في صحبة الغرباء

هند عامر

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

ثمة أسئلة تبقى عصية عن الإجابة، وعصية على الفهم، وتترك في القلب (ثقبا) لا تفتأ تحاول علاجه فلا تفلح، ويبقى ليتسلل منه كل ليلة بعض ذكريات، وشيء من حنين، وكثير من ألم!، وأحدها هذا السؤال: (كم مرة ينبغي أن نقع في فخ الثقة بغريب ظنناه قريبا؟!)

 

(لا تأس على راحل)، (لقد انتهى دورهم في حياتك)، (تدبير الله لقلبك خير من تدبيرك له)، عبارات تغرس في القلب المتألم الكثير من بذور الطمأنينة التي تنمو لتتركك أكثر نضجا ومناعة، لكن القلب الصادق مهما حاول لن يستطيع اتقاء الألم بادعاء اللامبالاة وإنكار التأثر.

 

ورغم أنه لدينا من القناعات الراسخة والمبادئ الثابتة التي تجعلنا لا نثق كثيرا بالصداقات التي تبدأ عبر الشبكات الإلكترونية، لكن حقيقة أن الشبكات الاجتماعية وهبتنا الكثير من الصداقات الصادقة والصحبة المخلصة، جعلتنا نتناسى أن الصداقات الإلكترونية مهما كان الطرف الآخر فيها مشترك معنا في الاهتمامات والقيم ومن أسرة طيبة وبيئة مباركة إلا أنه يبقى (غريب).

 

شبكات التواصل بمثل ما تعطيك تأخذ منك، وربما تتجاوز مجرد الأخذ إلى الانتزاع، تنتزع منك عاطفتك النقية، وعطاؤك الصادق، ونواياك الطيبة، ووفائك الممتد، وتمنحها لزمرة من الغرباء، غرباء الذين أتوا متسربلين بأقنعة الود فتوهمتهم أحبابا، لكنهم لم يكونوا كذلك، هم فقط كانوا من أولئك الذين يأتون، يتصنعون، يتلطفون، يؤذون، يرحلون، ثم لا يعودون!

 

ثم ماذا؟ ثم تصحوا فجأة لتكتشف أن (قلبك بات كمدينة)، مدينة بكل ما فيها من صخب وضجيج، وفرح وحزن، وألفة ووحشة، وثقة وتوجس ومغامرة وتخوف وانتظار! انتظار مزمن ومؤذي ومبهم، انتظار لغرباء مروا، وأوهمونا أن سيبقون للأبد، لكنهم رحلوا وانضموا لقافلة العابرين، وتركوك كمدينة تشتاق الغرباء بقدر ما تكره عودتهم.

 

حالك مع الصحبة الإلكترونية مثل حالك مع لوحة على جدار منسي في ليلة مظلمة، تقترب من زاويتها فتنبهر بجمالها و(تظن) أنك رأيتها كاملة، لكن ذات رحيل، يتسلل (ضوء فجر خافت) يخترق ظلمتك ليكشف لك الصورة كاملة، فتعرف متأخرا بأن ثمة أجزاء غابت عنك، وأن ثمة فجوة بين كلامهم وأفعالهم، وأنك تجهل من تعرف، وتستوحش ممن تحب، وتنفر ممن تحترم، وأن الغريب كان غريباً، وما زال غريباً، وسيبقى غريباً.

 

المصدر: تواصل

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات