مفهوم الحضارة

محمد ضيف الله‏ بطاينة

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: تفسير التاريخ

اقتباس

والمنحى الذي يذهب ابن خلدون إليه في مدلول لفظ الحضارة يشير إلى استعماله لفظ الحضارة للدلالة على نوع معين من الحياة يشبه إلى حد كبير مدلول لفظ " المدنية " في العصر الحاضر عند بعض الباحثين الذين يرون المدنية مجموعة المظاهر المادية التي تمثل مستوى إشباع الحاجات الإنسانية في المجتمع

 

 

 

 

تلفظ الحضارة بكسر الحاء وفتحها، وهي مشتقة من الفعل حضر، وحضر لغة ضد غاب، ومنه الحضر والحاضرة والحضرة والحضارة بمعنى المدن والقرى والريف.

وسميت بذلك لأن أهلها حضروا الأمصار ومساكن الديار التي يكون لها بها قرار أي سكن و إقامة، وعليه كانت الحضارة لغة تعني: الإقامة في الحضر، خلافا للبادية التي يمكن أن تكون قد اشتقت من الفعل المجرد "بدا" ومضارعه "يبدو" أي: برز وظهر، ثم أطلق اللفظ على المكان وصارت تعني الإقامة خارج الحضر، واستعمل القطامي لفظ الحضارة ولفظ البادية بمعناهما اللغوي السابق في قوله:

ومن تكن الحضارة أعجبته *** فأي رجال بادية ترانا

وجاء في الحديث الشريف "لا يبع حاضر لبادٍ"، ولما سئل عبد اللّه‏ بن عباس عن ذلك قال: "لا يكون الحاضر سمساراً له"، وهذا منهي عنه لما فيه ضرر المشتركين، فإن المقيم إذا توكل للقادم في بيع سلعة الناس إليه، والقادم لا يعرف السعر ضرّ ذلك المشتري فقال عليه السلام: "دعوا الناس يرزق اللّه‏ بعضهم من بعض" وهذه إشارة إلى ما بين البداوة والحضر من اختلاف.

غير أن اللفظ إلى جانب مدلوله اللغوي، صار يستعمل اصطلاحا للدلالة على معاني أخرى اختلف المشتغلون بالدراسات الحضارية فيها.

ففي الماضي استخدم ابن خلدون لفظ " العمران ": للدلالة على مستوى الحياة التي يحياها الناس، وعدّ الحضارة غاية العمران ومنتهاه، خلافا للبادية التي تمثل أول العمران ومبتداه، وفي مرحلة الحضارة يكون الناس، برأي ابن خلدون، بلغوا حالة زائدة على الضروري من أحوال معاشهم تمكنهم من التفنن والترف وإحكام الصنائع المستعملة في وجوه الترف ومذاهبه من المطابخ والملابس والمباني والفرش وسائر عوائد المنزل وأحواله وما تستدعيه أصناف الصنائع المستعملة من القومة والمهرة فيها مع ما يسيغه تكرار هذه الصنائع على اتصال الأيام من استحكام ورسوخ لها.

والمنحى الذي يذهب ابن خلدون إليه في مدلول لفظ الحضارة يشير إلى استعماله لفظ الحضارة للدلالة على نوع معين من الحياة يشبه إلى حد كبير مدلول لفظ " المدنية " في العصر الحاضر عند بعض الباحثين الذين يرون المدنية مجموعة المظاهر المادية التي تمثل مستوى إشباع الحاجات الإنسانية في المجتمع.

وفي العصر الحاضر تناول اللفظ باحثون ألمان وفرنسيون وانجليز وأمريكان وغيرهم، ثم باحثون عرب ومسلمون، وقد اتفق أكثرهم عند قدر من الظواهر الاجتماعية هي السلوك والعقائد والنظم، عدّوه داخلا في مدلول لفظ الحضارة ثم اختلفوا من بعد ذلك في مقدار ما يدخل من الظواهر الاجتماعية تحت ذلك المدلول، فقد ذكر "ول ديورانت" الأمريكي أن الحضارة نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، وذكر راتناو (Rathnau) وكسيرلنج (Keyserling) وتوماس مان (Tomas mann) وهم باحثون ألمان، أن الحضارة هي الروح العميقة للمجتمع وتقوم على تأكيد الأصالة الروحية والحقيقة الفلسفية والعاطفية للإنسان، وقال ماكيفر (Maciver) إن الحضارة هي ما نحن لا ما نستعمل وتتمثل في الفنون والآداب والديانات والأخلاقيات أما الانثروبولوجي الانجليزي ادوارد ب. تايلور: (Edward, Burnett Tylor) فقد قال: إن حضارة أي مجتمع هي كل معقّد مكوّن من المعرفة والعقيدة، والفن والأخلاق والقانون والتقاليد.

نجد مما سبق أن هؤلاء الباحثين يميلون إلى إبعاد ما يتصل بالفنون الصناعية والعلوم الطبيعية والرياضيات وأمثالها من مجال مدلول الحضارة، بينما نجد الباحثين الفرنسيين، مثل: دركهايم ومارسيل موسن يفصلون في الغالب بين عناصر أنشطة المجتمع المختلفة من فكرية وتكنولوجية وغيرها ويتحدثون عنها جميعا تحت عنوان "المدنية" اللفظ الرديف للفظ الحضارة عند بعض الباحثين.

ونأتي في خاتمة المطاف على قول الذين يرون الحضارة مستوى التقدم الذي بلغه المجتمع في ميدان الفكر والاجتماع والاقتصاد والتكنولوجيا لنخلص من بعد ذلك إلى القول الذي سنتخذه أساسا في هذا الموضوع ونقيم هذه الدراسة عليه.

مما سبق، نجد الباحثين ينقسمون في مدلول لفظ الحضارة فريقين:

أ/ فريقاً يرى الحضارة تعني مجموعة المظاهر الفكرية والمادية في المجتمع،
ب/ وفريقاً يرى الحضارة تعني المظاهر الفكرية فحسب في المجتمع، ومع القول بأن الفصل الحاد والتفرقة الدقيقة بين مدلولات الألفاظ في المجال الاجتماعي أمر بعيد التحقيق فلا بد من التماس مدلول لمصطلح الحضارة يتوخي فيه المطابقة للواقع قدر المستطاع.

إن القول بوجود أمة ووجود مجتمع يعني بالضرورة وجود ما يميز الأمة عن غيرها من الأمم ووجود ما يميز المجتمع عن غيره من المجتمعات، رغم التشابه الذي يكون بين الأمم والمجتمعات، وكذلك لا يضير التمايز بين الأمم تسرب بعض الظواهر الاجتماعية من أمة إلى أمة، ومن مجتمع إلى مجتمع، وظهورها في المجتمع الجديد جنبا إلى جنب مع العناصر الاجتماعية الأولية فيه، ما دام جسم المجتمع الكلي يظل محتفظا بسماته العامة التي تحفظ المجتمع وعلى الأمة شخصيتها التي تميزها عن غيرها من الأمم والمجتمعات، وإذا أمعنا النظر لاستكشاف القواعد الأساس التي تظل على الدوام، تمد شخصية الأمة بالرواء وتهبها القوة والبقاء، نجدها ماثلة في طريق الأمة في الحياة، وهي طريق تشكل عقيدة الأمة، قاعدتها وتشكل القوانين والأنظمة والأفكار القائمة على هذه العقيدة فروعها، وعليه:

فإن حضارة أية أمة هي مجموعة المفاهيم الموجودة عند الأمة حيال الكون والإنسان والحياة ـ وبمعني آخر عقيدة الأمة -، وما ينبثق عن هذه المفاهيم - أي عن العقيدة -، من قوانين وأنظمة وأفكار تعالج المشكلات المتعلقة بأفراد الناس وجماعاتهم في المجتمع وما يتصل بهم من مصالح تعود عليهم، فعقيدة الأمة وما ينبثق عنها من حلول لمشكلات الأمة على شكل قوانين وأنظمة وأفكار، هي التي تمنح الأمة شخصيتها الحضارية المتميزة، ويمكن أن تكون برأينا مدلول مصطلح لفظ الحضارة، وعند تبني هذا المدلول للفظ الحضارة يجد المرء سهلا معرفة ما بين الحضارات الغربية والمادية والإسلامية من فروق ويدرك سرّ التمايز بينها.

نشوء الحضارة:

على أن ذلك لا يعني إسقاط العلاقة بين المظاهر المادية والمظاهر الفكرية في حياة الأمة وحضارتها، كما لا يعني نفي التأثير المتبادل بينهما سلبا وإيجابا، فقد تكون المفاهيم والأفكار لدى أمة من الأمم على درجة من المحدودية والضيق الذي يعيق تقدم المظاهر المادية ويربك البحث والاستقصاء في طبيعة الأشياء وخصائصها، ويجعل معه وسائل الانتفاع بالحياة ضعيفة بدائية، والنكد الذي تورثه المفاهيم والأفكار في هذه الحالة لا سبيل إلى إخفائه، وإحساس الناس بجرمه ومساوئه لا يدفع بالتأويلات.

ومن جهة أخرى فقد تطورت المظاهر المادية كثيراً بتقدم العلم وقضاياه وصرنا نشهد ذلك في مجالات العمران والاتصالات وغيرها، وجني الفكر من ذلك خيراً عميما، وانتفعت الأنظمة والأفكار والمفاهيم إنْ في ميدان السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية، أو في مجال المحاكم والإدارة والأمن ومؤسسات التعليم بتقدم العلم وثماره من المظاهر المادية كثيرا، وصار بإمكان الفكر أن يجد، إذا أحسن استعمال عطاء العلم، صورته في الحياة العملية أوضح وأكثر امتداداً، ومع وجود هذا التأثير المتبادل بين المظاهر الفكرية والمادية فإن هناك نكهة خاصة، وشخصية معينة، تتميز بها حضارة كل أمة دون غيرها، وتتمثل بما عند الأمة من عقيدة وما ينبثق عنها من الأفكار والأنظمة.
وفيما يلي استعراض لأهم الآراء والنظريات التي تدور حول نشوء الحضارة:

1 ـ نظرية البيئة:
تذهب نظرية البيئة إلى تأكيد دور عامل البيئة في نشوء الحضارة، وقد ظهرت هذه النظرية عند مفكري اليونان منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وربما كان لظروف العالم اليوناني آنذاك دور في تبني هذه النظرية، إذ تميز العالم اليوناني وقتها بتعدد ثقافاته وقلة تنوع شعوبه، الأمر الذي جعل مفكري اليونان يعزون تنوع الثقافات إلى عامل بيئي فقالوا بأثر الجو والماء والموقع على الإنسان في خلقه وتفكيره، وميزوا على سبيل المثال بين أهل الجبال الذين وصفوهم بالبنية الضخمة والشجاعة والقدرة على الاحتمال ونقاء اللون، وأهل الأراضي المنخفضة الحارة الرطبة الذين وصفوهم بالأجسام الكبيرة المترهلة والألوان القاتمة وسرعة الغضب وضعف الاحتمال.

وقد تأثر ابن خلدون في مقدمته بنظرية البيئة وأورد كثيراً من الأحكام المبنية عليها، فذكر أثر البيئة على جلد الإنسان سوادا و بياضا، وعلى العيون زرقة وغير زرقة، وعلى الشعر صهوبة وغير صهوبة، وعلى البدن في لونه صفاءاً وانكسافاً وغلظة ولطافة ورقة، وعلى الشكل نقاءاً وبشاعة، وعلى الخلق حسنا وقبحا، وعلى التدين قوة وضعفا، وعلى العقل فطنة وذكاءاً وبلادة وغباءاً. وميّز بين أثر الأقاليم المعتدلة في ذلك وأثر المنحرف منها، وقال: إن اعتدال مناخ الإقليم يجعل حياة الناس فيها معتدلة فأهله أعدل أجساما وأخلاقا على عكس أهل الأقاليم المنحرفة، فالدين عندهم مجهول والعلم مفقود وأحوالهم قريبة من أحوال البهائم بأمزجتهم وأخلاقهم.

إن القول بارتباط الحضارة بالبيئة ارتباط العلة بالمعلول والسبب بالمسبب: مجانب للواقع، إذ يقتضي هذا القول أن كل بيئتين متشابهتين لا بد من أن تقوم عليهما حضارتان متشابهتان وهو ما لا يؤيده دليل تاريخي، فضلا عن أن بروز دور البيئة وأثرها علي الإنسان كان أوضح في الماضي منه في الحاضر، أما اليوم فالناس يعيشون في عصر تتجلى فيه زيادة قوة الإنسان وقدرته في تسخير البيئة لأغراضه والانتفاع منها لمصالحه، مما لا يجعل أدنى شبهة للتعلق بنظرية البيئة واعتبارها المسئول عن نشوء الحضارة، هذا فضلا عن دور النظم الفعالة في حياة المجتمع وتأثيرها فيه.

2 ـ رأي ابن خلدون:
بالرغم من وقوع ابن خلدون تحت تأثير آراء مفكري اليونان في تأكيد دور البيئة في قيام الحضارة فإنه يقدم في موضع آخر من مقدمته تفسيرا لنشوء الدولة في حياة الناس، ولما كان الارتباط بين الدولة والحضارة قائما رأينا أن نورد قول ابن خلدون في هذا المقام.
يرى ابن خلدون أن اجتماع البشر ضرورة تحتمها متطلبات الحياة التي يعجز الفرد الواحد عن الإحاطة بها، فكان لا بد لبني البشر من التعاون الذي هو أساس الاجتماع البشري، غير أن هذا الاجتماع لا يسلم من وقوع الخلاف والقتال بين الأفراد لتعارض المصالح بينهم، يعقبه قيام الفريق الغالب بتنصيب نفسه فيصلاً في شؤون الناس وقضاياهم وجلوسه فيهم مجلس الحاكم بينهم، وهذا النوع من الملك يعرف بـ"الملك الطبيعي" الذي يجري فيه حمل الناس وسوقهم على مقتضى غرض الحاكم وشهوته، لذلك يأتي الظلم والجور والإضرار بمصالح الناس وتكليفهم فوق ما يحتملون فتقع النفرة والعداوة ويحملهم ذلك على العصيان والمنازعة، ثم يقع القتل، ولا تزال هذه حالهم حتى ينجحوا في الوصول إلى وضع أساس تتولى جماعة العقلاء والبصراء منهم بلورته وإخراجه، يجعلونه المرجع في تصريف شؤونهم وتدبير مصالحهم، وهذا النوع من الحكم يعرف بـ"الملك السياسي" الذي يجري فيه حمل الناس على مقتضى النظر العقلي، غير أن هذا الحكم لا يظهر معنياً بما للحياة البشرية من علة سابقة عليها. لذلك فإن الملك السياسي وإن كان أرفع قدراً من الملك الطبيعي، مشوب بالعيوب التي لا يمكن إغفالها أو إهمال دورها في شقاء الحياة البشرية، ومن هنا جاءت "السياسة الدينية" التي تأخذ بعين الاعتبار رعاية مصالح الناس في الحياة الدنيا والآخرة أتم وأكمل، وهذا النوع يعرف بـ"الخلافة" التي يجري فيها حمل الناس على مقتضى الشرع في مصالحهم الأخروية والدنيوية العائدة إليها.

3 ـ نظرية فيكو:
قام الفيلسوف الإيطالي جان باتيستا فيكو (1668 ـ 1744 م) بدراسة التقاليد الميثولوجية والأساطير الشعبية والقصائد القديمة مثل قصائد هوميروس والتشريعات البدائية مثل تشريعات الأثني عشر لوحا، وانتهى من ذلك إلي وضع نظرية "الدورات التاريخية" في كتابه "العلم الجديد ومبادئ فلسفة التاريخ".

حاول فيكو من خلال النظرية أن يبين القوانين التي يتعين بها مصير الشعوب من نشأتها وتقدمها ورقيها إلى انحطاطها ونهايتها، فقال بوجوب قوانين واحدة تدخل في تشكيل الشعوب ويشعر بوجودها طبقة من الناس أو شعب من الشعوب أو أمة من الأمم دون أن يعرف أحدهما الآخر دون أن تكون هذه القوانين ناجمة عن العقل بل تكون آتية عن الحس المشترك أي "الحكم دون تفكير".

ونتائج فيكو في هذا السبيل، تتعارض مع ما توصل إليه الفلاسفة ‏العقليون الذين يرون المجتمع من صنع الناس العقلاء خلافا لفيكو الذي لا يتصور وجود عقلاء وفلاسفة قبل وجود دولة وحضارة، ويري فيكو أن البشرية تمر في تطورها التاريخي حسب التسلسل التالي:

* مرحلة عصر الآلهة، حيث يعتقد الناس أن الآلهة تدبر كل شيء.د
* ثم تعقبها مرحلة الدور البطولي، حيث تظهر دور الشخصيات المهمة القوية.
* ثم يليها دور الحقيقة، حيث تسود المساواة الطبيعية بين الناس وتسود القوانين التي يتساوي فيها الجميع.
* ثم تصاب الحضارة بالانتكاس وتعود إلى بربرية جديدة لا تلبث أن تنبثق عنها حضارة جديدة تعود فتنهار وتعود البشرية إلى البربرية وهكذا دواليك.

4 ـ نظرية الجنس أو العرق:
يستخدم اصطلاح الجنس للتعبير عن توافر بعض صفات مميزة وموروثة في جماعات معينة من البشر، ويرى أصحاب نظرية الجنس اللون الصفة البدنية التي يعوّل عليها أكثر من غيرها، ويرون أن التفوق مسألة ترتبط باللون، وتضع النظرية بهذا الخصوص (السلالة النوردية) على منصة الشرف، وهي السلالة ذات البشرة البيضاء والشعر الأصفر والعيون الشهب والرأس الطويل !

في مستهل القرن التاسع عشر الميلادي، وفي غمار المجادلات التي انبعثت عن الثورة الفرنسية، ودارت حول التفريق بين الغاليين، سكان فرنسا الأصليين، والفرنجة باعتبارهم برابرة مغتصبين، نادى (الكونت دي جوبينو ) بنظرية الجنس مدعيا انتماء الفريقين إلى جنس واحد هو الجنس النوردي، وصادف نداء دي جوبينو حدوث كشف لغوي مفادهُ أن جميع اللغات الأوروبية إضافة إلى اللغات اليونانية واللاتينية ولغات فارس وشمال الهند الحية والإيرانية القديمة والسنسكريتية القديمة تنتسب بعضها إلى بعض، وهي أعضاء في عائلة لغوية واحدة واسعة المدى، وأنها لا بد من أن تكون هناك لغة أصلية آرية أو هندية أوروبية اشتق منها لسان كل أفراد العائلة.

استخلص دي جوبينو من هذا الكشف اللغوي أن المتكلمين بهذه اللغات ينتسب بعضهم إلى بعض أسوة النسب القائم بين اللغات التي يتكلمون بها وأنهم ينحدرون من جنس أصلي آري أو هندي أوروبي، وأن هذا الجنس هو الذي أنتج عبقرية زرادشت الدينية وعبقرية اليونان الفنية وعبقرية الرومان السياسية ويرجع الفضل إليه في جميع ما حققت الحضارة البشرية من أعمال وتقدم عبر تاريخ البشرية الطويل.

ويبدو أنه في ظروف التقدم الصناعي الذي حققه الأوروبيون وما أتاحه هذا التقدم الصناعي للأوروبيين من التفوق على الشعوب الأخرى والتغلب عليها وقيام حركة الاستعمار الأوروبي للشعوب واستبداد الأوروبيين بها، أن لاقت نظرية الجنس مناخا طيبا للانتشار والقبول من المتغلبين، فأخذ الألمان بها وقالوا بالجنس الهندي ـ جرماني بدلا من الهندي ـ أوروبي، كجنس متفوق على غيره، كذلك أخذ الامريكيون بنظرية الجنس في مطلع القرن العشرين وطالبوا بتقييد الهجرة إلى أمريكا للمحافظة على نقاوة الفرع الأمريكي الذي يعد شجرة الجنس النوردي !

وفي الوقت الذي يتخذ دعاة العنصرية في الحضارة الغربية البشرة البيضاء، دليلا علي التفوق واعتبار ذلك علامة تفوق الجنس النوردي على غيره من الأجناس، فإن اليابانيين يستخدمون علامة بدنية مختلفة للدلالة على التفوق، تقوم على اعتبار خلو الجسم من الشعر وجعل الإنسان الأمرد أعلى من غيره باعتباره أبعد منزلة من القرد خلافا للإنسان المشعر الذي يعد أقرب منزلة من القرد !!!

على أن هذه النظرية قد نقضت اليوم تماما، فانتساب اللغات بعضها إلى بعض لا يعني بالضرورة انتساب الناطقين بها بعضها إلى بعض، كما أن الحضارة لم تكن وقفاً على جنس دون جنس، فقد ظهرت الحضارة عند كثير من الشعوب التي تنتمي إلي أرومات مختلفة كالمصريين والهنود والسومريين وغيرهم، وظهرت بين الشعوب البيض والحمر مثلما ظهرت عند الشعوب الصفر، وليس بمكنة جنس أن يدعي نقاوته على مر التاريخ فضلا عن أن يدعي صناعة الحضارات.

5 ـ نظرية شبنغلر:
يري شبنغلر (Spengler)، وهو فيلسوف ألماني 1880 ـ 1936، أن الحضارات كائنات تاريخية حية شأنها شأن الكائنات العضوية الحية، لها سياق واحد تسير عليه ودورة متشابهة تمر بها، فكما أن للكائن العضوي مولده وطفولته وشبابه ونضجه وشيخوخته، فإن للحضارات مثل ذلك، وبخصوص ولادة الحضارات ونشوئها يقول شبنغلر:
"تولد الحضارات في اللحظة التي تستيقظ فيها روح كبيرة وتنفصل عن الحالة الروحية الأولية للطفولة الإنسانية الأبدية، كما تنفصل الصورة عما ليس له صورة، وكما ينبثق الحد والفناء من اللامحدود والبقاء.. وتموت الحضارة حينما تكون الروح قد حققت جميع ما بها من إمكانات وعلى هيئة شعوب ولغات ومذاهب دينية وفنون ودول وعلوم ومن ثم تعود الحالة الروحية الأولية".

والذي نلاحظه في نظرية شبنغلر أن التشابه الذي أقامه بين الحضارات والكائنات العضوية لا يتفق وطبيعة أطراف المقارنة، فتطور الحضارات يختلف عن مراحل نمو الكائنات العضوية لاختلاف طبيعتيهما، فبينما تكون الحضارات صنيعة الإنسان وثمرة جهوده الممثلة بمفاهيمه وأفكاره وقوانينه وأنظمته مضافا إليها عند بعض الباحثين المستوى المادي الذي حققه الإنسان في مجتمعه نتيجة درجة تجهيزه التكنولوجي، فإن الكائنات العضوية ذات طبيعة فسيولوجية حية مختلفة وما الضعف والقوة ثم الضعف الذي رآه شبنغلر نسقا متشابها بين الحضارات والكائنات العضوية في تطورها اِلاّ تشابهاً ظاهرياً لا ينفذ إلى الأعماق، وقد أدى اعتقاد شبنغلر بوجود التشابه بين الحضارات والكائنات إلى اعتماد الروح في تفسير نشوء الحضارة، وجاء تفسيره لنشوء الحضارة غامضاً غموض المعرفة الإنسانية بطبيعة الروح من جهة وغموض حل مشكلة الوجود عند شبنغلر من جهة أخرى.

6 ـ نظرية التحدي والاستجابة:
يري أرنولد توينبي أن العامل الإيجابي في نشوء الحضارة ليس مفردا ولكنه متعدد، وهو علاقة مشتركة تكون عند تعرض الإنسان للتحدي وقيامه بالاستجابة له، فالتحدي والاستجابة عند توينبي هو العامل الإيجابي الأقرب إلى تفسير نشوء الحضارة وإلى تقليل عطاء الإنسان في حالة والعقم في حالة أخرى.
إذاً قد توجد البيئة وتنشأ حضارة وتوجد بيئة مماثلة ولا تنشأ حضارة، وسبب ذلك عند توينبي وجود التحدي والاستجابة في الحالة الأولى وعدم وجودهما في الحالة الثانية.

وقد استرشد توينبي في الوصول إلى نظريته بالقصص الذي يمثل جزاً من الفكر الديني عند الأمم وببعض الكتابات التي وضعها علماء البيئة الطبيعيون ويطبق توينبي نظريته "التحدي والاستجابة" في نشوء الحضارة علي النحو التالي:
يقول إن العالم كان يسوده أحوال مناخية معينة كانت فيها الصحراء الإفريقية والعربية في آسيا تنعم بهطول الأمطار الغزيرة التي أنبتت في أرضها الحدائق والأحراش وغطتها بالمزارع والنباتات، ثم حدث أن تغيرت هذه الأحوال المناخية وغدت الصحراء الإفريقية والعربية تعاني حالة من الجفاف الشديد على أثر تغير نظام نزول الأمطار الذي كان سائداً فيها فتعرض الإنسان في هذه المنطقة نتيجة لذلك إلى تحدّ كانت استجابة الإنسان في هذه المنطقة لهذا التحدي مختلفة، فالذين آثروا الهجرة إلى منطقة أخرى تسود فيها الحياة المعيشية نفسها التي كانت سائدة في الوطن الأصلي كانت استجابتهم خلاّقة، أما الذين آثروا البقاء في الوطن على الهجرة واكتفوا بما تجود به أرضهم فقد انعدم عندهم أثر التحدي عليهم ولم تحدث عندهم الاستجابة فهم بنظر توينبي عرضة للانقراض.
أما الذين غيّروا موطنهم وغيّروا طريقة معيشتهم فقد واجهوا تحدياً مضاعفاً شحذ ملكاتهم وأدى إلى نشوء الحضارة على أيديهم في بلاد الرافدين ووادي النيل متمثلة بالحضارة السومرية والحضارة المصرية.

ويرى توينبي أن التحدي مثلما يكون مادياً كالذي حدث عند تغيّر الأحوال المناخية فإنه قد يكون فكريا. ويري أن التحدي الحاضر ماثل في الحضارة الغربية ولكنه لا يزال حديثا إلى درجة لا يمكن معها التنبؤ بالاستجابة.

والذي نلاحظه أن توينبي أقام نظريته على فرضية غير مقطوع بصحتها وصحة الكيفية التي استجاب الإنسان بها عند تغيّر الأحوال المناخية في منطقته، كما لا يذكر توينبي أنواع الاستجابات التي ترتبط بكل نوع منها ويذكر أن الناس ليسوا سواءً أمام التحدي حتى ولو كان التحدي واحداً فهو يرى أن رد فعل هؤلاء يتصل في بعضه بالقوى النفسية الدافعة التي يستحيل تطبيقها ووزنها وقياسها وبالأحرى تقديرها تقديراً علميا مقدما مما يوحي بأن الدور الأساس في التغيير هو الإنسان لا طبيعة التحدي، فالإنسان هو الذي يعيّن مسار الانتقال والتغيير حسب الحال الذي يكون عليها الإنسان وهي حال لا يصنعها التحدي ولكنه يستثيرها والاستثارة وحدها ليست كافية لعملية التغيير، فالتحدي ومثله الحاجة غير جديرين بتمكين الإنسان من الانتقال من مرحلة حضارية إلى مرحلة حضارية أخرى، إذ لا بد للإنسان حتى يحقق إنجازا ما أن يحوز الكفاية والقدرة اللازمة للقيام بذلك وإلاّ ظل حبيس الوهم والتخيل.

7 ـ النظرية المادية:
تذهب النظرية المادية إلى أن الوجود مادة تطورت تطوراً ذاتياً مستغنية عن عقل كلي يدبرها منكرة بذلك وجود خالق لهذا الوجود، وتقول النظرية أن المجتمع جزء من هذا الوجود المادي ينطبق عليه ما ينطبق على الكل، فهو يتطور بشكل حتمي وبصورة تقدمية تصاعدية فجائية من الحالة الأدنى إلى الحالة الأفضل.

وعندما تتعرض النظرية لبيان تغير المجتمع وانتقاله من حالة إلى حالة أخرى، تؤكد النظرية أن الفكر هو انعكاس المادة على الدماغ وأن المادة أصل الفكر في المجتمع، لذلك فإن النظرية تعتبر شروط الحياة المادية في المجتمع أصل الحياة العقلية فيه: أفكاره ونظرياته وقوانينه وآراؤه وأوضاعه السياسية، وعندما تتغير شروط الحياة المادية في المجتمع، وهي متغيرة برأي النظرية حتما لوجود المتناقضات في المجتمع، تتغير الحياة العقلية فيه.

أما شروط الحياة المادية للمجتمع، وهي بالتالي مفهوم المجتمع عند النظرية، فهي الوسط الجغرافي والكثافة السكانية وأسلوب الإنتاج، والنظرية لا تقيم وزناً للوسط الجغرافي والكثافة السكانية في تكوين المجتمع وتغييره وإنما تجعل الدور الرئيس لأسلوب الإنتاج، تقول النظرية:
إن أسلوب الإنتاج يتألف من القوى المنتجة المتمثلة بالناس وأدوات الإنتاج ومعارف الإنتاج ويتألف من علاقات الإنتاج التي تظهر بين الناس أثناء سير الإنتاج. وتذكر النظرية أن التغيير يبدأ في أدوات الإنتاج وتفرض أن الأدوات كانت قديما السهام والحجارة ثم تغيرت إلى الأدوات المعدنية المحسّنة كالمحاريث والأنوال وغيرها. ثم تغيرت إلى الطاحونة والورش الصناعية، ثم تغيرت إلى الأدوات الكبيرة التي تدار بالكهرباء وغيرها من أشكال الطاقة، وتستنتج النظرية من هذه الفرضية التي طرحتها أن العلاقات بين الناس كانت تتغير في كل مرة كانت أدوات الإنتاج تتغير فيها ويتغير المجتمع تبعا لذلك، وأن البشرية قد عرفت خمسة أنواع من المجتمعات أو الحضارات هي المشاعية الابتدائية ثم الرق ثم الإقطاع ثم الرأسمالية ثم الاشتراكية حسب أدوات الإنتاج التي كانت في كل مرحلة.

وبعد هذا العرض لهذه النظرية يمكن القول إن النظرية وقعت في أخطاء، منها أن الفكر انعكاس المادة على الدماغ، وأن المادة أصل الفكر في المجتمع، وهو لا يصح، فوجود المادة وحدها لا يقوم به فكر إلا إذا توافر وجود المعلومات اللازمة لتفسير المادة، ولا بد أن تكون أول معلومات حصل الإنسان عليها قد جاءت من خارج المادة، مما لا يدع شكا في وجود خالق للمادة ولا صحة كذلك للقول بدور أسلوب الإنتاج ابتداءاً في تغيير المجتمع وانتقاله من مرحلة حضارية إلى مرحلة حضارية أخرى، فقد تحول المجتمع العربي إلى مجتمع إسلامي، والمجتمع الروسي إلى مجتمع اشتراكي دون أن يسبق ذلك تغيير في أساليب الإنتاج، كما أن القول بدور المتناقضات في التطور الحتمي قول غير صحيح تماما، إذ يمكن أن تزول المتناقضات بين الأطراف المختلفة وتسوى الخلافات ولا يتحتم حدوث تغيير أو تبديل في المجتمع وإنما يغير المجتمع أنظمته وأفكاره إذا ظهر فسادها أو وقع المجتمع تحت سلطان خارجي أقوى منه ماديا وفكريا.

وهكذا تقدم النظرية المادية تفسيرا لتغير المجتمع ونشوء الحضارة تبنيه على تطبيق ما يصلح للمادة على المجتمع ثم تبنيه على الفرضية والحتمية وهو مما لا يصح.

وبعد هذه الجولة مع النظريات التي تناولت موضوع نشوء الحضارة ننتهي إلى القول بـ:
ضرورة التفريق بين الحال العلمية في المجتمع وحالة الفكر والأنظمة فيه، فحال الفكر والأنظمة ونوعها في مجتمع ما من المجتمعات لا ترتبط بالحال العلمية فيه ارتباط العلة بالمعلول، فقد يتشابه مجتمعان في درجة التجهيز العلمي ويكونان مع ذلك مختلفين فكراً ونظاماً كما في روسيا وأمريكا وقد يأخذ المستوى العلمي في المجتمع في الارتفاع التدريجي التصاعدي ويكون في كل مرحلة تالية خيراً منه في المرحلة السابقة، بينما تبقي أصول المجتمع الفكرية وأنظمته على حالها لا تتغير تغير العلم وقضاياه، لذلك فإن سمة المجتمع تنبع من حضارته المتمثلة بمفاهيمه الأساس عن الكون والإنسان والحياة وأفكاره، وأنظمته وقوانينه المنبثقة عنها، فإذا تغيرت، تغيرت سمة المجتمع وتغيرت حاله، ولذا أخطأت النظرية المادية عندما ربطت حضارة المجتمع بأدوات الإنتاج فيه، وجعلت أدوات الإنتاج جزءاً من المجتمع عند تعريفها للمجتمع واعتبرت تغير هذه الأدوات عاملاً حتمياً في تغير الحضارة، فقد ظهرت الحضارة الإسلامية دون أن يستدعي ذلك تغير أدوات الإنتاج، وحدث الشيء نفسه في روسيا حين ظهرت الإشتراكية فيها دون أن يستدعي ذلك تغير أدوات الإنتاج فيها إذ لا دخل لأدوات الإنتاج في تغير المجتمع.

ومن استقراء الواقع نجد أن المجتمع: مجموعة من الناس تنشأ بينهم علاقات دائمية بدافع مصالحهم، فالناس بدافع هذه المصالح وحاجتهم إلى تلبيتها يحتاجون بعضهم بعضا، ولكن قضاء المصلحة يقتضي أن ينظر الطرفان إلى الأمر نظرة واحدة ويعدّانه مصلحة لكليهما ولا تكون النظرة واحدة إلاّ إذا كانت مفاهيمها إزاء الأمر نفسه واحدة. إذ إن من شأن وحدة المفاهيم والأفكار أن توحد النظرة والمصلحة، فإذا اختلفت مفاهيمها اختلفت نظرتهما إزاء الأمر ولم يعد معدودا مصلحة للجانبين ومثال ذلك: إن الهندوس يرون أن البقر مقدس لا يجوز ذبحه بينما يرى المسلمون أنه حيوان يجوز ذبحه، فكان من جراء اختلاف مفاهيم الطرفين إزاء قضية ذبح البقر إنهما لم يعدّا ذلك مصلحة للجانبين. فتعذر لذلك قيام العلاقات بينهما في هذه القضية وكل قضية تختلف مفاهيمهما حولها.

و إذا توحدت المفاهيم فلا بد من وحدة المشاعر بين طرفي العلاقة، إذ إن من شأن الخصام والعداء بين الطرفين أن يحول دون قيام العلاقات بينهما حتى ولو توحدت مفاهيمهما ويبقي بعد ذلك أن يتفق الطرفان في وجه معالجة ما عدّاه مصلحة لهما، أي: أن يتفقا على النظام الذي يعالجان به المصلحة فإذا توحدت مفاهيم الناس توحدت نظرتهم و إذا توحدت نظرتهم توحدت المصلحة عندهم، فإذا وجدت المشاعر الطيبة واتفقوا على النظام الذي يعالجون به هذه المصلحة قامت العلاقات بينهم وقام المجتمع ونشأت الحضارة باعتبارها صورة هذا المجتمع هو في مفاهيمه وأفكاره وقوانينه وأنظمته.

لذلك فإن المجتمع هو: مجموعة من الناس وما عندهم من وحدة الأفكار والمشاعر والأنظمة التي إذا تغيرت تغير المجتمع تبعا لتغيرها وتغيرت حضارته. على أن هذا التغيير لا يتم إلاّ عن طريق المفكرين في مجتمع الذين يتلخص دورهم بفهم مجتمعهم ودراسته دراسة واعية محاولين النهوض بالوقوف على دائه ووصف دوائه، ولا يكون هذا الدواء إلاّ عن طريق الفكر الذي يتخذه المفكر أساسا للنهوض بالمجتمع.

وينشأ هذا الفكر عند المفكرين إما من فكر آخر وإما من جراء ربط الواقع مع الفكر وينشأ الفكر عند الرسل والأنبياء وحياً من عند اللّه‏.

فالفكر الاشتراكي الذي نادى به رجال الإصلاح الروس لإنهاض روسيا كان من فكر آخر نشأ عند ماركس ونشأ هذا الفكر عند ماركس من خلال دراسته للواقع في أوربا مستعينا بالفكر عند من سبقوه.

أما الفكر الذي جاء به محمد صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله فهو من عند اللّه‏ عز وجل وتيسر به تغيير المجتمع وإقامة مجتمع جديد، ونشوء حضارة جديدة هي الحضارة الإسلامية.

المصدر موقع:
www.seraj.ir

مع تصرف يسير من مشرف الأحداث التاريخية..

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
د. ربا صالح الوزني
22-10-2019

كاتب المقال ليس مجرد كاتب إنه الأستاذ الدكتور محمد ضيف الله البطاينة وهو أستاذنا ومعلمنا ويعرفه القاصي والداني كل الإحترام لشخصه الكريم