معركة سهل أنقرة-الحقد الرافضي على الدولة العثمانية

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16

اقتباس

تعد معركة سهل أنقرة أكبر معركة وقعت في أواخر القرون الوسطى، حيث كانت بين أكبر ملوك العالم وقتها، وقد فرحت أوروبا الصليبية فرحاً شديداً بهزيمة بايزيد ومصرعه، ودقت الأجراس في كنائس أوروبا احتفالاً بانتصار تيمور، وبعث إليه "هنري الرابع" ملك إنجلترا بالتهنئة، كما أوفدت إليه فرنسا أسقفاً يحمل الهدايا. وأرفد إليه هنري الثالث ملك قشتالة بعثة شهيرة برياسة روى جو نز اليز كلا فيجو. وهكذا طويت صفحة من أخس وأخبث صفحات التآمر الرافضي ضد أهل السنّة، ولكن بثمن باهظ ومكلف للغاية.

 

 

 

الرافضة هم سرطان الأمة بامتياز، فتاريخهم حافل بالخيانة والعمالة، وجرائمهم بحق الأمة الإسلامية كثيرة لا يكاد يخلو منها عصر، فهم النكبة التي كانت ومازالت تضرب في بنيان الأمة، والداء الذي ينخر في عظامها منذ قرون، وحجم الكيد والتآمر الرافضي أكبر وأخطر مما يجول بخاطر أشد المتشائمين والمتخوفين من هذا الكيان السرطاني الخبيث. وهذه واحدة من أكبر وأشد الضربات الرافضية التي وجهت للأمة الإسلامية في العصور الوسطى. وأحداث هذه المعركة تقع في خطين متوازيين في نفس الوقت تقريبًا يتضح من خلالها الأصابع الخفية التي تعبث في الظلام من أجل هدم محاولات إحياء الخلافة السنية، وهذا الكيد ما هو إلا حلقة من سلسلة طويلة من الكيد الشيعي بأهل السنة، والتآمر الرافضي الصليبي من أجل القضاء على أهل السنّة، وإن تستر بأسماء مختلفة، وتقنع بأقنعة متعددة.

 

تيمور لنك من سرقة الأغنام إلى سرقة الدول:

في إحدى قرى مدينة (كش) ولد تيمور في (25 من شعبان 736 هـ -8 من إبريل 1336م). ومدينة كش تسمى اليوم شهرسبز، أي المدينة الخضراء بالفارسية، وتقع جنوبي سمرقند في أوزبكستان. عاش تيمور أيام صباه بين أفراد قبيلته (البرلاس) الأوزبكية. ويقال انه أمه من سلالة جنكيز خان وأتقن فنون الحرب الشائعة عند القبائل الصحراوية من الصيد والفروسية ورمي السهام، حتى غدا فارسًا ماهرًا، متقنًا لرمي السهام. واعتنق المذهب الشيعي على يد داعية شيعي اسمه "السيد بركة" التقى به في بلدة بلخ. وكان لبركة دوراً هاماً في الفترات اللاحقة في تشجيع تيمور لنك على غزواته ضد أهل السنّة، خاصة أهل السنّة التتار والقوقازيين.

 

بدأ حياته لصاً يسرق الأغنام والأبقار من المراعي، ويقود مجموعة من المغامرين والسفلة، فسرق في بعض الليالي غنمة وحملها ليهرب بها، فانتبه الراعي وضربه بسهم فأصاب كتفه، ثم ردفه بآخر فأصاب فخذه وعمل فيه الجرح الثاني الذي في فخذه حتى عرج منه؛ ولهذا سمي تيمور لنك، لأن (لنك) باللغة الفارسية أعرج. ولما تعافى أخذ في مواصلة السرقة على عادته وقطع الطريق، وصحبه في ذلك جماعة عدتهم أربعون رجلاً، حتى اشتهر أمره، وخافه الناس.

 

وعندما تُوفِّي (كازخان) آخر إيلخانات تركستان سنة (758هـ / 1357م)  قام  صاحب (كاشغر) بغزو بلاد ما وراء النهر، وجعل ابنه (إلياس خوجه) قائدًا للحملة، وأرسل معه تيمور وزيرًا، ثم حدث أن ساءت العلاقة بين الرجلين، ففرَّ تيمور، وانضم إلى الأمير حسين حفيد كازخان آخر إيلخانات تركستان، وتقرب إليه.

ولا زال يترقى بعد ذلك من وظيفة إلى أخرى حتى عظم وصار من جملة الأمراء، وتزوج بأخت الأمير حسين، ثم انقلب على إلياس خوجه وحاربه حروباً طويلة انتهت بمقتل إلياس، ثم انقلب على صهره الأمير حسين، وقتله وقتل زوجته أخت الأمير حسين، واستولى على سمرقند وأعلنها عاصمة لدولته سنة 771 هـ.

 

ابتداءً من سنة 773 هـ حتى سنة 803 هـ أي لمدة ثلاثين سنة متصلة شن تيمور لنك سلسلة متواصلة من الحروب الطاحنة ضد جيرانه المسلمين من أجل توسيع دولته وإقامة الخلافة العلوية واستعادة حق آل البيت –بزعمه– وكان يقول: " أنه يجب ألا يوجد سوى سيد واحد على الأرض طالما أنه لا يوجد إلا إله واحد في السماء" وقد اتصف بالشجاعة والعبقرية الحربية والخسة السياسية والقسوة المفرطة، وكان قبل أن يقرر أمر يقوم يجمع المعلومات ويرسل الجواسيس ثم يصدر أوامره بعد صبر وتأنٍ بعيداً عن العجلة وكان من الهيبة بحيث أن جنوده كانوا يطيعون أوامره أياً كانت. وكان يحلم بدولة تحكم نصف العالم من بحر الصين شرقاً إلى المحيط غرباً، والخليج جنوباً، وروسيا شمالاً. استولى على خراسان كلها والعراق والشام والهضبة الإيرانية بأسرها، وغزا الهند وروسيا والقوقاز والأناضول، ولم يترك ملكاً ولا أميراً ولا سلطاناً ولا خان ولا زعيماً شهيراً أو معروفاً إلا حاربه، وقتله أو أسره أو أخضعه؛ ليشفي غليل الانتقام والرغبة الجنونية في السيطرة على العالم، والحق أنه كان يتظاهر باسترجاع حق آل البيت، ولكنه أقرب إلى استعادة أمجاد التتار وجنكيز خان. 

 

القسوة والوحشية كانت أبرز سمات وأدوات تيمور لنك في محاربة خصومه، وسجل جرائمه زاخر بالجرائم الوحشية والمذابح المروعة التي عامل بها البلدان المقهورة والتي جعلت منه أسطورة مرعبة لازالت ذكراها المريرة في ذاكرة الشعوب إلى اليوم، في عام 785 هاجم تيمور مدينة سبزوار في خراسان و قد استمات أهل سبزوار في الدفاع عن مدينتهم و لكن في نهاية الأمر استولى تيمور على المدينة وأمر برفع الراية السوداء و معناها الأمر بالقتل العام الذي استمر حتى الغروب ثم أمر بعد القتلى من أهل المدينة فكانوا 90 ألف قتيل عندئذ أجبر تيمور الباقين على قيد الحياة من أهالي المدينة بفصل رؤوس القتلى عن أجسادهم و أمر المعماريين و المهندسين في جيشه بأن يبنوا برجين من هذه الرؤوس وقد قام هؤلاء بتنفيذ أمره بحيث كانوا يستعملون الرؤوس كالآجر مستعملين الملاط في ذلك و تكون سيماء كل وجه إلى الخارج بحيث أن الناظر يرى برجين من الوجوه و جعلوا في كل برج درجاً لكي يضيئوا مصباحاً عليه ليلاً وعندما أكملوا البناء وضع تيمور لوحة أمام كل برج كتب عليها بأمر تيمور بني هذا البرج من روؤس أهالي سبزوار ولم يكتف تيمور بهذا فأمر بدفن 2000 رجل من الأسرى وهم أحياء ثم أمر بتسوية المدينة بالأرض؛ لكي لا تتجرأ المدن الأخرى على مقاومته و قد توغل تيمور بعد ذلك في إيران حتى وصل إلى أصفهان وقد قام أهلها بمقاومته ببسالة ذكرها المؤرخون في كتبهم و استعصت المدينة عليه لعدة أشهر لضخامة أسوارها ولكنه تمكن في النهاية من الدخول إليها وقد قاومه أهلها من شارع إلى شارع ومن منزل إلى منزل وقتلوا عدداً كبيراً من جنوده فأمر تيمور بتهديم المنازل وأن يقتلوا كل موجود حي في المدينة وقد نفذ جنوده أوامره بحذافيرها فكانت مجزرة يندى لها جبين الإنسانية، ثم قام تيمور بهدم مساجد المدينة بدعوى انحرافها عن القبلة الصحيحة، ثم أمر ببناء 24 منارة من هذه الرؤوس تركها خلفه؛ لكي تكون عبرة لكل من يجرؤ على مقاومته. وفعل مثل ذلك في بغداد وحلب ودمشق، وغزا الهند وفعل فيها كل هذه الأفاعيل وأسقط دولة آل تغلق المسلمين في الهند، بدعوى أنهم متساهلون مع الهندوس. ولم يسلم من شره سوى المماليك، فقد كان يخاف من السلطان الظاهر برقوق، فلما مات حاول غزو مصر ولكن السلطان فرج بن برقوق رده عنها، وكان المماليك وحدهم فقط من ثبت أمام تيمور لنك، كما فعل أسلافهم المماليك الأوائل أيام السلطان العظيم قطز عندما دحر التتار في عين جالوت سنة 658هـ.

 

السلطان بايزيد الصاعقة ومحاولات فتح القسطنطينية:

في الوقت الذي كان تيمور لنك مشغولاً بمحاربة جيرانه المسلمين في الهند وخراسان والقوقاز، كانت الدولة العثمانية تبني قواعد المجد الإسلامي من جديد، وتجدد حيوية الجهاد الإسلامي الخالص ضد العالم الصليبي، وفي سنة 791 هـ تولى سلطنة العثمانيين "بايزيد" الملقب بالصاعقة؛ لسرعة انقضاضه على الخصوم، وحماسته في القتال، ونشاطه وخفة حركته بالجيوش الغازية. افتتح عهده بتوحيد إمارات الأناضول في سنة (793هـ- 1391م)، حيث استطاع بايزيد أن يضمَّ إمارات: منتشا، وآيدين، وصاروخان دون قتال، وذلك بِنَاءً على رغبة سكان هذه الإمارات، وقد لجأ حُكَّام هذه الإمارات إلى إمارة إصفنديار، كما تنازل له أمير القرمان علاء الدين عن جزء من أملاكه بدلًا من ضياعها كلها، وقد اشتهر علاء الدين هذا بالغدر والخيانة، وأخبارُ جرائمه أيام السلطان مراد الأول مشهورة؛ لذلك فلم يكن مستغربًا على هذا الرجل أن يثور مرَّة أخرى أيام بايزيد، مستغلاً انشغاله بالجهاد في أوروبا، حيث قام علاء الدين بالهجوم على الحاميات العثمانية وأَسَرَ كبار قادة العثمانيين، واستردَّ بعض الأراضي، فعاد بايزيد بسرعته المعهودة وانقضَّ كالصاعقة على علاء الدين، وفَرَّق شمله، وضمَّ إمارة القرمان كلها إلى الدولة العثمانية، وتبعتها إمارة سيواس وتوقات، ثم شقَّ بايزيد الأول طريقه إلى إمارة إصفنديار، التي تحوَّلت إلى ملجأ للأمراء الفارِّين، وطلب بايزيد من أمير إصفنديار تسليم هؤلاء الثوَّار فأبى، فانقضَّ عليه بايزيد الصاعقة وضمَّ بلاده إليه، والتجأ الأمير ومَنْ معه إلى تيمور لنك.

 

أما على الجبهة الأوروبية فقد حقق بايزيد انتصارات عظيمة، وحاصر القسطنطينية وفتح بلاد الأفلاق (رومانيا) وجعل بلاد البلغار ولاية عثمانية، وتوجه لبلاد المجر، فاستغاثت أوروبا بالبابا فأعلن البابا حربًا صليبية على الدولة العثمانية المسلمة، ودعا أمراء أوروبا للجهاد ضد المسلمين والتقى الجيشان في شمال بلغاريا وانتصر المسلمون انتصارًا هائلاً طارت أخباره في العالم بأسره، وتُعتبر معركة نيكوبوليس بالنسبة إلى نصارى أوروبا أعظم كارثة على الإطلاق في العصور الوسطى، وبلغ السلطان بايزيد قمَّة مجده بعد تلك المعركة، وفي نشوة الفرح والانتصار أعلن السلطان: "أنه سيفتح إيطاليا -بإذن الله- وسيُطعم حصانه الشعير على مذبح كنيسة القديس بطرس في روما".   

 

استطاع "بايزيد" أن يشدد النكير على الإمبراطورية البيزنطية وأن يفرض على الإمبراطور أن يعين قاضياً في (القسطنطينية)؛ للفصل في شؤون المسلمين وما لبث أن حاصر العاصمة البيزنطية وارتضى الإمبراطور إيجاد محكمة إسلامية وبناء مسجد وتخصيص 700 منزل داخل المدينة للجالية الإسلامية، كما تنازل لبايزيد عن نصف حي غلطة الذي وضعت فيه حامية عثمانية قوامها 6.000 جندي وزيد الجزية المفروضة على الدولة البيزنطية، وفرضت الخزانة العثمانية رسوماً على الكروم ومزارع الخضروات الواقعة خارج المدينة. وأخذت المآذن تنقل الأذان إلى العاصمة البيزنطية.

 

بوادر الصدام:

بعد الانتصار العظيم الذي حققه العثمانيون في معركة (نيكوبوليس) ثبت العثمانيون أقدامهم في البلقان، حيث انتشر الخوف والرعب بين الشعوب البلقانية، وخضعت البوسنة وبلغاريا إلى الدولة العثمانية واستمر الجنود العثمانيون يتتبعون فلول النصارى في ارتدادهم. وعاقب السلطان "بايزيد" حكام شبه جزيرة المورة الذين قدموا مساعدة عسكرية للحلف الصليبي وعقاباً للإمبراطور البيزنطي على موقفه المعادي طلب بايزيد منه أن يسلم (القسطنطينية) وإزاء ذلك استنجد الإمبراطور "مانويل" بأوروبا دون جدوى. والحق أن الاستيلاء على (القسطنطينية) كان هدفاً رئيسياً في البرنامج الجهادي للسلطان "بايزيد الأول". ولذلك فقد تحرك على رأس جيوشه وضرب حصاراً محكماً حول العاصمة البيزنطية وضغط عليها ضغطاً لا هوادة فيه واستمر الحصار حتى أشرفت المدينة في نهايتها على السقوط -بينما كانت أوروبا تنظر سقوط العاصمة العتيدة بين يوم وآخر إذا السلطان ينصرف عن فتح (القسطنطينية)؛ لظهور خطر جديد على الدولة العثمانية.

 

كان من الطبيعي لرجل مثل تيمور لنك وهو صاحب شخصية طموحة ومهووسة بجنون العظمة والسيطرة، أن يصطدم برجل مثل بايزيد الصاعقة لكل خلاله وصفاته وإنجازاته العسكرية. ولكن بدأ الموضوع بتحريض من حكام إمارات الأناضول الفارين من سيف بايزيد سنة 793 هـ، وكان جلهم من التتار، أي من نفس أورمة تيمور لنك، أيضاً عندما رحل تيمور لنك عن بغداد بعد أن دمرها وأمعن السلب والنهب فيها وسار حتى نزل قراباغ بعد أن جعلها دكاً خراباً، ثم كتب إلى بايزيد الأول أن يخرج السلطان أحمد بن أويس، وقرا يوسف من ممالك الروم –وكانا قد فرا إلى الدولة العثمانية ودخلا في حماية بايزيد الصاعقة- وإلا قصده وأنزل به ما نزل بغيره. فرد بايزيد جوابه بلفظ خشن للغاية وقص لحية مندوب تيمور وأرسل إليه رسالة مهينة وقال: إنه يعرف أن هذا القول يدفع تيمور لنك إلى مهاجمة بلاده فإن لم يفعل تكون زوجاته مطلقات؛ مما أثار تيمور لنك بشدة. وعزم على قتال العثمانيين وتدمير دولتهم.  

 

معركة سهل أنقرة:

 

في تلك اللحظات الفاصلة في التاريخ التي وقفت فيها جيوش الدولة العثمانية المسلمة على أعتاب فتح القارة الأوروبية الصليبية بأكملها في الشمال والغرب تعرضت الدولة لإعصار مضاد جاءها من الجنوب والشرق حيث أيقن آنذاك "تيمور لنك" أنه يمكنه أن يطمئن على ملكه عن اليمين وعن الشمال فأرسل إلى بايزيد إنذاراً نهائياً؛ لتسليم الأمراء الفارين عنده. ثم تقدم بجيوشه الجرارة نحو مقاطعة سيواس فأباد حاميتها وكان على رأسها أرطغرل بن بايزيد، ثم أمر بدفن ثلاثة آلاف عثماني أحياء في الخنادق، ودمر المدينة تدميراً شاملاً. فاضطر السلطان بايزيد؛ لسحب قواته وفك الحصار عن القسطنطينية و أوقف "بايزيد" تقدمه في أوروبا ورفع الحصار عن (القسطنطينية) واتجه جنوباً لمواجهة التتار بنفسه ومعه بقية القوات العثمانية،  ولكن سلطان العثمانيين الذي زادت ثقته بنفسه بفضل انتصاره في معركة (نيكوبوليس )، أجاب بأنه سوف يسحق جيش التتار، والثقة الزائدة عادة ما تؤدي إلى عواقب وخيمة وهو ما جرى مع بايزيد وجيشه.

 

فقد سار بايزيد الأول بعساكره على أنه يلقى تيمور خارج سيواس تاركاً معسكره الحصين بالقرب من أنقرة، يريد أن يرد تيمور لنك عن عبور أراضي دولته. لأن بايزيد الأول كان لا يطيق أن يترك تيمور لنك يسير في أراضي دولته ويتركه يمعن السلب والنهب في مدنه. كما أنه كان يخشى من ثورة الأقاليم المسيحية في البلقان إذا هو أطال الغياب عنها. فسلك تيمورلنك طريقاً غير الطريق الذي سلكه بايزيد الأول واختار الطريق الأطول، ومشى في أرض غير مسلوكة، ودخل بلاد ابن عثمان، ونزل بمعسكر بايزيد الأول بالقرب من أنقرة وضرب الحصار حولها. فلم يشعر بايزيد الأول إلا وقد نهبت بلاده، فقامت قيامته وكر راجعاً، وقد بلغ منه ومن عسكره التعب مبلغاً أوهن قواهم، وكلت خيولهم، وهلكو من العطش والإنهاك مما جعل موقف الجيش العثماني باعثاً على اليأس فلقد خسرو المعركة قبل أن تبدأ كما قال المؤرخون.

 

وفي يوم 19 ذي الحجة 804 هـ / 20 يوليو 1402م اصطدم الجيشان في شمال شرقي مدينة أنقرة عند سهل "شيبو كاد" ولم يجرؤ بايزيد على الانتظار حتى يأخذ الجيش راحته والحصول على الماء فاسند قيادة الجناح الأيمن إلى صهره الصربي لازاروفك وفرسانه ثقيلي العدة والجناح الأيسر إلى ابنه سليمان على رأس قوات من مقدونيا وآسيا الصغرى. أما في القلب فقاد بايزيد الأول بنفسه قواته من الإنكشارية والسيباهي (سلاح الفرسان) وكان بجيش تيمورلنك حوالي 30 فيلاً من الهند بالصفوف الأمامية واستعمل الفريقان النيران الإغريقية.

 

فلما بدأ القتال كان أول بلاء نزل ببايزيد الأول خيانة التتار بأسرها له، وكان أول من غادر أرض المعركة هم تتار الصاروخان والأيدين والمنلشيا والقرمان. وكان انضمامهم في الأصل لجيش بايزيد من الأخطاء الاستراتيجية له -رحمه الله-، فقد كانوا حديثي طاعة للعثمانيين، وبينهم وبين الأتراك فصول طويلة من العداوة والصراع، وكان ينبغي ألا يضمهم في مثل هذه الصدامات الكبرى، ولو اكتفوا بالهروب من جيش بايزيد الأول لما كانت الخسارة فادحة ولكن الذي زاد من فداحة الأمر هو استمرارهم في القتال مع جيش تيمور لنك وهاجموا الجناح الأيسر للجيش التركي من الخلف الذي كان يقوده سليمان بن بايزيد الأول وكانت جيوش تيمورلنك تسدد الضربات القاسية إلى ذلك الجناح من الأمام.

 

سوء اختيار موقع القتال، والعجلة في الصدام قبل الراحة والاستعداد البدني، وخيانة أمراء التتار، والتفاوت الكبير بين الجيشين –العثمانيون 120 ألف والتتار 800 ألف– كلها أمور أدت في النهاية لهزيمة مروعة لبايزيد ووقوعه في الأسر هو وأحد أبنائه، ومقتل واحد وفقدان الثالث، وفرار الرابع، وتمزق الدولة العثمانية، وعودة الأناضول لإمارات مفككة. لقد كانت الصدمة شديدةً جدًّا على المسلمين في أنحاء الأرض، حتى إن تيمورلنك قام بفتح بعض البلاد الساحلية الصليبية، ودك أسوار أزمير وانتزعها من أيدي فرسان القديس يوحنا، محاولًا بذلك أن يُبَرِّر موقفه أمام الرأي العام الإسلامي، الذي اتهمه بأنه وَجَّه ضربة قاضية وشديدة للإسلام حين قضى على الدولة العثمانية وقضى على السلطان المجاهد العظيم الصاعقة بايزيد الأول.

 

وفي الأسر تعرض السلطان بايزيد لمعاملة قاسية مهينة، حيث تعمد الطاغية تيمور لنك إذلاله بوضعه في قفص والسير به عبر أراضي الدولة العثمانية، كما أجبر زوجته الصربية على خدمة الضيوف وهي عارية من ملابسها، وقد أثر ذلك بشدة على نفسية السلطان بايزيد حتى مات كمداً وغماً مما آل إليه حاله بعد وقوعه في الأسر بعدة شهور، وما ترويه المصادر الأوروبية عن أن بايزيد قد انتحر محض افتراء وكذب.

 

تعد معركة سهل أنقرة أكبر معركة وقعت في أواخر القرون الوسطى، حيث كانت بين أكبر ملوك العالم وقتها، وقد فرحت أوروبا الصليبية فرحاً شديداً بهزيمة بايزيد ومصرعه، ودقت الأجراس في كنائس أوروبا احتفالاً بانتصار تيمور، وبعث إليه "هنري الرابع" ملك إنجلترا بالتهنئة، كما أوفدت إليه فرنسا أسقفاً يحمل الهدايا. وأرفد إليه هنري الثالث ملك قشتالة بعثة شهيرة برياسة روى جو نز اليز كلا فيجو. وهكذا طويت صفحة من أخس وأخبث صفحات التآمر الرافضي ضد أهل السنّة، ولكن بثمن باهظ ومكلف للغاية.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات