العقوبات وأثرها على الفرد والمجتمع

سجاد أحمد بن محمد أفضل

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

إن المجتمع الذي يشيع فيها الظلم، وإعتداء الناس بعضهم على بعض، من أكل أموال الناس بالباطل، والنيل من الأعراض، والحسد والتباغض، والفرقة والإختلاف، وركون إلى الدنيا، فتكون العقوبة الإلهية هنا علاجاً لتلك الأمراض، وسبباً لتزكية النفوس، كما يكون لها أثر كبير في حث الناس على العمل الصالح والمبادرة لفعل الخيرات وترك المنكرات.

 

 

آثار فردية:

 

1- قبول هدي الله تعالى:

إن لمظاهر العقاب على الفرد لآثاراً واضحة وثماراً طيبة، لا بد أن تظهر في قلب العبد وعلى لسانه وجوارحه، وفي حياته كلها، ومن أهم آثار لمظاهر العقوبات على الفرد في الدنيا، قبول الإنسان هدي الله تعالى أو الرجوع إليه سبحانه وتعالى بالعمل الصالح، والزهد في الدنيا والحذر منها ومن فتنتها، وحينئذ لا يحزن على فواتها، ولا يمدن عينيه إلى ما متع الله به بعض عباده من نعم ليفتنهم فيها، كما يتولد أيضاً من هذا الشعور الراحة النفسية والسعادة القلبية وقوة الاحتمال والصبر على الشدائد والابتلاءات، وكل ذلك رجاء فيما عند الله تعالى من الأجر والثواب، وأنهم مهما جاء من شدائد الدنيا فهي منقطعة ولها أجل، فهو ينتظر الفرج ويرجو الثواب الذي لا ينقطع يوم الرجوع إلى الله تعالى، قال تعالى: ( إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ) [1]. وكما يحرص على طاعة الله تعالى رغبة في ثواب ذلك اليوم. والبعد عن معصيته خوفاً من عقاب ذلك اليوم.

 

2- العلم بعظمة الله وقوته:

وإن من أهم آثار العقاب الإلهي على نفس المسلم، العلم بعظمة خالقهم تبارك وتعالى وقوته وسلطانه. وذلك عن طريق الشعور برقابة الله تعالى عليه، وأنه مطلع على جميع حركاته وسكناته، فيبعثه ذلك على الخشية منه والاستقامة على أمر الله تعالى بتنفيذ الأوامر واجتناب النواهي، والشعور بالطمأنينة والأنس، فيكون ذلك دافعاً إلى الصبر وعدم اليأس.

 

وكما يدرك الإنسان أن لهذا الكون خالقاً ومدبراً، وأن ما من شيء في هذا الكون إلا بأمره سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) [2].

 

وهكذا يبقى المؤمن بين الخوف من عقاب الله، والرجاء لعفوه، يذكر بأن الله سريع الحساب وأنه شديد العقاب، فيغلب عليه الخوف، ويذكر أنه عفو رحيم، وأنه أرحم الراحمين.

 

3- التوبة من المعاصي:

إن من أعظم آثار العقوبات على الفرد، اللجوء إلى الله تعالى بالتوبة والإنابة، لأنه جرت سنة الله تعالى في العصاة، أنه يعاقبهم على ذنوبهم في الدنيا قبل الآخرة، وذلك تنبيهاً للغافلين، وتذكرة للناسين، يقول الله تعالى: ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )[3]، فالله تعالى لا يجازيهم بكل ما عملوا من سوء، بل يعاقبهم ببعضه فقط، ويعفوا عن الباقي وهو كثير، كما قال تعالى: ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ )[4]، فقد ترك الله تعالى باب التوبة والإنابة مفتوحاً في كل وقت وفي كل حين ليرجع من أراد الإنابة إليه، والدخول في رحمته. فيعود العبد إلى الله تعالى طالباً المغفرة، هارباً من الذنب لاجئاً إلى التواب الرحيم، فيجده رحماناً رحيماً.

 

كما أنه يخاف من كوارث الحياة، ريحاً أو مطراً أو غير ذلك، ويخاف من الأمراض المتعددة، وهو يخاف ويضطرب من أمور كثيرة ومتعددة لا يمكن حصرها، حتى أصبح الخوف والقلق سمة من سماته، ويدرك بأن الله سبحانه وتعالى يسوق الكوارث على البشر في حياتهم الدنيا، لينبه النفوس من غفلتها، وليعيدها إلى خالقها، ويربطها بموجدها، كما قال تعالى: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ )[5]، فكل هذه المصائب على النفوس المؤمنة من أجل أن يتوب الإنسان، فيتذكر أن من أسماء الله «الرحيم، التواب، والغفور» فلا يتمادى في خطيئته، بل ينزع عنها، ويتوب إلى ربه، ويستغفره فيجده غفوراً تواباً رحيماً.

 

آثار اجتماعية:

1- إحياء المعاني والصفات الحميدة:

فالإيمان باليوم الآخر يحي في نفوس المؤمنين معاني الصبر والاحتساب، والرضا، والعفو والبذل في سبيل الله عز وجل، فالمؤمن يعلم أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان وليست دار للجزاء والنعيم، فيعفو عمن ظلمه، ويقبل الأعذار، ويبذل وينفق في سبيل الله تعالى، ويضرب أروع الأمثلة في التضحية والفداء ويسعى إلى الخير ويقاوم الشر، لا يغش ولا يخدع، ولا يسرق، ولا يزني، وكل هذا لإيمانه باليوم الآخر ومقتدياً قوله تعالى: ( وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا )[6]، قال القرطبي: أي أنكم ترجون ثواب الله وهم لا يرجونه وذلك أن من لا يؤمن بالله لا يرجو من الله شيئا»[7].

 

كما يترتب على هذا الجزاء، خضوع المسلم لأحكام الشريعة خضوعاً اختيارياً في السر والعلن خوفاً من عقاب الله، وحتى لو استطاع الإفلات من عقاب الدنيا، لأن عقاب الآخرة ينتظره ولا يستطيع الإفلات منه.

 

2- الاعتبار بما حل بالأمم السابقة:

إن المؤمن ينطلق في الحياة فيشاهد مصارع الأولين، وآثار ديارهم المخربة، وحصونهم المدمرة، فيرتعب لتلك المشاهد أن أُخذ أهلها في غفلة، وقد كانوا أقوياء ذوي كثرة، فما أغنى عنهم غناؤهم ولا دفعت عنهم قوتهم لما جاءهم العذاب، لقد كانت لهم آلهة يعبدونها من دون الله، وهم من خلق الله، وكانوا يحسبون أنها ستدفع عنهم النقم وتصرف عنهم المحن، فحان عليهم الدهر وأحاط بهم القهر: ( فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ )[8].

 

إن من بلغ به الإيمان بلقاء الله حد اليقين اعتبر بما حصل للأمم السابقة من العذاب - كقوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم -، وذلك لعلمه بأن الله من ورائهم محيط، وقد أخذهم علي حالهم لينالوا كمال العقوبة في الآخرة، فكان ذلك الآخذ آية مشاهده دالة على لزوم محاسبة الناس على أعمالهم: ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ )[9]، وقد كان المشركون من أهل مكة يمرون على ديار من أخذوا بالعذاب - كقوم لوط - فلا يتأثرون لعدم رجائهم للآخرة؛ فانعدم الخوف من نفوسهم فلم يعتبروا بمرورهم ذلك كما قال الله: ( وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا )[10]، لهذا كان الخوف من لقاء الله مادة كل خير، والأمان من غضب الله مادة كل شر.

 

3- تزكية النفوس:

إن المجتمع الذي يشيع فيها الظلم، وإعتداء الناس بعضهم على بعض، من أكل أموال الناس بالباطل، والنيل من الأعراض، والحسد والتباغض، والفرقة والإختلاف، وركون إلى الدنيا، فتكون العقوبة الإلهية هنا علاجاً لتلك الأمراض، وسبباً لتزكية النفوس، كما يكون لها أثر كبير في حث الناس على العمل الصالح والمبادرة لفعل الخيرات وترك المنكرات.

 

وإذا عرف الإنسان هذه السنة الإلهية في المجتمعات، وأيقن بتحققها فلا شك أن ذلك سيمنعه من التهاون في حقوق الخلق، والحذر من ظلمهم في دم أو مال أو عرض، سيضفي الأمن والأمان على مثل هذه المجتمعات، لأن أهلها يخافون عقاب الله من أن ينزل عليهم، فلا تحاكم إلا لشرع الله، ولا تعامل إلا بأخلاق الإسلام الفاضلة، فلا خيانة ولا غش ولا ظلم. إذاً أنه لا شيء يمنع النفس من ظلم غيرها في نفس أو مال أو عرض إلا من العقوبة الإلهية وإعطاء كل ذي حق حقه، وإنصاف المظلوم ممن ظلمه، والحذر من الدنيا والركون إليها.

 

______

[1] سورة النساء. آية 104.

[2] سورة الأعراف. آية 54.

[3] سورة الروم. آية 41.

[4] سورة الشورى. آية 30.

[5] سورة البقرة. آية 155.

[6] سورة النساء، آية 104.

[7] الجامع لأحكام القرآن، لإمام القرطبي، 5 /274.

[8] سورة هود. آية 101.

[9] سورة هود. آية 103.

[10] سورة الفرقان. آية 40.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات