هجران

2022-10-09 - 1444/03/13

التعريف

تعريف الهجر والهجرة والهجران:

 

المعنى اللغوي للهجرة والهجر والهجران: هو ضد الوصل وهو مفارقة الإنسان غيره إما بالبدن أو باللسان أو بالقلب والأصل فيه الترك قولاً كان أو فعلاً وقوله تعالى (واهجرهم هجراً جميلاً) يحتمل المفارقة بالبدن واللسان والقلب ومدعو إلى أن يتحرى أي الثلاثة إن أمكنه مع تحري المجاملة وأما قوله تعالى (والرجز فاهجر) فحثٌ على المفارقة بالوجوه كلها.

والهجر الجميل هو الاعتزال الحسن وهو الذي يقتصر على حقيقته ولا أذى منه ولا جزع فيه وقوله (واهجرني مليا) أي اعتزلني ما دمت حياً صحيحاً ولا تكلمني [أحكام الهجر والهجرة في الإسلام المؤلف: أبو فيصل البدراني (1/3) ] .

العناصر

1- معنى الهجران .

 

 

2- مراتب الهجران .

 

 

3- ما يجوز من الهجران .

 

 

4- صفة الهجران .

 

 

5- الهجران غير الصحيح .

 

 

6- هجران أهل المعصية .

 

 

7- هجران أهل البدع .

 

 

8- من مستلزمات الأخوة تحريم الهجران .

 

 

9- إعطاء الحقوق العامة عند الهجران .

 

 

10- الهجر في المضجع لا يكون الا في الفراش .

 

الايات

1- قَالَ الله تَعَالَى: (إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ) [الحجرات:10].
2- قال تَعَالَى: (وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالعُدْوَانِ) [المائدة:2].
3- قال تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) [النساء:34].

الاحاديث

1- عن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَقَاطَعُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَاناً، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَث) متفق عَلَيْهِ.
2- عن أَبي أيوبَ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ: يَلْتَقِيَانِ، فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وخَيْرُهُما الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ) متفق عَلَيْهِ.
3- عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تُعْرَضُ الأَعْمَالُ في كلِّ اثْنَيْنِ وَخَمْيسٍ، فَيَغْفِرُ اللهُ لِكُلِّ امْرِئٍ لا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً، إِلاَّ امْرَءاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيقُولُ: اتْرُكُوا هذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا) رواه مسلم.
4- عن جابر رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: (إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَلَكِنْ في التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) رواه مسلم.
(التَّحْرِيشُ): الإفْسَادُ وتَغييرُ قُلُوبِهِمْ وتَقَاطُعُهُم.
5- عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَمَاتَ، دَخَلَ النَّارَ) رواه أَبُو داود بإسناد عَلَى شرط البخاري ومسلم.
6- عن أَبي خِراشٍ حَدْرَدِ بنِ أَبي حَدْرَدٍ الأسلميِّ. ويقالُ: السُّلمِيّ الصحابي رضي الله عنه: أنَّه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم، يقولُ: (مَنْ هَجَرَ أخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ) رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
7- عن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنًّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (لاَ يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أنْ يَهْجُرَ مُؤْمِناً فَوقَ ثَلاَثٍ، فإنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلاَثٌ، فَلْيَلْقَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإنْ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ فَقَدِ اشْتَرَكَا في الأجْرِ، وَإنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ بَاءَ بِالإثْمِ، وَخَرَجَ المُسَلِّمُ مِنَ الهِجْرَةِ) رواه أَبُو داود بإسناد حسن.

الاثار

1- قال معاذ رضي الله عنه: " من أصبح منكم مهاجرا أخاه فليلقه فليصافحه، ولا ينبغي لمسلم أن يهجر أخاه أكثر من ثلاث، والذنب عظيم " المجالسة وجواهر العلم.
2- قال عمار: " مخاصمة جميلة أحب إليّ من مودّة على حقد " فيض القدير للمناوي.
3- قال ابن تيمية: " الهجر الشرعي نوعان: أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات، والثاني: بمعنى العقوبة عليها.
فالأول: هو المذكور في قوله تعالى: "(وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين)، وقوله تعالى: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم).
فهذا يراد به أنه لا يشهد المنكرات لغير حاجة مثل قوم يشربون الخمر يجلس عندهم وقوم دعوا إلى وليمة فيها خمر وزمر لا يجيب دعوتهم وأمثال ذلك بخلاف من حضر عندهم للإنكار عليهم ..
النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب وهو هجر من يظهر المنكرات يهجر حتى يتوب منها كما هجر النبي صلى الله عليه و سلم والمسلمون الثلاثة الذين خلفوا حتى أنزل الله توبتهم حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر ولم يهجر من أظهر الخير وان كان منافقا فهنا الهجر هو بمنزلة التعزير.
والتعزير يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات وفعل المحرمات كتارك الصلاة والزكاة والتظاهر بالمظالم والفواحش والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدع .. " مجموع الفتاوى.
4- وقال رحمه الله: " الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله؛ فإن كان المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر .. " إلى أن قال رحمه الله: " وإذا عرف هذا فالهجرة الشرعية هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسوله فالطاعة لابد أن تكون خالصة لله أن تكون موافقة لأمره فتكون خالصة لله صواباً؛ فمن هجر لهوى نفسه أو هجر هجراً غير مأمور به كان خارجاً عن هذا وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله.
والهجر لأجل حظ الإنسان لا يجوز أكثر من ثلاث كما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) .. وفي الصحيحين عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: (تفتح أبواب الجنة كل إثنين وخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا) .. كما رخص للزوج أن يهجر امرأته في المضجع إذا نشزت.
فينبغي أن يفرق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحق نفسه؛ فالأول مأمور به، والثاني منهي عنه؛ لأن المؤمنين إخوة " مجموع الفتاوى.
5- قال النووي: " يحرم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنص، وتباح في الثلاث بالمفهوم، وإنما عفي عنه في ذلك؛ لأن الآدمي مجبول على الغضب، وسوء الخلق، فسومح بذلك القدر ليرجع ويزول ذلك العارض ".
6- قال ابن عبد البر: " أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة؛ فإن كان كذلك جاز، ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية " فتح الباري.
* قال ابن حجر معقباً على كلام ابن عبد البر: " ولا يخفى أن هنا مقامين أعلى وأدنى؛ فالأعلى اجتناب الإعراض جملة فيبذل السلام والكلام والمواددة بكل طريق، والأدنى الاقتصار على السلام دون غيره، والوعيد الشديد إنما هو لمن يترك المقام الأدنى، وأما الأعلى فمن تركه من الأجانب فلا يلحقه اللوم، بخلاف الأقارب فإنه يدخل فيه قطيعة الرحم " فتح الباري.
6- قال الشيخ ابن عثيمين: " لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاثة أيام لكن فيما دون الثلاثة له أن يهجره، ولا ينبغي أيضاً، لكن له هجره؛ لأن الإنسان ربما يكون بينه وبين أخيه شيء من وقفة الخواطر والشرف عليه، فيهجره، هذا رخص له النبي-صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أيام فقط، وبعد ذلك لا بد أن يسلِّم، لكن إذا كان الهجر لمصلحة دينية، مثل أن يكون سبباً لاستقامة المهجور، وتركه المعاصي فإنه لا بأس به، بل قد يكون واجباً ".

القصص

1- عن عوف بن الحارث -وهو ابن أخي عائشة لأمها- أن عائشة حدثته أن عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته: والله لتنتهين عائشة أو لاحجرن عليها، فقالت عائشة : أو قال هذا؟ قالوا: نعم، فقالت عائشة: هو علي لله نذر أن لا أكلم ابن الزبير بكلمة أبداً، قال: فاستشفع عبد الله ابن الزبير إليها حين طالت هجرتها إياه، فقالت: والله لا أشفع فيه أحداً، فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة.
وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وهما من بني زهرة، فقال لهما: أنشدكما بالله إلا أدخلتماني على عائشة، فإنه لا يحل لها أن تنذر قطيعتي.
فأقبل المسور بن مخرمة وعبد الرحمن وابن الزبير مشتملين عليه بأرديتهما، حتى استأذنا على عائشة، فقالا: السلام على النبي ورحمة الله، أندخل؟ فقالت عائشة: ادخلوا، قالا: أكلنا يا أم المؤمنين؟ قالت: نعم، ادخلوا كلكم، ولا تعلم عائشة أن معهم ابن الزبير، فلما دخلوا اقتحم ابن الزبير الحجاب، فاعتنق عائشة رضي الله عنها وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدان عائشة إلا ما كلمته، وقبلت منه، ويقولان لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عما عملت من الهجرة، فإنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتجريح طفقت تذكرهم وتبكي، وتقول: إني قد نذرت، والنذر شديد، فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير، ثم أعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، ثم كانت تذكر نذرها ذلك بعدما أعتقت أربعين، ثم تبكي حتى تبل دموعها خمارها.
2- عن أبي الحسن المدائني قال: " جرى بين الحسن بن علي وأخيه الحسين كلام حتى تهاجرا فلما أتى على الحسن ثلاثة أيام من هجر أخيه فأقبل إلى الحسين وهو جالس فأكب على رأسه فقبله، فلما جلس الحسن قال له الحسين: إن الذي منعني من ابتدائك والقيام إليك أنك أحق بالفضل مني فكرهت أن أنازعك ما أنت أحق به ".
3- هجر عمر رضي الله عنه: زياد بن حدير لما رأى عليه طيلسانًا وشاربه عافيةً، إذ سلم زياد فلم يرد عليه عمر السلام حتى خلع الطيلسان وقص شاربه. رواه أبو نعيم في الحلية.
4- كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعتقل أصحاب النرد غدوة ونحوها، وينهى عن السلام عليهم. رواه البخاري في الأدب المفرد.
5- هجر عبد الله عمر رضي الله عنهما رجلًا رآه يخذف بعدما أعلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهي عن الخذف. وقال: والله لا أكلمك أبدًا. رواه الحاكم.
6- هجر عبادةُ بن الصامت رضي الله عنه معاويةَ رضي الله عنه في مخالفته له في مسألة ربوية، وقال عبادة: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن رأيك لئن أخرجني الله لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة، ولما خرج شكاه إلى عمر رضي الله عنه فكتب إليه عمر: لا إمرة لك عليه واحمل الناس على ما قاله فإنه هو الأمر. رواه ابن ماجه.
7- هجر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رجلًا رآه يضحك في جنازة، فقال: والله لا أكلمك أبدًا. رواه أحمد في الزهد.

الاشعار

لقد كنت أحسبني منكم على ثقة *** حتى منيت بما لم يجر ببالي
لم أجن في الحب ذنبا أستحق بـه *** عتبا,ولكنها تحريف أقوالي
ومن اطاع رواة السوء, نفره *** عن الصديق سماع القيل والقال
أدهى المصائب غدر قبلـه ثقـة *** وأقبح الظلم صد بعد إقبال
[محمود سامي البارودي]

إلى كم يكون الشر في كل ساعة *** وكم لا تملين القطيعة والهجـرا
رويدك إن الدهـر فيه كفايـة *** لتفريق ذات البين فانتظري الدهرا
[.............]

الدراسات

متفرقات

1- قال الدكتور محمد بن سعيد القحطاني: الهجر الشرعي نوعان: الأول: بمعنى الترك للمنكرات. والثاني: بمعنى العقوبة عليها. فالأول هو المذكور في قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) [سورة الأنعام: 68]. وقوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ )[سورة النساء: 140]. 

وهذا الهجر من جنس هجر الإنسان نفسه عن فعل المنكرات كما قال صلى الله عليه وسلم « المهاجر من هجر ما نهى الله عنه » [صحيح البخاري كتاب الإيمان باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (ج 1/53 ح 10) ] ومن هذا الباب الهجرة من دار الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان، فإنه هجر للمقام بين الكافرين والمنافقين الذين لا يمكنونه من فعل ما أمر الله به، ومن هذا قوله تعالى: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)[سورة المدثر: 5] . أما النوع الثاني وهو الهجر على وجه التأديب: فهو هجر من يظهر المنكرات حتى يتوب منها كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون الثلاثة الذين خلفوا حتى أنزل الله توبتهم . 

وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم، وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يقضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث تكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين. وإذا عرف هذا فالهجر يجب أن يكون خالصاً لله وموافقاً لأمره، لأن من هجر لهوى نفسه أو هجر هجراً غير مأمور به كان خارجاً عن هذا الأصل، وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله [انظر مجموع الفتاوى (ج 28/203-207) والولاء والبراء (1/266) ] . 

 

2- قال الحافظ بن حجر في فتح الباري : ذهب الجمهور إلى أنه لا يسلم على الفاسق ولا المبتدع . قال النووي : فإن اضطر إلى السلام بأن خاف ترتب مفسدة في دين أو دنيا إن لم يُسلِّم سَلَّم . وكذا قال ابن العربي وزاد : وينوي أن السلام إسم من أسماء الله تعالى فكأنَّه قال : الله رقيب عليكم [تحفة الإخوان بما جاء في الموالاة والمعاداة والحب والبغض والهجران للشيخ حمود التويجري (1/33) ] . 

 

3- قال المهلب : ترك السلام على أهل المعاصي سنة ماضية وبه قال كثير من أهل العلم في أهل البدع وألحق بعض الحنفية بأهل المعاصي من يتعاطى خوارم المروءة ككثرة المزاح واللهو وفحش القول والجلوس في الأسواق لرؤية من يمر من النساء ونحو ذلك اهـ . وحكى ابن رشد قال : قال مالك : لا يسلم على أهل الأهواء . قال ابن دقيق العيد : ويكون ذلك على سبيل التأديب لهم والتبري منهم [تحفة الإخوان بما جاء في الموالاة والمعاداة والحب والبغض والهجران للشيخ حمود التويجري (1/33) ] .

 

4- قال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه ( باب الهجر ) ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث » ثم ساق في الباب ثلاثة أحاديث في تحريم الهجر فوق ثلاث ثم قال : ( باب ما يجوز من الهجران لمن عصى ) وقال كعب حين تخلف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عن كلامنا وذكر خمسين ليلة . ثم قال بعد ذلك في كتاب الإستئذان : ( باب من لم يسلم على من اقترف ذنبا ومن لم يرد سلامه حتى تتبين توبته وإلى متى تتبين توبة العاصي ) وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : لا تسلموا على شربة الخمر . ثم ذكر طرفا من حديث كعب بن مالك قال : ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا وآتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم عليه فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام أم لا حتى كملت خمسون ليلة . قال الطبري : قصة كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي [تحفة الإخوان بما جاء في الموالاة والمعاداة والحب والبغض والهجران للشيخ حمود التويجري (1/33) ] . 

 

5- يقول الشيخ أبو بكر جابر الجزائري رحمه الله: أما إذا صاحب هذه البدعة شيء من الشرك في الأقوال أو الأفعال أو داخلها باطل أو فساد فإن على المسلم المنكر لها أن يشدد في الإنكار ، ولا بأس أن يغلظ في القول بحسب المنكر الموجود قوة وضعفا وعليه أن يطالب في إصرار بترك المنكر من شرك وغيره من المعاصي المحرمة ، ولو أدى ذلك إلى مقاطعة فاعله وهجرانه فقد كان السلف الصالح إذا رأى أحدهم أخاه يأتي منكرا أنكره عليه فإن أصر عليه هجره حتى يتركه . وإن كان هناك فارق بيننا وبينهم ، وهو أن المقاطعة اليوم لا تنفع لأنها لا تكون كاملة بحيث تؤثر على الأخ المقاطع ولذا فترك الهجران مع بقاء دعوة الأخ ومراوضته على فعل ما ترك من الواجب ، أو ترك ما ارتكب من الحرام أجدى وأنفع [الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإحجاف (1/71) ] .

 

6- قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: الهجر إذا كان فيه مصلحة بالنسبة للفاسق: فاهجره، وإلا لا تهجره، لو مررت بشخصٍ يشرب الدخان - والدخان معصية وحرام، والإصرار عليه ينزل صاحبه من مرتبة العدالة إلى مرتبة الفسوق -: سلِّم عليه إذا رأيت أن هجره لا يفيد، سلِّم عليه ربما إذا سلمتَ عليه ووقفت معه وحدثته بأن هذا حرام، وأنه لا يليق بك: ربما يمتثل ويطفئ السيجارة ولا يعود، لكن لو أنك لم تسلِّم عليه، كبر ذلك في نفسه وكرهك وكره ما تأتي به من نصيحة، حتى لو أصر على المعصية سلِّم عليه وانصحه.[ لقاءات الباب المفتوح (165 : السؤال رقم 8) ] . 

 

7- قال ابن عبد البر التمهيد: واختلفوا في المتهاجرين يسلم أحدهما على صاحبه أيخرجه ذلك من الهجرة أم لا فروى ابن وهب عن مالك أنه قال إذا سلم عليه فقد قطع الهجرة وكأنه والله أعلم أخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم وخيرهما الذي يبدأ بالسلام أو من قول من قال يجزىء من الصرم السلام وقال أبو بكر الأثرم قلت لأحمد بن حنبل إذا سلم عليه هل يجزيه ذلك من كلامه إياه فقال ينظر في ذلك إلى ما كان عليه قبل أن يهجره فإن كان قد علم منه مكالمته والإقبال عليه فلا يخرجه من الهجرة إلا سلام ليس معه إعراض ولا إدبار وقد روي هذا المعنى عن مالك قيل لمالك الرجل يهجر أخاه ثم يبدوا له فيسلم عليه من غير أن يكلمه فقال إن لم يكن مؤذيا له لم يخرج من الشحناء حتى يكلمه ويسقط ما كان من هجرانه إياه ... انتهى [أحكام الهجر والهجرة في الإسلام (1/5) ] . 

 

8- قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: يسن هجر من جهر بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية، قال أحمد في رواية حنبل: إذا علم أنه مقيم على معصيته لم يأثم إن هو جفاه، حتى يرجع، وإلا كيف يتبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير منكراً ولا جفوة من صديق؟. انتهى. وقَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: يُسَنُّ هَجْرُ مَنْ جَهَرَ بِالْمَعَاصِي الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ والاعتقادية , وَقِيلَ: يَجِبُ إنْ ارْتَدَعَ بِهِ وَإِلَّا كَانَ مُسْتَحَبًّا. وَقِيلَ: يَجِبُ هَجْرُهُ مُطْلَقًا إلَّا مِنْ السَّلَامِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَقِيلَ تَرْكُ السَّلَامِ عَلَى مَنْ جَهَرَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى يَتُوبَ فَرْضُ كِفَايَةٍ , وَيُكْرَهُ لِبَقِيَّةِ النَّاسِ تَرْكُهُ ... انتهى. وقال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: وكل من أظهر الكبائر فإنه تسوغ عقوبته بالهجر وغيره ممن في هجره مصلحة له راجحة، فتحصل المصالح الشرعية في ذلك بحسب الإمكان. انتهى. وقال- رحمه الله - في موضع آخر: ومَن عُرف منه التظاهر بترك الواجبات، أو فعل المحرمات: فانه يستحق أن يُهجر، ولا يسلَّم عليه تعزيراً له على ذلك حتى يتوب. (مجموع الفتاوى) [انظر[أحكام الهجر والهجرة في الإسلام (1/8) ]

التحليلات

الإحالات

1- المفصل في شرح آية الولاء والبراء جمع وإعداد : علي بن نايف الشحود الباحث في القرآن والسنة (1/104) .

2- الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية المؤلف : محماس بن عبد الله بن محمد الجلعود (2/17) .

3- النور الأسنى فى شرح أسماء الله الحُسْنَى كتبه: أمين بن الحسن الأنصاري (1/175) .

4- الولاء والبراء المؤلف : محمد بن سعيد القحطاني تقديم فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي (1/267) .

5- تحفة الإخوان بما جاء في الموالاة والمعاداة والحب والبغض والهجران للشيخ حمود التويجري (1/34) .

6- فوائد من شرح كتاب التوحيد تأليف :عبد العزيز بن محمد السدحان الناشر : دار المسلم للنشر والتوزيع (1/29) .

7- محبة الرسول بين الاتباع والابتداع المؤلف : عبد الرءوف محمد عثمان الطبعة : الأولى الناشر : رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد إدارة الطبع والترجمة – الرياض تاريخ النشر : 1414هـ (1/170) .

8- مختصر كتاب الاعتصام المؤلف : علوي بن عبد القادر السَّقَّاف الناشر : دار الهجرة للنشر والتوزيع الطبعة : الأولى، 1418 هـ - 1997 م (1/53) .

9- الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإحجاف المؤلف : أبو بكر جابر الجزائري الطبعة : الأولى الناشر : الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد (1/71) .

10- أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المؤلف : جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري الناشر : مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية الطبعة : الخامسة، 1424هـ/2003م (1/474) .

11- التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور المؤلف : محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ) الناشر : مؤسسة التاريخ العربي، بيروت – لبنان الطبعة : الأولى، 1420هـ/2000م (16/49) .

12- تفسير القرآن العظيم المؤلف : أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي [ 700 -774 هـ ] المحقق : سامي بن محمد سلامة الناشر : دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة : الثانية 1420هـ - 1999 م (2/294) .

13- جامع البيان في تأويل القرآن المؤلف : محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري، [ 224 - 310 هـ ] المحقق : أحمد محمد شاكر الناشر : مؤسسة الرسالة الطبعة : الأولى ، 1420 هـ - 2000 م (8/304) .

14- الجامع الصحيح المؤلف : محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله (المتوفى : 256هـ) حسب ترقيم فتح الباري الناشر : دار الشعب – القاهرة الطبعة : الأولى ، 1407 – 1987 - باب ما يجوز من الهجران لمن عصى (8/26) .

15- الأحكام الشرعية الكبرى المؤلف : أبو محمد عبد الحق الإشبيلي (510هـ - 581هـ) المحقق : أبو عبد الله حسين بن عكاشة الناشر : مكتبة الرشد - السعودية / الرياض الطبعة : الأولى ، 1422هـ - 2001م (3/183) .

16- جامع الأصول في أحاديث الرسول المؤلف : مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (المتوفى : 606هـ) تحقيق : عبد القادر الأرنؤوط - التتمة تحقيق بشير عيون الناشر : مكتبة الحلواني - مطبعة الملاح - مكتبة دار البيان الطبعة : الأولى (6/487) .

17- هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقا المؤلف: أبو أسامة، محمود محمد الخزندار (المتوفى: 1422هـ) الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية الطبعة: الثانية، 1417 هـ - 1997 م (1/133) .

18- سلامة الصدر، وخطر الحقد, والحسد, والتباغض, والشحناء, والهجر، والقطيعة - مفهوم، وأسباب، وآداب، وأحكام، وعلاج في ضوء الكتاب والسنة المؤلف: د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني الناشر: مطبعة سفير، الرياض توزيع: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض (1/6) .

19- رياض الصالحين المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ) تعليق وتحقيق: الدكتور ماهر ياسين الفحل رئيس قسم الحديث - كلية العلوم الإسلامية - جامعة الأنبار (وقد جعل تحقيقه للكتاب مجانا فجزاه الله خيرا) الناشر: دار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق – بيروت الطبعة: الأولى، 1428 هـ - 2007 م (1/447) .

20- أحكام الهجر والهجرة في الإسلام المؤلف: أبو فيصل البدراني (1/4) .