذ السلاجقة ومواصلة طريقها بحراً، وتوقفت بعدها الحملات الصليبية براً، وتحولت باقي الحملات السبع إلى حملات بحرية، بعد أن أيقن الصليبيون بوجود سد منيع على المسار البري، هو سلاجقة الروم.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات