السعادة في الرضا

أميمة الجابر

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات:

الراحة هي المبتغى الذي لا يبلغ في الدنيا، والسعادة هي الغاية المأمولة من الحياة بأسرها، والرضا هو السبيل إليهما معا ..

 

فكثير من الناس غير راضين على أحوالهم، ولا عن أنفسهم، ولا عن  شيء قد حققوه في حياتهم، فهم متأسفون على ما مضى إذ لم يجمعوا مالا ولم يصيبوا جاها، ولو جمعوا مالا أو اصابوا جاها فهم ساخطون على أفعالهم فيهما، وكثير من الناس غير راضين عن شئونهم ولا أرزاقهم ولا زوجاتهم ولا أولادهم وربما نما السخط على أنفسهم، فهم يتقلبون ليلا ونهارا بين مشاعر سخط وأفكار أسف، لا يعرفون للرضا طعما ولا يتذوقون له لذة !

 

فالرضا بالحال يجلب لصاحبه طمأنينة النفس وهدوء البال، ويشيع البهجة في حياته، فرحا بكل قليل .

 

أما السخط فما يزيد الانسان إلا اضطرابا دائما، وتمردا وحقدا وحسدا، وكآبة مهما تعددت عنده الخيرات، فهودائما يريد المزيد، بل ويشعر داخل نفسه أنه لا يملك إلا القليل . والشعور بالرضا على الحال مقدور ممكن ووهو ممدوح غاية المدح ، وهناك وقفات مهمة في هذا السبيل :

 

1- علينا أن ننظر لأحوال الآخرين خاصة المهمومين والمكروبين وأصحاب المصائب المختلفة، فمن تفكر في أحوال هؤلاء هان عليه كل ما هو فيه من مشاق، وإلى هذا يلفتنا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمرنا من دعاء عند رؤية أهل البلاء " الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم به "

 

2- علينا ألا ننظر إلى الوراء، وألا نندم على ما فات من أعمارنا دون تحقيق ما نريد، بل يجب الاهتمام بالأيام القادمة مهما كانت قليلة فالأعمال بالخواتيم، فلا قيمة للندم المجرد إلا أن يكون ندما على معصية الله سبحانه وعزما على الطاعة فهذا حسن مراد، لكن الندم على مافات من كسب الدنيا لا يؤثر بشىء إلا جلب الأحزان والقعود عن النجاح .

 

3- لا نغتر بالدنيا، فكلنا يحبها ويتمسك بها، ويسعى للشبع منها، وقد ضرب الله تعالى لها مثلا حيث قال :" واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض، فأصبح هشيما تذروه الرياح، وكان الله على كل شيء مقتدرا " الكهف 45، فلماذا لا نعتبر ممن سبقونا ! فأين الملوك الذين أثاروا الأرض وعمروها ؟ وأين الجبارون الذين كان لهم الغلبة والنفوذ والاستبداد، قد انهار بهم الحال، وصاروا رميما، فغادروها وتركوها ولم يبق غير أعمالهم، وأصبحت الدنيا دنيا لغيرهم، وبقينا نحن بعدهم .  قال عثمان رضي الله عنه في آخر خطبه له :" إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى، لا تبطرنكم الفانية، ولا تشغلنكم عن الباقية، وآثروا ما يبقى على ما يفنى، فإن الدنيا منقطعة، وإن المصير إلى الله "

 

4- التأمل في نعم الله تعالى علينا، وحمده سبحانه " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم "    التكاثر  8،  فنحن نمتلك من النعم الكثير ولكن لا نشعر بها، ولكي تدرك قيمة النعم تفكر لو أنك حرمت منها يوما، عندها ستعلم قدرها وتستشعر فضل الله عليك بها .

 

5- الثقة بالنفس تمنح الإنسان الرضا، فالثقة تدفع صاحبها إلى الأمام وإلى علو همته والسعي للارتقاء، وللعمل الجاد، وتحقيق أهدافه، والثقة بالنفس لا نصل إليها إلا بتمام الثقة بالله سبحانه، فأنت إذن بثقتك بالله سبحانه ثم ثقتك في خطواتك تستطيع أن تعوض ما فات مهما مرت الايام، ولئن فاتت الايام على شىء لايمكن استرجاعه فلابأس فإن هناك غيره والتوكل على الله وإيكال الأمر إليه سبحانه خير في كل حال

 

6- قرب العبد ووصاله بربه بالعبادات والتوبة والاستغفار، يبث داخله الرضا والسعادة الحقيقية .

 

7- فلا يحزن من كان حظه من الدنيا  قلة المال  أو عدم الإنجاب، لأنه قد يجلب المال والولد على صاحبهما الهموم والأحزان، فكم من صاحب أهل وولد ولكنهم غير صالحين، فكانوا من أسباب تعاسته، وأحزانه، واضطراب نفسه، وكم من غنى لا يفارق الشقاء جنبيه، وكم من صاحب جاه ومنزله لكنه لم يذق طعم الاستقرار وراحة البال، فهي زينة مؤقتة، لا تخلو من المنغصات والمسؤوليات التي تحد من الاستمتاع بها، بينما نجد إنسانا لم يحظ بكثير من مال أو جاه أو يفتقد الأهل والولد لكن صدره أوسع من الأرض نفسها، مؤتنس راض بقضاء ربه .

 

8- تعليم النفس الرضا وتدريبها على ذلك ممكن فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول " إنما الصبر بالتصبر "، فالزوج يحاول أن يرضى عن زوجته، ويعلم أنها قد تكون أفضل من غيرها من النساء، والزوجة تحاول أن ترضى عن زوجها وتتذكر حسناته قبل أن تتذكر عيوبه، وكم من امرىء غير راض عن أحواله وساخط على رزقه من مسكن صغير أو سيارة متواضعة أو عمل بسيط ، أو أي شيء من هذا، وربما يكون هذا المسكن أو السيارة أو العمل فيها من الخير مالايعلم وفيها من البشر والفال والبركة ما يخفى عليه .

 

9- لابد أن يعلم المؤمن أن السعادة هى سعادة الحياة الآخرة، والشقاء الحقيقى ليس بنقص مال ولا ولد ولكنه شقاء الآخرة، (يوم يأتى لا تكلم نفس إلا بإذنه، فمنهم شقي وسعيد ) سورة هود من الآية 105،وقوله سبحانه (وجوه يومئذ ناعمة، لسعيها راضية، في جنة عالية ) الغاشية  8 :  10

 

10- الرضا بربوبيته سبحانه متضمن الرضا بتدبيره، وتقديره، وأن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وإذا رضى العبد بربوبيته سبحانه وبألوهيته عز وجل وآمن بأسمائه وصفاته، وقام بحق عبوديته، فقد رضى الله تعالى عنه، وإذا رضى الله تعالى عنه أرضاه، وكفاه، وحفظه، ورعاه . قال النبى صلى الله عليه وسلم ( ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا ) رواه الترمذى

 

11- من سعى نحو الرضا مخلصا ملأ الله قلبه بالرضا مهما زخرفت الدنيا أمامه، فلا يتأثر بما يجد عند غيره،  فالصادق غنى والكاذب في ضيق دائما، والتقي غنى والفاسق في وحشة مستمرة، وفاعل الخير غنى وفاعل الشر متحسر من سوء عمله، والعالم غنى بعلمه والجاهل فقير لضيق وعيه، والصابر غنى مستبشر بجزاء صبره والقانط حزين، والواصل لرحمه غنى  والقاطع لرحمه فقير مهما كان عنده من المال، والبار لوالديه غنى ببركة بره والمسيء لهما فقير محروم من نعمة البر،  والمتصدق الكريم غني لأن الله تعالي يخلفه جزاء عطائه بل  ويضاعفه له والبخيل مهما كثر ماله فقير لانه يشعر بأنه يريد المزيد، والذاكر لله تعالي غني واللاهي عن ذكره فقير، والمطيع لله تعالي سعيد غني والبعيد العاصي فقير شقي، فمن يفتقد هذه الصفات الحسنه لا يعرف للسعادة طريقا مهما تناثرت عليه الثروات والنعم، لم يشعر بقيمتها بل يعيش دائماً مضطرب الاحوال ضيق الصدر .

 

فلو رضينا بما عندنا سعدنا، ولو سخطنا شقينا، ولو رضينا بالقليل من الطعام شبعنا، ولو رفضنا وتبطرنا شعرنا بالفقر، ولو رضينا بما عندنا من ملبس ومسكن هدأ بالنا، ولو نظرنا لما هو أعلي منا تعبنا  .    فلماذا لا نرضي وقد يأتي يوم تفحص فيه الأعمال، ويكثر فيه الزلزال، وتشيب فيه الأطفال ؟   لماذا لا نرضي ونحن نعلم أن أيامنا القادمة هي بقية أعمارنا، فإذا كنا نحلم بالغني فإن خير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى وخير ما ألقي في القلب اليقين، فارض بما قسم الله تعالي لك تكن أغني الناس.

 

المصدر: المسلم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات