كن منصفًا لا منسفًا!

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات:

سعيد صابر

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

 

فالإنصاف معلم مِن معالم الإيمان، قال عمار -رضي الله عنه-: "ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف مِن نفسك وهو العدل في المعاملة، وأن تحكم لغيرك أو عليه بما تحكم لنفسك أو عليها".

 

وهو خلق عزيز نادر مفقود عند الكثيرين، وفي ذلك يقول الله تعالى-: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) (ص:24).

 

هذا ومِن قلة الإنصاف أن يقصِّر معك أخ أو صديق أوزوجة فتنسى وتنسف بهذه الزلة كل سوابق وسوالف الإحسان؛ شأنك شأن مَن لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئًا قالت: "ما رأيت منك خيرًا قط!"؛ ناهيك عن البعداء الذين نعاهم الرسول وبيَّن كيف أنهم صفروا في الإنصاف قائلًا: (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا... ) رابعها: (وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) (متفق عليه)، خالفته أو خاصمته جعلك بذلك صفحة سوداء ومحا بأستيكة الفجر في الخصومة كل حسنة؛ فلم يبقِ ولم يذر!

 

ومِن قلة الإنصاف: تعميم الأحكام كأن يقال: (الأطباء جزارون - المدرسون استغلاليون- المحامون انتهازيون - الحرفيون نصابون – إلخ)، وهذا خلاف القرآن العظيم الذي قدَّم المثل الفذ في الإنصاف، يقول -تعالى- في معرض إنصاف المغضوب عليهم: (وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة:13).

 

بل أنصف الله الحجارة قائلًا: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) (البقرة:74)؛ فأي عدل؟ وأي قسط؟ وأي إنصاف هذا؟!

 

وكما جاء القرآن بالإنصاف فقد صرحت به السُّنة، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) (رواه مسلم).

 

ومِن الإنصاف: أن حسان بن ثابت -رضي الله عنه- كان قد تورط مع مَن تورط في الإفك، ومع ذلك كانت عائشة تكره أن يُسب، وتقول منصفة: إنه القائل:

 

فإن أبي ووالده وعـرضـه                لعرض محمد مـنـكم وقـاء

 

ومن روائع الإنصاف: أن عليًّا وقع بينه وبين عائشة خلاف، ومع ذلك كان يقول عنها: "خليلة رسول الله".

 

ومن عجائب ما ذكر في عالم الإنصاف: أن امرأة تعاقب عليها أربعة رجال يتزوجها رجل ثم يطلقها، ثم يتزوجها الآخر ثم يطلقها، ومع ذلك كانت إذا ذُكروا أثنتْ عليهم خيرًا، وإذا ذُكرتْ أثنوا عليها خيرًا!

 

كانت هذه -قارئي الكريم- أسطرًا في الإنصاف؛ فكن منصفًا لا منسفًا.

 

وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم            إن الـتشبـه بالمنصفيـن فـلاح

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

المصدر: الفتح

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات