وباء

2022-10-11 - 1444/03/15

التعريف

(وبأ) الوَبَأُ الطاعون بالقصر والمد والهمز وقيل هو كلُّ مَرَضٍ عامٍّ وفي الحديث إِن هذا الوَبَاءَ رِجْزٌ وجمعُ الممدود أَوْبِيةٌ وجمع المقصور أَوْباءٌ وقد وَبِئَتِ الأَرضُ تَوْبَأُ وَبَأً ووَبُوأَتْ وِبَاءً وَوِباءة . وباء ووباءة : كذا ضبط في نسخة عتيقة من المحكم يوثق بضبطها وضبط في القاموس بفتح ذلك، وإِباءة على البدل وأَوْبَأَتْ إِيبَاءً ووُبِئَتْ تِيبَأُ وَبَاءً وأَرضٌ وَبِيئةٌ على فَعيلةٍ ووَبِئةٌ على فَعِلةٍ ومَوْبُوءة ومُوبِئةٌ كثيرة الوَباء والاسم البِئةُ إِذا كَثُر مرَضُها واسْتَوْبَأْتُ البلدَ والماءَ (ص 190) وَتَوَبَّأْتُه اسْتَوخَمْتُه وهو ماءٌ وَبِيءٌ على فَعِيلٍ وفي حديث عبدالرحمن بن عوف وإِنَّ جُرْعَةَ شَرُوبٍ أَنْفَعُ مِن عَذْبٍ مُوبٍ أَي مُورِثٍ للوَباءِ قال ابن الأَثير هكذا روي بغير همز وإِنما تُرِكَ الهمزُ ليوازَنَ به الحَرفُ الذي قبله وهو الشَّرُوبُ وهذا مَثلَ ضربه لرجلين أَحدُهما أَرْفَعُ وأَضَرُّ والآخر أَدْوَنُ وأَنْفَعُ وفي حديث عليّ كرَّم اللّه وجهه أَمَرَّ منها جانِبٌ فأَوْبَأَ أَي صار وَبِيئاً واسْتَوْبَأَ الأَرضَ اسْتَوْخَمَها ووجَدها وَبِئةً والباطِل وَبيءٌ لا تُحْمَدُ عاقِبَتُه ابن الأَعرابي الوَبيءُ العَلِيلُ ووَبَّأَ إِليه وأَوْبَأَ لغة في وَمَأْتُ وأَوْمَأْتُ إِذا أَشرتَ إِليه وقيل الإِيماءُ أَن يكونَ أَمامَك فتُشِيرَ إليه بيدكَ وتُقْبِلَ بأَصابِعك نحو راحَتِكَ تَأْمُرُه بالإِقْبالِ إِلَيْكَ وهو أَوْمَأْتُ إليه والإِيبَاءُ أَن يكون خَلْفَك فَتَفْتَح أَصابِعَك إِلى ظهر يدك تأْمره بالتأَخُّر عنك وهو أَوْبَأْتُ قال الفرزدق رحمه اللّه تعالى :

تَرَى الناسَ إِنْ سِرْنا يَسِيرُونَ خَلْفَنا *** وإِنْ نَحْنُ وَبَّأْنا إِلى النَّاسِ وقَّفُوا

ويروى أَوْبَأَنا قال وأَرى ثعلباً حكى وبَأْتُ بالتخفيف قال ولست منه على ثقة ابن بُزُرْجَ أَوْمَأْتُ بالحاجبين والعينين ووَبَأْتُ باليَدَيْنِ والثَّوْبِ والرأْس قال ووَبَأْتُ المَتاعَ وعَبَأْتُه بمعنى واحد وقال الكسائي وَبَأْتُ إليه مِثل أَوْمَأْتُ وماءٌ لا يُوبئُ مثل لا يُؤْبي واللّه أَعلم [لسان العرب المؤلف : محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري الناشر : دار صادر – بيروت الطبعة الأولى (1/189) ] .

العناصر

1- تعريف الوباء ومردفاته.

 

2- أهم أسباب انتشار الأوبئة.

 

3- حكم الخروج من بلد فيها وباء.

 

4- علامات الوباء.

 

5- قرية حفظت من الوباء بدعوة رجل صالح فيها.

 

6- الوباء عقوبة من الله.

 

7- طرق مكافحة الوباء.

 

8- الواجب الحقيقي نحو مجتمعنا المسلم الذي تصيبه الأوبئة الجماعية والأمراض.

 

9- حكمة الله في ابتلاء الأمم بالأوبئة.

الايات

1- قال الله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)[النساء:78].

 

2- قال تعالى: (وَلاَ تُلْقُوا بِأيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ)[البقرة:195].

 

3- قال تعالى: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأنعام:43].

 

4- قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأعراف:96].

 

5- قال تعالى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ)[الأعراف:133].

 

6- قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الأنفال:33].

 

7- قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرعد:11].

 

8- قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إِبْرَاهِيمَ:7].

 

9- قال تعالى: (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)[الأحزاب: 17].

 

10- قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[التغابن:11].

 

الاحاديث

1- عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- خرج إلى الشَّامِ حَتَّى إذا كَانَ بسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ -أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ وأصْحَابُهُ- فَأخْبَرُوهُ أنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ. قَال ابن عباس: فقال لي عمر: ادْعُ لِي المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأخْبَرَهُمْ أنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بالشَّامِ، فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَرَجْتَ لأَمْرٍ، وَلاَ نَرَى أنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعضهم: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وأصْحَابُ رسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَلاَ نَرَى أنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الوَبَاء. فقال: ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي الأَنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبيلَ المُهَاجِرينَ، وَاخْتَلَفُوا كاخْتِلاَفِهِمْ، فقال: ارْتَفِعُوا عَنِّي.

 

ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُريشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلاَنِ، فَقَالُوا: نَرَى أنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ، وَلاَ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ -رضي الله عنه- في النَّاسِ: إنِّي مُصَبحٌ عَلَى ظَهْرٍ، فَأَصْبِحُوا عليْهِ، فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: أفِراراً مِنْ قَدَرِ الله؟ فقالَ عُمرُ رضي الله عنه: لو غَيْرُكَ قَالَهَا يا أبا عبيدَةَ ! – وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلاَفَهُ – نَعَمْ، نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إلى قَدَرِ اللهِ، أرَأيْتَ لَو كَانَ لَكَ إبِلٌ، فَهَبَطَتْ وَادِياً لَهُ عُدْوَتَانِ، إحْدَاهُمَا خَصْبَةٌ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيسَ إنْ رَعَيْتَ الخصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ، وَإنْ رَعَيْتَ الجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ؟

 

قَالَ: فَجَاءَ عَبدُ الرَّحمانِ بنُ عَوفٍ -رضي الله عنه-، وَكَانَ مُتَغَيِّباً في بَعْضِ حاجَتِهِ، فقالَ: إنَّ عِنْدِي من هَذَا علماً، سَمِعْتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بأرْضٍ فَلاَ تَقْدِمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأرْضٍ وَأنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِراراً مِنْهُ" فحمِدَ اللهَ تَعَالَى عمرُ -رضي الله عنه- وانصَرَفَ. (رواه البخاري:٥٧٢٩، ومسلم:٢٢١٩).

و(العُدْوَة): جانِب الوادِي.

 

2- عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ هذا الطّاعُونَ رِجْزٌ سُلِّطَ على مَن كانَ قَبْلَكُمْ، أوْ على بَنِي إسْرائِيلَ، فإذا كانَ بأَرْضٍ فلا تَخْرُجُوا مِنْها فِرارًا منه، وإذا كانَ بأَرْضٍ فلا تَدْخُلُوها"(رواه مسلم ٢٢١٨).

 

3- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قالَ: قالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الطّاعُونُ شَهادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ"(رواه البخاري:٢٨٣٠، ومسلم:١٩١٦).

 

4- عن أبي عسيب مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول لله -صلى الله عليه وسلم-: "أتاني جبريلُ بالحُمّى والطاعونِ، فأمسكَتِ الحمِّى بالمدينةِ، وأُرْسِلَتِ الطاعونُ إلى الشام، والطاعونُ شهادةٌ لأُمَّتي، ورحمةٌ لهم، ورِجسًا على الكافرين"(أخرجه أحمد:٢٠٧٨٦، والطبراني:٢٢-٣٩١، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).

 

5- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قالَ: قالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "عَلى أنْقابِ المَدِينَةِ مَلائِكَةٌ، لا يَدْخُلُها الطّاعُونُ، ولا الدَّجّالُ"(أخرجه البخاري:١٨٨٠، ومسلم:١٣٧٩).

 

6- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المَدِينَةُ يَأْتِيها الدَّجّالُ، فَيَجِدُ المَلائِكَةَ يَحْرُسُونَها فلا يَقْرَبُها الدَّجّالُ، ولا الطّاعُونُ إنْ شاءَ اللَّهُ"(أخرجه البخاري:٧١٣٤، ومسلم:٢٩٤٣).

 

7- عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: لَمّا قَدِمَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- المَدِينَةَ، وُعِكَ أبو بَكْرٍ، وبِلالٌ، فَكانَ أبو بَكْرٍ إذا أخَذَتْهُ الحُمّى يقولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ في أهْلِهِ... والمَوْتُ أدْنى مِن شِراكِ نَعْلِهِ، وكانَ بلالٌ إذا أُقْلِعَ عنْه الحُمّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يقولُ:

أَلا لَيْتَ شِعْرِي هلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً *** بوادٍ وحَوْلِي إذْخِرٌ وجَلِيلُ

وَهلْ أرِدَنْ يَوْمًا مِياهَ مَجَنَّةٍ *** وهلْ يَبْدُوَنْ لي شامَةٌ وطَفِيلُ

قالَ: اللَّهُمَّ العَنْ شيبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وعُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وأُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ كما أخْرَجُونا مِن أرْضِنا إلى أرْضِ الوَباءِ، ثُمَّ قالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنا المَدِينَةَ كَحُبِّنا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ، اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا في صاعِنا وفي مُدِّنا، وصَحِّحْها لَنا، وانْقُلْ حُمّاها إلى الجُحْفَةِ"، قالَتْ: وقَدِمْنا المَدِينَةَ وهي أوْبَأُ أرْضِ اللَّهِ"(رواه البخاري:١٨٨٩).

 

8- عن أبي الأسود قال: قَدِمْتُ المَدِينَةَ وقدْ وقَعَ بهَا مَرَضٌ، فَجَلَسْتُ إلى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-، فَمَرَّتْ بهِمْ جَنَازَةٌ، فَأُثْنِيَ علَى صَاحِبِهَا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-: وجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بأُخْرَى فَأُثْنِيَ علَى صَاحِبِهَا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-: وجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بالثَّالِثَةِ فَأُثْنِيَ علَى صَاحِبِهَا شَرًّا، فَقَالَ: وجَبَتْ، فَقَالَ أبو الأسْوَدِ: فَقُلتُ: وما وجَبَتْ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قُلتُ كما قَالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "أيُّما مُسْلِمٍ، شَهِدَ له أرْبَعَةٌ بخَيْرٍ، أدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ فَقُلْنَا: وثَلَاثَةٌ، قَالَ: "وثَلَاثَةٌ" فَقُلْنَا: واثْنَانِ، قَالَ:" واثْنَانِ" ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الوَاحِدِ. رواه البخاري:١٣٦٨).

 

9- عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الطاعونُ غُدَّةٌ كغُدَّةِ البعيرِ، المقيمُ بها كالشهيدِ، والفارُّ منها كالفارِّ منَ الزَّحْفِ"(أخرجه أحمد:٢٥١٦١، وصححه الألباني).

 

 

 

10- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عِظَمُ الجزاءِ معَ عِظَمِ البلاءِ وإنَّ اللَّهَ إذا أحبَّ قومًا ابتلاَهم فمن رضيَ فلَهُ الرِّضا ومن سخِطَ فلَهُ السُّخط"(أخرجه الترمذي:٢٣٩٦، وابن ماجه:٤٠٣١ واللفظ له، وحسنه الألباني).

 

11- عن صهيب بن سنان الرومي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له"(رواه مسلم:٢٩٩٩).

 

12- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا عَدْوى ولا طِيَرَةَ، ولا هامَةَ ولا صَفَرَ، "(رواه البخاري:٥٧٥٧)، وفي رواية معلقة للبخاري: "وفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كما تَفِرُّ مِنَ الأسَدِ".

 

13- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا عَدْوى، ولا طِيَرَةَ، ويُعْجِبُنِي الفَأْلُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ، الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ"(رواه مسلم:٢٢٢٤).

 

14- عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "غَطُّوا الإناءَ، وأَوْكُوا السِّقاءَ، فإنَّ في السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فيها وباءٌ، لا يَمُرُّ بإناءٍ ليسَ عليه غِطاءٌ، أوْ سِقاءٍ ليسَ عليه وِكاءٌ، إلّا نَزَلَ فيه مِن ذلكَ الوَباءِ. وفي روايةٍ: فإنَّ في السَّنَةِ يَوْمًا يَنْزِلُ فيه وباءٌ"(رواه مسلم:٢٠١٤).

 

15- عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْداءَ ثائِرَةَ الرَّأْسِ، خَرَجَتْ مِنَ المَدِينَةِ حتّى قامَتْ بمَهْيَعَةَ، فأوَّلْتُ أنَّ وباءَ المَدِينَةِ نُقِلَ إلى مَهْيَعَةَ وهي الجُحْفَةُ"(رواه البخاري:7040).

 

16- عن أبي قتادة الحارث بن ربعي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهمَّ إنَّ إبراهيمَ خليلَكَ وعبدَكَ ونبيَّكَ دعاكَ لأَهْلِ مَكَّةَ. وأَنا محمَّدٌ عبدُكَ ونبيُّكَ ورسولُكَ أدعوكَ لأَهْلِ المدينةِ مثلَ ما دعا بِهِ إبراهيمُ لأَهْلِ مَكَّةَ، نَدعوكَ أن تبارِكَ لَهُم في صاعِهِم ومُدِّهم وثمارِهِم. اللَّهمَّ حبِّبْ إلَينا المدينةَ كما حبَّبتَ إلينا مَكَّةَ، واجعَل ما بِها وباءٍ بِخُمٍّ. اللَّهمَّ إنِّي قد حرَّمتُ ما بينَ لابتيها كما حرَّمتَ على لِسانِ إبراهيمَ الحرمَ"(أخرجه أحمد:٢٢٦٨٣، وصححه الوادعي).

 

17- عن بريدة بن الحصيب الأسلمي -رضي الله عنه- أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بينا هو يَسيرُ؛ إذ حلَّ بقومٍ فسمِعَ لهم لَغَطًا، فقال: "ما هذا الصَّوتُ؟" قالوا: يا نبيَّ اللهِ، لهم شَرابٌ يَشْربونَه، فبعَثَ إلى القومِ فدعاهم، فقال: "في أيِّ شيءٍ تَنْتبِذونَ؟" قالوا: نَنْتبِذُ في النَّقيرِ، والدُّبّاءِ، وليس لنا ظروفٌ. فقال: "لا تَشْرَبوا إلّا فيما أَوْكَيتُم عليه" قال: فلبِثَ بذلكَ ما شاء اللهُ أنْ يلبَثَ، ثمَّ رجَعَ عليهم، فإذا هم قد أصابَهم وباء واصفَرُّوا، قال: "ما لي أَراكم قد هلَكتُم؟" قالوا: يا نبيَّ اللهِ، أَرْضُنا وَبيئةٌ، وحرَّمتَ علينا إلّا ما أَوْكَيْنا عليه، قال: "اشرَبوا، وكلُّ مسكِرٍ حَرامٌ"(رواه النسائي:٥٦٧١، وصححه الألباني).

 

18- عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "واحْتجِمُوا يومَ الاثنيْنِ والثلاثاءِ؛ فإنَّهُ اليومُ الَّذي عافى اللهُ فيه أيُّوبَ من البلاءِ"(أخرجه ابن ماجه:٣٤٨٧، وحسنه الألباني).

 

19- عن أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُورِدُ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ"(رواه مسلم:٢٢٢١).

 

20- عن الشريد بن سويد الثقفي -رضي الله عنه- قال: كانَ في وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فأرْسَلَ إلَيْهِ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- "إنّا قدْ بايَعْناكَ فارْجِعْ"(رواه مسلم:٢٢٣١).

 

21- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى مبتلًى فقالَ الحمدُ للَّهِ الَّذي عافاني ممّا ابتلاَكَ بِهِ وفضَّلني على كثيرٍ ممَّن خلقَ تفضيلاً لم يصبْهُ ذلِكَ البلاءُ"(أخرجه الترمذي:٣٤٣٢، وصححه الألباني).

 

22- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، عادَ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ قدْ خَفَتَ فَصارَ مِثْلَ الفَرْخِ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "هلْ كُنْتَ تَدْعُو بشيءٍ، أَوْ تَسْأَلُهُ إيّاهُ؟" قالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ ما كُنْتَ مُعاقِبِي به في الآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لي في الدُّنْيا، فَقالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "سُبْحانَ اللهِ لا تُطِيقُهُ، أَوْ لا تَسْتَطِيعُهُ، أَفلا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النّارِ" قالَ: فَدَعا اللَّهَ له، فَشَفاهُ (رواه مسلم:٢٦٨٨).

 

23- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ منَ البرصِ والجنونِ والجذامِ ومن سيِّئِ الأسقامِ"(أخرجه أبو داود:١٥٥٤، وصححه الألباني).

 

24- عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهمَّ اجعلْ فناءَ أُمَّتي قتلًا في سبيلِك بالطَّعنِ والطّاعونِ"(أخرجه أحمد:١٨١٠٥، وصححه الألباني).

 

25- عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "فَناءُ أُمَّتي بالطَّعنِ والطّاعونِ". فقيل: يا رسولَ اللهِ، هذا الطَّعنُ قد عرَفْناه، فما الطّاعونُ؟ قال: "وَخْزُ أعدائِكم منَ الجِنِّ، وفي كلٍّ شَهادَةٌ"(أخرجه أحمد:١٩٥٢٨، وصححه الألباني).

 

26- عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "يختصِمُ الشُّهداءُ والمتوفَّونَ على فُرُشِهِم إلى ربِّنا في الَّذينَ يتوفَّونَ منَ الطّاعونِ، فيقولُ الشُّهداءُ: إخوانُنا قُتِلوا كما قُتِلنا، ويقولُ المتوفَّونَ في فرشِهِم: إخوانُنا ماتوا على فرشِهِم كما مُتنا، فيقولُ ربُّنا: انظُروا إلى جراحِهِم، فإن أشبَهَ جراحُهُم جراحَ المقتولينَ، فإنَّهم منهم ومعَهُم، فإذا جراحُهُم قد أشبَهَت جراحَهُم"(أخرجه النسائي:٣١٦٤، وصححه الألباني).

 

27- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " الشُّهَداءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، والمَبْطُونُ، والغَرِقُ، وصاحِبُ الهَدْمِ، والشَّهِيدُ في سَبيلِ اللَّهِ"(أخرجه البخاري:٢٨٢٩، ومسلم:١٩١٤).

 

28- عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فَناءُ أُمَّتي بالطَّعنِ والطّاعونِ. فقيل: يا رسولَ اللهِ، هذا الطَّعنُ قد عرَفْناه، فما الطّاعونُ؟ قال: وَخْزُ أعدائِكم منَ الجِنِّ، وفي كلٍّ شَهادَةٌ"(أخرجه أحمد:١٩٥٢٨، وصححه الألباني).

 

29- عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- قال: أقبلَ علينا رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فقالَ: "يا معشرَ المُهاجِرينَ خمسٌ إذا ابتُليتُمْ بِهِنَّ وأعوذُ باللَّهِ أن تدرِكوهنَّ لم تَظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتّى يُعلِنوا بِها إلّا فَشا فيهمُ الطّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تَكُن مَضت في أسلافِهِمُ الَّذينَ مَضوا ولم ينقُصوا المِكْيالَ والميزانَ إلّا أُخِذوا بالسِّنينَ وشدَّةِ المئونَةِ وجَورِ السُّلطانِ عليهِم ولم يمنَعوا زَكاةَ أموالِهِم إلّا مُنِعوا القَطرَ منَ السَّماءِ ولَولا البَهائمُ لم يُمطَروا ولم يَنقُضوا عَهْدَ اللَّهِ وعَهْدَ رسولِهِ إلّا سلَّطَ اللَّهُ عليهم عدوًّا من غيرِهِم فأخَذوا بعضَ ما في أيدَيهِم وما لَم تَحكُم أئمَّتُهُم بِكِتابِ اللَّهِ ويتخيَّروا مِمّا أنزلَ اللَّهُ إلّا جعلَ اللَّهُ بأسَهُم بينَهُم"(أخرجه ابن ماجه:٤٠١٩، وصححه الألباني).

 

30- عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنَّها سَأَلَتْ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الطّاعُونِ، فَقالَ: "كانَ عَذابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ على مَن يَشاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، ما مِن عَبْدٍ يَكونُ في بَلَدٍ يَكونُ فِيهِ، ويَمْكُثُ فيه لا يَخْرُجُ مِنَ البَلَدِ، صابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أنَّه لا يُصِيبُهُ إلّا ما كَتَبَ اللَّهُ له، إلّا كانَ له مِثْلُ أجْرِ شَهِيدٍ"(رواه البخاري:٦٦١٩).

 

31- وَقَعَ فِي الْمَدِينَةِ وَبَاءٌ عَظِيمٌ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَقَالَ: "أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ وَهُمْ يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَرِيعًا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ:٢٦٤٣).

 

32- عن عتبة بن عبد السلمي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يأتي الشهداءُ والمتوفَّون بالطاعون، فيقولُ أصحابُ الطاعون: نحن شهداءٌ. فيقال: انظُروا فإن كانت جراحتُهم كجراحِ الشهداءِ تسيلُ دمًا كريحِ المسكِ، فهم شهداءُ، فيجِدونهم كذلك"(أخرجه أحمد:١٧٦٥١، وقال الألباني في صحيح الترغيب(١٤٠٧): حسن صحيح).

 

33- عن اللجلاج بن حكيم السلمي والد خالد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد إذا سبقتْ له من اللهِ منزلةٌ لم يبلغها بعملهِ ابتلاهُ اللهٌ في جسدِهِ أو في مالهِ أو في ولدِهِ ثم صبَّرهُ على ذلكَ حتى يبلغهُ المنزلة التي سبقتْ لهُ من اللهِ تعالى"(رواه أبو داود:٣٠٩٠، وصححه الألباني).

 

34- عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، قَبْلَ وَفاتِهِ بثَلاثٍ يقولُ: "لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلّا وَهو يُحْسِنُ باللَّهِ الظَّنَّ"(رواه مسلم:٢٨٧٧).

 

35- عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن تَصَبَّحَ بسَبْعِ تَمَراتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ ذلكَ اليومَ سُمٌّ، ولا سِحْرٌ"(رواه البخاري:٥٧٦٩، ومسلم:٢٠٤٧).

 

36- عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قالَ لي رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قل قلتُ: وما أقولُ؟ قالَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ فقرأَهنَّ رسولُ اللَّهِ ثمَّ قالَ: لم يتعوَّذِ النّاسُ بمثلِهنَّ أو لا يتعوَّذُ النّاسُ بمثلِهنَّ"(رواه النسائي:٥٤٤٦، وصححه الألباني).

 

37- عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سافَرَ، كُتِبَ له مِثْلُ ما كانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا"(رواه البخاري:٢٩٩٦).

 

الاثار

1- قال عبدالله بن بمسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ): "هي المصيباتُ تُصيبُ المرءَ، فيَعلمُ أنها مِن اللهِ، فيُسَلِّمُ ويَرْضى"(الدر المنثور؛ للسيوطي:8-184).

 

2- قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "يُغْتَنَمُ الْخَيْرُ فِي أَيَّامِ الطَّاعُونِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا غَنِيمَةٌ لَا تَحْصُلُ فِي كُلِّ وَقْتٍ؛ كَدَفْنِ الشُّهَدَاءِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجَنَائِزِ وَتَغْسِيلَهُمْ وَدَفْنَهُمْ فِي أَيَّامِ الطَّاعُونِ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ"(حدائق العيون الباصرة في أخبار أحوال الطاعون وأمور الآخرة:ص184).

 

3- قال أبو عبيدة في الناس خطيباً فقال: "أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة بكم، ودعوة نبيّكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يَقسم له منه حظَّه" فطُعن فمات (رواه الطبري في تاريخه:2-488).

 

 

القصص

1- عن طارق: أن عمر كتب إلى أبي عبيدة في الطاعون: إنه قد عرضت بي حاجة، ولا غنى بي عنك فيها، فعجل إلي، فلما قرأ الكتاب قال: عرفت حاجة أمير المؤمنين إنه يريد أن يستبقي من ليس بباق، سبحان الله! وذلك لأن عمر كان يحب أبا عبيدة بن الجراح كثيراً جداً، فقد كانت أمانة الأمة كلها مجتمعة في هذا الرجل، فلما علم عمر أن الطاعون بأرض الشام وكان أبو عبيدة هناك، علم أنه قد يهلك، والأمة تحتاج لمثله، فانظروا إلى فقه عمر ثم انظروا إلى ما هو أروع من ذلك وهو فقه أبي عبيدة بن الجراح، فإن عمر بن الخطاب لما خاف على أبي عبيدة قال: إني قد عرضت لي حاجة ولا غنى بي عنك فيها، يعني: أريدك أن تأتي؛ وذلك حتى ينقذه الله من الطاعون، وهذا كان خلاف السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نزل الطاعون بأرض فلا تخرجوا منها ولا تدخلوا إليها).

 

فلما قرأ أبو عبيدة هذا الكتاب قال: عرفت حاجة أمير المؤمنين، إنه يريد أن يستبقي من ليس بباق، فكتب إلى عمر: إني قد عرفت حاجتك فحللني من عزيمتك، يعني: اجعلني في حل من أمرك، فإني في جند من جنود المسلمين، ولم أرغب بنفسي عنهم، فلما قرأ عمر الكتاب بكى، فقيل له: مات أبو عبيدة، قال: لا، وكأن قد.

 

قال: فتوفي أبو عبيدة وانكشف الطاعون (فضائل الصحابة؛ لمحمد حسن عبد الغفار:5-8).

 

2- ذكر سِبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي تَارِيخِهِ مِنْ ذِكْرِهِ لِذَلِكَ الْوَبَاءِ قال: "وَفِي جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَدَ كِتَابٌ مِنْ بُخَارَى مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَهُمْ وَبَاءٌ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ وَلَا سُمِعَ بِهِ، حَتَّى إِنَّهُ خَرَجَ مِنْ هَذَا الْإِقْلِيمِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ جِنَازَةٍ، وَحُصِرَ مَنْ مَاتَ مِنْهُ فَكَانُوا أَلْفَ أَلْفٍ وَسِتَّ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ أَلْفًا إِلَى تَارِيخِ الْكِتَابِ، وَمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ يَمُرُّونَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ فَلَا يَرَوْنَ إِلَّا أَسْوَاقًا خَالِيَةً، وَأَبْوَابًا مُغْلَقَةً، وَتَعَدَّى الْوَبَاءُ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ، ثُمَّ إِلَى الْأَهْوَازِ وَالْبَصْرَةِ وَوَاسِطٍ وَتِلْكَ الْأَعْمَالِ، حَتَّى كَانَتْ تُحْفَرُ زُبْيَةٌ -وَهِيَ الْحُفْرَةُ الَّتِي تُحْفَرُ لِصَيْدِ السِّبَاعِ- فَيُلْقَى فِيهَا عِشْرُونَ وَثَلَاثُونَ مِنَ النَّاسِ، وَسَبَبُهُ قِلَّةُ الْقُوتِ وَالْجُوعُ، وَمَنْ مَاتَ قَرِيبًا مِنْ دِجْلَةَ سَحَبُوهُ بِرِجْلِهِ وَأَلْقَوْهُ فِيهَا...

 

وَكَانَ لِرَجُلٍ أَرْضٌ يُسْأَلُ فِي بَيْعِهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَبَاعَهَا بِخَمْسَةِ أَرْطَالِ خُبْزٍ، فَأَكَلَهَا وَمَاتَ مِنْ وَقْتِهِ. وَوَصَلَ إِلَى بَغْدَادَ نُسْخَةُ كِتَابٍ كُتِبَ مِنْ سَمَرْقَنْدَ... مَضْمُونُهُ أَنَّهُ يُدْفَنُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ صَالِحِي الْمُسْلِمِينَ خَمْسَةُ آلَافٍ وَسِتَّةُ آلَافٍ وَأَكْثَرُ، وَغُلِّقَتِ الْأَسْوَاقُ، وَاشْتَغَلَ النَّاسُ لَيْلًا وَنَهَارًا بِدَفْنِ مَوْتَاهُمْ وَغَسْلِهِمْ وَتَكْفِينِهِمْ، وَكُلُّ دَارٍ يَدْخُلُهَا الْمَوْتُ يَأْتِي عَلَى الْجَمِيعِ، وَكَانَ الْمَرِيضُ يَنْشَقُّ قَلْبُهُ عَنْ دَمِ الْمُهْجَةِ، فَتَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ قَطْرَةٌ فَيَمُوتُ.

 

وَغُلِّقَ مِنَ الْبَلَدِ مِنْ دُورِ الْمُقَدَّمِينَ وَأَعْيَانِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفَيْ دَارٍ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا كَبِيرٌ وَلَا صَغِيرٌ وَلَا حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ وَلَا وَارِثٌ، وَتَابَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَتَصَدَّقُوا بِمُعْظَمِ أَمْوَالِهِمْ، وَأَرَاقُوا الْخُمُورَ، وَكَسَرُوا الْمَعَازِفَ، وَلَزِمُوا الْمَسَاجِدَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَالنِّسَاءُ فِي الْبُيُوتِ يَفْعَلْنَ كَذَلِكَ... وَكُلُّ مَنْ أَوْصَى إِلَى إِنْسَانٍ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْمُوصِي...

 

وَكَانَ عِنْدَ الْفَقِيهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ سَبْعُ مِئَةِ فَقِيهٍ، فَمَاتَ عَبْدُ الْجَبَّارِ وَالْفُقَهَاءُ بِأَسْرِهِمْ، وَكَانَ فِي دَارِ رَجُلٍ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَهْلِ وَالْغِلْمَانِ مَا يُوفِي عَلَى الْخَمْسِينَ، فَمَاتُوا كُلُّهُمْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَخَلَّفُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا طِفْلٌ صَغِيرٌ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ، وَالْمَالُ جَمِيعُهُ فِي الدَّارِ لَا يَجْسُرُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَهَا... قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى مَرِيضٍ قَدْ طَالَ نَزْعُهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ، فَدَخَلْنَاهُ وَفَتَّشْنَاهُ وَإِذَا بِخَابِيَةِ خَمْرٍ، فَأَقْلَبْنَاهَا، فَخَلَّصَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- مِنَ الْمَوْتِ. قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ مِثْلُ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ مُنْذُ مَاتَ آدَمُ وَإِلَى الْآنِ، وَلَا يُعْلَمُ مَنْ مَاتَ فِي أَرْضِ الْمَشْرِقِ، بَلْ قِيلَ: إِنَّ سَمَرْقَنْدَ مِنْ غُرَّةِ شَوَّالٍ وَإِلَى سَلْخِ ذِي الْقِعْدَةِ أُحْصِيَ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَبْوَابِهَا مِنَ الْجَنَائِزِ، فَكَانُوا مِئَتَيْ أَلْفٍ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا. قَالَ: وَأَصْلُ هَذَا الْوَبَاءِ مِنْ تِرْكِسْتَانَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إِلَى بِلَادِ سَاغُونَ وَكَاشْغَرَ وَالشَّاشِ وَفَرْغَانَةَ وَتِلْكَ النَّوَاحِي، وَوَصَلَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ فِي سَابِعِ عِشْرِينَ رَمَضَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَمْ يَعْبُرِ النَّهْرَ، حَتَّى إِنْ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ بُخَارَى عَبَرُوا إِلَى بَلْخَ، فَنَزَلُوا فِي رِبَاطٍ مِنْهَا، فَمَاتُوا بِأَجْمَعِهِمْ دُونَ أَهْلِ بَلْخَ، وَكَانَ الْمَوْتُ فِي الشَّبَابِ وَالْكُهُولِ وَالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ مِنَ الْعَوَامِّ، فَأَمَّا الْمُلُوكُ وَالْعَسَاكِرُ وَالْمَشَايِخُ وَالْعَجَائِزُ فَلَمْ يَمُتْ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ... إِلَخْ. قَالَ ابْنُ الصَّابِئِ: عَبَرْتُ إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ... فَرَأَيْتُ أَمْرًا مُوحِشًا يَدُلُّ عَلَى خَرَابِ الْبَلَدِ وَانْقِرَاضِهِ، وَرَأَيْتُ الْمَسَاكِنَ قَدْ عَلَاهَا التُّرَابُ، وَعَلَيْهَا دَلَائِلُ السُّخْطِ وَالِانْتِقَامِ. وَلَمْ تَقَعْ عَيْنِي عَلَى مَنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ صَحِيحٌ وَلَا نَظِيفٌ... وَبُطِّلَتِ الصَّلَاةُ فِي جَوَامِعِ بَغْدَادَ إِلَّا جَامِعَ الْخَلِيفَةِ (فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)[الْقَصَصِ: 58]"(مرآة الزمان في تواريخ الأعيان؛ لسبط ابن الجوزي:12-19).

 

3- قَالَ الذَّهَبِيُّ: "وَأَمَّا بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدُ وَتِلْكَ الدِّيَارُ، فَكَانَ الْوَبَاءُ بِهَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ، بَلْ يُسْتَحَى مِنْ ذِكْرِهِ"(تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام:665-9).

 

5- قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: "وَجَاءَ الْخَبَرُ مِنْ أَذْرَبِيجَانَ وَتِلْكَ الْبِلَادِ بِالْوَبَاءِ الْعَظِيمِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ إِلَّا الْعَدَدُ الْقَلِيلُ: وَوَقَعَ وَبَاءٌ بِالْأَهْوَازِ وَأَعْمَالِهَا وَبِوَاسِطٍ وَالنِّيلِ وَالْكُوفَةِ وَطَبَّقَ الْأَرْضَ..."(البداية والنهاية:741-15).

 

6- عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: "بَعُدَ مِنَّا شَبَابٌ قَبْلَ الطَّاعُونِ فَقَالَ لِي أَهَالِيهِمْ: لَوْ كَلَّمْتَهُمْ. قَالَ: فَقُلْتُ: دَعْهُمْ عَسَى أَنْ يَمُوتُوا بِخَلَاتِهِمْ، فَجَاءَ الطَّاعُونُ فَمَاتُوا جَمِيعًا"(المعرفة والتاريخ؛ للفسوي: 1-194).

 

7- عن الحارث بن عميرة الحارثي قال: أخذ معاذ بن جبل بيد الحارث بن عميرة فأرسله إلى أبي عبيدة بن الجراح، يسأله كيف هو وقد طعنا فأراه أبو عبيدة طعنة خرجت في كفه فتكاثر شأنها في نفس الحارث وفرق منها حين رآها فأقسم أبو عبيدة بالله ما يحب أن له مكانها حمر النعم"(تاريخ مدينة دمشق؛ لابن عساكر:٢٥-٤٨٥).

 

 

 

الاشعار

قال عبدالرحمن العشماوي:

مَا بَالُهُ يَتَخَفَّى وَهُوَ يَنْتَشِرُ *** فَمَا نَرَاهُ وَلَكِنْ يَظْهَرُ الأثَرُ؟

قَالُوا صَغِيرٌ فَمَا نَسْتطِيعُ رُؤْيَتَهُ *** مَا بَالُهُمْ مِنْ صَغِيرٍ وَاهِنٍ ذُعِرُوا؟

أَيْنَ التَجَسُّسُ حَتَّى كَادَ قَائِلُهُمْ *** يَقول إنَا نَرَى مَا يُضمِرُ البَشَرُ

أَيْنَ الصَّوَاريِخُ تَجْتَازُ الحُدُودَ وَفِي ***رُؤوسِهَا مَا بِهِ الأَحْجَارُ تَنصَهِرُ

مَا بَالُ كُلِّ جُيوشِ الأَرْضِ قَاطِبَةً *** تَبِيتُ خَائِفَةً وَالقَلْبُ مُنكَسِرُ

أين المَدافعُ؟ تهتَزُّ الجبالُ لها ***  أينَ القنابلُ بالنّيرانِ تَنفجرُ؟

كُلُّ الوَسَائِلِ تَهْذِي وَهِيَ خَائِفَةٌ *** مِمَّا تُبَيِّنُهُ لِلْعَالَمِ الصُّوَرُ

تخشى الصغيرَ الذي مازال مختفياً *** وقد تمكّن منها الخوفُ والضجرُ؟

تُحَذّرُ الناسَ "كُورُونَا" وَتَجْهَلُهُ *** لَوْ كَانَ يَمْنَعُ مِمَّا قُدِّرَ الحَذَرُ

يَا خَالِقَ الكَونِ لُطْفَاً أَنْتَ مُنْقِذُنَا *** إِلَيكَ نَلْجَأُ مِمَّا سَاقَتِ النُّذُرُ

بك استعذنا وما ندعو سواك إذا ***  ما انْتابنا مرضٌ نخشاهُ أو خطَرُ

 

 

 

الدراسات

1- قال سعيد مسفر القحطاني: "كان العلماء قبل مسألة الحجر الصحي يقولون: كيف إذا دخل الطاعون نبقى ولا نخرج، نعرض أنفسنا للموت ونبقى فيها! لكن لما جاء الطب بمسألة الحجر الصحي وجدوا أن الحديث الذي يأمرنا بالبقاء في مكان الطاعون فيه معاني الحجر الصحي؛ إذ أنه إذا دخل الطاعون في أرض وأنت فيها فلا تخرج منها؛ حتى لا يؤدي خروجك منها إلى نقل الوباء إلى الآخرين؛ فابق فيها واصبر على قضاء الله وقدره، وإذا حلَّ الطاعون في أرض وأنت خارجها فلا تدخل إليها"(دروس للشيخ سعيد بن مسفر؛ دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية).

 

 

 

متفرقات

1- قال ابن حجر -رحمه الله-: "قال القاضي عياض: أصل الطاعون القروح الخارجة في الجسد، والوباء عموم الأمراض، فسميت طاعونا لشبهها بها في الهلاك، وإلا فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعونا، قال: ويدل على ذلك أن وباء الشام الذي وقع في عمواس إنما كان طاعونا.

 

وقال ابن عبد البر: الطاعون غدة تخرج في المراق والآباط وقد تخرج في الأيدي والأصابع وحيث شاء الله.

 

وقال النووي في الروضة: قيل: الطاعون انصباب الدم إلى عضو، ثم وصفه بأنه: وَرَمٌ مؤلم جدا يخرج مع لهب ويسودُّ ما حواليه أو يخضرُّ أو يحمرُّ حمرة شديدة بنفسجية كدرة ويحصل معه خفقان وقيء، ويخرج غالبا في المراق والآباط، وقد يخرج في الأيدي والأصابع وسائر الجسد، وقال آخرون: هو هيجان الدم وانتفاخه. قال المتولي: وهو قريب من الجذام من أصابه تآكلت أعضاؤه وتساقط لحمه، وقال الغزالي: هو انتفاخ جميع البدن من الدم مع الحمى أو انصباب الدم إلى بعض الأطراف فينتفخ ويحمر وقد يذهب ذلك العضو.

 

وقال جماعة من الأطباء منهم أبو علي بن سينا: الطاعون مادة سُمِّيَّةٌ تُحدث وَرَماً قتَّالاً يحدث في المواضع الرخوة والمغابن من البدن، وأغلب ما تكون تحت الإبط أو خلف الأذن أو عند الأرنبة، قال: وسببُه دمٌ رديء مائل إلى العفونة والفساد يستحيل إلى جوهر سُمِّيٍّ يُفسد العضو ويغير ما يليه ويؤدي إلى القلب كيفيةً رديئةً فيُحدث القيء والغثيان والغشي والخفقان، وهو لرداءته لا يقبل من الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطبع، وأردؤُه ما يقع في الأعضاء الرئيسية، والأسود منه قلَّ من يسلم منه، وأسلمه الأحمر ثم الأصفر.

 

والطواعين تكثر عند الوباء في البلاد الوبئة، ومن ثم أطلق على الطاعون وباء وبالعكس"(فتح الباري:10-180).

 

2- قال ابن حجر رحمه الله بعد أن ذكر كلام أهل اللغة وأهل الفقه والأطباء في تعريفه: "والحاصل: أن حقيقته: ورم ينشأ عن هيجان الدم، أو انصباب الدم إلى عضو فيفسده، وأن غير ذلك من الأمراض العامة، الناشئة عن فساد الهواء: يسمى طاعونا بطريق المجاز؛ لاشتراكهما في عموم المرض به، أو كثرة الموت.

 

والدليل على أن الطاعون يغاير الوباء: ما سيأتي في رابع أحاديث الباب: أن الطاعون لا يدخل المدينة، وقد سبق في حديث عائشة: قدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، وفيه قول بلال: أخرَجونا إلى أرض الوباء، وما سبق في الجنائز من حديث أبي الأسود: قدمت المدينة في خلافة عمر وهم يموتون موتا ذريعا، وما سبق في حديث العُرنيين في الطهارة: أنهم استوخموا المدينة، وفي لفظ أنهم قالوا: إنها أرض وبئة.

 

فكل ذلك يدل على أن الوباء كان موجودا بالمدينة، وقد صرح الحديث الأول بأن الطاعون لا يدخلها؛ فدل على أن الوباء غير الطاعون، وأن من أطلق على كل وباء طاعونا، فبطريق المجاز.

 

قال أهل اللغة: الوباء: هو المرض العام، يقال أوبأت الأرض، فهي موبئة، ووبئت بالفتح -يعني: بفتح أوله، مبني للفاعل-، فهي وبئة، وبالضم -مبني للمفعول-، فهي موبوءة.

 

والذي يفترق به الطاعون من الوباء: أصل الطاعون الذي لم يتعرض له الأطباء، ولا أكثر من تكلم في تعريف الطاعون، وهو كونه من طعن الجن.

 

ولا يخالف ذلك ما قال الأطباء من كون الطاعون ينشأ عن هيجان الدم أو انصبابه؛ لأنه يجوز أن يكون ذلك يحدث عن الطعنة الباطنة، فتحدث منها المادة السمية، ويهيج الدم بسببها، أو ينصَبّ، وإنما لم يتعرض الأطباء لكونه من طعن الجن لأنه أمر لا يدرك بالعقل وإنما يعرف من الشارع، فتكلموا في ذلك على ما اقتضته قواعدهم...

 

ومما يؤيد أن الطاعون إنما يكون من طعن الجن: وقوعه غالبا في أعدل الفصول وفي أصح البلاد هواءً، وأطيبِها ماء، ولأنه لو كان بسبب فساد الهواء، لدام في الأرض، لأن الهواء يفسد تارة ويصح أخرى، وهذا يذهب أحيانا ويجيء أحيانا، على غير قياس ولا تجربة.

 

فربما جاء سنةً على سنة، وربما أبطأ سنين.

 

وبأنه لو كان كذلك لعم الناس والحيوان، والموجود بالمشاهدة أنه يصيب الكثير، ولا يصيب من هم بجانبهم مما هو في مثل مزاجهم.

 

ولو كان كذلك لعم جميع البدن، وهذا يختص بموضع من الجسد ولا يتجاوزه.

 

ولأن فساد الهواء يقتضي تغير الأخلاط، وكثرة الأسقام، وهذا في الغالب يقتل بلا مرض.

 

فدل على أنه من طعن الجن، كما ثبت في الأحاديث الواردة في ذلك، منها:

 

حديث أبي موسى رفعه: فناء أمتي بالطعن والطاعون، قيل: يا رسول الله ، هذا الطعن قد عرفناه ، فما الطاعون ؟ قال : وخز أعدائكم من الجن ، وفي كلٍّ شهادة  أخرجه أحمد من رواية زياد بن علاقة عن رجل عن أبي موسى ... فالحديث صحيح بهذا الاعتبار، وقد صححه ابن خزيمة والحاكم. وأخرجاه ابن خزيمة والحاكم وأحمد والطبراني من وجه آخر، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، قال: سألت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:  هو وخز أعدائكم من الجن ، وهو لكم شهادة  ورجاله رجال الصحيح إلا أبا بَلْج -بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها جيم- واسمه يحيى ، وثقه بن معين والنسائي وجماعة ، وضعفه جماعة بسبب التشيع . وذلك لا يقدح في قبول روايته عند الجمهور. وللحديث طريق ثالثة أخرجها الطبراني.

 

والعمدة في هذا الباب على حديث أبي موسى، فإنه يحكم له بالصحة لتعدد طرقه إليه.

 

وقوله: وَخْز، بفتح أوله وسكون المعجمة بعدها زاي. قال أهل اللغة: هو الطعن إذا كان غير نافذ.

 

ووصف طعن الجن بأنه وخز؛ لأنه يقع من الباطن إلى الظاهر، فيؤثر بالباطن أولا، ثم يؤثر في الظاهر، وقد لا ينفذ.

 

وهذا بخلاف طعن الإنس فإنه يقع من الظاهر إلى الباطن فيؤثر في الظاهر أولا ثم يؤثر في الباطن، وقد لا ينفذ"(فتح الباري:10/180-182).

 

3- الوخز: طعن غير نافذ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الطاعون منه ما يكون بسبب الجن، و منه  نوع آخر يكون بسبب الأدواء والتغيرات الطبيعية. وذهب ابن حجر للجمع بين الأمرين فأصله من الجن وينتج عنه التغيرات الظاهرة في البدن (انظر: بذل الماعون ص:126-127 ونسب هذا القول للكلاباذي في معاني الأخبار).

 

4- قال ابن حجر رحمه الله عند حديث: (ما من عبد يكون في بلد يكون فيه، ويمكث فيه لا يخرج من البلد، صابرا محتسبا، يعلم أنه ال يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل

أجر شهيد): "مفهوم هذا الحديث كما اقتضى منطوقه أن من اتصف بالصفات المذكورة يحصل له أجر الشهيد وإن لم يمت بالطاعون ويدخل تحته ثلاث صور أن من اتصف بذلك فوقع به الطاعون فمات به أو وقع به ولم يمت به أو لم يقع به أصلا ومات بغيره عاجلا أو آجلا قوله مثل أجر الشهيد لعل السر في التعبير بالمثلية مع ثبوت التصريح بأن من مات بالطاعون كان شهيدا أن من لم يمت من هؤلاء بالطاعون كان له مثل أجر الشهيد وأن لم تحصل له درجة الشهادة بعينها وذلك أن من اتصف بكونه شهيدا أعلى درجة ممن وعد بأنه يعطي مثل أجر الشهيد ويكون كمن خرج على نية الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا فمات بسبب غير القتل وأما ما اقتضاه مفهوم حديث الباب أن من اتصف بالصفات المذكورة ووقع به الطاعون ثم لم يمت منه أنه يحصل له ثواب الشهيد فيشهد له حديث بن مسعود الذي أخرجه أحمد من طريق إبراهيم بن عبيد بن رفاعة أن أبا محمد أخبره وكان من أصحاب بن مسعود أنه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "إن أكثر شهداء أمتي لأصحاب الفرش ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته"( فتح الباري:10-194).

 

4- اختلف العلماء في علة النهي عن الخروج من البلد المصاب بالطاعون أو الدخول إليه:

فمنهم من جعل الأمر تعبدي لا يعقل معناه، ومنهم من جعل العلة شرعية وهي تحقيق صدق التوكل على الله، وتفويض الأسباب إليه، والتسليم لقضائه وقدره وعدم الفرار منه، وعدم مخالفة الصبر المأمور به في هذه الحال، أو خشية وقوع الشرك والتعلق بالأسباب بحيث يظن أن الفرار هو الذي أنجاه أو أن الدخول هو الذي أهلكه ونحو ذلك.

ومنهم من جعل العلة متعلقة بمصلحة العباد، وهي خشية انتشار العدوى، أو خشية ألا يبقى للموتى من يجهزهم وللمرضى من يتعاهدهم ويقوم بأمرهم في البلد المصاب (انظر: بذل الماعون: ص:320-326، والفتاوى الكبرى:4-27، والذخيرة للقرافي:13-305).

 

5- سئل الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: لو كان الوباء غير الطاعون، هل يخرج فرار فأجاب: "لا بأس، يخرج"(الفتاوى الفقهية الكبرى:4-11).

 

6- قَالَ الْعُلَمَاءُ: "أَرَادَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قول: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءَ أُمَّتِي فِي سَبِيلِكَ بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ" أَنْ يُحَصِّلَ لِأُمَّتِهِ أَرْفَعَ أَنْوَاعِ الشَّهَادَةِ؛ وَهُوَ الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَيْدِي أَعْدَائِهِمْ، إِمَّا مِنَ الْإِنْسِ وَإِمَّا مِنَ الْجِنِّ".

 

7- قال الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- حَالَاتِ تَمَنِّي الْمَوْتِ، وَقَالَ: "وَمِنْهَا: تَمَنِّي الْمَوْتِ عِنْدَ حُضُورِ أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ؛ اغْتِنَامًا لِحُضُورِهَا؛ فَيَجُوزُ ذَلِكَ، وَسُؤَالُ الصَّحَابَةِ الشَّهَادَةَ وَتَعَرُّضُهُمْ لَهَا عِنْدَ حُضُورِ الْجِهَادِ كَثِيرٌ مَشْهُورٌ، وَكَذَلِكَ سُؤَالُ مُعَاذٍ لِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاعُونَ لَمَّا وَقَعَ بِالشَّامِ".

 

8- قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والطاعون قيل: إنه نوع معين من المرض يؤدي إلى الهلاك، وقيل: إن الطاعون كل مرض فتاك منتشر، مثل الكوليرا، فالمعروف أنها إذا وقعت في أرض فإنها تنتشر بسرعة. والحمى الشوكية، وغيرها من الأمراض التي يعرفها الأطباء، ونجهل كثيراً منها. فهذه الأمراض التي تنتشر بسرعة وتؤدي إلى الهلاك يصح أن نقول: إنها طاعون حقيقة، أو حكماً.

 

ولكن الظاهر من السنة خلاف ذلك؛ لأن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عَدَّ الشهداء فقال: المطعون والمبطون.

 

وهذا يدل على أن من أصيب بداء البطن غير من أصيب بالطاعون، والمبطون هو الذي انطلق بطنه"(الشرح الممتع:11-110).

 

 

 

الإحالات

1- مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد المؤلف: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد (59/61) .

2- دروس للشيخ سعيد بن مسفر المؤلف : سعيد بن مسفر بن مفرح القحطاني مصدر الكتاب : دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية

http://www.islamweb.net (95/13) . 3- دروس الشيخ أحمد فريد المؤلف: أحمد فريد مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية

http://www.islamweb.net (57/15) . 4- التبويب الموضوعي للأحاديث المؤلف : محمد محيي الدين عبد الحميد (1/10410) .

5- شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك المؤلف : محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني ـ سنة الوفاة 1122 الناشر : دار الكتب العلمية سنة النشر : 1411 مكان النشر : بيروت - ما جاء في وباء المدينة (4/284) .

6- عون المعبود شرح سنن أبي داود المؤلف : محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الثانية ، 1415 - باب الخروج من الطاعون (8/255) .

7- حجة الله البالغة للإمام الكبير: الشيخ أحمد المعروف بشاه ولي الله ابن عبدالرحيم الدهلوي راجعه وعلق عليه: الشيخ محمد شريف سكر دار إحياء العلوم - بيروت لبنان (2/292) .

8- غذاء الألباب شرح منظومة الآداب المؤلف : محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي دار النشر : دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان - 1423 هـ - 2002 م الطبعة : الثانية تحقيق : محمد عبد العزيز الخالدي (1/336) .

9- مجلة البيان المؤلف : تصدر عن المنتدى الإسلامي (243/20) .

10- المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلف: مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى: 261هـ) المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت (3/1596، 4/1740) .

11- الموطأ المؤلف: مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني (المتوفى: 179هـ) المحقق: محمد مصطفى الأعظمي الناشر: مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية - أبو ظبي – الإمارات الطبعة: الأولى، 1425 هـ - 2004 م - مَا جَاءَ فِي وَبَاءِ الْمَدِينَةِ (5/1310) .

12- عشر وصايا للوقاية من الوباء؛ الشيخ. د. عبد الرزاق البدر.

 13- الأحكام الشرعية المتعلقة بالوباء والطاعون، مع دراسة فقهية للأحكام المتعلقة بـفيروس كورونا؛ هيثم بن قاسم الحمري.