خطبة الجمعة والفرص الضائعة

ياسر تيسير العيتي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

إن دور المنبر في قيادة الأمة سيعود عندما يفكر الخطيب قبل صعوده المنبر بحاجات الناس الذين يستمعون إليه وكيف سيطرح أفكاراً تساعدهم على تلبية هذه الحاجات ،وهذا يحتاج إلى التواصل مع الناس وإلى الإطلاع على آخر ما توصل إليه الإنسان في شتى مجالات المعرفة.

 

 

 

 

يصعد الخطيب على المنبر فيتحدث في عناوين عامة (العودة إلى الله – إصلاح ذات البين – إخلاص النية ..) ويدعم كلامه بآيات وأحاديث وقصص من التاريخ تبين (عظمة الإسلام) ومدى (صلاح وتقوى المسلمين الأولين) ومدى (بعد المسلمين اليوم عن الله) ثم ينهي خطبته ويخرج المصلون من المسجد ولا يغيرون شيئاً من سلوكهم وتستمر أوضاع المسلمين السيئة على ما هي عليه إلى أن ينقضي الأسبوع ويأتي موعد الخطبة التالية وتتكرر القصة ذاتها..

 

إذا وازنّا بين مئات ملايين الساعات التي يقضيها مئات الملايين من المسلمين كل أسبوع وهم يستمعون إلى خطبة الجمعة والأثر الذي تتركه هذه الخطبة في واقعهم لوجدناه ضعيفاً جداً، ولا أعتقد أن الله قد فرض صلاة الجمعة على المسلمين لتكون طقساً جامداً لا روح فيه ولا أثر له في حياة الأمة وواقعها.

 

 إن أحد أسباب فقدان خطبة الجمعة لفعاليتها هو تحركها في العموميات وابتعادها عن التفاصيل التي يحتاج إليها المسلمون فعلاً لتغيير واقعهم.

 

فمثلاً يمكن للخطيب أن يطلب من المصلين أن يعاملوا زوجاتهم بإحسان، وأن يسوق الآيات والأحاديث وقصص التاريخ المتعلقة بهذا الأمر، وأن يكتفي بذلك فيخرج المصلون من المسجد دون أن يتعلموا شيئاً جديداً يساعدهم على تجاوز التحديات التي تواجههم في حياتهم الزوجية، ويمكن للخطيب أن يتناول أمراً محدداً مثل الخلافات الزوجية ويستعرض الأساليب العملية التي تساعد على توقي هذه الخلافات وحلها ، وهكذا يخرج المصلون ولديهم أفكاراً عملية جديدة يمكن تطبيقها والاستفادة منها.

 

 كثير من الناس الذين أعرفهم يحدثونني عن معاناتهم في البحث عن مسجد يصلون فيه الجمعة فأكثر الخطباء خطبهم منفصلة عن الواقع ولو لا (الروزنامة) المعلقة في المسجد لما استطعت أن تميز الزمن الذي تلقى فيه الخطبة أهو القرن الثالث الهجري أم القرن الخامس عشر!

 

 أتمنى على خطبائنا أن يرتفعوا إلى مستوى المسؤولية وأن يخصصوا ساعة من وقتهم كل يوم لرفع سوَّيتهم الثقافية بقراءة الكتب (غير الدينية) التي تشرح آخر ما توصلت إليه العلوم الاجتماعية والتربوية وعلوم التواصل والسلوك الإنساني والتنمية البشرية والإدارية والقيادية، وأن يعيدوا النظر في تلك الفكرة التي تقول: "كل شيء موجود في الإسلام ولا حاجة لنا إلى معرفة ما يأتي من غير المسلمين فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية" فهي فكرة لا تحمي الإسلام ولا تساعد على تطبيقه، بل تحنّطه وتعزله عن الواقع، وتجعل شعار (الإسلام هو الحل) بمثابة نكتة يهزأ بها المستهزئون!

 

 إن عظمة الإسلام تكمن في أنه وضع القواعد العامة وترك تفاصيل تطبيقها للعقل البشري ليجتهد ويبدع بما يواكب تطور البشرية وتقدمها. فمثلاً يقول تعالى :[وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ] الأنفال -46- هذه الآية يرددها كثير من المسلمين فيما هم يتخاصمون لأتفه الأسباب.

 

 إن حل النزاعات اليوم أصبح علماً قائماً بذاته ولا يكفي ترديد هذه الآية لحل النزاعات بين المسلمين ما لم تكن لديهم المعرفة التفصيلية بأدوات توقي النزاعات وتجاوزها. ينطبق هذا الأمر على كثير من الأمور التي لها علاقة بالتربية والإدارة والقيادة والتواصل وتحفيز الآخرين والتأثير فيهم وتغيير السلوك الإنساني وغيرها من المجالات ...

 

الناس اليوم تعبوا من صراخ الخطباء على المنابر ومن الحديث المكرَّر الممل.

 

إن للناس حاجات ومن ينجح في تلبية هذه الحاجات يقبلون عليه ويمشون خلفه ويقتدون به.

 

 إن دور المنبر في قيادة الأمة سيعود عندما يفكر الخطيب قبل صعوده المنبر بحاجات الناس الذين يستمعون إليه وكيف سيطرح أفكاراً تساعدهم على تلبية هذه الحاجات ،وهذا يحتاج إلى التواصل مع الناس وإلى الإطلاع على آخر ما توصل إليه الإنسان في شتى مجالات المعرفة.

 

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات