زيغ

2022-10-06 - 1444/03/10

التعريف

الزيغ لغة: "الزاء والياء والغين أصلٌ يدل على مَيَل الشيء. يقال زاغ يَزيغُ زَيْغاً. والتَّزَيُّغ التَّمايُل، وقوم زاغَةٌ، أي زائغون، وزاغَت الشمس، وذلك إذا مالت وفاء الفيء. وقال الله جلَّ ثناؤه: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ)[الصف:5]، فأمَّا قولهم: تزيّغت المرأةُ، فهذا من باب الإبدال، وهي نونٌ أبدلت غيناً"(مقاييس اللغة).   وفي حديث الدُعاءْ "لا تُزِغْ قَلْبِي"؛ أي لا تُمله عن الإيمان. يقال: زاغَ عن الطَّريق يَزيغُ إذا عَدَل عنه. ومنه حديث أبي بكر -رضي الله عنه- "أخافُ إنْ تركتُ شيئاً من أمْره أن أزيغ" أي أجُور وأعْدل عن الحقِّ - وحديث عائشة -رضي الله عنها- (وإذْ زاغَت الأبصارُ) أي مالت عن مَكانِها كما يَعْرض للإنْسان عندَ الخَوف (النهاية في غريب الحديث والأثر).   الزيغ اصطلاحا: "هو الخروج عن الحق، إما بالشرك، وإما بالبدعة، وإما بالشبهة، وإما بالشكوك، وإما بالجرأة، والقول على الله بغير علم، هذا من أعظم أبواب الزيغ"(شرح لمعة الاعتقاد؛ أ.د. نـاصر بن عبد الكريم العقل).    

مادة: غي

العناصر

1- خطر الزيغ والبعد عن الدين   2- الخشية من الزيغ شأن أُولِي الألباب   3- أنواع الزيغ   4- أسباب الزيغ   5- وسائل السلامة من الزيغ   *مادة (غي وإغواء)      

الايات

1- قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)[آلِ عِمْرَانَ:7].   2- قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[آل عمران:99].   3- قال الله تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا)[النساء:27].   4- قال الله تعالى: (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ)[الأعراف:44-45].   5- قال الله تعالى: (وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)[الأعراف:86].   6- قال الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[الأعراف:175-176].   7- قال الله تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة:117].   8- قال الله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)[هود:19].   9- قال الله تعالى: (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيد)[إبراهيم: 2-3].   10- قال الله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)[إبراهيم:27].   11- قال الله تعالى: (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النور:63].   12- قال الله تعالى: (وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ)[الأحزاب:10].   13- قال الله تعالى: (أَتَّخَذنَاهُمْ سخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ)[ص:63].   14- قال الله تعالى: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى)[النجم:17].   15- قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)[الصف:5].  

الاحاديث

1- عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: تَلا رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- هذِه الآيَةَ: (هو الذي أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ، منه آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ، وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فأمّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ منه ابْتِغاءَ الفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ والرّاسِخُونَ في العِلْمِ يقولونَ آمَنّا به كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنا وما يَذَّكَّرُ إلّا أُولو الألْبابِ) قالَتْ: قالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فَإِذا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ منه فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمّى اللَّهُ فاحْذَرُوهُمْ"(رواه البخاري:4547، ومسلم:2665).   2- عن شهر بن حوشب قال: قُلتُ لأمِّ سلمةَ: يا أمَّ المؤمنينَ ما كانَ أَكْثرُ دعاءِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا كانَ عندَكِ؟ قالَت: كانَ أَكْثرُ دعائِهِ: يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ قالَت: فقُلتُ: يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرُ دعاءكَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ؟ قالَ: يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ، فمَن شاءَ أقامَ، ومن شاءَ أزاغَ؛ فتلا معاذٌ (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا)"(أخرجه الترمذي:٣٥٢٢، وصححه الألباني).   3- عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- وعظنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم موعظةً ذَرَفتْ منها العيونُ ووجلت منها القلوبُ، فقلنا: يا رسولَ اللهِ إن هذه لموعظةُ مودَّعٍ فماذا تعهد إلينا؟ قال: "قد تركتكم على البيضاءِ ليلُها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالكٌ من يعشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بما عرفتُم من سنتي وسنةِ الخلفاء الراشدين المهديِّين، عَضُّوا عليها بالنواجذِ وعليكم بالطاعةِ وإن عبدًا حبشيًا، فإنما المؤمنُ كالجملِ الأنِفِ حيثما قِيدَ انقادَ"(أخرجه أبو داود:٤٦٠٧، والترمذي:٢٦٧٦، وابن ماجه:٤٣ واللفظ له، وصححه الألباني).   4- عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- "الفَقْرَ تَخافون؟ والَّذي نفْسي بيدِهِ لَتُصَبَّنَّ عليكُمُ الدُّنيا صَبّا، حتّى لا يُزيغَ قلْبَ أحدِكُم إنْ أَزاغَهُ إلّا هي، وأَيْمُ اللهِ، لقد تَرَكْتُكُم على مِثْلِ البيضاءِ، ليلُها ونهارُها سواءٌ"(أخرجه ابن ماجه:٥، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:٩).  

الاثار

1- قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته ويذهبون إلى رأي سفيان والله -تعالى- يقول: (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النور:63]، أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك. لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك"(كتاب التوحيد؛ للإمام محمد بن عبدالوهاب).

القصص

1- قال الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[الأعراف:175-176].

الاشعار

1- قال ابن القيم -رحمه الله-: والله ما خوفي الذنوب وإنها *** لعلى سبيل العفو والغفرانِ لكن خوفي أن يزيغ القلب عن *** تحكيم هذا الوحي والقرآنِ ورضاً بآراء الرجال وخرصها *** لا كان ذاك بمنة الرحمنِ

متفرقات

1- قال الطبري: عند قوله تعالى: (أَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ) قال: "يعني بقوله جل ثناؤه: " فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ"، ما تشابهت ألفاظه وتصرَّفت معانيه بوجوه التأويلات، ليحققوا بادّعائهم الأباطيلَ من التأويلات في ذلك = ما هم عليه من الضلالة والزّيغ عن محجة الحقّ، تلبيسًا منهم بذلك على من ضعفت معرفته بوجوه تأويل ذلك وتصاريف معانيه"(تفسير الطبري).   2- قال الآلوسي عند قوله تعالى: (أَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) قال: "وفي جعل قلوبهم مقرا للزيغ مبالغة في عدولهم عن سنن الرشاد وإصرارهم على الشر والفساد"(تفسير روح المعاني).   3- قال ابن عثيمين رحمه الله: عند قوله تعالى: (أَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) " أي: ميل عن الحق، ولا يريدون الحق، يتبعون المتشابه، فتجدهم -والعياذ بالله- يأخذون آيات القرآن التي فيها اشتباه حتى يضربوا بعضها ببعض، وما أكثر هذا عند النصارى، النصارى الآن يُدخلون تشكيكات كثيرة على المسلمين في المتشابه، مثلًا يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، عندنا دليل، ألستم تقرؤون في القرآن: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا)، (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ)؟ صيغة الضمير صيغة جمع، إذن فالله تعالى أكثر من اثنين، ثلاثة، وهكذا يأتون بأشياء يموهون بها على الناس؛ لأن في قلوبهم زيغًا"(تفسير القرآن الكريم).   4-  الشيخ ابن سعدي رحمه الله عند قوله تعالى: (أَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) قال: "أي ميل عن الاستقامة بأن فسدت مقاصدهم، وصار قصدهم الغي والضلال وانحرفت قلوبهم عن طريق الهدى والرشاد (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) أي: يتركون المحكم الواضح ويذهبون إلى المتشابه، ويعكسون الأمر فيحملون المحكم على المتشابه (ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ) لمن يدعونهم لقولهم، فإن المتشابه تحصل به الفتنة بسبب الاشتباه الواقع فيه، وإلا فالمحكم الصريح ليس محلا للفتنة، لوضوح الحق فيه لمن قصده اتباعه"(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان).   5- قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عند قوله تعالى: (أَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) "من علامة الزيغ أن يتبع الإنسان المتشابه من القرآن سواء تبعه بالنسبة لتصوره فيما بينه وبين نفسه وصار يُورد على نفسه آيات متشابهات، أو كان يتبع ذلك بالنسبة لعرض القرآن على غيره، فيقول للناس مثلًا: ما تقولون في كذا وكذا؟ ويأتي بالآيات المتشابهات بدون أن يحلها، ولهذا من الخطر العظيم أن تُورد سواء للطلبة أو للعامة آيات متشابهة دون أن تبين حل إشكالها؛ لأنك إذا فعلت هذا أوقعتهم في الحيرة والشك، وصرت كمن ألقى الإنسان في بحر لا يستطيع الخلاص منه ولم تخلصه، وهذا يقع من بعض المتحذلقين من طلبة العلم أنه يورد الآيات المتشابهات ثم يقف، يقف ولا يبيِّن للناس وجه هذا التشابه فيوقع الناس في حيرة وهو لا يشعر"(تفسير القرآن العظيم).   6- قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله عند قوله تعالى: (مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ) قال: "يوبخ تعالى أهل الكتاب من اليهود والنصارى على كفرهم بآيات الله التي أنزلها الله على رسله، التي جعلها رحمة لعباده يهتدون بها إليه، ويستدلون بها على جميع المطالب المهمة والعلوم النافعة، فهؤلاء الكفرة جمعوا بين الكفر بها وصد من آمن بالله عنها وتحريفها وتعويجها عما جعلت له، وهم شاهدون بذلك عالمون بأن ما فعلوه أعظم الكفر الموجب لأعظم العقوبة"(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان).   7- قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله عند قوله تعالى: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا) قال: "أي: أن تنحرفوا عن الصراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم والضالين. يريدون أن يصرفوكم عن طاعة الرحمن إلى طاعة الشيطان، وعن التزام حدود من السعادة كلها في امتثال أوامره، إلى مَنِ الشقاوةُ كلها في اتباعه. فإذا عرفتم أن الله تعالى يأمركم بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم، وأن هؤلاء المتبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسار والشقاء، فاختاروا لأنفسكم أوْلى الداعيين، وتخيّروا أحسن الطريقتين"(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان).   8- قال القرطبي -رحمه الله- عند قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا) قال: "واختلف في تعيين الذي أوتي الآيات فقال ابن مسعود وابن عباس: هو بلعام بن باعوراء، ويقال: ناعم، من بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام، وكان بحيث إذا نظر رأى العرش وهو المعني بقوله: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا) ولم يقل آية، وكان في مجلسه اثنتا عشرة ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه، ثم صار بحيث أنه كان في أول من صنف كتابا في أن ليس للعالم صانع"(تفسير القرطبي).   9- قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله عند قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا) "يقول تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا)؛ أي: علمناه كتاب اللّه، فصار العالم الكبير والحبر النحرير. (فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ)؛ أي: انسلخ من الاتصاف الحقيقي بالعلم بآيات اللّه، فإن العلم بذلك، يصير صاحبه متصفا بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويرقى إلى أعلى الدرجات وأرفع المقامات، فترك هذا كتاب اللّه وراء ظهره، ونبذ الأخلاق التي يأمر بها الكتاب، وخلعها كما يخلع اللباس. فلما انسلخ منها أتبعه الشيطان، أي: تسلط عليه حين خرج من الحصن الحصين، وصار إلى أسفل سافلين، فأزه إلى المعاصي أزا. فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ بعد أن كان من الراشدين المرشدين"(تيسير الكريم الرحمن).   10- قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله عند قوله تعالى: (أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) قال: "فصدفوا أنفسهم عنها ظلما، وصدوا عن سبيل اللّه بأنفسهم، وصدوا غيرهم، فضلوا وأضلوا. واللّه تعالى يريد أن تكون مستقيمة، ويعتدل سير السالكين إليه، (وَ) هؤلاء يريدونها (عِوَجًا) منحرفة صادة عن سواء السبيل، (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ) وهذا الذي أوجب لهم الانحراف عن الصراط، والإقبال على شهوات النفوس المحرمة، عدم إيمانهم بالبعث، وعدم خوفهم من العقاب ورجائهم للثواب"(تيسير الكريم الرحمن).   11- قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله عند قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) قال: "إن كان الانحراف في أصل الدين، كان كفرا، وإن كان في شرائعه، كان بحسب تلك الشريعة، التي زاغ عنها، إما قصر عن فعلها، أو فعلها على غير الوجه الشرعي"(تيسير الكريم الرحمن)‏.‏   12- قال ابن عاشور رحمه الله عتد قوله تعالى: (وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ): "زيغ البصر أن لا يرى ما يتوجه إليه، أو أن يريد التوجه إلى صوب فيقع إلى صوب آخر من شدة الرعب والانذعار"(التحرير والتنوير).   13- قال ابن كثير -رحمه الله- عند قوله تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) قال:" لما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به، أزاغ الله قلوبهم عن الهدى، وأسكنها الشك والحيرة والخذلان، كما قال تعالى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[الْأَنْعَامِ:١١٠] وقال: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[النِّسَاءِ:١١٥] ولهذا قال الله تعالى في هذه الآية: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)"(تفسير القرآن العظيم).   14- قال الإمام ابن باز رحمه الله: "القلب له إقبال وإدبار لا شك، فعند ذكر الله، وتدبر القرآن، وذكر الآخرة، والجنة والنار، والموت يكون له إقبال، وعند معافسة الأزواج، أو الشهوات، أو التجارة؛ قد يغفل، فينبغي له .. ينبغي للمؤمن أن يحرص على أسباب إقباله على الله، بالحرص على قراءة القرآن، والإكثار من ذكر الله، وذكر الآخرة والجنة والنار حتى يستقر القلب متوجهًا إلى الله جل وعلا، راغبًا فيما عنده سبحانه. وينبغي أن يحذر أسباب الانصراف والانحراف من الملاهي، ومجالسة السفهاء وغير هذا مما يصده عن الخير والحق، ومما يسبب إعراض قلبه. فالمقصود أن مجالسة الأخيار، والإكثار من ذكر الله، والإكثار من قراءة القرآن، والتفكر في الآخرة، والجنة والنار؛ هذا من أسباب الإقبال، والرغبة فيما عند الله، ومن أسباب صلاح القلب، ومن أسباب خشوعه، وإذا أعرض الإنسان عن ذلك، واشتغل بالدنيا وتجارتها، وأهلها بالتحدث معهم، وأهل القيل والقال؛ فهذا من أسباب انحراف القلب. وأشد من هذا المعاصي والمخالفات، والغفلة عن ذكر الله"(موقع ابن باز رحمه الله).   قال د. الأمين الصادق الأمين: "وهنالك أمور تعارض الأمر بلزوم المنهج، وتؤدي إلى العدول عنه، وتصرف السائر عن الثبات عليه، أورد أهمها في المطالب الآتية: 1- اتباع الهوى 2- تحكيم العقل والرأي 3- مقارفة البدع 4- التأويل بغير حجة 5- اتباع المتشابه 6- الجدال المذموم 7- التقليد بغير دليل 8- التحزب"(الثبات على دين الله وأثره في حياة المسلم:2-847).