الدماء السورية بين جدية أصدقاء الباطل وتخاذل أصدقاء الحق

محمد فاروق الإمام

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

وحتى هذا الموقف السعودي الذي يثمنه الشعب السوري ويقدره، فإنه إن لم يُجسد ويُفعل وقائع على الأرض، والسعودية قادرة على فعل ذلك، بما لها من نفوذ دولي وإسلامي وعربي، وما تملكه من رصيد ديني وأخلاقي ومادي، وما في باطن أرضها من نفط يغذي الآلة الصناعية في معظم دول العالم، وما في ترسانتها العسكرية من أسلحة متطورة يمكن أن تكون أداة ضغط فاعلة في مواجهة النظام الباغي، ووضع العالم والمجتمع الدولي أمام أمر واقع ..

 

 

 

 

 

ملتقى الخطباء: بداية أعترف -على ضوء ما يجري على الأرض- أن أصدقاء النظام السوري غير الصدوقين -إيران وحزب اللات وروسيا والصين- يقفون وراء النظام السوري بقوة وتصميم، منسلخين عن الأخلاق والقيم الإنسانية، ومتنكرين لكل ما ادعوه ويدعونه من مناصرتهم للضعفاء والمظلومين.. غير آبهين بشلال الدم النازف من جسد أطفال وشيوخ وحرائر وأبناء سورية منذ ما يزيد على أحد عشر شهراً.. يدفعون بأساطيلهم الجوية والبرية والبحرية تحمل السلاح والعتاد والرجال إلى صديقهم نمرود الشام، دون توقف أو تلكؤ على مدار الساعة، منذ إطلاق النظام الباغي الرصاصة الأولى على صدر الطفل حمزة الخطيب ورفاقه، الذين كانوا الشرارة الأولى لانطلاق الثورة السورية السلمية من درعا، لتمتد فيما بعد إلى كافة المدن السورية كما نشاهد اليوم، لتصبح عصية على النظام السوري وكل أسلحته الفتاكة وقد تساوى عند الثوار الموت والحياة.

لم يوفر هؤلاء الأصدقاء، الذين كانوا شركاء لهذا النظام في بغيه وصلفه وجبروته وجرائمه، من استخدام كل الوسائل الكفيلة بصمود هذا النظام الباغي بوجه شعبه الذي قدم حتى الساعة ما يزيد على عشرة آلاف شهيد، كان من بينهم نحو ألف من النساء والأطفال، وأكثر من عشرين ألف من الجرحى الذين كانت نهاية الكثيرين منهم الموت لمنع هذا النظام الفرق الطبية من تقديم الإغاثة والدواء لهم، وأكثر من خمسة عشر ألف مفقود، واعتقال أكثر من تسعين ألف مواطن، مات المئات منهم تحت التعذيب الهمجي والوحشي، ونزوح عشرات الألوف من مدنهم وقراهم، وتهجير أكثر من مئة ألف إلى البلدان المجاورة -تركيا والأردن ولبنان-، وتدمير أحياء كاملة وتسوية بيوتها ومساجدها ومؤسساتها بالأرض في كثير من المدن السورية، بفعل القصف البربري لهذه المدن بكل أنواع الأسلحة الثقيلة الفتاكة والمدمرة -المدفعية والدبابات والطائرات والسفن الحربية وراجمات الصواريخ-.

أقول لم يوفر هؤلاء الأصدقاء -غير الصدوقين- كل أشكال الدعم والحماية لهذا النظام الباغي ليستمر في تغوله وجرائمه وقمعه وانتهاكاته لحقوق شعبه الإنسانية، بدءاً بالفيتو الذي يحول دون تحرك المجتمع الدولي لوضع حد لجرائم هذا النظام، ووقف شلال الدماء التي تنزف من جسد السوريين في طول البلاد وعرضها، ورفد النظام بعشرات الخبراء والمهندسين الذين يشرفون على الحرب الإلكترونية التي يشنها النظام على وسائل الاتصال البسيطة التي يستخدمها بعض المتظاهرين السلميين لرصد وتوثيق جرائمه ونقلها إلى العالم، ومئات الشبيحة الذين يفوقون الضباع والذئاب وحشية، لملاحقة المتظاهرين وقنصهم وتعذيبهم في أقبية الاعتقال، وتقديم أرقى أجهزة التنصت على وسائل الاتصالات البدائية التي يتسلح بها بعض المتظاهرين لتوثيق ما يرتكبه النظام الباغي من جرائم وموبقات، وأجهزة التشويش المتقدمة والمتطورة التي ترصد ترددات المحطات الفضائية المحايدة والمستقلة، لمنع شاشاتها من عرض ما يصلها من معلومات وفديوهات توثق جرائم النظام، وما يرتكبه بحق الشعب السوري من قمع ممنهج وجرائم ترقى - كما أكدت منظمة حقوق الإنسان الأممية - إلى جرائم حرب ضد الإنسانية، يستحق مرتكبوها السوق إلى محاكم الجنايات الدولية، ولم يكتف هؤلاء الأصدقاء غير الصدوقين بذلك، بل راحوا جهاراً نهاراً يقيمون الجسور الجوية والبحرية والبرية تحمل السلاح والعتاد لرفد آلة الموت والقتل لهذا النظام الباغي العسكرية الفتاكة، والتي من بينها أسلحة وذخائر محرمة دولية (قنابل نابالم وغازات سامة وقنابل مسمارية وألغام متفجرة) ليفتك بها هذا النظام بجسد أبناء الشعب السوري الثائر، المطالب بالحرية والكرامة، إضاقة لما يجيشه النظام من آلاف الشبيحة داخل الوطن لملاحقة الثائرين وقمعهم، وخارج الوطن لملاحقة ورصد المعارضين والفتك بأهليهم وذويهم، وتجنيده لعشرات الأبواق المضللة لتنفث سمومها عبر الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة، دفاعاً عن هذا النظام الباغي وتبرير وتسويغ ما يرتكبه من جرائم.

أمام كل هذه المساعدات المهولة والمرعبة والقاتلة والمدمرة للنظام الباغي من قبل أصدقائه -غير الصدوقين-، كان لأصدقاء الشعب السوري موقف مغاير.. دموع تذرف وآهات تتصاعد وكلام معسول يدبج وبيانات شجب وتنديد بالجملة.. ومبادرات دولية وإقليمية.. ومؤتمرات أراجوزية ومواقف هزيلة ومترددة، تدعو إلى الغثيان والقرف، فلم يرق أي موقف من مواقف أصدقاء الشعب السوري إلى تحمل المسؤولية والفعل على الأرض، بل بالعكس كانت لبيانات هؤلاء الأصدقاء وتصريحاتهم -القوية الجعجعة- يفعّلها النظام الباغي إلى مزيد من ارتكاب الجرائم والتصعيد في آلة القمع واللعب على الوقت والفرص الممنوحة، التي كان يستغلها أبشع استغلال في هستيرية مجنونة في زيادة سفك الدماء وتدمير المدن وحرق البيوت وهدمها على من فيها، وهذا ما حدث ويحدث في مدن حمص وحماة وإدلب ودير الزور والمعرة وجبل الزاوية والأتارب وخان شيخون والرستن وسراقب وكفر نبل، والعشرات من المدن والبلدات والقرى السورية الأخرى منذ شهور.

وللإنصاف فقد كان للمملكة العربية السعودية موقف مختلف في آخر هذه المؤتمرات -مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في تونس- حيث انسحب الأمير فيصل وزير خارجيتها من هذا المؤتمر احتجاجاً على عدم فاعلية المؤتمر، معللاً انسحابه لتركيز المؤتمر "على المساعدات الإنسانية للسوريين". مؤكداً على أن بلاده "لا يمكن أن تشارك في أي عمل لا يؤدي لحماية الشعب السوري"، وأن " الشعب السوري يحتاج إلى حماية بشكل سريع وفعال"، وأن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو نقل السلطة "طوعاً أو كرها"، واصفاً النظام السوري بأنه "أصبح أشبه بسلطة احتلال". وتساءل "هل من الإنسانية الاكتفاء بتقديم المساعدات وترك السوريين لآلة لا ترحم، وهل قمنا بنصرة الشعب السوري أم سنكتفي بالإعلانات الرمزية".

وحتى هذا الموقف السعودي الذي يثمنه الشعب السوري ويقدره، فإنه إن لم يُجسد ويُفعل وقائع على الأرض، والسعودية قادرة على فعل ذلك، بما لها من نفوذ دولي وإسلامي وعربي، وما تملكه من رصيد ديني وأخلاقي ومادي، وما في باطن أرضها من نفط يغذي الآلة الصناعية في معظم دول العالم، وما في ترسانتها العسكرية من أسلحة متطورة يمكن أن تكون أداة ضغط فاعلة في مواجهة النظام الباغي، ووضع العالم والمجتمع الدولي أمام أمر واقع لا يستطيع أن يدير ظهره إليه دون أن يتعامل معه بجدية وواقعية، والسعودية هي في مقدمة الدول المتضررة والمهددة من بقاء هذا النظام المجرم ونجاحه في إخماد الثورة السورية وقمع المنتفضين، لأن أصدقاؤه في قم والضاحية الجنوبية وموسكو سيواصلون حملتهم لتحقيق أجندتهم وطموحاتهم التي تتعدى الحفاظ على هذا النظام وبقائه، إلى تحقيق مصالحهم الإستراتيجية وترسيخ قيام الهلال الشيعي، الذي حذر منه العاهل الأردني قبل سنوات، الذي سيخنق السعودية ودول الخليج ويأتي عليها دولة بعد دولة، ولنا العبرة فيما فعله الفرنجة في الأندلس قبل 800 عام، عندما تخلى العرب عن طليطلة وسكتوا على سقوطها؛ لينفرط فيما بعد عقد هذه الدولة العظيمة الشامخة لتصبح أثراً بعد عين، والتاريخ -كما تعلمنا- يعيد نفسه ويستنسخ ذاته، فحذاري يا عرب من خطب صفوي قادم كالريح الصفراء، ستأكل كل ما بين الهلال الشيعي من دول، وتعيد أمجاد ساسان ونصب إيوان كسرى من جديد.

 

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات