سِلْسِلَةُ أَسَالِيبَ خِطَابِيَّةٍ ممُيَـَّزَةٍ (1) أُسْـلُوبُ المُقَارَنَةِ

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16

اقتباس

والقرآن فيه ألف مَثَلٍ، كما قال أهل العلم، تدعو للتدبر، والنظر، والاعتبار، فمثلاً كلمة الإيمان "لا إله إلا الله " كالشجرة الطيبة أصلها راسخ في الأرض، وأغصانها ممتدة نحو السماء، تعطي ثمارها -بإذن الله- وتيسيره دائماً، وهذه الثمار العملُ الصالح يصعد إلى السماء، فينال بركته وثوابه فيكل وقت. وكلمة الكفر الخبيثة كشجرة الحنظل الخبيثة، استؤصلت من جذورها واقتلعت من الأرض؛ لعدم ثبات أصلها، لا خير فيها، فلا يقبل عمل الكافر مهما عمل؛ لأن عمله ليس له أساس( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) [ إبراهيم: 24 -26].

 

 

 

 

والمسلم مع هذا يفكّر ويتدبّر ويحسب لكل أمرٍ حسابه، ولا يعمل إلا ما يدخله الجنّة ويبعده عن النار، ويختار آخرته؛ لأن فيها رضى الله-تعالى-نسأل الله حسن الختام والبعد عن الزلل.

 

سؤال يدور في أذهان كثير من الخطباء، ما الذي يجعل الخطيب فلاناً أكثر تأثيراً وإقناعاً عن غيره من الخطباء؟ وما الذي يجعل الناس أكثر حضوراً وإقبالاً وعملاً واقتناعاً بما يقول؟ وما الذي يجعل حضوره أكثر حضوراً وفاعليةً عن غيره؟ بالجملة ما الذي يجعل الخطيب فلاناً أكثر نجاحاً عن غيره من الخطباء؟

 

الخطيب حتى يكون خطيباً ناجحاً لابد له من اقتناء أدوات النجاح، وسلوك سبل التأثير والإقناع، ولا شك أن هذه كله يعتمد على الأسلوب الذي يتبعه الخطيب في أداء خطبته، فربما يكون الخطيب قد أعد الخطبة جيداً، وحفظها جيداً، وتمرن مرات على إلقائها، ولسانه سليم من الآفات، وهيئته سوية، وطلعته بهية، ولكنه يفتقد إلى الأسلوب اللازم لتوصيل رسالته وأداء مهمته، فتأتي خطبته كأنه درس أو محاضرة أو خاطرة وهكذا. وسواءً كنت تقف أمام الجمهور للمرة الأولى أو كنت متحدثاً أو خطيباً متمرساً، وسواءً كنت مستعداً أو غير مستعد لذلك، فإن مهارة الخطابة والتحدث أمام الجمهور تظل من المهام الشاقة التي يتجنبها أو يتثاقل عن القيام بها الكثير منا. وينتابنا ذلك الشعور بالرعب وفقدان الثقة بالنفس. ولن نتخلص من تلك العوائق إلا إذا خضنا غمار التجربة واتبعنا بعض أساليب الاستعداد الجيد للموقف الخطابي والتي سأسردها –تباعاً-على شكل سلسلة.

سائلين المولى -جل في عليائه-أن تكون خالصةً لوجه، نافعةً لعباده الصالحين.

 

أسلوب المقارنة:

 

وهو من الأساليب الأكثر انتشاراً وشهرةً في الخطاب الإسلامي، ونصوص الوحيين زاخرة بهذا الأسلوب الذي يدفع المستمع -دائماً- على التفكير والاختيار وهو يرى مصير كل فريق، وحال كل طرف، فالمقارنة من أقوى أساليب الإقناع، وربنا في محكم التنزيل قارن بين حال أهل الجنة وحال أهل النار، وحال المؤمنين، وحال الكافرين، وحال الطائعين وحال المذنبين، وحال العلماء وحال الجهلاء، وحال الموقنين وحال الشاكين، وحال الثابتين وحال المترددين، وحال الظالمين وحال المظلومين، وذلك في أكثر من ألف آية في كتابه العزيز؛ لترسيخ مبدأ المقارنة، وإعمال العقل، وإتقان النظر قبل الاختيار. وخلق الله –سبحانه- الإنسان، وكرمه على بقية المخلوقات؛ بما حباه من عقل يفكر به، فينقد ما يراه ويسمعه، ويصل إلى الاختيار الصحيح والقرار الصائب. وفي القرآن الكريم مئات الآيات التي يظهر فيها أسلوب المقارنة بمنتهى الوضوح، تضع بين يدي الإنسان طرقاً مختلفة، ونتائج كلٍّ منها ليختار ما يريد بعد المقارنة بينها ودراستها على بيّنة وليتحمل نتائج هذا الاختيار، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ.

 

ومن أبرز الإضاءات القرآنية التي ينير بها أسلوب المقارنة طريق المؤمنين، ويجب على الخطيب التركيز عليها:

 

1-التنبيه إلى العمل الصحيح:

 

 ومثاله في كتاب الله -عز وجل-كثير، مثلاً ظنّ المشركون في مكة أنهم حين يسقون الحجيج ويضيفونهم ويخدمونهم فقد أدّوا حق الله –تعالى-. فنبههم القرآن الكريم إلى خطأ هذا الاعتقاد، وأن العمل الصحيح الذي يرضاه الله منهم الإيمانُ الحقُّ به، وتوحيدُه، والإيمانُ باليوم الآخر، ونشرُ الدين بالجهاد في سبيل الله. وشتّان بين قوم يعملون دون أساس العقيدة، وقوم وضعوا نصب أعينهم الإيمان بالله وحده، قال تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة: 19]. ضرب الله مثلاً للمؤمن والكافر، فالكافر كالأعمى الماشي على غير هدى وبصيرة منكساً رأسه لا يرى طريقه، يخبط خبط عشواء يتعثر كل ساعة فيخر على وجهه، في حين أن المؤمن سويٌّ صحيح البعد يمشي منتصب القامة، يرى طريقه ولا يتعثر في خطواته، والكافر يحشر ماشياً على وجهه إلى دركات الجحيم ، والمؤمن يمشي إلى الجنّة سوياً على الصراط المستقيم (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [ تبارك 22]، حقاً إن الإيمان نور وثقة يوصل إلى الهدف المنشود ،ويرشد إلى الطريق السوي والسبيل الرشيد .

 

2 ـ التحفيز إلى اختيار الكمال:

 

قال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ *وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 200-201]، فمن كانت الدنيا همّه رغب أن تكون منحته في الدنيا خاصة، وليس له في الآخرة نصيب ومن طلب خيرَي الدنيا والآخرة (وهو المؤمن العاقل)؛ فقد فاز بسعادة الدارين، وله حظ وافر مما عمل من الخيرات. ومثلها قوله -سبحانه وتعالى-: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ  ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ) [ الإسراء: 18-19]، فالذي يريد بعمله الدنيا فقط، ولها يسعى ويعمل، ليس له همٌّ سواها أعطيناه ما نريد، لا ما يريد، وليس له في الآخرة سوى جهنّم يدخلها حقيراً مطروداً من رحمة الله، أما الذي يسعى إلى النعيم المقيم، وعمل له بما يليق من الطاعات، وهو مؤمن صادق الإيمان فقد جمع الخصال الحميدة من الإخلاص، والعمل الصالح، والإيمان فكان عند الله تعالى مقبولاً.

 

3-التحذير والترغيب:

 

فلو ألقينا نظرة على مشهد من مشاهد يوم القيامة، فترى نصوص الوحيين وهي تصف حال المؤمنين وهم يأخذون كتب أعمالهم بأيمانهم، والسعادة والفرح والسرور والثناء لربهم على إنعامه وإفضاله عليهم، في حين ترى المجرمين وهم يأخذون كتب أعمالهم بشمالهم فإذا هم من الأشقياء، واسمع ما يقوله المؤمن السعيد، وما يقوله الكافر الشقي، قال –تعالى- واصفاً المشهد الأروع: ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ *وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ * فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا ‎لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ *مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ*خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ) [الحاقة: 18ـ31].

 

وهذا مشهد آخر شبيه بما سبقه، فالأشقياء في جهنّم مستقرون هناك لهم من شدة كربهم زفير وشهيق يترددان بشدّة، أصواتهم في النار كصوت الحمار، أوَّله زفير وآخره شهيق، ماكثون فيها على الدوام. أما السعداء ففي الجنّة مستقرون فيها لا يخرجون منها أبداً، تنهال عليهم الخيرات، والعطاء دون انقطاع، قال تعالى: ( يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْض  إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [ هود: 105-108].

 

4 ـ تقسيم الناس ودرجاتهم:  

 

  فانظر معي -يا عبد الله-إلى هذا السياق القرآني الذي يوضح درجات المؤمنين وأقسام الناس في الدنيا والآخرة، أما المؤمنين الموحدين (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)، (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ *وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ *وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ). وأما الكفار فانظر إلى نهايتهم المأساوية (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ). [الواقعة:41-42-43]، وبذلك السياق يتم استثارة النفوس، والقلوب، والعقول نحو المسارعة للخيرات، واختيار المضمار الذي سيسابق العبد فيه. وفي سورة فاطر نجد تصنيفاً لأمة سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام-: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) [فاطر: 32]، وفي سورة الجنّ نجد نوعين من الناس، قال –تعالى-: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ * فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا *وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ) [ الجن: 13- 15].

 

6-المشاكلة:

      

يقول -سبحانه وتعالى-في سورة النور مؤكداً أن الكلمة الخبيثة تخرج من النفس الخبيثة، وأن الكلمة الطيبة تخرج من النفس الطيبة، وأن الرجل الصالح يرزقه الله الزوجة الصالحة، وأن الخبيث منهم له الخبيثات منهنّ، قال تعالى (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) [النور:26]. والله -سبحانه وتعالى- يجعل نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل النساء، وأمهات المؤمنين؛ لأنهن في كنف المصطفى -عليه الصلاة والسلام- أفضل الرجال، قال تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ)[ الأحزاب: 16 ].

 

7-بيان مسار العلاقات:

 

فقد حدد الله -سبحانه وتعالى-العديد من العلاقات الاجتماعية، والإنسانية في محكم التنزيل بطريقة المقارنة التي توضح المسار الشرعي في التعامل مع العلاقات المتباينة، فمثلاً: التعامل بين الزوجين في قضية الطلاق، فقد كان للرجل أن يطلق ما شاء دون أن تبين زوجته منه، وهذا ظلم لها، فقال موضحاً:( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة:229]. مثال آخر في مصارف الزكاة فهي طرق لا يمكن تجاوزها وهي ثمانية، قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ) [التوبة: 60].

 

 

8-بيان قدرة الله تعالى:

 

فمن قدرته -سبحانه وتعالى-أن يجعل البحار متلاصقة، متجاورة بحيث لا يتمازجان على الرغم من تلاقيهما، فلكل بحر ماء تختلف خصائصه عن ماء البحر الآخر. وكذلك فهو يخرج المياه العذبة في المياه المالحة، فلا يغلب أحدهما على الآخر، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) [الفرقان: 53]. ومن قدرته -سبحانه وتعالى- أنه المالك لكل شيء لا رادَّ لقضائه، ولا معقب لحكمه، قال تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ *أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) [ الشورى: 49-50]. وفي غزوة بدر أغرى المشركين بالمسلمين حين صوّرهم أكَلَةَ جزور والجمل يكفي مئة نفر فقط، فكأنما استقل المشركون المسلمين فهاجموهم معتقدين سهولة القضاء عليهم، وبالمقابل صور المشركين قلائل في أعين المسلمين؛ فهاجموهم معتقدين سهولة القضاء عليهم، وبالمقابل صور المشركين قلائل في أعين المسلمين؛ كي لا يهابوا كثرتهم، فيصمدوا أمامهم ثم تنقلب الدائرة على المشركين قال تعالى: (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) [ الأنفال: 44].

 

9-ضرب الأمثال:

 

والقرآن فيه ألف مَثَلٍ، كما قال أهل العلم، تدعو للتدبر، والنظر، والاعتبار، فمثلاً كلمة الإيمان "لا إله إلا الله " كالشجرة الطيبة أصلها راسخ في الأرض، وأغصانها ممتدة نحو السماء، تعطي ثمارها -بإذن الله- وتيسيره دائماً، وهذه الثمار العملُ الصالح يصعد إلى السماء، فينال بركته وثوابه في كل وقت. وكلمة الكفر الخبيثة كشجرة الحنظل الخبيثة، استؤصلت من جذورها واقتلعت من الأرض؛ لعدم ثبات أصلها، لا خير فيها، فلا يقبل عمل الكافر مهما عمل؛ لأن عمله ليس له أساس( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) [ إبراهيم: 24 -26]. والمسلم مع هذا يفكّر ويتدبّر ويحسب لكل أمرٍ حسابه، ولا يعمل إلا ما يدخله الجنّة ويبعده عن النار، ويختار آخرته؛ لأن فيها رضى الله-تعالى-نسأل الله حسن الختام والبعد عن الزلل.

 

 

  

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات