خطبة الجمعة أداة فعالة للتغيير وطاقات مهدرة (3-3)

محمد بن لطفي الصباغ

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: بناء الخطبة

اقتباس

موضوعات تتَّصِل بالواقع الإسلامي المؤلم؛ مِن تفرُّق المسلمين وتخلُّفهم عن الركب الحضاري العالمي، لا بدَّ مِن إصلاح هذا الواقع ورفضه، وحثّ المسلمين على أن يُفكِّروا بكيفية إصلاحه، وبيان وجوب قيام المسلمين للعمل بعد الهزائم المُتكرِّرة التي نزلت بساحتهم مِن قِبَل النصرانيَّة واليهودية وقوى الكُفرِ الأخرى، لقد قضوا على وَحدة الأمة الإسلامية وقسَّموا بلادنا دُويلات، وأقاموا فيها أنظمةً لا تَلتزِم دينَ الله -تبارك وتعالى- وتتزعَّم هذه الحروب أمريكا وإنكلترا وفرنسا وإيطاليا وروسيا والصين وغيرها..

 

 

 

سألني سائل: ما هي الموضوعات التي ترى أن يَطرُقها الخطيب في خُطبه؟

 

فقلتُ: هذا سؤال مهم، ولكن يَصعُب استقصاؤها في هذه الكلمة، ولكن الذي يُفيد هنا أن نذكُر ونؤكِّد على طبيعة خطبة الجمعة التي أشَرْنا إليها وهي المَوعِظة، ونستطيع أن نذكُر بعض هذه الموضوعات فيما يأتي:

 

-موضوعات تتَّصِل بالواقع الإسلامي المؤلم؛ مِن تفرُّق المسلمين وتخلُّفهم عن الركب الحضاري العالمي، لا بدَّ مِن إصلاح هذا الواقع ورفضه، وحثّ المسلمين على أن يُفكِّروا بكيفية إصلاحه، وبيان وجوب قيام المسلمين للعمل بعد الهزائم المُتكرِّرة التي نزلت بساحتهم مِن قِبَل النصرانيَّة واليهودية وقوى الكُفرِ الأخرى، لقد قضوا على وَحدة الأمة الإسلامية وقسَّموا بلادنا دُويلات، وأقاموا فيها أنظمةً لا تَلتزِم دينَ الله -تبارك وتعالى- وتتزعَّم هذه الحروب أمريكا وإنكلترا وفرنسا وإيطاليا وروسيا والصين وغيرها.

 

يَنبغي أن يعلم المسلمون هذه الحقيقة، وأن يعلموا أن هؤلاء المذكورين أعداء لنا ولدينِنا، وأنهم جاؤوا بحُكام عسكريِّين من بني جلدتنا وأقاموهم حكامًا بالحديد والنار، يَنبغي أن يُعالج الخطيب هذا الموضوع بحِكمة وجرأة.

 

-موضوعات تحث على التقوى وتدلُّ على الطريقة المُثْلى للتحقُّق بالتقوى؛ يقول رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقِ الله حيثما كنتَ، وأتبعِ السيئةَ الحسَنة تَمحُها وخالق الناس بخلُق حسَن"، وكيفية التلبُّس بالتقوى في عقول الناس وتَفكيرِهم وتصرُّفاتهم مع الجَمعِ بين الخوف والرجاء وَفْق ما جاء في الكتاب والسنَّة.

 

-موضوعات تتَّصل بالدعوة إلى التحلّي بالأخلاق الكريمة والمُعامَلة الحسَنة للآخرين في نطاق الأسرة والحيِّ والمُجتمع.

 

-موضوعات تتَّصل بالاتجاهات الفكرية الغازية، فعلى الخطيب أن يُحذِّر من الأفكار السيئة الهدَّامة التي يُحاول أعداء الله أن يَنشروها بين الناس، ويُبيِّن حكم الله فيمَن يتبنّاها ويدعو إليها.

 

-موضوعات تُحذِّر من العادات السيئة والأخلاق الخسيسَة؛ فرسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إنما بُعِث بمكارم الأخلاق - كما جاء في الحديث الصحيح - فعلى الخطيب أن يَحذر منها، فهناك قنواتٌ فضائيَّة مُنحطَّة ومجلات هابِطة تَسعى جاهدةً لنشْر تلك الأخلاق.

 

-موضوعات تُحذِّر مِن ارتكاب المَعاصي، الكبائر منها والصغائر، فمن الكبائر الزنا واللواط والرِّبا والمُسكِرات والمُخدِّرات والغِيبة والنميمة والكذِب، ومِن المَعاصي شربُ الدُّخان والاختِلاط المُستهتِر بين الرجال والنساء، وتَسكُّع النساء والشباب في الشوارع، وما إلى ذلك.

 

 -موضوعات تُوجَّه إلى الشباب والشابات تُعنى بتربيتهم، وتُذكِّر ببرِّ الوالدَين وصِلة الأرحام، وتُحذِّرهم مِن قُرَناء السُّوء.

 

-موضوعات توجَّه للأغنياء لإخراجهم الزكاة والصدقة على الفقراء ومَعونة الأقرباء.

 

-موضوعات تَخُصُّ الموظَّفين ودعوتهم إلى القيام بواجبهم وإحقاق الحق وتجنُّب ظلم المراجِعين، والتحذير مِن الرِّشوة، وبيان أنها سحتٌ، إلى آخِر ما يُمكِن ذِكرُه مِن الموضوعات.

 

-وهنا موضوعات تتَّصِلُ بأخطاء يقَع فيها بعض المسلمين في العبادة والمُعامَلة، وأخطاء تُردِّدها وسائل الإعلام الخبيثة المُغرِضة، وتشيع أكاذيب باطِلة حول بعض العلماء الصالحين المُتقدِّمين والمُعاصِرين، فلا بدَّ للخَطيب مِن التنبيه عليها وتكذيبها وبيان وجه الحقيقة فيها بالحِكمة الحسَنة.

 

-إن على المسؤولين في وزارات الأوقاف في بلاد المسلمين أن يُمكِّنوا الموهوبين الصالحين من ممارسة هذه المهمَّة العظيمة، وأن يعمَلوا على إيجاد عدد كافٍ مِن الناشئة مِن ذوي المواهب، يُدرَّبون ويُعلَّمون وتُصقَل مواهِبُهم بالمران والمُمارسة حتى تتكوَّن الخِبرة؛ ليَخلُفوا سلفَهم على هذا المنصبِ الخَطير.

 

-ويجب على الخطيب أن يكون على معرفة تامَّة بأوضاع المُخاطبين، وأن يكون واقفًا على التطورات التي عملَت على تغيير بعض المعالم في المُجتمَع؛ ذلك لأنَّ الخُطباء الجهَلة يُفسِدون ولا يُصلِحون؛ لأنهم بجَهلِهم قد يُقرِّرون أمورًا باطلة، ويَشرعون للناس من الدِّين ما لم يأذن به الله، ويُحرِّمون ما أحلَّ الله، وقد يجمعون إلى الجَهلِ النِّفاقَ، فيُجامِلون كل مَن يرجون عطاءه أو نفعه، وهؤلاء قد تتغيَّر مواقفهم بتغير مصالحهم، فقد يكونون في موقع، ثم سَرعان ما تراهُم يتحوَّلون إلى الموقع الذي يُقابله ويُناقِضه!

 

وهناك قوم أوتوا نصيبًا من العلم، ولكنهم حُرِموا الإخلاص والتوفيق، فهم لا يتقون الله في كلامهم ولا في سلوكهم، إنهم يدعون إلى الفضيلة ولا يلتزمون بها في سلوكهم، وهؤلاء - كما يقول الإمام الغزالي والإمام ابن القيم -: "قُطَّاع الطريق إلى الله"، وهم بذلك يصدُّون عن سبيل الله، إنهم يدعونهم إلى الجنة بألسنتِهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، ولسان الحال أبلغ مِن لسان المَقال، والله - عز وجل - يقول:  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) [الصف: 2، 3].

 

وقد يُؤيدون الباطل رغبةً في تحقيق مصلحة يَتطلَّعون إليها، أو رهبة من تهديدات تخيَّلوها أو سمِعوا بها، إنَّ الإنسان ربما كان في ظرف قاهر لا يَستطيع أن يقول كلمة الحق فليَسعْه عندئذ السكوت؛ يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليَقُل خيرًا أو ليسكت"، ولا يَجوز أن يقول كلمة الباطل بحال من الأحوال.

 

ومن الخطباء الذين يقولون هذا الأمرَ العظيمَ رجالٌ لا يعيشون عصرَهم، ولا يَعرِفون أوضاعَ المخاطَبين الذين يُكلِّمونهم، ولا يُدرِكون التطورات التي حلَّت ببلادهم، وغيَّرت كثيرًا من صبغة مُجتمعِهم، فيطرقون موضوعات بعيدةً عن ساحة اهتمام السامعين، فيَملُّونهم وينفِّرونَهم.

 

إن خطبة الجُمعة شعيرة من شعائر الدِّين، وهي وسيلة فعالة؛ ليعود المسلمون إلى دينهم، وليُحكِّموه في حياتهم، فيجب أن تتَّصِف بالحكمة؛ قال الله تعالى: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [البقرة: 269]، ومِن الحِكمة اختيار الموضوع المُناسِب، وإيرادُه بالأسلوب المُناسِب.

 

إنَّ المَسؤولين في وزارات الأوقاف، وأصحاب الأقلام والعلماء ورجال الفكر، مُطالَبون بأن يُعيروا هذا الموضوع ما يَستحِقُّ مِن الاهتِمام.

 

ومِن الأمور التي ينبغي أن يُراعيها الخطيب ألا يَشقَّ على السامعين بالإطالة، ولا سيما في الحرِّ والبرد، إنَّ الكلام الطويل يُنسي آخرُه أوله، ويُضيِّق صدور السامِعين، وفيهم من لا يستطيع الجلوس طويلاً.

 

عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: كنتُ أصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا.

 

وينبغي أيضًا أن يفيد الخطيب من تقدُّم فنِّ الخَطابة الذي أُلِّفت فيه كتب خاصَّة، وينبغي أن يقوم الخطيب بنقد ذاتي لنفسه ويَستعين بآلة التسجيل، وأن يقف على رأي مَن سمعه من العلماء الناصِحين أو بعض الواعين من السامعين.

 

إنَّ مُراعاة ذلك والأخذ به خطوة في تحسين الخطبة والوصول بها إلى الدرجة الفضلى.

 

 قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة: 9].

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن توضَّأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمعَ وأنصت، غُفرَ له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام"[3].

 

إن الخطيب الناجح يَقصِد الناسُ جامعَه، ويَحرِصون على سماعه والانتفاع منه، وبذلك تكون الخطبة أداة فعالة في الإصلاح المنشود، والحمد لله رب العالمين.

 

----------

[1] رواه البخاري برقم: 6018، ومسلم 47، وأبو داود 5154، والترمذي: 2500.

[2] رواه الترمذي: 507، وأبو داود: 1101 و1107، وابن ماجه: 1106، وانظر مسلم: 866.

[3] رواه مسلم برقم: 857، وأبو داود: 1050، والترمذي 498، وابن ماجه: 1090.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات