حب الرئاسة والجاه - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات:

اقتباس

طبع النفس البشرية غير المهذبة بالأخلاق والمبادئ والقيم على حب المنصب والجاه، بل وبذل المال الذي هو أحد المحبوبات الفطرية للحصول على المواقع الظاهرة في المجتمع وتقلد المناصب الحساسة والسيادية، وإن شهوة المنصب تعد أكبر الشهوات وأكثرها إلحاحًا، فهي أعظم من شهوة المال والجنس والبطن، حيث هي مكنونة في الضمير البشري، ومخفية في باطن النفس الإنسانية ..

من خلال متابعة الأوضاع الحالية -لاسيما الوقائع التاريخية التي حدثت في تونس ومصر وتحدث الآن في ليبيا- نلحظ لأول وهلة مدى تعلق الحكام في تلك البلدان وفي غيرها من الدول العربية واستمساكهم بالسلطة، بل ومحاولة الالتفاف والخداع وممارسة ثورات مضادة حول الثورات الأصلية لإبقاء الرؤساء والحكام والمسؤولين الحكوميين في مواقعهم، أو على أقل تقدير تغيير بعض الوجوه والصور والتضحية ببعض أذيال الأنظمة من الوزراء والمتنفذين في الحكومة لبقاء النظام الأصلي وممارسته لأعماله سواء في الإفساد الداخلي ونهب مقدرات الدول وسياستها، أم في العمالة الخارجية للدول العظمى التي تكرس منذ قرون لتبعية الدول العربية والإسلامية لها وتنفيذ مخططاتها الاستعمارية في الوطن العربي وما وراءه من الدول الإسلامية.

 

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلى بعد آخر وقع خلال الثورتين ولا يزال يقع في الثورة الثالثة، فمنظومة الحكم المستبد والديكتاتوري التي تجذَّرت في هاتيك الدول الثلاث وغيرها من الدول المجاورة لا ترى حرجًا مطلقًا في أن تقتل من شعبها من تقتل في سبيل الاحتفاظ لأطول فترة ممكنة بعروشها ومناصبها، وهو ما وقع خلال ثورتي تونس ومصر ولا يزال يقع حتى هذه اللحظة على يد الرئيس الليبي معمر القذافي الذي استنفر قوات جيشه وشرطته ومرتزقة أفارقة ليقتل مواطني بلده الثائرين ضده وينهب خيراتهم بل ويغتصب أيضًا نساءهم، وإننا لا نكون مبالغين إذا قلنا: إن هذه الأنظمة على استعداد كذلك لإبادة تلك الشعوب عن بكرة أبيها لأجل إطالة أمد بقائها ولو لأيام معدودات.

 

فما السر وراء تمسك الأنظمة بهذه المناصب؟

لكيلا نكون مجافين للحقيقة فإن أحد أهم جوانب استبسال الحكام المستبدين في الدفاع عن مواقعهم هو تشجيع منظومات الحكم في الدول الغربية لتكريس الديكتاتوريات في الدول الإسلامية والعربية، لكي يظل المارد العربي والإسلامي منزويًا في قمقمه مكبوتًا مخنوقًا لا يرى نور الحرية ولا يشعر بدفء شمسها، لئلا يستيقظ هذا العملاق ليقف في وجه الغطرسة الغربية والظلم العالمي الذي بات أمرًا واقعًا في التعاطي مع القضايا العربية الإسلامية والعالمية.

 

هذا أحد جوانب الصورة، وأما الجانب الآخر الذي لا يقل في أهميته عن ذلك هو طبع النفس البشرية غير المهذبة بالأخلاق والمبادئ والقيم على حب المنصب والجاه، بل وبذل المال الذي هو أحد المحبوبات الفطرية للحصول على المواقع الظاهرة في المجتمع وتقلد المناصب الحساسة والسيادية، وإن شهوة المنصب تعد أكبر الشهوات وأكثرها إلحاحًا، فهي أعظم من شهوة المال والجنس والبطن، حيث هي مكنونة في الضمير البشري، ومخفية في باطن النفس الإنسانية، تلحّ باستمرار على صاحبها للخروج والانطلاق من أسر ضلوعه، ومتى ما تمكنت من ذلك فإنها تنطلق غير عابئة بالتضحيات التي يمكن أن تُقدَّم لأجل فكها من أسرها؛ لذا فمتى انطلقت هذه الشهوة وعاش بها صاحبها استعبدته، وأوقعته هي في أَسْرِها، لا يستطيع منها فكاكًا، فهو يدور معها حيث دارت، فإذا أمرته انصاع، وإذا نهته انقاد، ولا يراعي خلال ذلك كله حرمة لنفس أو مال أو عِِرض، وفى ذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامةً يوم القيامة، فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة".

 

ومن عوارض هذا المرض تضخم الذات حتى تعلو فوق كل من جاورها، فلا يرى صاحبها إلا نفسه، ويستحيل من حوله مجرد أقزام لا يطاولون قدراته ومهاراته في التخطيط والتنفيذ والإدراك لمشكلات الشعب، وهذا ما أوحى لفرعون مصر الأول أن يهتف بها عاليًا: (أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى)، فالطاغية يرى نفسه الزعيم الملهم، مفجّر الثورات، وقامع النعرات، وحامي الحمى، لذا يستهين بكل ما من شأنه أن يساعد في نهضة البلاد وتنمية مكتسباتها، ويرى كل ذلك مجرد عبث هدفه التسلية والترويح وإضاعة الأوقات، فيصاب بالنرجسية، فيري أنه الأفضل والأذكى والأقوى، والناس جميعًا أقل منه فضلاً وقوة وذكاءً؛ ولذلك يبيح لنفسه استغلالهم والسخرية منهم والاستهزاء بإمكاناتهم التي ربما فاقت كثيرًا ما لديه من إمكانات، فيستشري الفساد في بلاده، وتعمها الفوضى، ويتصدر للأمر من ليس من أهله لمجرد أن القائد الملهم يرغب في ذلك، وينطق لسان حاله: أنا الدولة والدولة أنا. وهو ما يسمى بشخصنة الدولة واختصارها في شخص الزعيم القائد؛ قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ).

 

ومع الأسف تساعد الشعوب على ترسيخ هذا المفهوم عند الطاغية المستبد عندما تغرق في مدحه والثناء عليه بما يقطم الظهر ويعين عليه شيطانه ونوازع نفسه الخبيثة، (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ)، فيستطيل في أعراض الناس وأموالهم بطريقة زائدة عما كان يفعل، حيث يراهم يصفقون له كلما نهب واستبد وظلم، فيزيد استبداده، ويتغول على رعيته وشعبه، بل ويرى مصلحتهم في إذلالهم ونهبهم، وكلما أحكم قبضته عليهم شعر بمزيد من العظمة والغرور والعشق لنفسه، فيزداد حبه للمدح والثناء، ويُستفَزُّ جدًّا من التجاهل والنقد، بل يصبح الناقد الذي يرجو مصلحة بلاده عدوًّا لدودًا عميلاً، لا لشيء سوى لأنه ينتقد القائد الزعيم أو أحد مكونات منظومة حكمه.

 

وليس أضر على الحاكم والمحكوم من طلب الحاكم للولاية وحرصه عليها وطلب الشرف والجاه والمال من خلالها، وهذا هو ما سوف نتعرض له في مختاراتنا لهذا الأسبوع، داعين الله تعالى أن يصلح حكامنا، ويقيمهم على الجادة والصواب؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

العنوان
حب الرئاسة والجاه - خطب مختارة

الخطبة الأولى:

2018/11/11 158 0 0
حب الرئاسة والجاه - خطب مختارة

الخطبة الثانية:

2018/11/11 78 0 0
حب الرئاسة والجاه - خطب مختارة

الخطبة الثالثة:

2018/11/11 107 0 0
حب الرئاسة والجاه - خطب مختارة

الخطبة الرابعة:

2018/11/11 114 0 0
حب الرئاسة والجاه - خطب مختارة

الخطبة الخامسة:

2024/02/08 0 0 0

المرفقات

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات