شهر محرم

2022-10-11 - 1444/03/15

التعريف

المحرم أو شهر المحرم هو أول شهور العام، سمِّي بذلك لأن العرب في الجاهلية كانوا يحرِّمون فيه القتال، ويجمع على محرمات ومحارم ومحاريم (انظر: صبح الأعشى:2-401، ولسان العرب:2-845؛ مادة: حرم).

 

وكانت العرب العاربة تسميه المؤتمِر أخذاً من أمِرَ القوم إذا كثروا، بمعنى أنهم يحرِّمون فيه القتال فيكثرون، وقيل: أخذاً من الائتمار بمعنى أنه يؤمر فيه بترك الحرب، ويجمع على مؤتمرات ومآمر ومآمير (انظر: صبح الأعشي:2-405).

 

 

قال الحافظ أبو الفضل العراقي: "ما الحكمة في تسمية المحرم شهر الله والشهور كلها لله؟ يحتمل أن يقال لما كان من الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال وكان أول شهور السنة أضيف إليه إضافة تخصيص ولم يصح إضافة شهر من الشهور إلى الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا شهر الله المحرم"(شرح سنن النسائي؛ للسيوطي:3-207).

العناصر

1- مشاورة عمر رضي الله عنه للصحابة من أين تبدأ السنة؟

 

2- مخالفة المشركين في هديهم وعيدهم

 

3- فضائل شهر المحرم

 

4- خصائص شهر المحرم

 

5- قصة بدء التأريخ الهجري

 

6- التحذير من بدع وأحاديث منسوبة لشهر المحرم

 

7- مواقف من غزوة خيبر.

 

الايات

1- قال الله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة:36].

 

  2- قال تعالى: (وَالْفَجْرِ)[الفجر:1].

 

الاحاديث

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل"(رواه مسلم:1982).

 

2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ: أيُّ الصِّيامِ أفضلُ بعدَ شَهْرِ رمضانَ؟ قالَ: "شَهْرُ اللَّهِ الَّذي تدعونَهُ المُحرَّمَ"(رواه ابن ماجه:١٤٢٧، وصححه الألباني).

 

3- عن علي رضي الله عنه: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الل ، أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان؟ قال : "إن كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله فيه يوم تاب فيه على قوم ويتوب فيه على قوم آخرين"(أخرجه الترمذي:741، وضعف الألباني).

 

4- عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ، مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى، وَشَعْبَانَ"(أخرجه البخاري:4662، ومسلم:1679).

 

5- عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله: "ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكراً فنحن نصومه، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه"(رواه مسلم:١١٣٠).

 

  6- عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: "ما عَدُّوا من مَبْعَثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا من وفاتِهِ، ما عَدُّوا إلا من مَقْدَمِهِ المدينةَ"(رواه البخاري:٣٩٣٤).

 

7- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: " كانوا يَرونَ أنَّ العُمرةَ في أشهرِ الحجِّ من الفُجورِ في الأرض، وكانوا يُسَمُّونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا، ويقولون: إذا بَرا الدَّبَرْ، وعفا الأثَر، حَلَّتِ العُمرَةُ لمنِ اعتَمَرْ . قال: فقدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصْحابُهُ رابِعَةً مُهِلِّينَ بالحجِّ، وأمرَهمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَجْعَلوها عُمرَةً، قالوا: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الحِلِّ؟ قال: "الحِلُّ كُلُّهُ"(رواه البخاري:٣٨٣٢، ومسلم:١٢٤٠).

 

8- عن الحكم بن الأعرج قال: " أتيت ابن عبًاس وهو متوسد رداءه في المسجد الحرام فسألته عن صوم يوم عاشوراء فقال: "إذا رأيت هلال المحرم فاعدد فإذا كان يوم التاسع فأصبح صائما" فقلت: كذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يصوم؟ فقال: "كذلك كان محمد صلى الله عليه وسلم يصوم"(رواه أبو داود:٢٤٤٦).

 

9- عن معبد القرشي رضي الله عنه قال: أُتيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقديدٍ فأتاهُ رجلٌ فقالَ لهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أطعمتَ اليومَ شيئًا ليومِ عاشوراء؟" قالَ: لا إلَّا أنِّي شربتُ ماءً قالَ: "فلا تطعم شيئًا حتَّى تغربَ الشَّمسُ وأْمُر من وراءكَ أن يصوموا هذا اليوم"(أخرجه الطبراني:٢٠-٣٤٢)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد:٣-١٩٠: رجاله ثقات).

 

الاثار

1- عن عثمانَ - رضي الله عنه - أنه قال في المُحَرّمِ: "هذا شهْرُ زكاتكُم فمن كانَ عندهُ ديْنٌ فليقْضِ دينَهُ ثم ليزُكّ بقيةَ مالهِ"(أخرجه مالك في «الموطأ» (١/٢٥٣، وصححه الألباني في إرواء الغليل:٧٨٩).

 

 2- عنِ ابنِ عباسٍ في قولِهِ تعالى: (وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ) قالَ: "الفجرُ شَهْرُ المحرَّمِ هوَ فَجر السَّنَةِ"(الأمالي المطلقة:24، قال ابن حجر: موقوف حسن الإسناد).

 

 3- عن عُبيدِ بن عُمَيرٍ قالَ: "إنَّ المُحرَّمَ رأسُ السَّنةِ تكتبُ فيه الكتُبُ وفيه يؤرَّخُ التاريخُ ويُصرَّفُ فيه الرزقُ"(قال ابن الملقن في شرح البخاري:٢٠-٥٦٩: ذكره ابن أبي شيبة في تاريخه بإسناده جيد).

 

4- قال أبو عثمان النهدي: "كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان, والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من محرم"(لطائف المعارف:35).

 

5- عن وهب بن منبه قال: "أوحى الله تعالى إلى موسى -عليه السلام- أن مر قومك أن يتوبوا إلي في أول عشر المحرم، فإذا كان يوم العاشر فليخرجوا إلي؛ أغفر لهم"(لطائف المعارف:35).

 

6- عن قتادة: "أن الفجر الذي أقسم الله به في أول سورة الفجر هو فجر أول يوم من المحرم, تنفجر منه السنة"(لطائف المعارف:35).

 

7- عن وهب: "إن الله تعالى أوحى إلى موسى -عليه السلام-: أن مر قومك يتوبوا إلي في أول عشر المحرم، فإذا كان يوم العاشر فليخرجوا إلي حتى أغفر لهم"(لطائف المعارف:35).

 

8- عن قتادة بن دعامة -رحمه الله- أنه قال: "إِنَّ الظُّلْمَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً وَوِزْرًا مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهُ، وإن كان الظلم -على كل حال- عظيما، وكأن الله يعظم من أمره ما شاء"(تفسير ابن أبي حاتم:1793).

 

9- عن الحسن قال: "إن الله افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهر حرام فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم"(لطائف المعارف:34).

 

10- قيل: "إن العشر الذي أتم الله به ميقات موسى عليه السلام أربعين ليلة وإن التكلم وقع في عاشره"(لطائف المعارف:35).

 

القصص

1- أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْم الْفَضْل بْن دُكَيْن فِي تَارِيخه وَمِنْ طَرِيقه الْحَاكِم مِنْ طَرِيق الشَّعْبِيّ " أَنَّ أَبَا مُوسَى كَتَبَ إِلَى عُمَر : إِنَّهُ يَأْتِينَا مِنْك كُتُب لَيْسَ لَهَا تَارِيخ ، فَجَمَعَ عُمَر النَّاس ، فَقَالَ بَعْضهمْ : أَرِّخْ بِالْمَبْعَثِ ، وَبَعْضهمْ أَرِّخْ بِالْهِجْرَةِ ، فَقَالَ عُمَر : الْهِجْرَة فَرَّقَتْ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل فَأَرِّخُوا بِهَا ، وَذَلِكَ سَنَة سَبْع عَشْرَة . فَلَمَّا اِتَّفَقُوا قَالَ بَعْضهمْ اِبْدَءُوا بِرَمَضَان فَقَالَ عُمَر : بَلْ بِالْمُحَرَّمِ فَإِنَّهُ مُنْصَرَف النَّاس مِنْ حَجّهمْ ، فَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ"(فتح الباري).

 

2- قال ابن إسحاق: "أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة حين رجع من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم، ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر" بقية غزوة خيبر ستجدها في (البداية والنهاية:6-249).

 

الاشعار

1- قال أحدهم:

شَهرُ الحَرَامِ مُبَاركٌ مَيمُونُ *** والصَّومُ فِيهِ مُضَاعَفٌ مَسنُونُ

وَثُوَابُ صَائِمِهِ لِوَجهِ إِلَهِه *** فِي الخُلدِ عِندَ مَلِيكِهِ مَخزُونُ

(لطائف المعارف:36)

 

 2- قال أحدهم:

قطعت شهور العام لهوا وغفلة *** ولم تحترم فيما أتيت المحرما

فلا رجبا وافيت فيه بحقه *** ولا صمت شهر الصوم صوما

متمما ولا في ليالي عشر ذي الحجة الذي *** مضى كنت قواما

ولا كنت محرما فهل لك أن تمحو *** الذنوب بعبرة وتبكي عليها

حسرة وتندما وتستقبل العام الجديد بتوبة *** لعلك أن تمحو بها ما تقدما

(لطائف المعارف:36)

متفرقات

1- قال النووي رحمه الله عند حديث: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم": "تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم، وأما إكثار النبي -صلى الله عليه وسلم- من صوم شعبان دون المحرم فجوابه من وجهين: أحدهما: لعله إنما علم فضله في آخر حياته ، والثاني: لعله يعرض فيه أعذار من سفر أو مرض أو غيرهما"(شرح مسلم:8-55).

 

2- قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "إن الصحابة الذين جمعهم عمر تشاوروا من أي شهر يبدؤون السنة، فقال بعضهم: من ربيع الأول؛ لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- مهاجرا إلى المدينة.   وقال بعضهم: من رمضان؛ لأنه الشهر الذي نزل فيه القرآن، واتفق رأي عمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- على ترجيح البداءة بالمحرم؛ لأنه شهر حرام، ويلي ذي الحجة الذي فيه أداء الناس حجهم الذي به تمام أركان الإسلام؛ لأن الحج آخر ما فرض من الأركان الخمسة، ثم إنه يلي الشهر الذي بايع فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- الأنصار على الهجرة، وتلك المبايعة من مقدمات الهجرة، فكان أولى الشهور بالأولية: شهر المحرم".

 

3- قال الإمام العيني رحمه الله: "وعن ابن عباس قدم النبي - صلى الله عليه وسلم المدينة وليس لهم تاريخ وكانوا يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه فأقاموا على ذلك إلى أن توفي النبي وانقطع التاريخ ومضت أيام أبي بكر على هذا وأربع سنين من خلافة عمر على هذا ثم وضع التاريخ واختلفوا في سببه فروى ابن السمرقندي أن أبا موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه كتب إلى عمر رضي الله تعالى عنه أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ فأرخ لتستقيم الأحوال فأرخ وقال أبو اليقظان رفع إلى عمر صك محله في شعبان فقال أي شعبان هذا الذي نحن فيه أم الماضي أم الذي يأتي وقال الهيثم ابن عدي أول من أرخ يعلى بن أمية كتب إلى عمر من اليمن كتابا مؤرخا فاستحسنه وشرع في التاريخ وقال ابن عباس لما عزم عمر على التاريخ جمع الصحابة فاستشارهم فقال سعد بن أبي وقاص أرخ لوفاة رسول الله وقال طلحة أرخ لمبعثه وقال علي بن أبي طالب أرخ لهجرته فإنها فرقت بين الحق والباطل وقال آخرون لمولده وقال قوم لنبوته وكان هذا في سنة سبع عشرة من الهجرة وقيل في سنة ست عشرة واتفقوا على قول علي رضي الله تعالى عنه ثم اختلفوا في الشهور فقال عبد الرحمن بن عوف أرخ لرجب فإنه أول الأشهر الحرم وقال طلحة من رمضان لأنه شهر الأمة وقال علي من المحرم لأنه أول السنة"(عمدة القاري:).

 

4- قال القسطلاني رحمه الله عند حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: "ما عَدُّوا من مَبْعَثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا من وفاتِهِ، ما عَدُّوا إلا من مَقْدَمِهِ المدينةَ" قال: "(مَبْعَثِ النبيِّ) قيل لأن وقته كان مختلفًا فيه بحسب دعوته للحق ودخول الرؤيا الصالحة فيه فلا يخلو من نزاع في تعيين سنته (ولا من) وقت (وفاته) لما يقع في تذكره من الأسف والتألم على فراقه (ما عدوا) ذلك (إلا من) وقت (مقدمه المدينة) مهاجرًا، وإنما جعلوه من أوّل المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في أول المحرم إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال محرم، فناسب أن يجعل مبتدأ وكان ذلك في خلافة عمر -رضي الله عنه- سنة سبع عشرة فجمع الناس فقال بعضهم: أرخ بالمبعث وقال بعضهم: بالهجرة فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها، وبالمحرم لأنه منصرف الناس من حجهم فاتفقوا عليه. رواه الحاكم وغيره، والذي تحصل من مجموع الآثار أن الذي أشار بالمحرم عمر وعثمان وعلي. وذكر السهيلي أن الصحابة -رضي الله عنهم- أخذوا التاريخ بالهجرة من قوله تعالى: (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم)؛ لأنه من المعلوم أنه ليس أول الأيام مطلقًا، فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر وهو أول الزمن الذي عز فيه الإسلام وعبد فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ربه آمنًا وابتدئ فيه ببناء المساجد، فوافق رأي الصحابة -رضي الله عنهم- ابتداء التاريخ من ذلك اليوم وفهمنا من فعلهم أن قوله تعالى: (من أول يوم) أنه أول التاريخ الإسلامي"(إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري).

 

5- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عند حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: "ما عَدُّوا من مَبْعَثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.." قال: "وَقَدْ أَبْدَى بَعْضهمْ لِلْبُدَاءَةِ بِالْهِجْرَةِ مُنَاسَبَة فَقَالَ : كَانَتْ الْقَضَايَا الَّتِي اُتُّفِقَتْ لَهُ وَيُمْكِن أَنْ يُؤَرَّخ بِهَا أَرْبَعَة : مَوْلِده وَمَبْعَثه وَهِجْرَته وَوَفَاته ، فَرَجَحَ عِنْدهمْ جَعْلهَا مِنْ الْهِجْرَة لِأَنَّ الْمَوْلِد وَالْمَبْعَث لَا يَخْلُو وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ النِّزَاع فِي تَعْيِين السَّنَة ، وَأَمَّا وَقْت الْوَفَاة فَأَعْرَضُوا عَنْهُ لِمَا تُوُقِّعَ بِذِكْرِهِ مِنْ الْأَسَف عَلَيْهِ ، فَانْحَصَرَ فِي الْهِجْرَة ، وَإِنَّمَا أَخَّرُوهُ مِنْ رَبِيع الْأَوَّل إِلَى الْمُحَرَّم لِأَنَّ اِبْتِدَاء الْعَزْم عَلَى الْهِجْرَة كَانَ فِي الْمُحَرَّم ، إِذْ الْبَيْعَة وَقَعَتْ فِي أَثْنَاء ذِي الْحِجَّة وَهِيَ مُقَدِّمَة الْهِجْرَة ، فَكَانَ أَوَّل هِلَال اِسْتَهَلَّ بَعْد الْبَيْعَة وَالْعَزْم عَلَى الْهِجْرَة هِلَال الْمُحَرَّم فَنَاسَبَ أَنْ يُجْعَل مُبْتَدَأ ، وَهَذَا أَقْوَى مَا وَفَقْت عَلَيْهِ مِنْ مُنَاسَبَة الِابْتِدَاء بِالْمُحَرَّمِ . وَذَكَرُوا فِي سَبَب عَمَل عُمَر التَّارِيخ أَشْيَاء : مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم الْفَضْل بْن دُكَيْن فِي تَارِيخه وَمِنْ طَرِيقه الْحَاكِم مِنْ طَرِيق الشَّعْبِيّ " أَنَّ أَبَا مُوسَى كَتَبَ إِلَى عُمَر : إِنَّهُ يَأْتِينَا مِنْك كُتُب لَيْسَ لَهَا تَارِيخ ، فَجَمَعَ عُمَر النَّاس ، فَقَالَ بَعْضهمْ : أَرِّخْ بِالْمَبْعَثِ ، وَبَعْضهمْ أَرِّخْ بِالْهِجْرَةِ ، فَقَالَ عُمَر : الْهِجْرَة فَرَّقَتْ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل فَأَرِّخُوا بِهَا ، وَذَلِكَ سَنَة سَبْع عَشْرَة . فَلَمَّا اِتَّفَقُوا قَالَ بَعْضهمْ اِبْدَءُوا بِرَمَضَان فَقَالَ عُمَر : بَلْ بِالْمُحَرَّمِ فَإِنَّهُ مُنْصَرَف النَّاس مِنْ حَجّهمْ ، فَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ"(فتح الباري).

 

6- قال المقريزي -رحمه الله-: "أن الاحتفال برأس السنة الهجرية كان من جملة احتفالات الدولة العبيدية الباطنية الإسماعيلية الرافضية الخارجية التي استولت على بلاد المغرب ومصر، وفعلت بعلمائها ومؤذنيها وسكانها من الجرائم ما لا يكاد يوصف من القتل والتمثيل بالجثث وسبي الحريم، وأخذ الأموال، وإفساد الممتلكات وتخريبها وتحريقها، حتى إن من زعمائها من ادعى الربوبية، ومنهم من أظهر سب الأنبياء والصحابة، وأمر بكتب سب الصحابة على أبواب المساجد، ومنهم: من أمر بحرق المصاحف ومساجد أهل السنة"(الخِطَط للمقريزي).

 

7- قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "وقد اختلف العلماء في أي الأشهر الحرم أفضل؟ فقال الحسن وغيره: أفضلها شهر الله المحرم، ورجحه طائفة من المتأخرين، وروى وهب بن جرير عن قرة بن خالد عن الحسن، قال: إن الله افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم، وكان يسمى شهر الله الأصم من شدة تحريمه. خَرّجَ النسائي من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الليل خير وأي الأشهر أفضل؟ فقال: "خير الليلِ جوفُهُ، وأفضلُ الأشهرِ شهرُ الله الذي تدعونهُ المحرَّم"، وإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أفضل الأشهر، محمول على ما بعد رمضان"(لطائف المعارف:87-88).

 

8- قال الإمام القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: "خص الله تعالى الأشهر الحرم بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفًا لها، وإن كان منهيًا عنه في كل الزمان، وعلى هذا أكثر أهل التأويل، أي: لا تظلموا في الأربعة أشهر الحرم أنفسكم، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) في الاثني عشر"(الجامع لأحكام القرآن:8-135).

 

9- قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-: " (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) يحتمل أن الضمير يعود إلى الإثنى عشر شهرًا، وأن الله تعالى بين أنه جعلها مقادير للعباد، وأن تُعمر بطاعته، ويُشكر الله تعالى على مِنتِه بها وتقييضها لصالح العباد، فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها. ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحُرم، وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها، خصوصًا مع النهي عن الظلم كل وقت، لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها أشد من غيرها"(تيسير الكريم الرحمن:3/228-229).

 

10- قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "فإنما أضافه إلى مُضر ليُبين صحة قولهم في رجب إنه الشهر الذي بين جمادى وشعبان، لا كما تظنه ربيعة من أن رجب المحرم هو الشهر الذي بين شعبان وشوال وهو رمضان اليوم، فبيَّن صلى الله عليه وسلم أنه رجب مضر لا رجب ربيعة، وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة ثلاثة سرد وواحد فرد، لأجل أداء مناسك الحج والعمرة فحُرِّم قبل أشهر الحج شهرًا وهو ذو القعدة لأنهم يقعدون فيه عن القتال، وحُرِّم شهر ذو الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون بأداء المناسك، وحُرِّم بعده شهرًا آخر وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحُرِّم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتماد به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه فيه آمنًا"(تفسير القرآن العظيم:4-148).

 

11- قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله، وإضافته إلى الله عز وجل تدل على شرفه وفضله، فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته، كما نسب محمدًا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء إلى عبوديته، ونسب إليه بيته وناقته. ولما كان هذا الشهر مختصًا بإضافته إلى الله تعالى، وكان الصيام من بين الأعمال مضافًا إلى الله تعالى، فإنه له سبحانه من بين الأعمال، ناسب أن يختص هذا الشهر المضاف إلى الله، بالعمل المضاف إليه المختص به وهو الصيام، وقد قيل في معنى إضافة هذا الشهر إلى الله عز وجل، إنه إشارة إلى أن تحريمه إلى الله عز وجل ليس لأحد تبديله كما كانت الجاهلية يحلونه ويحرمون مكانه صفرًا، فأشار إلى أنه شهر الله الذي حرمه، فليس لأحد من خلقه تبديل ذلك وتغييره"(لطائف المعارف::35-36).

 

12- قال ابن كثير: "قد اختلف العلماء في تحريم ابتداء القتال في الشهر الحرام، هل هو منسوخ أو محكم على قولين: الأول وهو الأشهر: أنه منسوخ؛ لأنه تعالى قال هاهنا: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)، وأمر بقتال المشركين فقال: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً)، وظاهر السياق مشعر بأنه أمر بذلك أمراً عاماً، ولو كان محرماً في الشهر الحرام لأوشك أن يقيد القتال بمضي الأشهر الحرم، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف في شهر حرام وهو ذو القعدة كما ثبت في الصحيحين. والقول الثاني: إن ابتداء القتال في الشهر الحرام حرام، وأنه لم ينسخ تحريم الشهر الحرام؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ) [المائدة: 2]. وقوله أيضاً: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) [البقرة: 194]، وقال أيضاً: (انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة: 5].   ويحتمل أنه أذن للمؤمنين بقتال المشركين في الشهر الحرام إذا كانت البداءة منهم"(تفسير القرآن العظيم:7-199).

 

13- قال ابن كثير: "وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة: ثلاثة سرد، وواحد فرد، لأجل مناسك الحج والعمرة، فحرم قبل شهر الحج شهر وهو ذو القعدة، لأنهم يقعدون فيه عن القتال، وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك، وحرم بعده شهر آخر وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه آمناً"(تفسير القرآن العظيم:2-465).

 

الإحالات

1- شهر الله المحرم فضائل وأحكام؛ للشيخ سليمان بن جاسر بن عبد الكريم الجاسر

 

2- شهر الله المحرم وصيام عاشوراء؛ لمحمد رفيق مؤمن الشوبكي.

 

3- 33 فائدة في المحرم وعاشوراء؛ للشيخ محمد صالح المنجد.

 

4- ما صح وما لم يصح في المحرم وعاشوراء؛ للشيخ ماجد إسلام البنكاني.

 

5- تذكير الأتقياء بأحكام وفضائل شهر المحرم وصيام عاشوراء؛ لخالد بن محمد البحر جاسور.