إستراتجية خرائط المفاهيم (2 /3)

صـلاح فضـل توقه - عضو الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: مقالات

اقتباس

يعد استخدام إستراتجية خرائط المفاهيم من الأدوات والأساليب الدعوية الحديثة في المجال الدعوي، ومن العوامل الفاعلة في تنفيذ الخطيب لإستراتجيته الدعوية، كما تعتبر انعكاسا لمعارفه وعلومه المكتسبة وفي مقدمتها العلوم الشرعية، ومدى قدرته على صياغة هذه العلوم في صور جديدة بما يثري المجال الدعوي ويعود بالنفع على الدعاة والمدعوين.

 

 

 

 

تصميم خرائط المفاهيم    

 

تقع المفاهيم من الأهمية بمكان في حياة الخطيب الدعوية، لأنها بمثابة اللبنات التي يعتمد عليها في بناء معارفه، ويجب عليه أن يحسن إداراتها وصياغتها بصورة قوية، بما يساعده على الربط بينها، وإيجاد العلاقات المباشرة أو غير المباشرة بين المفاهيم ذات التصنيف الواحد، أو بينها وبين مفاهيم أخرى خارج تصنيفها العام، أو كونها تنتمي لعلوم أخرى.

 

وعملية تصميم خرائط للمفاهيم، ليست سهلة ولا بسيطة، بل هي عملية صعبة ومعقدة ومتشابكة، لأنها تسير في عدة اتجاهات وتتطلب اليقظة والدقة وبذل الجهد والوقت وعدم التسرع لإنجازها.

 

وقد وضع العلماء عدة معايير أو شروط يجب مراعاتها عند تصميم خرائط للمفاهيم .

 

المعيار الأول : البنية الهرمية (Hierarchical Structure):

 

حيث يتم تعريف المفاهيم الرئيسية وترتيبها من المفاهيم العامة للأقل عمومية، ويتم الربط بين المفاهيم بخطوط يكتب عليها جملة أو كلمة رابطة، وتستخدم رؤوس الأسهم في نهاية الخطوط الرابطة للإشارة إلى اتجاه العلاقة بين المفاهيم والتي تساعد على تطوير الارتباطات بين المفاهيم المرتبطة بشكل دقيق.

 

مثال تطبيقي : خريطة مفاهيمية هرمية تسلسلية لموضوع الحوالة في المعاملات في الفقه الإسلامي(1)

 

 

المعيار الثاني:  التمايز التقدمي (Progressive Differentiation):

 

التمايز التقدمي هو المعيار الثاني وفي نفس الوقت يعتبر نتيجة لمعايير (البنية الهرمية) وفي هذه العملية يستطيع الخطيب التمييز بين المفاهيم التي تتراكم بفعل زيادة معارفه العلمية عنها، والتي تظهر في الخريطة من خلال التسلسل الهرمي للقضايا بحيث يتم الانتقال من المبادئ والمفاهيم العامة المجردة إلى الخصائص والتفاصيل المحددة، بصورة متسلسلة ومترابطة.

 

مثال تطبيقي: التمايز التقدمي بين خطاب الضمان والكفالة "في الفقه الإسلامي"(2)

 

 

المعيارالثالث: التوفيق التكاملي (Integrative Reconciliation):

 

ويتضمن قيام الخطيب بالربط بين مفهومين أو أكثر وإجراء تعديل لتوليد مفهوم مستحدث يحمل معنى جديدا يوفق بين المفاهيم السابقة واللاحقة ويتميز عنهم، فينظر الخطيب إلى المفاهيم نظرة كلية متكاملة عن طريق الربط بينها سواء كانت عمومية أو أقل عمومية، وكذلك بين المفاهيم التي تقع في نفس المستوى من التصنيف الهرمي والتي تقوم بدورها إلى فهم وإدراك أكثر قوة.

 

مثال تطبيقي: التوفيق التكاملي والربط بين مفهومين  للقواعد الأصولية اللغوية في أصول الفقه

 

فعلماء أصول الفقه جعلوا من الدرس اللغوي المنطلق الأساس في الفهم والاستنباط والتدبر بحيث استطاعوا استثمار ما توصل إليه علماء اللغة من نتائج تخص مباحث الألفاظ والدلالات بحيث أسسوا مباحثهم اللفظية وقواعد استنباطاتهم اللغوية على ما قرره علماء اللغة من نتائج تفرعت إلى قواعد وأصول وضوابط ولم يتأتى لهم ذلك بعد استقرائهم لطبيعة اللغة العربية ومتابعتهم لها في أدائها للمعنى وما يعتري هذا المعنى من تحولات تبعا للسياق والاستعمال.(3)

 

 

خصائص خرائط المفاهيم:

 

أولاً: هرمية ومنظمة:

 

ينبغي أن تكون المفاهيم الأعم والأشمل في قمة الخريطة وتندرج تحتها المفاهيم الأكثر خصوصية والأقل شمولية، مما يعطي سهولة ويسر في تعامل الخطيب مع المفاهيم ويكون أكثر ثباتا عندما توضع المفاهيم الجديدة أو معاني المفهوم تحت مفاهيم أوسع وأشمل.

 

ثانياً:مترابطة ومفسّرة:

 

تعد كلمات وخطوط أو أسهم الربط بين المفاهيم جانبا أساسيا في بناء الخريطة، ويؤخذ في الاعتبار أنه يمكن أن يكون هناك أكثر من طريقة ربط صحيحة، فغالبا ما توجد أكثر من طريقة تكون كلها صحيحة بالتساوي في ربط المفاهيم، ولكن لكل طريقة إيحاء مختلف، وتوفر كلمات وخطوط أو أسهم الربط ملاحظة دقيقة لظلال المعنى التي يمتلكها الخطيب بالنسبة للمفاهيم المتضمنة في خريطته، وتساهم في الكشف عن التنظيم المعرفي لديه.

 

ثالثاً: تكاملية:

 

تعد النظرة التكاملية في بناء الخريطة المفاهيمية ركنا هاما ترتكز عليه فلسفة ووظيفة هذه الخريطة، ذلك أن هذه النظرة التكاملية هي التي تستجلي عمق أو سطحية الفهم لدى الخطيب، ومن خلالها يمكن اكتشاف العلاقات الخطأ التي كوّنها الخطيب عن موضع الخريطة المفاهيمية التي يصممها، ومن جهة أخرى يعد الوصول إلى صورة تكاملية من نسج الخطيب جهداً إبداعياً ومميزاً يمكن توظيفه في تحسين الأداء الدعوي بصفة عامة .

 

رابعاً: مفاهيمية:

 

لقد عرفت المفاهيم بأنها نتاجات عمليات العلم وهي لبناته التي يبنى منها، وهي أساس المعرفـة الني يطبقها أهل العلم، وهي مهمة لأنها اللبنات التي تبنى منها المعرفة العلمية وهي نسيج العلم وأداة بيد مالكها تؤهله لمواكبة التقدم العلمي المستقبلي، ومن هنا نجد أن تطوير بناء مفاهيمي لدى الخطيب ضروري لمساعدته في إدارة كميات المعلومات التي لديه والتفكير في العلاقات التي بينها، مما سيوفر له مباحث جديدة يمكن له أن يطرحها مستقبلاً على ساحة البحث العلمي مع مختلف التخصصات .

 

إستراتيجية خرائط المفاهيم (1/3)

 

 

---------------

(1) عبد الله بن محمود الموصلي, الاختيار لتعليل المختار. تحقيق: زهير الجعيد، بيروت: دار الأرقم،(د.ت)، ج3، ص 5- 7.

(2) محمد عثمان شبير. المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي. عمان: دار النفائس، 1999، ص  295

(3) http://www.nama-center.com/ActivitieDatials.aspx?id=355

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات