الأهداف المثلى للدعوة الإسلامية

محمد عبد المنعم خفاجي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

وبعد فقد حرَّر الإسلام الإنسان من الوهم والتقليد والجمود والجهل والفاقة والاضطهاد والاستبداد، وحرَّر المرأة من استبداد الرجل، فجعل لها حقَّها في الحياة وسوَّاها به في الحقوق والواجبات المشروعة، واعترف بأهليتها للتصرف والتملك وتدبير شؤون المنزل والأسرة، والمساهمة في أعمال الخير والبرِّ والطاعات، وفي شتى النواحي الاجتماعية التي لا غنى للمجتمع عن نشاط المرأة فيها.

 

 

 

 

لا تجدُ ديناً يدعو إلى الأهداف الكريمة، والغايات السامية، والأغراض الشريفة، والمُثل العليا، مثل دين الإسلام، وشريعة محمد خاتم الرسل عليه السلام، ولا عجب فالإسلام دين البشرية الخالد، وخلاصة المثل الإنسانيَّة العالية، وعقيدة الفكر الحر، التي ترنو إليها البشرية، وتهدف نحوها الحياة، وتتلاقى مع أصول الحضارات والمذاهب الحقَّة، وتجتمع مع شتى تيارات التفكير الحديث المنزَّه عن الهوى.

 

ولقد جاء الإسلام والعالم يَعيش في ظلام دامس، وجهلٍ مُطبق، ونظم عتيقة فاسدة، وعقائد محرَّفة مضللة... فبدَّل ظلام الحياة نوراً، والجهل ثقافة وعلماً وعرفاناً، ومحا تلك النظم البالية، والتقاليد الباطلة الزائفة، وجاء بأصول اجتماعيَّة وإنسانيَّة، هي أسمى ما عُرف في الأديان والمذاهب من مقوِّمات وعناصر.

 

دَعَا إلى عَقيدة تجمعُ بين أصول العقائد والأديان السماويَّة الصحيحة، وتسيرُ بالإنسان إلى حياة مُهذَّبة كريمة، توفق بين المادة والروح، والدين والدنيا، والأولى والآخرة.

 

وجَّه الإسلامُ الناس جميعاً إلى عبادة إله واحد لا شريك له، له مقاليد السموات والأرض، يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمنه، وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر.

 

كما دعا الإسلام الناس إلى دين واحد، يصدق به العقل والروح، ويجمع بين خير الدنيا والآخرة، ويرشد إلى أمثل ما في الحياة من عدالة وخير ورحمة، وجمعهم على كتاب واحد، ودستور خالد، هو القرآن كتاب الله العظيم، وعلى رسالة واحدة، هي رسالة محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه-، وهي الرسالة التي تتفق مع دعوات الأنبياء، وشرائع المرسلين: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشُّورى:13]. فلِم لا يكون الإسلام بذلك كله مثلاً أعلى في العقيدة والإيمان؟.

 

وسنَّ الإسلام القوانين الصالحة لكل العصور والجماعات، والكفيلة برقيّ الفرد والأسرة، وتقدم المجتمع والأمَّة والإنسانيَّة، على نحو يرضاه العقل، ويطمئنُّ إليه القلب والوجدان، فلِم لا يكون بذلك الداعي إلى المُثل الأعلى في النظام والتشريع؟.

 

وحارب الإسلام العصبيَّات وأفكار الجاهليَّة الأولى، التي تُفضِّل جنساً على جنس، أو جماعة على جماعة، أو فرداً على فرد، يقول الله -عزَّ وجل-: (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10]. ويقول رسوله صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى).

 

حاربها الإسلام لأنها تنادي بالتنابز والبغضاء، وتُفرِّق بين الناس وقد جمعهم أصل واحد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13].

 

محا الإسلام ما كان بين الطبقات من تلك الفوارق الاجتماعيَّة الواسعة التي كثيراً ما تستند إلى الحسب أو الجاه أو المال ؛ وجعل الفقير أخا الغني، والغني أخا الفقير، ودعا الأغنياء إلى البذل والجود والإحسان وأداء الزكاة وإنفاق المال في كل حق وخير ومعروف، كما دعا الفقراء إلى الأمانة والعمل والزهد والقناعة والرضاء بما قسم الله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) [الرُّوم:37-38].

 

وقرَّر أنَّ المال في أيدي الأغنياء إنما هو مال الله استخلفهم فيه: (آَمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) [الحديد:7]. وما ينفقونه على الفقراء من مال إنما هو قرض لهم عند الله يجزيهم عليه خيراً وثواباً كبيراً: (وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) [التغابن:16-17].

 

فكيف لا يكون الإسلام بذلك كله ديناً عاماً هو المثل الأعلى في الاجتماع والروح الإنساني الكريم؟.

 

والأصول الأولى في الإسلام تدعو إلى الحق والخير والعدل والمساواة والحرية، وإلى التعاون والوحدة والشورى، وإلى الأخوَّة العامة، والزمالة البشرية، وإلى المدنيَّة والحضارة والرقي والثقافة، وإلى محاربة الأهواء والتقاليد الضارَّة، وإلى المحافظة على الشرف والكرامة وروح الإنسانيَّة في الفرد والجماعة والأمة.

 

كما تدعو إلى السلام، وإلى أن يقوم هذا السلام على الحق، وفي سبيل خدمة المثل العليا التي يدعو إليها الإسلام، وهي فوق ذلك فطرة الله التي فطر الناس عليها: (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) [البقرة:138]. وحسبك أنَّها تقوم على رعاية شؤون الدنيا وأمور الآخرة: (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ) [القصص:77]. إلى غير ذلك من الأهداف والمثل التي يجمعها ويدعو إليها الإسلام وكتابه الكريم.

 

وبعد فقد حرَّر الإسلام الإنسان من الوهم والتقليد والجمود والجهل والفاقة والاضطهاد والاستبداد، وحرَّر المرأة من استبداد الرجل، فجعل لها حقَّها في الحياة وسوَّاها به في الحقوق والواجبات المشروعة، واعترف بأهليتها للتصرف والتملك وتدبير شؤون المنزل والأسرة، والمساهمة في أعمال الخير والبرِّ والطاعات، وفي شتى النواحي الاجتماعية التي لا غنى للمجتمع عن نشاط المرأة فيها.

 

وحرَّر الطبقات من طغيان العصبيات والثروة والحسب. وحرَّر المجتمعات من الخرافات والأضاليل وأوهام الكهان والمتزعمين. وحرَّر الأمم، فجعل أمرها شورى بينها، وساسها بالعدل والقسطاس المستقيم، وبالرحمة والإيثار وحب الخير العام ومصلحة الجماعة المشتركة والشعور الصحيح بالمسؤوليات.

 

وقضى على الرذائل والمنكرات والشهوات، التي تضعف الروح، وتهدم البنيان وتفسد نزعات الخير، وتقف بالجماعة عن السير والنضال في الحياة، وحرَّر الإنسانيَّة عامَّة من ربقة الجهل والوحشيَّة والتأخر والفوضى والأَثَرة، ومن جموح الشهوات، وتقديس الماديَّات والجنوح إلى الشر والفساد في الأرض، ومن التقليد الضار، والإيمان بما كان يؤمن به الآباء والأجداد، دون تحكيم للعقل، أو وزن للأمور بميزان التفكير السليم.

 

ورفع مع ذلك كله الإنسان ومكانته في الحياة، فجعله خليفةَ الله في الأرض، ودعاه إلى أن يَسير إلى أمثل ما في الحياة من حق وخير وسمو، وإلى أن يعملَ على تقدم الحياة والإنسانية بأوسع معانيها.

 

ولقد أتت الروح الإسلاميَّة الأولى بالمعجزات، في الاجتماع والسياسة، وفي الأدب والعلم والفن، وفي التفكير والتنظيم، وفي شتى نواحي الحياة والحضارة، ومن أولى بذلك من الإسلام، دين الله، وشريعة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، ودستوره القرآن، ومنطقه العقل والحجة والبرهان، وأساسه الفضيلة والإيثار والخير، وروح الجماعة والإنسانيَّة العالية، والتجرُّد من الأوهام والرذائل والماديَّة القاتلة، ومن كل ما هو مُنكر وقبيح وباطل.

 

فما أروع الإسلام، وما أجمل شريعة تقوم على هذه المبادئ المثلى، وتدعو إليها، وتدفع البشر والبشريَّة نحوها.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات